37/07/05
تحمیل
الموضوع:- شرائط جريان الاصول العملية.
هناك جملة من الآيات وردت فيها ـــ قبل الروايات ـــ نفس العنوان ونفس القاعدة نفسها.
منها:- قوله تعالى ﴿لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ﴾[1] . وهذه الآية دالة على حرمة الاضرار ، يعني رعاية الطفل لا تستوجب ان تضار الوالدة باعتبار ان مورد نزول الآية انهم كانوا لا يقاربون ازواجهم حتى لا ينقطع الحليب وهذا يدل على استحقاق المرأة للعشرة ، أي في مقابل حق اخر لا يهضم حق آخر ، وهذا مورد تطبيقي من الشرع لمعنى الضرر وموارد الضرر ولكن يمكن للباحث ان يستفيد عدة جهات منها.
ومنها:- قوله تعالى ﴿وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ﴾[2] ، والامساك هو ابقاء الزوجة ، فتارة هذا الزوج لا يبقيها لأجل العشرة بل لأجل الايذاء لا يوفيها حقوقها وهذا لا يسوغ لان الزوجة صحيح ملكت امرها للزوج ولكن لا بمعنى انه يتمادى او يطغي ويتفرعن ، وهذه الآية تبين موارد تطبيق الضرر وحدوده وما شابه ذلك ، ومقرر فيها بشكل واضح ممنوعية الضرر تكليفا.
ومنها:- قوله تعالى ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[3] ، وهذه الآية بنفس التركيب وردت في سورتين والفقهاء في آيات الاحكام بحثوها بحث مفصل ، واضطر من نفس المادة ، وهذه الآية الكريمة استدل بها المعصومون (عليهم السلام) على مسوغية الاضطرار ولكن هذه المسوغية مقيدة بقيدين وهما غير باغ ولا عاد ، وقلنا من اعظم القواعد الثانوية هي قاعدة لا ضرر فاذا قيدت هذه القاعدة فهذا له اثر سياتي في بعض تنبيهات هذه القاعدة ، وهي مقيدة بانه يجب ان يكون الوقوع بالضرر المسوغ الرافع ان يكون لا بسوء الاختيار ولا يقصد منه التعدي على الغير ، هذه الآية الكريمة عين لا ضرر ولا ضرار ، وهذان القيدان ناموس هذه القاعدة وناموس القواعد الثانوية ومعروف في فتاوى الفقهاء ومنصوص انه لو اضطر انسان للميتة بشرط ان لا يكون بسوء اختياره وبشرط ان لا يكون في ركب سلطان جائر او لا يكون سفره سفر معصية اذا اراد ان ياكل من الميتة ياكل اربع لقم لا اكثر.
ومنها:- قوله تعالى ﴿وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾[4] ، فلا تضاروهن وتحبسوهن لكي تخالعك وكثيرا ممن يخالع في الحقيقة يأخذ سحت من الازواج لأنه هو الذي يوقع الضرر على الزوجة.
ومنها:- قوله تعالى ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾[5] ، اذن الضرر رافع للحرمة.
ومنها:- قوله تعالى ﴿لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[6] ، اذن لا يستوي القاعدون مع المجاهدين لانهم بامكانهم ان يجاهدوا غير اولي الضرر فهؤلاء معذورين اذا كانت نواياهم مع نوايا المجاهدين والعاملين فهم يستوون مع المجاهدين ، فالضرر رافع للوجوب.
ومنها:- قوله تعالى ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾[7] ، أي ان نفوذ الوصية مقيد بعدم الضرر مع ان الوصية نفوذها وضعي ، فان قاعدة السلطنة وان الناس مسلطون على اموالهم مقيدة بعدم الاضرار ، فان الولي مكلف ومسؤول برعاية من الزم برعايته حيا وميتا ، فهذا حال الفرد فكيف الحال برسول الله (صلى الله عليه واله) يترك امته بلا راعي وهو مسؤول عن رعاية الدين الى يوم القيامة ، وهذا معنى ان المعصوم (عليه السلام) حركاته وسكناته كما قيل لا تخضع للمصالح المقطعية الزمانية بل يلاحظ فيها تموجات فعله وسيرته وسنته الى يوم القيامة ، فهو ليس مسؤول عن هذا الجيل بل عن كل الاجيال لان الله نصبه اماما وقدوة للكل.
ومنها:- قوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾[8] ، فانها تدل على حرمة الاضرار بالمؤمنين ، وهذه الآية يستفاد منها جملة من الاحكام في الفقه السياسي وفقه الاحزاب ، وهذا يدل على ان قاعدة لا ضرر تتدخل في الفقه الاجتماعي والسياسي والقضائي وليست خاصة بالفقه الفردي بل ميزانية قاعدة لا ضرر في الفقه المجتمعي والفقه السياسي اعظم من الفقه الفردي واخطر وهذه الآية الكريمة شاهد على ذلك.