35/04/10
تحمیل
قال السيد الخوئي ان هذا الكلام (اي الكلام المتقدم في قياس الاولوية ) لا يجري في شهر رمضان لأنه لا ينقسم الى قسمين لكي نثبت ان احد القسمين اولى بالحكم من الاخر .
وهناك جملة من الملاحظات على هذا المطلب .
الملاحظة الاولى : - ان هذا الدليل على القول بتمامه فلا يقتصر الكلام فيه على الجاهل والناسي, بل لابد من القول بالاجزاء والصحة حتى في العامد العالم , لأن الدليل الدال على الاجزاء والصحة في غير المعين يدل على الاجزاء والصحة مطلقا حتى في صورة العلم والعمد .
ومقتضى هذه الاولوية صحة الصوم في النذر المعين والقضاء المضيق حتى في صورة العلم والعمد , وهذا ما لا يلتزم به السيد الخوئي(قد) .
الملاحظة الثانية :- ان السيد الخوئي (قد) مثل بالاعتكاف في محل الكلام و يبدو ان هذا التمثيل ليس في محله (حيث قسم الاعتكاف الى معين وغير معين ) والظاهر ان الاعتكاف لا يكون غير معين وانما هو يدور بين الواجب المعين والمستحب , فاليوم الثالث من الاعتكاف يكون واجبا معينا وما عداه يكون مستحبا .
الملاحظة الثالثة :- قد يقال ان القضاء والاداء مشمولان بهذه القاعدة , بأعتبار ان القضاء والاداء حقيقة واحدة , والاختلاف بينهما من حيث الوقت , فأن وقع الصوم في الوقت سمي اداء , وان وقع خارج الوقت سمي قضاء , ولذا في بعض الروايات وتعبيرات الفقهاء يقولون ( يقضي صيام شهر رمضان )
وعلى هذا قد يدعى ان صوم شهر رمضان ينقسم الى قسمين الاداء وهو معين , والقضاء وهو غير معين , واذا اردنا ان نطبق فكرة الاولوية فأن دل دليل على ان قضاء شهر رمضان ثبتت فيه الصحة والاجزاء والاكتفاء بتجديد النية , فلابد من الالتزام بهذا الكلام في شهر رمضان بالاولوية , لأن قضاء شهر رمضان موسع ويتمكن المكلف من الامتثال له في فرد اخر ,بينما شهر رمضان لا يمكن امتثاله في فرد اخر .
واذا قلنا ان التأخير يشمل صورة العلم والعمد , فلازم ذلك القول بجواز تأخير النية في شهر رمضان عمدا , وهذا لا يلتزم به حتما .
ويبدو من هذه الملاحظات مضافا الى عدم الوضوح في ملاك الحكم لا يحصل لنا الجزم بهذه الاولوية , فهي ليست اولوية قطعية بحيث يمكن تعدية الحكم الى الواجب المعين بمجرد وجود دليل في الواجب غير المعين .
ومن هنا يظهر ان اثبات التفصيل المنسوب الى المشهور بهذه الاولوية ليس واضحا .
نعم مقتضى اطلاق الروايات _المذكورة في الدليل الاول_ الالتزام بالصحة في القضاء , ونخص الكلام في القضاء لورود الروايات فيه ونقول ان مقتضى اطلاق الروايات هو عدم الفرق بين ان يكون القضاء موسعا او مضيقا , كما ان مقتضى الاطلاق هو الحكم بالصحة مطلقا في صورة النسيان والجهل والعلم والعمد .
ولكن هذا خلاف المشهور , فهو يلتزم بالتفصيل بين صورة العلم والعمد وصورة الجهل والنسيان , ويظهر من المحقق الهمداني توجيه هذا التفصيل ومضمونه :- اننا نسلم بوجود الاطلاق في النصوص وانها شاملة للنذر المعين والقضاء المضيق , لعدم وجود ما يوجب الاختصاص بالصوم الموسع و النذر غير المعين , بل حتى لو سلمنا اختصاصها بالقضاء الموسع , يمكن التعدي الى القضاء المضيق بالاولوية .
لكن لا نسلم اطلاق هذه الروايات للواجب المعين اذا تنجز التكليف به من الليل , وكأنه يريد القول ان المتصور في الواجب المضيق حالتين الاولى : ان الامر بالصوم تنجز على المكلف من الليل , ويتنجز عليه كذلك لأنه عالما عامدا , والحالة الثانية : ان يكون معذورا في ترك الصوم من حين طلوع الفجر كما اذا كان ناسيا او كان جاهلا , فالادلة الدالة على الصحة الشاملة بأطلاقها للواجب المعين فأنها تدل على ذلك عندما يكون المكلف معذورا في تركه للصوم ولا تشمل صورة كونه غير معذور كما لو كان عالما عامدا , فالادلة منصرفة عن حالة عدم وجود المعذورية في ترك الصوم من طلوع الفجر .
وبهذا نصل الى نفس التفصيل الذي ذكره المشهور .
لكن استفادة هذا التوجيه من النصوص غير واضحة خصوصا موثقة عمار الساباطي عن ابي عبدالله عليه السلام (عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان ويريد أن يقضيها متى يريد أن ينوي الصيام ؟ قال : هو بالخيار إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم، وإن كان نوى الافطار فليفطر)[1]
فالسؤال صريح عن وقت لزوم النية في باب قضاء الصوم , كما ان السائل يسأل قبل ان يصوم وقبل دخول الفجر , بخلاف الروايات السابقة التي تفترض ان الرجل اصبح ولم ينوي الصوم , والرواية مطلقة بلحاظ المضيق والموسع وبلحاظ النسيان والجهل والعمد والعلم ايضا ..
فالرواية واضحة في شمولها لصورة العلم والعمد , وحملها على صورة المعذورية كما قال المحقق الهمداني (قد) و انصرافها عن صورتي العلم والعمد غير واضح .
ونفس الكلام يجري في روايتي عبدالرحمن بن الحجاج المتقدمتين .
ومن هنا نقف امام احد حلين اما ان نؤمن بالمطلقات ونلتزم بمضمونها على الاقل في القضاء المضيق , ونقول ان القضاء مطلقا يمتد وقته الى الزوال من دون فرق بين صورة العلم والعمد وصورة النسيان والجهل .
واما ان نشكك بالاطلاق كما ذهب اليه بعض المحققين حيث يقول نشكك بهذا الاطلاق لأن المشهور لا يقول به في صورة العلم والعمد وذهاب المشهور الى ذلك انما لعدم فهمه الاطلاق من هذه الروايات , لا انه فهم الاطلاق وخصصه بدليل اخر , وعدم فهم المشهور للأطلاق يخلق لنا حالة شبهية بأعراض المشهور , وهذا الاعراض يوجب التوقف على الاقل عن هذا الحكم .
وهذا الامر ايضا ليس واضحا لعدم العلم بسبب التفصيل الذي ذهب اليه المشهور , هل هو عدم فهم الاطلاق , ام متبنيات قبلية توجد لديه والتزم بها .
وعليه فكلام المشهور قد يوقفنا عن الفتوى لكنه لا يصلح ان يكون دليلا يستند اليه في محل الكلام .
ومن هنا يظهر انه لا محيص من الالتزام بأطلاق هذه الرويات لتشمل القضاء المضيق , اما النذر فلا توجد رواية مطلقة لتشمل النذر المعين
.