33/11/02
تحمیل
(بحث يوم الأربعاء 2 ذو القعدة 1433 هـ 167)
الموضوع : الكلام في المسألة الثالثة والأربعين / ذكر استدلال صاحب الجواهر واستدلال المحقق على لزوم إجبار الممتنع والردّ عليهما / الشروع في المسألتين الرابعة والأربعين والخامسة والأربعين / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
كان الكلام في المسألة الثالثة والأربعين حول القسمة وقد تبيّن أنها تجري في الأعيان المتساوية الأجزاء كما تجري في الأعيان غير المتساوية الأجزاء وتقدّم الكلام حول القسم الأول وذكرنا أن للشريك أن يطالب بقسمة العين وأنه إذا امتنع أُجبر عليها وقضية الإجبار مسلّمة فقهياً والظاهر أن عمدة الأدلة عليه هي السيرة العقلائية القطعية في هذه الحالة
[1]
بحيث لا يلزم من إيقاع القسمة إلحاق الضرر بباقي الشركاء فحينئذ يُجبر الشريك الممتنع عن القسمة حتى يؤدّي الحقّ إلى صاحبه الذي من حقّه أن يأخذ حصته باقتسام المال .
ولقد حاول بعضهم كالشيخ صاحب الجواهر (قده) الاستدلال على الإجبار في حالة الامتناع في هذه الصورة بقاعدة وجوب إيصال الحقّ إلى مستحقه مع عدم الضرر من الإيصال ذاكراً أنه بالإمكان إجبار الطرف الآخر على قبول القسمة إما من قبل الشريك المطالب نفسه إن أمكنه ذلك أو من قبل الحاكم إن لم يمكنه .
ولكن هذا الكلام لا يخلو من مصادرة لأن ما يستحقه الشريك المطالب بالقسمة إنما هو الحصة المشاعة من المال وهذا لا يعني بوجه الالتزام بوجوب إيصال هذه الحصة مزالاً عنها الإشاعة لأن هذه الحصة مجردة عن الإشاعة والاشتراك مما لا يستحقّه الشريك المطالب حتى يقال إن إيصاله إليه يتوقف على القسمة فيُجبر الطرف الممتنع عليها لوجوب إيصال الحق إلى مستحقه بل ما يستحقه إنما هو الحصة المشاعة لا الحصة المُفْرَزة فالاستدلال بهذا الدليل على إجبار الممتنع ليس واضحاً .
كما حاول بعض آخر كالمحقق في الشرايع الاستدلال على ذلك بأن الإنسان له ولاية الانتفاع بماله ولا ريب أن الانفراد
[2]
أكمل نفعاً له فلذا لا بد من استجابة الشريك للقسمة في حالة طلبها من قبل شريكه وليس له أن يمتنع عنها وإذا امتنع أُجبر عليها .
ولكن هذا الذي ذكره ليس واضحاً أيضاً وذلك من جهة أن الإنسان وإن كان له الولاية على الانتفاع بماله ولكن هذا المقدار لا يُبرّر إجبار الشريك على القبول بالقسمة .. مضافاً إلى أن المقصود بالمال هاهنا كما مرّ في مناقشة الاستدلال السابق هو الحصة المشاعة ومن الممكن الانتفاع بها وهي كذلك
[3]
بالصلح أو الهبة أو البيع أو الإجارة فلا يصح القول بأن زوال الإشاعة عمّا يملكه الشخص أنفع له ليكون ذريعة إلى إجبار شريكه على القسمة فهذا الوجه كسابقه لا ينهض بإثبات المطلوب .
فالنتيجة أن العمدة في الاستدلال على إجبار الممتنع على القسمة منحصرة في السيرة المذكورة .
هذا في ما إذا كانت الأجزاء متساوية ، وأما إذا كانت غير متساوية وافتُرض أن القسمة فيها إلحاق ضرر بالطرف الآخر فيُمكن أن يُناقش في وجود سيرة عقلائية تُجيز إجبار الممتنع عن القسمة كما سيأتي .
ثم قال (قده) في المسألة الرابعة والأربعين :
" تتصور القسمة في الأعيان المشتركة غير المتساوية الأجزاء على صور : (الأولى) أن يتضرر الكلّ بها ، (الثانية) أن يتضرر البعض دون بعض (الثالثة) أن لا يتضرر الكل ، فعلى الأولى لا تجوز القسمة بالإجبار وتجوز بالتراضي ، وعلى الثانية فإن رضي المتضرر بالقسمة فهو وإلا فلا يجوز اجباره عليها ، وعلى الثالثة يجوز اجبار الممتنع عليها " .
استدل السيد الماتن (قده) على الصورتين الأولى والثانية بقاعدة نفي الضرر ويمكن أن يُلاحظ على هذا الاستدلال بملاحظتين :
الأولى : أنه لا حاجة إلى التمسّك بهذه القاعدة لإثبات عدم جواز الإجبار فإنه يكفي لذلك الأدلة العامة الدالة على عدم حلية مال المرء إلا بطيب نفسه وأن مال المسلم كدمه وعرضه مصون محترم لا يجوز أخذه بالإكراه كما أنه ليس لدينا سيرة عقلائية منعقدة على جواز الإجبار في هذه الصورة
[4]
فإن التصرف بإجبار الشخص على القسمة لإزالة الشيوع عن الحصة وفضّ الاشتراك عنها بلحاظ الأدلة والقواعد الأولية غير جائز ما لم يدل دليل خاص على جوازه شرعاً وليس هاهنا دليل خاص على ذلك فإذاً في الأدلة العامة الدالة على عدم جواز الإجبار على القسمة غنى وكفاية فإنه لا ريب أن القسمة تستبطن التصرف في مال الغير من دون رضاه لفرض كونه ممتنعاً عنها ومثل هذا التصرف غير جائز شرعاً ، نعم .. قام الدليل - وهو السيرة العقلائية - على جواز الإجبار في صورة واحدة وهي ما إذا لم يترتب ضرر على القسمة وأما في غير هذه الصورة فالمرجع هو الأدلة العامة الدالة على عدم جواز الإجبار .
الثانية : إن من المعلوم أن قاعدة نفي الضرر حاكمة دائماً على الأدلة الأخرى ومورد جريانها إنما هو في ما إذا كان هناك دليل يُثبت الحكم بشكل مطلق
[5]
ويلزم منه الضرر فيرتفع مثل هذا الحكم بهذه القاعدة لأن لسانها هو رفع الحكم الضرري ولذا فإن الحكومة في واقعها هي تقييد وتخصيص للدليل كما في نفي تشريع وجوب الوضوء في مورد الضرر منه ومن هنا تكون هذه القاعدة حاكمة على دليل وجوب الوضوء وبالتالي يختص وجوبه في غير موارد لزوم الضرر ولأجل أن يُطبّق هذا الأمر في ما نحن فيه فلا بد من افتراض وجود دليل يدل على جواز الإجبار على القسمة مطلقاً وهو مفقود في محلّ الكلام بل تقدّم أن القواعد الأولية تدل على عدم جواز الإجبار فتكون مطابقة بالنتيجة لقاعدة نفي الضرر وأما السيرة المزبورة فقد ذكرنا أنها مختصة بصورة عدم وجود الضرر .
قوله (قده) : (وعلى الثانية
[6]
فإن رضي المتضرر بالقسمة فهو وإلا فلا يجوز اجباره عليها) هذه الصورة تشترك مع الصورة الأولى في استدلال السيد الماتن (قده) عليهما بقاعدة نفي الضرر وقد تقدّم ما لوحظ عليه .
قوله (قده) : (وعلى الثالثة
[7]
يجوز اجبار الممتنع عليها) والدليل على جواز اجبار الممتنع على القسمة في هذه الصورة هو السيرة التي مرّ ذكرها .
ثم قال (قده) في المسألة الخامسة والأربعين :
" إذا طلب أحد الشريكين القسمة لزمت إجابته سواء أكانت القسمة إفراز أم كانت قسمة تعديل ، والأول كما إذا كانت العين المشتركة متساوية الأجزاء من حيث القيمة كالحبوب والأدهان والنقود وما شاكل ذلك ، والثاني كما إذا كانت العين المشتركة غير متساوية الأجزاء من جهة القيمة : كالثياب والدور والدكاكين والبساتين والحيوانات وما شاكلها ، ففي مثل ذلك لا بد أولاً من تعديل السهام من حيث القيمة كأن كان ثوبٌ يسوى ديناراً وثوبان يسوى كل واحد نصف دينار فيجعل الأول سهماً والآخران سهماً ثم تقسّم بين الشريكين ، وأما إذا لم يمكن القسمة إلا بالردّ كما إذا كان المال المشترك بينهما سيارتين تسوى إحداهما ألف دينار مثلاً والأخرى ألفاً وخمسمائة دينار ففي مثل ذلك لا يمكن التقسيم إلا بالردّ بأن يرد من يأخذ الأغلى منهما إلى الآخر مائتين وخمسين ديناراً فإن تراضيا بذلك فهو وإلا بأن طلب كل منهما الأغلى منهما مثلاً عُيّنت حصة كل منهما بالقرعة " .
قوله (قده) : (إذا طلب أحد الشريكين القسمة لزمت إجابته) وذلك تطبيقاً لما تقدّم من أنه إن لم يُجبه إلى طلبه يُجبر عليه وذلك في صورة عدم ترتب الضرر من القسمة .
وللكلام تكملة ستأتي إن شاء الله تعالى .
[1] أي حالة ما إذا كانت الأجزاء متساوية .
[2] أي فرز الحصة عن غيرها من الحصص .
[3] أي مشاعة .
[4] أي في صورة ترتب الضرر من القسمة على الشركاء .
[5] أي سواء كان وجوباً أو جوازاً .
[6] أي صورة تضرر البعض دون البعض .
[7] أي صورة عدم تضرر الكل .