38/05/09
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
38/05/09
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أصالة البراءة
إلى هنا قد تبين أن ملاك حجية مثبتات الأمارات وعدم حجية مثبتات الأصول العملية ليس هو أن المجعول في باب الأمارات هو الطريقية والكاشفية والعلم التعبدي والمجعول في الأصول العملية هو الجري العملي على طبقها خارجا في ظرف الجهل والشك في الواقع بدون النظر إليه لأنه - على تقدير القول بأن المجعول في باب الأمارات هو الطريقية والعلم التعبدي – لا يكون العلم التعبدي علما حقيقة وإنما هو علم اعتبارا ولا وجود له في عالم الذهن وإنما الموجود في عالم الذهن والاعتبار هو نفس الاعتبار واما العلم فلا وجود له أصلا، ولهذا لا يكون العلم التعبدي بالملزوم مستلزما للعلم التعبدي بلازمه وهذه الملازمة إنما هي موجودة في العلم الوجداني؛ إذ العلم الوجداني بشيء يستلزم العلم الوجداني بلوازمه وملزوماته جميعا دون العلم التعبدي.
وعلى هذا لا أثر لكون المجعول في باب الأمارات هو الطريقية والعلم التعبدي فإنه لا يصلح لأن يكون ملاكا لحجية مثبتات الأمارات، ومنه تعرف ان ملاك حجية مثبتات الأمارات هو دليل الحجية في مقام الإثبات فقط لأن دليل الحجية إن دل على أن الأمارات الخاصة إذا كانت حجة في مدلولها المطابقي فهي حجة في مدلولها الالتزامي لجريان السيرة العقلائية الممضاة شرعا على حجية أخبار الثقة وظواهر الالفاظ في مداليلها الالتزامية كما هي حجة في مداليلها المطابقية فتثبت حجية مثبتات الأمارة بنفس دليل حجية الامارة.
ومن هنا ذكر سيدنا الأستاذ(قده) – رغم أنه بنى على ان المجعول في باب الأمارات هو الطريقية والعلم التعبدي – أن هذا لا يصلح لأن يكون ملاكا لحجية مثبتات الأمارات لأن العلم التعبدي ليس بعلم في الواقع ومن هنا خص حجية مثبتات الأمارات بالأمارات المتضمنة لمزية حكاية لسانها عن الواقع والإخبار عنه كأخبار الثقة وظواهر الالفاظ فإن الملازمة ثابتة في الإخبار عن شيء والإخبار عن لوازمه وهذا يعني ان دليل حجيتها يدل على أنها كما تكون حجة في مدلولها المطابقي كذلك هي حجة في مدلولها الالتزامي ومن هنا بنى[1] (قده) على أن الاستصحاب أمارة ومع ذلك لا تكون مثبتاته حجة والظن الحجة أمارة ولا تكون مثبتاته حجة كالظن في عدد الركعات في الصلاة فرغم انه حجة إلا أن مثبتاته لا تكون حجة. ومن هنا يكون حال الأمارة التي لسانها ليس لسان الحكاية عن الواقع كحال الأصول العملية.
إلى هنا قد تبين: أن هذا الرأي - مضافا إلى أنه لا يصلح لأن يكون ملاكا لحجية مثبتات الأمارات - غير صحيح.
الرأي الثاني: أن الفرق بين الأمارات والأصول العملية إنما هو في مقام الإثبات لأن عدم العلم بالواقع مأخوذ في موضوع أدلة الأصول العملية بينما لا يكون الشك مأخوذا في موضوع أدلة حجية الأمارات.
ولكن هذا الفرق لا أثر له، ولا يترتب عليه ما هو المطلوب من حجية مثبتات الأمارات وعدم حجية مثبتات الأصول العملية.
والوجه في ذلك: هو أن الشك وإن لم يأخذ في موضوع أدلة حجية الأمارات في مقام الإثبات ولكنه مأخوذ في موضوع أدلة حجية الأمارات في مقام الثبوت ولا يعقل ان تكون الأمارة حجة للعالم بالواقع لأنه من تحصيل الحاصل بل هو من أردأ أنحاء تحصيل الحاصل لأن ما هو ثابت بالوجدان لا يمكن إثباته بالتعبد للزوم اللغوية التي لا يمكن صدورها من المولى الحكيم ومن هنا تكون الأمارة حجة على الجاهل بالواقع والشاك فيه، لأن المكلف بحسب الواقع لا يخلو إما انه جاهل بالواقع وغير عالم به أو انه عالم بالواقع وحيث أنه لا يعقل جعل الحجية للعالم بالواقع فلا محالة يختص جعل حجية الأمارة للجاهل بالواقع وعدم العلم به.
وعليه يكون الشك مأخوذ في موضوع الحجية في مقام الثبوت.
ويترتب عليه: أنه لا أثر للفرق المذكور في مقام الإثبات لأنه لا فرق بين الأمارات والأصول العملية في مقام الثبوت فكما أن الشك والجهل بالواقع مأخوذ في موضوع أدلة حجية الأمارات كذلك يكون الشك والجهل بالواقع مأخوذ في موضوع أدلة الأصول العملية فلا يوجد أي فرق بين الأمارات والأصول العلمية من هذ الناحية.
قد يقال كما قيل: إن الشك مأخوذ في مورد حجية الأمارات لا في موضوعها بينما الشك مأخوذا في موضوع ادلة حجية الأصول العملية الشرعية.
ولكن هذا القيل: لا يرجع إلى معنى محصل إذ لا فرق بين المورد والموضوع لأن مورد حجية الأمارات هو الموضوع والموضوع هو المورد وليس المورد شيء والموضوع شيء آخر ذلك لأن موضوع حجية الأمارات إما الجاهل بالواقع وعدم العلم به أو موضوعها الأعم منه ومن العالم بالواقع والثاني غير معقول فلا يمكن ان يكون العالم بالواقع موضوعا لحجية أدلة الأمارات ولا يعقل جعل الحجية له لأنه لغو وتحصيل للحاصل بل هو من أردأ أنحاء تحصيل الحاصل فيتعين الأول، وهو ان موضوع ادلة حجية الأمارات هو الجاهل بالواقع وغير العالم به وهو ايضا مورد الحجية.
قد يقال كما قيل: إن الفرق - وهو أن الشك مأخوذ في لسان أدلة حجية الأصول العملية الشرعية بينما هو غير مأخوذ في لسان أدلة حجية الأمارات - له أثر وهو ان الأمارات تتقدم على الأصول العملية فطالما يمكن العمل بالأمارات والاستدلال بها فلا تصل النوبة إلى الأصول العملية الشرعية لتقدمها عليها حتى في مثل الأصل العملي الذي يكون المجعول فيه الطريقية كالاستصحاب لا بملاك أن الشك مأخوذ في لسان أدلة حجية هذه الأصول ولم يكن مأخوذا في لسان ادلة حجية الأمارات بل من ناحية ان الأمارات علم تعبدا وطريق إلى الواقع.
ولكن هذا القيل: أيضا غير صحيح، وذلك:
أولاً: أن المجعول في باب الاستصحاب ليس هو الطريقية بل هو الجري العملي على طبق الحالة السابقة في ظرف الشك فيها والجهل بها ومن هنا قلنا: إنه لا يوجد في مورد الاستصحاب ما يصلح لأن يكون طريقا فإن اليقين بالحالة السابقة قد زال ولا يقين فعلا والموجود هو الشك ببقاء الحالة السابقة والشك لا يصلح للطريقية وكاشفا عن الواقع واما أدلة حجية الاستصحاب فمفادها التعبد باليقين وليس مفادها جعل الحالة السابقة طريقا فإن الحالة السابقة إنما تصلح أن تكون طريقا إذا ثبتت الملازمة بين حدوث شيء واستمراره وحينئذ يمكن القول بأن اليقين بالحدوث مستمر استنادا إلى هذه الملازمة فتكون أمارة على البقاء، ولكن الأمر ليس كذلك لأن الشيء قد يحدث ولا يبقى وقد يحدث ويبقى بلحاظ اختلاف الأشياء في الخارج لأن البقاء بحاجة إلى علة كالحدوث لأنه أيضا وجود غاية الأمر أنه وجود ثان مسبوق بوجود آخر فهو إذاً بحاجة إلى علة مقارنة له ومن هنا يحصل الاختلاف بين الأشياء فقد يحدث ويبقى وقد يحدث ولا يبقى من جهة بقاء علته، ومن هنا قلنا: إن المجعول في باب الاستصحاب هو الجري العملي على طبق الحالة السابقة أي العمل على طبقها في ظرف الجهل والشك بالواقع ولهذا بنينا على ان الاستصحاب ليس من الأصول المحرزة بل هو من الأصول غير المحرزة ولا فرق بينه وبين أصالة البراءة والطهارة فكما أن المجعول في أصالة البراءة هو الجري العملي على طبق الحالة السابقة في ظرف الشك والجهل بالواقع كذلك في الاستصحاب.
وثانياً: أن الشك المأخوذ في لسان روايات الاستصحاب يراد به عدم اليقين الوجداني لا الأعم منه ومن عدم اليقين التعبدي لأن اليقين التعبدي ليس بيقين حقيقة بل هو مجرد اعتبار من الشارع ولا واقع موضوعي له في عالم الخارج وفي عالم النفس، ومن هنا لا يصلح اليقين التعبدي لأن يكون رافعا لموضوع الاستصحاب وجدانا ولا تعبدا، إما وجدانا فهو ظاهر وإما تعبدا فلأنه ليس بعلم حتى يكون رافعا لموضوع الاستصحاب تعبدا.
نعم لو كان المأخوذ في موضوع الاستصحاب عدم اليقين الأعم من عدم اليقين الوجداني وعدم اليقين التعبدي لكانت الأمارات رافعة لموضوع الاستصحاب وجدانا فيكون تقديمها عليها من باب الورود لا من باب الحكومة، وقد عرفت أن الأمر ليس كذلك لأن المأخوذ في موضوع الاستصحاب هو عدم اليقين الوجداني.
وبهذا يتبين عدم تمامية هذا الرأي ايضاً.