34-04-14
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
34/04/14
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة ( 373 ) / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
وقد يستدل عليه بما يلي:-
الدليل الأول:- صحيحة مسمع عن أبي ابراهيم عليه السلام:- ( رجل وقف مع الناس بجمع ثم أفاض قبل أن يفيض الناس ، قال:- إن كان جاهلاً فلا شيء عليه وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة )
[1]
، وتقريب الدلالة هي أن الإمام عليه السلام قال:- ( فإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة ) وهذا يدل على أن الوقوف الواجب لا يبتدئ من طلوع الفجر بل من الليل وإلا لكان من المناسب أن يأمره لأجل الوقوف من طلوع الفجر ما إذا كان ذلك ممكناً والحال أنه أمر بالشاة فقط ولم يقل ( عليه أن يرجع ليقف من طلوع الفجر إذا كان ذلك ممكناً ) فنفس السكوت يدلّ على أن الواجب هو من الليل ولذلك اجتزأ الإمام بذلك غايته أنه أمر بشاةٍ لأنه لم يقف الفترة بكاملها - يعني حتى طلوع الشمس - إذن هذه الرواية يمكن أن يستفاد منها أن البداية هي من الليل .
وسند الرواية ليس فيه إشكال سوى من ناحية مسمع كردين نفسه وقد ترجمه النجاشي والشيخ ولكن لم يُذكر له توثيق واضح فلم يقل النجاشي مثلاً ( هو ثقة ) وإنما قال هو سيّد المسامعة وكان الوجيه في قبيلة بكر بن وائل وما شاكل ذلك من تعابير ولذلك حكم صاحب المدارك بأنه ليس بثقة ، ولكن يمكن إثبات وثاقته من هنا وهناك والأمر سهل من هذه الناحية ، ونما المهم هو ملاحظة دلالة الرواية المذكورة.
وأشكل صاحب الحدائق(قده)
[2]
ووافقه على ذلك السيد الخوئي(قده)
[3]
:- بأن ما ذكر يتم لو فرض أن العبارة المذكورة - أعني ( وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة ) - كانت عدلاً للفقرة السابقة وليست شِقاً منها إذ لو كانت عدلاً فيقال إن العبارة السابقة ناظرة إلى الجاهل وهذه تصير ناظرة إلى العالم العامد فتتم الدلالة حيث تصير الفقرة الثانية هكذا:- ( وإن أفاض وهو عالم عامد قبل طلوع الفجر فعليه شاة ) فيثبت حينئذ ما أريد وتمت الدلالة - يعني أن العالم العامد لو أفاض قبل الفجر لا يلزمه العود -.
بيد أنه يمكن أن ندَّعي أن هذه الفقرة هي شِقّ وجزءٌ من الفقرة السابقة فإن الفقرة السابقة تعرضت إلى الجاهل إذا أفاض قبل الوقت المقرر وتريد أن تبيّن أن هذا الجاهل مرَّة يفيض قبل طلوع الشمس ولكن بعد الفجر وليس في الليل فهنا لا شيء عليه ومرَّة أفاض قبل طلوع الفجر فالرجوع ليس بواجب عليه وحجّه صحيح ولكن عليه شاة ، إنه بناءً على هذا تكون الرواية بالكامل ناظرةً إلى الجاهل وبالتالي لا تنفعنا فإن كلامنا هو في من يتعمد الإفاضة في الليل فنبحث هل يكفيه ذلك أو أن حجَّه يبطل ؟ إذن الرواية أجنبية عمّا نحن نتحدث عنه وإذا لم يكن هذا هو المقصود جزماً فلا أقل من كونه شيئاً محتملاً وبالتالي تصير الرواية مجملة فلا يمكن من خلالها إثبات أن العامد يكفيه الوقوف في جزءٍ من الليل رغم أنه أفاض قبل طلوع الفجر وبالتالي نرجع بعد فرض الإجمال إلى الاطلاقات الدالّة على أن من لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج إن هذا الاطلاق خرج منه الجاهل جزماً لو أفاض قبل طلوع الفجر وأما العامد فيشك في خروجه منه فنتمسك به.
وأضاف السيد الخوئي(قده) قائلاً:- ومما يؤيد ما ذكرناه - يعني أن الفقرة الثانية ناظرة إلى الجاهل دون العامد - صحيحة علي بن رئاب:- ( إن الصادق عليه السلام قال:- من أفاض مع الناس من عرفات فلم يلبث معهم بجمعٍ ومضى إلى منى متعمداً أو مستخفاً فعليه بدنة )
[4]
فإنها ناظرة إلى العامد المستخف الذي لم يقف بجمعٍ بل توجه رأساً من عرفات مارّاً بجمعٍ وذاهباً إلى منى فهو لم يلبث مع الحجيج حتى طلوع الفجر وهو عليه السلام حكم بأن عليه بدنة ، ووجه التأييد هو أنه في الرواية السابقة حكم بأن عليه شاة بينما هذه الرواية حكمت بأن عليه بدنة فيتعين أن يكون نظر الأولى إلى الجاهل فخفَّ أمره فوجبت عليه الشاة بخلاف هذا فإنه عالم عامد فاشتدَّ أمره فوجبت عليه البدنة فلو كانت الرواية السابقة ناظرة إلى العامد كهذه فكيف اختلفتا في الجزاء ؟! إن هذا يؤيد ورود الأولى في الجاهل دون العامد.
وفيه:- إنا لو أردنا أن نتساير مع أساليب التعبير من دون إِعمال الدّقة فإن هناك أسلوباً يعرفه الجميع من دون حاجة إلى دقة ومثله يلزم الأخذ به ومقامنا من هذا القبيل فإن المتكلم - أعني مسمع كردين في الرواية الأولى - لو كان ناظراً في كلتا الفقرتين إلى الجاهل فلا معنى لتكرار قوله ( وإن كان ) بل المناسب أن يعبر هكذا ( إن كان جاهلاً فلا شيء عليه إلا أن يكون قد أفاض قبل الفجر فعليه شاة ) فالمناسب هو التعبير بكلمة ( إلا أن يكون ) فيجعل ذلك جزءاً من الفقرة الأولى لا أن يؤتى بكلمة ( وإن كان أفاض ) فإن هذا التعبير يستعمل في موارد وجود شِقّين أحدهما عِدلٌ للآخر فإذا كان الأول ناظراً إلى الجاهل فالثاني يكون ناظراً إلى غيره إن هذا أسلوباً للمحاورة عرفاً ويعرفه الجميع فكيف نقول حينئذٍ إن الفقرة الثانية هي جزء من الفقرة الأولى وليست عِدلاً لها ؟! إن هذا يعني أن مسمع كردين - الذي هو من أهل البصرة - لا يعرف أسلوب المحاورة بشكل كامل والمفروض أن هذا الذي أقوله لا يحتاج إلى دقّة ، فعلى هذا الأساس نحن كيف نخالف الظاهر ونحمل الفقرة الثانية على الجاهل ؟! وعليه فلا نرى مانعاً من الأخذ بظاهرها كما صنع غير العلمين - أي غير صاحب الحدائق والسيد الخوئي - فانهم أخذوا بظاهرها وحكموا على طبق ذلك ، فالمناسب أن يقال إن العامد لو وقف جزءاً من الليل وأفاض عمداً قبل طلوع الفجر لم يبطل بذلك حجّه غايته أنه يلزمه شاة أما أنه آثم أو لا فهذه قضية أخرى فإذا قلنا بأن ثبوت الكفارة يدل على الإثم فيكون آثماً وإلا فلا والمهم هو أن العمل لا يبطل لو أفاض عمداً قبل طلوع الفجر ، وهذه قضية يجدر الالتفات إليها . هذا كله بالنسبة إلى الدليل الأول وقد اتضح أنه دليل تام.
[1] الوسائل ج14 ص27 ب16 من أبواب الوقوف بالمشعر ح1.
[2] الحدائق ج16 440 .
[3] المعتمد ج5 170 .
[4] الوسائل ج 14 ص48 ب26 من أبواب الوقف بالمشعر ح1.