38/04/17
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
38/04/17
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: مسألة ( 28 ) الاجارة على الواجبات المكاسب المحرمة.
ثم إنَّ هذا الجواب الذي ذكره الشيح الأعظم(قده) لحلّ المشكلة الأولى حاول أن ينتفع به في حلّ المشكلة الثانية وهي أنَّ الأجير هل يتقرّب بأمر المنوب عنه وهو لا معنى له أو بأمره هو وهو لو كان موجوداً يفرّغ ذمته دون ذمّة المستأجر فقال ما حاصله: إنَّ الأجير بعدما نزّل نفسه منزلة المستأجر صار كأنه المنوب عنه ، ومادام صار كأنه المنوب عنه بالتنزيل وبعد أن صار هو هو فالأمر المتوجه إلى المنوب عنه سوف يتقرّب به النائب لأنه أصبح هو المنوب عنه فيتقرّب عن المنوب عنه ، وبالتالي يكون تقرّب النائب تقرّباً للمنوب عنه وسوف يحصل المنوب عنه على الثواب وتفرغ ذمته ، وللشيخ الأعظم(قده) عبارتان عبارة في المكاسب وعبارة أخرى في رسالة القضاء عن الميت ، أما عبارته في المكاسب فهي: ( والتقرّب الذي يقصده النائب بعد جعل نفسه نائباً هو تقرّب المنوب عنه لا تقرب النائب فيجوز أن ينوب لأجل مجرّد استحقاق الأجرة عن فلان بأن ينزّل نفسه منزلته في اتيان الفعل قربة إلى الله ....... فالأجير غير متفرّد في نيابته ..... لكنه مقرّب بعد جعل نفسه نائباً عن غيره فهو متقرّب بوصف كونه بدلاً ونائباً عن الغير فالتقرّب يحصل للغير )[1] ، وأما عبارته الأخرى فهي: ( إنَّ النائب ينزل نفسه منزلة المنوب عنه وبعد التنزيل يصح التقرب له بأمر المنوب عنه ويكون المتقرب هنو المنوب عنه )[2] .
والاشكال عليه واضح إذ يقال: إنَّ هذا التنزيل أي أن النائب نزّل نفسه منزلة المنوب عنه هل أمضاه الشارع ودلت عليه رواية فيكون مقبولاً أو هو مجرّد عمل يقوم به النائب من دون امضاء شرعي ؟ فإن فرض وجود امضاء شرعي قبلنا بذلك ولكن أين هذا الامضاء الشرعي ؟! إنه ليس موجوداً ، فلا يوجد نصّ يدل على أنَّ النائب ينزّل نفسه منزلة النوب عنه ، وواضحٌ أنه لو كانت عندنا رواية في هذا المجال لا بأس بها لكن لا توجد عندنا رواية ، فحينئذٍ هذا لم يثبت كونه ممضىً شرعاً ، فيتعيّن الثاني وهو أنه مجرّد عمل يقوم به النائب اقتراحاً منه وهذا لا يسمن ولا يغني من جوع ، فهو لا ينفع شيئاً ، وإلا لصحّ لي أن أنزّل نفسي منزلتك فأصلّي عنك هذا اليوم ، أو أنزّل نفسي منزلتك فأتصرف في أموالك أو أقول أكثر من ذلك وهو أن تصير زوجتك مباحة لي ، فمجرّد التنزيل من دون أن يمضى شرعاً لا قيمة له ، وإذا كان يوجد أمرٌ فعليك أن تأتي لنا بنصٍّ شرعيٍّ ، فما ذكره الشيخ الأعظم(قده) غريب حقاً.
إن قلت: إنَّ بإمكانه أن يدافع ويقول: إني أحصّل لكم إمضاءً شرعياً ، وهو أنَّ الدال على الامضاء الشرعي هو روايات استئجار الحج وأنه يستأجر شخصاً للحج عن فلان فإنه توجد روايات متعدّدة في هذا المجال ، فنفس هذه الروايات تدل بالالتزام على حصول عملية التنزيل حتى يمكن للأجير أو للنائب أن يتقرّب حينئذٍ ، وبعد إلغاء خصوصية الحج نستكشف أنَّ هذا الامضاء ثابت في جميع موارد العبادات ، فلا مشكلة.
قلت: هذا وجيه إذا فرض أنِّ الأمر انحصر بهذا ولم يحتمل وجود شيءٍ آخر يصحّح عملية التقرّب ، فإذا انحصر بذلك فالأمر كما تقول ويصير هذا شيئاً وجيهاً ، ولكن نحتمل وجود شيءٍ آخر يصحّح عملية التقرّب وهو أنه أمرٌ استحبابي نفسي موجّه إلى كلّ مؤمنٍ بالنيابة عن المؤمنين ، فأنت مثلاً تزور أمير المؤمنين عليه السلام نيابة عن المؤمنين ، أو الصلاة نيابة عنهم في بيت الله الحرام ، وهكذا نتمكن أن نقول يوجد أمر استحبابي متوجه إلى الحي بالنيابة عن غيره من الأموات والأحياء ، وحينئذٍ يحصل التقرّب بواسطة هذا الأمر الاستحبابي النفسي ، فعلى هذا الأساس لا نحتاج إلى عملية تنزيل آنذاك ، وهذا الأمر الاستحبابي من مثبتاته الشرعية نفس صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة وهي أنَّ الرجل يصلي عن والده وأمه ويصوم عنهما فهل ينفعهما ذلك وهل يخفف عنهما ، فقال له الامام عليه السلام: نعم ، إنَّ هذا يدل على أنَّه مطلوبٌ من الحي وراجح له أن ينوب عن غيره ، وعندنا في باب الحج روايات متعدّدة في هذا المجال ، من قبيل أن يأتي الشخص بالطواف عن أقاربه كما في رواية يحيى الأزرق: ( الرجل يحج عن الرجل يصلح له أن يطوف عن أقاربه ؟ فقال: إذا قضى مناسك الحج فليصنع ما شاء )[3] ، ومن ذلك الحج عن الاخوان فإنه توجد روايات تدل على أنَّ الشخص يحج عن اخوانه فإنَّ هذا شيء حسن وتحث عليه الروايات[4] ، وأيضاً الطواف عن المعصومين عليهم السلام كما صنع موسى بن القاسم البجلي[5] فقال للإمام عليه السلام أنا طفت يوماً عن رسول الله ويوماً عن أمير المؤمنين ويوماً عن الحسن ويوماً عن الحسين ويوماً عن أمك الزهراء إلى أو أوصلها إلى الامام الصادق فقال له اليوم طفت عنك ، فقال له الامام عليه السلام: هذا جيّد افعل هذا وأَكثِر منه ، وهكذا عندنا ورايات دلت على استحباب الاتيان بطوافٍ واحدٍ عن المؤمنين[6] تقول فيه ( عن جميع المؤمنين والمؤمنات ) والامام عليه السلام قال: فإذا رجعت فأبلغ من طفت عنهم بذلك ، فالامام عليه السلام يُعلِّم هذه الطريقة ، وأيضاً يوجد عندنا روايات أخرى في ابلاغ السلام على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم[7] ، فأيّ شخصٍ يذهب إلى المدينة المنوّرة فليصل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليسلّم عليه نيابةً عن أقاربه.
وعلى أيّ حال أريد أن أقول: إنه نعرف من هذه الروايات وغيرها أنه يوجد أمر برجحان النيابة وقد جرت سيرة المتشرعة تقريباً هي على ذلك ، فهم يأتون بهذه الأفعال نيابةً ، فهم يقرأون القرآن ويزورون عن غيرهم وما شاكل ذلك.
إن قلت: إنَّ الناس عادة لا يلتفتون إلى هذا الأمر الاستحبابي النفسي والنائب في الصلاة أو الصوم أو الحج لا يلتفت إلى هذا الأمر الاستحبابي النفسي ، فبالتالي هو لا يقصده لأنَّ القصد فرع الالتفات إليه ، فهذا الاقتراح جيّد لكنه ليس عملياً لعدم الالتفات إليه ونحن نريد أن نصحّح هذه التقرّبات التي تحصل من النوّاب وهم لا يلتفتون إلى هذا الشيء ؟
قلت: هم بالتالي يأتون بالصلاة أو بالصوم أو بالحج أو ما شاكل ذلك لاعتقادهم بأنَّ هذا شيء محبوب عند الله عزّ وجلّ وفي الشرع ، فلأجل محبوبيته هم يفعلون ذلك وهذا عبارة أخرى عن الاستحباب النفسي ويكفينا هذا غايته هم لا يعبّرون بلسان الاستحباب النفسي وإنما يقصدون واقع المستحب النفسي وهم يقصدون المحبوبية الشرعية فهم يتقرّبون لأجل أنَّ هذا العمل محبوب عند الله تعالى فيحصل عندهم التقرّب ، فعلى هذا الأساس هذه المشكلة منحلّة من هذه الناحية ، وبهذا ينتهي حديثنا عن جواب السؤال الثالث.
وقبل أن ننتقل إلى جواب السؤال الرابع نشير إلى مطلبين جانبيين:
المطلب الأوّل: إنَّ النائب حينما يريد أن يأتي بالعمل ينبغي أن يلتفت إلى أنه لا يأتي بالعمل ثم يهدي ثوابه إلى المنوب عنه فإن هذه ليست نيابة يعني أذهب إلى الحج وأحج وبعد انهاء الحج اهديه إلى المنوب عنه فإن العمل هنا لا ينتسب إلى المنوب عنه إذ لم تقصد الاتيان به نيابةً عنه ، وهذه قضية ينبغي الالتفات إليها ولعلّها واضحه ولكن قد يغفل عنها.
وهناك طريقان للإتيان بالعمل عن النائب:
الطريق الأوّل: إنه من البداية يقصد النيابة والتنزيل ، فهو ينزل نفسه منزلة الغير ، ولعلّنا نفعل ذلك فنقول نأتي بهذا العمل نيابةً عن فلان ، فهذه هي عملية التنزيل ولكن ليس بلسان تنزيل نيابة بل هذا يكفي.
الطريق الثاني: إنه لا أتي بالنيابة بل أقول أتي بهذا العمل تفريغاً لذمّة فلان من دون أن أنزّل نفسي وأقصد النيابة بل ابتداءً أقصد تفريغ ذمّة فلان ، نظير من كان مشغول الذمّة بمئة دينار وأنا أدفعها تفريغاً لذمّته قاصداً بذلك تفريغ ذمّته من دون أن أنزّل نفسي منزلته ، وهذا الطريق لا بأس به أيضاً.
إذن من يكون نائباً فله طريقان ، فهو إما أن يقصد عملية التنزيل المسبقة ، أو يقصد تفريغ الذمّة وإن لم يكن منزّلاً نفسه منزلته ، وقد أشار السيد اليزدي(قده) في العروة الوثقى إلى هذه القضية وأنه ينبغي أن يقصد النائب أحد هذين الطريقين.