38/08/11


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- استصحاب العدم الأزلي.

وفيه ما تقدم في مبحث التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية:- من أنَّ قياس المقام على موت بعض الأفراد هو قياس مع الفارق ، فإنه في موت بعض الأفراد لم يصدر من المولى جعلاً آخر فيبقى الجعل الأوّل على حاله وعلى عموم موضوعه ، وهذا بخلافه في محلّ كلامنا فإنه صدر جعل ثانٍ من المولى ، يعني صدر جعلان الأوّل ( تتحيض المرأة إلى خمسين ) والثاني ( تتحيض القرشيّة إلى ستين ) ، وبعد صدور جعلاً ثانياً كيف يبقى موضوع الجعل الأوّل على عمومه ؟!! إنَّ هذا غير ممكن وغير متصوّر.

البيان الثاني:- ما أفاده الشيخ الأصفهاني(قده)[1] وحاصله: إنَّ وظيفة المخصّص اخراج بعض الأفراد لا عنونة موضوع العام وتضييقه بعنوان ضيّق خاص ، يعني لا يصير موضوع التحيّض إلى خمسين هو المرأة مع عدم القرشية ، يعني بالصراحة قل يبقى على عمومه ، ونصّ عبارته: ( فليس شأن المخصّص إلا اخراج بعض أفراد العام وقصر الحكم على باقي الأفراد من دون أن يجعل الباقي معنوناً بعنوان وجودي أو عدمي ) ، وقد استدل على ذلك البرهان والوجدان.

أما البرهان:- فهو إنَّ موضوع البعث الحقيقي ليس إلا ما تعلّق به البعث الانشائي فإنَّ البعث الحقيقي منتزعٌ من البعث الانشائي ، وحيث إنَّ البعث الانشائي قد تعلّق بالعام بما هو عام فيكون العام وموضوع العام هو موضوعٌ للبعث الحقيقي.

يعني يريد أن يقول:- إنَّ الحجّة ما هو فهل هو البعث الانشائي أو البعث الحقيقي ؟ نحن نريد البعث الحقيقي ونريد أن نعرف البعث الحقيقي عند الحاكم ولكن من أين نعرف البعث الحقيقي فإنه في قلب المولى ؟ إنه لا يوجد طريق لمعرفة ذلك إلا بملاحظة البعث الانشائي فإنَّ البعث الانشائي كاشفٌ بأصالة التطابق بين البعث الانشائي والبعث الحقيقي وموضوع البعث الانشائي يكشف عن موضوع البعث الحقيقي ، وحيث إنَّ البعث الانشائي متعلّق بالعام فبالبعث الحقيقي متعلّق بالعام أيضاً فيكون المدار على العام وعلى موضوع العام.

وأما الوجدان:- فهو أنَّ الوجدان قاضٍ بأنَّ وظيفة المخصّص اخراج بعض الأفراد وليست له وظيفة أخرى أعني تضييق موضوع العام ، فحينما يقول ( أكرم كل فقير ) ثم يقول بعد ذلك ( لا تكرم زيداً الفقير ) فوظيفة المخصّص هي اخراج زيد لا تضييق موضوع العام بما عدى زيد ، بل يبقى موضوع العام على ما هو عليه من السعة.

وفيه:- إنَّ كلا الوجهين قابلان للمناقشة:

أما البرهان:- فنحن نسلّم أنَّ موضوع البعث الحقيقي هو نفس ما تعلّق به البعث الانشائي فإنَّ الحكم الانشائي بموضوعه ومحموله يكشف عن البعث الحقيقي موضوعاً ومحمولاً وهذا من القضايا المسلّمة ويمكن أن يقال ذلك لأصالة التطابق ، ثم قال إنَّ البعث الانشائي قد تعلّق بالعام وموضوع العام فقط ، ونحن نقول له:- قف هنا ، فإنه في عالم الحكم الانشائي نتمكّن أن نقول قد تعلّق الحكم بموضوع العام مع ملاحظة الخاص فإنَّ الحاكي عن الحكم الانشائي هو مجموع العام والخاص وليس العام فقط وهذا من الواضحات، كلا بل صدر من المولى حكمان انشائيان الأوّل هو ( تتحيّض المرأة إلى خمسين ) والثاني ( تتحيّض القرشيّة إلى ستين ) فلابد من ملاحظة الحكمين الانشائيين ثم تتنزع موضوع الحكم الانشائي لا أنك تلاحظ موضوع الحكم العام فقط ، وإذا لاحظناهما معاً فنتمكّن أن نقول إنه ينكشف بذلك أنَّ موضوع البعث الحقيقي وموضوع الحكم الحقيقي ليس مطلق ( المرأة تتحيض إلى خمسين ) وإنما هو ( المرأة بإضافة أن لا تكون قرشية ) إذ المفروض أنه قد صدر إنشاءان من المولى.

وأما الوجدان:- فهذا عين ما أفاده الشيخ العراقي(قده) وجوابنا عين الجواب ، ونحن نقول: إن الوجدان على العكس تماماً ، فإن وظيفة الخاص وإن كانت هي اخراج بعض الأفراد ولكن بالتالي بعد فرض صدور جعل ثانٍ من المولى يقول ( القرشيّة تتحيّض إلى ستّين ) يلزم أن يكون موضوع العام قد تضيّق وإلا يلزم التهافت.

وبذلك ننهي حديثنا عن المقدّمة الأولى وقد اتضح من خلال هذا أن ما ذكره الشيخ النائيني(قده) فيها تامّاً ومقبولاً.

المهم هو المقدّمة الثانية:- ونطرح فيها ثلاثة أسئلة:-

السؤال الأوّل:- هل العدم النعتي في حدّ نفسه معقول أو لا يمكن أن يكون العدم إلا محمولياً ولا يعقل أن يكون نعتياً ؟

السؤال الثاني:- هل ما أفاده الشيخ النائيني(قده) في البرهان على كون العدم المأخوذ في موضوع العام هو العدم النعتي دون المحمولي تامٌّ أو ليس بتام ؟

السؤال الثالث:- إذا لم نجزم بأنَّ العدم المأخوذ في موضوع العام هو النعتي واحتملنا أنه المحمولي فهل الاحتمال وحده وبمجرده يمنع من جريان الاستصحاب أو أنه لابد من الجزم بكون العدم المأخوذ هو العدم النعتي فآنذاك لا يمكن جريان استصحاب العدم الأزلي ؟ فنحن نسلّم بأنَّ الجزم بكون العدم المأخوذ لو كان نعتياً يمنع ولكن هل الاحتمال يمنع أيضاً ؟