38/03/06
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
38/03/06
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – الدليل العقلي
كان كلامنا فيما ذكره بعض المحققين(قده) من أن العلم الإجمالي المتوسط تجميع لعدة علوم إجمالية صغيرة وقلنا إنه مجرد افتراض لا واقع موضوعي له في الخارج لأن سائر الأمارات لا تكون كفوءً للروايات لا في الكم ولا في الكيف.
أما في الكم: فإن الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة أو روايات الثقة موجودة في جميع أبواب الفقه من البداية إلى النهاية بمقدار يشبع حاجة المجتهد في عملية الاستنباط في حل مشاكل الناس من المشاكل الاجتماعية والفردية والمادية والمعنوية والعائلية والمالية في كل عصر، وأما الإجماعات المنقولة فهي ليست كذلك؛ أما الإجماعات المنقولة التي لها مدرك من الروايات فوجودها كعدمها أي لا أثر لها لأنها داخلة في الروايات باعتبار أن مدركها الروايات، وأما الإجماعات التعبدية فهي قليلة جدا ولا نعلم بمطابقة بعضها للواقع، وكذلك الحال في الشهرات الفتوائية فإن الشهرات الفتوائية الموافقة للروايات ويكون مدركها الروايات لا أثر لها ووجودها كالعدم حيث أن الروايات تشمل تلك الروايات التي تكون مدركا للشهرة وأما الشهرات التعبدية فهي قليلة جدا ولا نعلم بمطابقة بعضها للواقع.
وعليه كيف يتصور هنا علوم إجمالية متعددة بتعدد الأمارات إذ ليس هنا إلا علم إجمالي واحد وهو العلم الإجمالي بصدور مجموعة كبيرة من الروايات عن الأئمة الأطهار(ع) من الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة أو روايات الثقات.
ومن هنا لا مانع من انحلال العلم الإجمالي الوسط بالعلم الإجمالي الصغير لأن العلم الإجمالي المتوسط علم واحد غاية الأمر أطرافه مطلق الأمارات أعم من الروايات والشهرات الفتوائية والإجماعات المنقولة وغيرها وأما العلم الإجمالي الصغير فأطرافه خصوص الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة أو روايات الثقات فينحل العلم الإجمالي المتوسط بالعلم الإجمالي الصغير لأن المعلوم بالإجمال بالعلم الإجمالي الصغير لا يكون أقل من المعلوم بالإجمال في العلم الإجمالي المتوسط وهو ينطبق عليه، فإذا انطبق عليه فينحل العلم الإجمالي الوسط بالعلم الإجمالي الصغير.
هذا بحسب الكم.
وأما بحسب الكيف فإن الروايات من الأمارات الحسية وأما الشهرات الفتوائية والإجماعات المنقولة فهما من الأمارات الحدسية لأنهما أخبار عن الحدس وليس أخبار عن حس بينما الروايات أخبار حسية إما مباشرة أو بواسطة الحس.
وعلى هذا فإذا فرضنا أن العلم الإجمالي الوجداني الكبير غير موجود والعلم الإجمالي الوسط غير موجود وكذلك العلم الإجمالي الوجداني الصغير غير موجود بمعنى أنا لا نعلم بصدور مجموعة من الروايات عن الأئمة الأطهار(ع) فعندئذ لا بد من الرجوع إلى أدلة حجية الروايات من الكتاب والسنة والإجماع والسيرة، ومن الواضح أن هذه الأدلة مختصة بالأمارات الحسية حيث أن الأمارات الحسية أقرب إلى الواقع لأن الخطأ في الحس قليل بينما الخطأ في الحدس كثير، فالأدلة من الكتاب والسنة والإجماع مختصة بالأمارات الحسية التي تنطبق على الروايات، فإن الروايات من الأمارات الحسية أو قريبة من الحس ولا تشمل الأمارات الحدسية كالإجماعات المنقولة والشهرات الفتوائية لأنها غير مشمولة لأدلة الحجية من الكتاب والسنة والإجماع والسيرة.
فإذاً لا دليل على حجية الإجماعات المنقولة والشهرات الفتوائية.
ومن هنا إذا لم نعلم بمطابقة بعض هذه الإجماعات أو الشهرات للواقع وجدانا فلا يمكن لنا إثبات حجيتها بأدلة الحجية إذ قد عرفت أن أدلة الحجية لا تشمل الأمارات الحدسية.
وعلى هذا فهل يمكن انحلال العلم الإجمالي الكبير بالعلم الإجمالي المتوسط؟ فإن العلم الإجمالي الكبير علم وجداني، وأما العلم الإجمالي الوسط فهو علم تعبدي وليس وجدانيا. وكذلك العلم الإجمالي الصغير فهو تعبدي أيضا؟
والظاهر أنه لا مانع من انحلال العلم الإجمالي الكبير بالعلم الإجمالي الوسط فإن الانحلال تارة يكون حقيقيا وأخرى يكون تعبديا أي يكون الانحلال بحكم الشارع، ولا مانع من انحلال العلم الإجمالي الكبير الوجداني بالعلم الإجمالي الوسط التعبدي كما أنه لا مانع من انحلال العلم الإجمالي الوسط التعبدي بالعلم الإجمالي الصغير التعبدي وهذا الانحلال انحلال حكمي أي الشارع حكم بالانحلال.
فالنتيجة أن الانحلال يحصل على كلا التقديرين في العلم الإجمالي الوسط فسواء كان علما إجماليا وجدانيا أو كان علما إجماليا تعبديا يحصل الانحلال به للعلم الإجمالي الكبير، ونفس الأمر يجري في العلم الإجمالي الصغير أيضا فإن به يحصل انحلال العلم الإجمالي الوسط سواء كان العلم الإجمالي الصغير علما إجماليا تعبديا أو وجدانيا، ولا مناص من الانحلال للعلم الإجمالي الكبير بالعلم الإجمالي الوسط والعلم الإجمالي الوسط بالعلم الإجمالي الصغير.
ومع الإغماض عن ذلك وتسليم أن سائر الأمارات تكون كفوءً للروايات كما وكيفا فأيضا لا يكون ما ذكره بعض المحققين من أن العلم الإجمالي الوسط تجميع لعدة علوم إجمالية صغيرة من العلم الإجمالي في الشهرات الفتوائية والعلم الإجمالي في الإجماعات المنقولة والعلم الإجمالي في الروايات صحيحاً، لأنه مبني على الالتزام بالتسبيب أي التسبيب الأشعري بأن تكون كل أمارة سبب لحدوث حكم ولجعل حكم وعندئذ بطبيعة الحال يتعدد الحكم بتعدد الأمارة، سواء تمثلت الأمارة بالإجماع أو بالشهرة أو بالرواية.
ولكن هذا المسلك باطل بل ذكرنا في محله أنه غير معقول.
وأما بناءً على ما هو الصحيح من أن هذه الأمارات ملحوظة بنحو الطريقية والكاشفية والمرآتية للحكم الواقعي، أي أن الحكم في الواقع واحد وهو متعلق للعلم الإجمالي والتعدد إنما في الطرق إليه.
فإذاً الأمارات بجميع أصنافها ملحوظة بنحو الطريقية والكاشفية والمرآتية وبالمعنى الحرفي إلى الحكم الواقعي والحكم الواقعي واحد ولا يتعدد بتعدد الأمارات ولا يختلف أيضا باختلافها طابقت الواقع أو لم تطابقه.
فإذاً متعلق العلم الإجمالي هو الحكم الواقعي لا الأمارات وإنما الأمارات طريق إليه.
وعلى هذا فالعلم الإجمالي الوسط علم واحد حقيقة وهو العلم بثبوت الحكم الواقعي في ضمن هذه الأمارات وليس هو مؤلفا من علوم إجمالية متعددة بل هو علم إجمالي واحد متعلق بالحكم الواقعي والحكم الواقعي لا يتعدد بتعدد الطرق إليه وأما الأمارات فجميعها ملحوظة بالمعنى الحرفي وبنحو المرآتية. وأما الواقع فهو ملحوظ بالمعنى الاسمي وله موضوعية.
فإذاً ما ذكره بعض المحققين(قده) من تألف العلم الإجمالي الوسط من علوم إجمالية متعددة صغيرة غير تام ولا يمكن المساعدة عليه.