38/03/04
تحمیل
الموضوع: تنبيهات مسألة اجتماع الأمر والنهي.
ويرد عليه:-
أوّلاً:- إنَّ علة الحرام إنما تكون حراماً كما قرأنا في مقدمة الواجب - فيما إذا فرض أنها كانت علة تامّة لا ما إذا كانت جزء العلّة؛ إذ لو كانت جزء للعلّة فترك الحرام لا يتوقف على تركها ، فحتى إذا لم تترك وفعلت فمادمنا قد افترضناها جزءاً لا يلزم من ذلك تحقّق المحرّم وإنما يلزم تحقّق المحرّم إذا كانت علّة تامة ، من قبيل شراء السكين لقتل بريء فإنَّ قتل البريء يتوقف على قتل السكين وحدّها وتقديمها ويتوقّف على أن الذي بيده السكّين يجعل السكين على رقبة الآخر وتوجد مقدّمة أخرى لو تحققت فقد تحقّق الحرام وهي تحريك يده فيتحقق حينئذٍ القتل ، فالذي يلزم من تحقّقه تحقق الحرام ويعدُّ علّة تامة لتحقّق الحرام هو تحريك اليد فيكون هذا حراماً ، أما شراء السكين لا يلزم من تحقّقه تحقّق الحرام وحدّ السكين لا يلزم من تحقّقه تحقّق الحرام.
لذلك في مقدّمات الحرام يفرّق بين المقدمات التي تحقّقها لا يلازم تحقق الحرام فلا تكون محرّمة ، وبين التي يلزم من تحققها تحقّق الحرام فهذ تكون محرّمة ، وهذا بخلافه في مقدّمات الواجب - وهذه فائدة جانبية ومن باب الكلام يجر الكلام - فإنه إذا بنينا على أنَّ مقدّمة الواجب واجبة فكلّها واجبة لأنَّ وجود الشيء يتوقف على تحقّق جميع مقدّماته ، فإذا فرض أنه وجب قتل الشخص لقصاصٍ أو غير ذلك فمقدّمةً لقتله يجب تحضير السكّين وحدّها وغير ذلك فكلّها تصير واجبة؛ إذ وجود القتل يتوقّف عليها جميعاً ، أما ترك القتل لا يتقف على تركها جميعاً بل يتوقّف على ترك المقدّمة الأخيرة ، فلذلك تلك المقدّمة الأخيرة التي يلزم من تحققها تحقق الحرام تصير محرّمة ، أما في مقدّمات الواجب فحيث إنه يتوقف وجود الشيء على فعل جميع المقدّمات فتصير جميع المقدّمات واجبة ، وهذه نكتة فارقة بين مقدّمات الواجب ومقدّمات الحرام ، ففي مقدّمات الواجب حيث إنَّ المطلوب هو وجود الشيء ووجود الشيء فرع وجود جميع مقدّماته فكل المقدّمات تصير واجبة بناءً على وجوب ومقدّمة الواجب ، أما في الحرام فحيث إنَّ المطلوب هو الترك والترك يتوقّف على ترك المقدّمة الأخيرة دون كلّ واحدةٍ فخصوص الأخيرة التي لا تنفكّ عن تحقق الحرام هي التي تصير محرّمة - التي هي علّة تامة - ، هذه قضيّة واضحة عرفناها في مبحث مقدّمة الواجب ومقدّمة الحرام.
وبناءً على هذا المطلب نأتي إلى مقامنا ونقول:- إنَّ الشخص إذن أراد أن يركع هل الركوع علة تامة لتحرّك المغصوب أو جزء العلّة ، فإن كان علّة تامة فيصير حينئذٍ محرّم ، وبالتالي هذا الذي ذكرناه سوف يصير مثالاً صحيحاً لاجتماع الأمر والنهي ، أما إذا كان جزء علّة فلا يصير حراماً ، لأنَّ جزء علّة الحرام ليست محرّماً فلا يصير هذا المثال مثالاً صحيحاً لاجتماع الأمر والنهي ، وهل المناسب هو أنَّ الركوع أو السجود علّة تامة لتحقّق الحرام - لتحقق الغصب - أو ليس علّة تامة - أي جزء العلّة - ؟
من الواضح أنه بادئ ذي بدءٍ قد يقال إنه علّة تامة لأنه بمجرد الركوع فسوف تصير هناك حركة للثوب المغصوب.
ولكن يمكن أن يقال:- كلا هو ليس علّة تامة بل هو علّة ناقصة فهو جزء العلة والجزء الثاني هو عدم نزع الثوب قبيل الركوع ، فالركوع بإضافة عدم نزعه قبيل الركوع يكون هذا المجموع هو العلّة التامة ، فإذن كلّ واحدٍ هو جزء علّةٍ لا أنَّ الركوع وحده علّة تامة حتى يلزم من حرمة تحرّك المغصوب حرمة الركوع ، فعلى هذا الأساس الركوع وهكذا السجود والتشهد وغير ذلك ليس علّة تامة لتحرّك المغصوب ، وإنما هو جزء علّة والجزء الثاني هو عدم نزع الثوب قبيل الركوع فإذن لا يلزم أن يصير حراماً ، لأنَّ الحرام كما قلنا في مقدّمة الحرام هو ما كان علّة تامة لتحقّق الحرام دون ما كان ليس علّة تامة ، والركوع ليس علّة تامة وإنما هو جزء علّة . ولا يخفى لطفه.
ثانياً:- سلّمنا على أنَّ الركوع علّة تامة لتحرك المغصوب لكن نقول إنَّ المحرّم في بأس اللباس المغصوب هو نفس اللبس ، يعني أنا الآن آخذ عباءة الغير وألبسها وأضعها على متني فهذا هو الحرام ، أما أني بعد ذلك أحرّك متني أو أنحني أو أرفع يدي فهل هذه حرّمات أخرى متعدّدة ؟ كلا ، بل نفس لبس العباءة هو يعدّ تصرّفاً غصبياً ، أما بعد اللبس بقاءك لابساً لها أيضًا يعدّ أنك مستمر على فعل الحرام ولذلك يجب نزعها فوراً أما أنَّ رفع اليد أو وضعها هي محرّمات أخرى فلا ، فإنَّ دليل حرمة الغصب لا يشملها أو منصرف عنها والعقلاء والعرف لا يرون في مثل هذه تصرفاتٍ غصبيّة ، وإنما التصرّف الغصبي هو بأصل اللبس بحدوثه وببقائه أما التصرّفات الأخرى فلا تعدّ تصرفات غصبية زائدة على أصل اللبس والبقاء ، وبناءً على هذا لا يلزم حينئذٍ من الركوع أن يكون علّة لتحقق المحرّم ، بل أقصى ما يلزم أنه سوف يصير انحناءً والانحناء ليس محرّماً آخر بلحاظ هذا اللباس المغصوب.
إذن اتضح من خلال هذا كلّه أنه في المورد الثاني لا يتحقق اجتماع أمر ونهي لا بلحاظ ساتر العورة ولا بلحاظ مطلق اللباس المغصوب عند الركوع أو السجود ، فاجتماع أمرٍ ونهيٍ لا يلزم ، فإذن لا مشكلة من هذه الناحية.
ولكني أستدك ونقول:- إنه ربما نحكم بالبطلان إذا قلنا بأنَّ نفس لبس العباءة المغصوبة سواء ركعت أو سجدت بها وتريد أن تتقرّب بالصلاة التي معها هذه العباءة فمثل هذه الصلاة لا تكون مقرِّبة إلى المولى ، فأنت تريد أن تتقرّب بالصلاة وقد أتيت بالصلاة مع هذه العباءة المغصوبة وهذا من قبيل أن يأتيني ضيف وأريد أن احترمه فأقدّم له قدحاً فيه عصير الفاكهة ولكنه موضوع في إناءٍ غير نظيف فهل يحصل تقرّبٌ هنا ؟! فموردنا من هذا القبيل ، فنفس الصلاة ليس في أجزائها اجتماع أمر ونهي ولكن مادمت أنت لابساً للعباءة المغصوبة أو في الأجواء المغصوبة فسوف يكون مبغوضاً للمولى، فإنه ربما يقال إنَّ الاتيان بالشيء المحبوب في المكان المبغوض لا يكون مقرّباً ، وفي اللباس المبغوض أيضاً لا يكون مقرّباً ،فأنت تأتي إليَّ في مناسبة زواجٍ مثلاً أو غير ذلك لكنك قد لبست لباساً مبغوضاً لي فهذا لا يعدُّ تقرّباً إليَّ ،بل لعلّي إذا رأيتك أعرضت بوجهي عنك مثلاً .
فإذا سلّمنا بهذه القضية فسوف يثبت البطلان ويثبت اشتراط عدم ارتداء المغصوب لا من باب مسألة اجتماع أمر ونهي وإنما من باب أنه لا يمكن التقرّب بالشيء في المكان المغصوب أو في اللباس المغصوب بقطع النظر عن مسألة اجتماع الأمر والنهي ، وهذه قضية جانبية ، ويوجد مجال أن تقبل بذلك أو لا فإنَّ القضية قابلة للنظر والتأمّل.
المورد الثالث لاجتماع الأمر والنهي:- الوضوء بالماء المغصوب.
كما لو فرض أنه يوجد عندي ماء في ابريق والماء مغصوبٌ فأتوضأ به ، ففي مثل هذه الحالة هل يلزم اجتماع أمرٍ ونهيٍ في مثل هذه الحالة ؟
الجواب:- نعم يمكن أن يقال إنه يلزم اجتماع الامر والنهي . وهذا المثال لا بأس به ، فإنَّ صبّ الماء أو جريانه هو بنفسه وضوءً فيكون واجباً ، وهو بنفسه يكون تصرّفاً غصبياً فيكون محرّماً ، فيلزم من ذلك اجتماع الأمر والنهي ، وبناءً على الامتناع لا يمكن اجتماعهما معاً وتحقّقهما معاً فيحصل تعارض بين الدليلين بين دليل لا تغصب وبين دليل ودليل توضأ بالماء ، وأيهما المقدّم بعد التعارض ؟ المناسب تقديم دليل لا تغصب لأنَّ النهي فيه شمولي بينما الأمر بالوضوء بدلي ، ومتى ما اجتمع الحكم الشمولي مع البدلي وكان بينهما تعارض فالعرف يقدّم الشمولي على البدلي ، والنكتة واضحة لأنَّ البدلي يمكن امتثاله بفردٍ آخر بينما الشمولي المطلوب هي الشمولية فلا يمكن تحقّقه بفردٍ آخر.
ومن الواضح أنّ نكتة أنَّ النهي شمولي لأنَّ ( لا تغصب ) المطلوب فيه هو جميع الغصب بأيّ شكلٍ وبأيّ فردٍ بالماء وباللبس وغير ذلك فكلّ هذا منهيٌّ عنه ، بينما الأمر بالوضوء هو أمر بدلي فـ ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجهكم ..... ﴾[1] يعني بالماء وليس فيها ( كلّ ماء ) بل ماءً واحداً ، فحينئذٍ يكون الأمر بالوضوء بالماء بدلي وأما ذاك فشمولي فيقدّم الشمولي على البدلي.
وألفت النظر إلى قضيّة جانبية:- وهي أنه ألا يوجد دليل يقول توضأ بالماء المباح غير المغصوب ؟
ولجواب:- كلا ، لا يوجد دليل ، فإنه لو كان عندنا لكفانا المؤنة ، فنحن لا يوجد عندنا نهي عن الغصب لا في باب الصلاة فإنه لا توجد رواية في هذا الخصوص تقول ( لا تصلِّ في المغصوب ) ، وهكذا لا يوجد عندنا أمر بالوضوء بالماء المباح دون المغصوب ، وإنما هذا مطلق وذاك مطلق ، يعني دليل توضأ بالماء مطلق ودليل لا تغصب مطلقٌ فيلزم حينئذٍ عند الوضوء الماء المغصوب اجتماع أمر ونهي ، أما إذا كان هو مقيّد من الأوّل فهو ضيّقٌ من الأوّل فلا اجتماع أمر ونهي ، فأصلاً اجتماع أمرٍ ونهيٍ يكون دائماًً بالنسبة إلى التكليفين المطلقين ، أما إذا لم يكونا مطلقين فلا اجتماع ، ولتكن هذه قضية واضحة في ذهنك.