34-07-23
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
34/07/23
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- الواجب الخامس من واجبات حج التمتع - وهو الثاني من أعمال منى في اليوم العاشر- ( الذبح أو النحر في منى ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
هذا وقد يخطر إلى الذهن الإشكال على البيان المذكور بإشكالين:-
الإشكال الأول:- إن الذبح في منى مادام قد أخذ قيداً في أصل وجوب الذبح بحيث كان المطلوب هو الذبح المقيّد بكونه في منى فلازم ذلك سقوط المقيّد من الأساس عند تعذّر القيّد - يعني أن المناسب سقوط وجوب الذبح من الأساس - لا أنه يبقى واجباً في أيّ موضعٍ شاء ، والوجه في ذلك ما ذكر - أي أن المطلوب مادام هو المقيّد فعند تعذر القيد يلزم سقوط المقيّد.
وفيه:- إن لمفروض أن القيد ليس هو الذبح في منى بشكلٍ مطلقٍ بل قيديته تختصّ بحالة القدرة فعند عدم القدرة لا يكون وجوب الذبح مقيّداً حتى يسقط بتعذّر القيد كما هو الحال بالنسبة إلى الوضوء والتيمّم بالنسبة إلى الصلاة فإنه شرطٌ بشكلٍ مطلق لا أنه شرط في حالة القدرة ولذا يكون المناسب صناعياً عند عدم التمكن من الوضوء والتيمم - أي الطهارة بكلا شكليها - سقوط أصل الصلاة لتعذّر القيد ، أما بعدما كان القيد في مقامنا قيداً في حالة القدرة فلا يلزم آنذاك سقوط وجوب المقيّد من الأساس وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً ، ولذلك سعى(قده) إلى إثبات أن القيد قيدٌ في حالة القدرة فحينئذ يبقى دليل وجوب الذبح على ما هو عليه ولا يسقط حينئذ مادام القيد قيداً في حالة القدرة فقط.
الاشكال الثاني:- إن الفكرة التي ذكرها(قده) - أعني أننا نتمسك بإطلاق دليل وجوب الذبح بعد تعذّر قيده المختص ذلك القيد بحالة القدرة - تتم فيما لو فرض تعدّد الجعل من قبل المولى بأن كان قد شرَّع جعلين ووجوبين أحدهما وجوبٌ لأصل الذبح ووجوبٌ ثانٍ أن يكون في منى فإنه في مثل هذه الحالة يمكن أن يقال إنه عند تعذر الجعل الثاني - أي تعذر امتثاله وسقوطه - يبقى الجعل الأوّل على حاله فإن ذلك لازم كونه جعلاً ووجوباً آخر أما إذا فرضنا وجود جعلٍ واحدٍ - وهو الذبح في منى - فالواجب واجبٌ واحدٌ وليس بمتعدّد ولكن هذا الجعل الواحد بُيِّن بخطابين فالخطاب الثاني متمّم لبيان الجعل الواحد لا أنه جعلٌ وواجبٌ آخر فإنه إذا فرضنا الأمر كذلك فلا معنى لهذه الطريقة بل يلزم عند تعذّر امتثال الذبح في منى سقوط أصل الوجوب لأن ذلك لازم كون الجعل واحداً.
وقد تقول:- إن هذا وجيه إذا جزمنا بوحدة الجعل وأن هذا الجعل الواحد بُيِّن بمجموع خطابين ولكن من أين لك أن الجعل حتماً هو واحد فلعله متعدّد ؟
ونجيب:- بأنه يكفينا لوجاهة هذا الاشكال الذي ذكرناه احتمال كون الجعل واحداً فما دمنا نحتمل أن الجعل واحدٌ فهذه الطريقة لا يعود لها مجال فإنها فرع ثبوت جعلين أما ما دمنا نحتمل أن الجعل واحدٌ فلا تتمّ الطريقة المذكورة وحينئذ يكون المرجع إلى البراءة مادام يتعذّر التمسك بالإطلاق - أي بإطلاق الدليل الأول - بعد فرض احتمال وحدة الجعل.
وإذا قلت:- إن الخطاب مادام متعدداً ألا يصلح ذلك على أن يكون قرينة على تعدّد الجعل فيكون مقتضى الظهور ذلك - أعني تعدّد الجعل بعد تعدد الخطاب - إلا أن تثبت وحدة الجعل بدليلٍ فوحدة الجعل هي التي تحتاج إلى دليلٍ وأما التعدّد فهو مقتضى تعدّد الخطاب ؟
أجبتُ:- إنه في أمثال هذه الموارد لا يبعد أن الوجيه ثبوتاً هو وحدة الجعل ، يعني أن المشرّع يريد شيئاً واحداً لا أنه يريد شيئين - يعني أصل الذبح بنحو الواجب الأول وأن يكون في منى بنحو الواجب الثاني - فإن هذا بعيدٌ في حدِّ نفسه - أي تعدد الجعل ثبوتاً - وإلا يلزم أن من أتى بأصل الذبح ولو لم يكن في أن يكون ممتثلاً للواجب غايته يكون عاصياً من ناحية الواجب الثاني وإلا فهو ممتثل للواجب الأوّل والحال أن المرتكز في أذهان المتشرعة هو أن ما أتى به لا شيءَ أصلاً وهذا يعني أن الجعل واحدٌ.
هذا مضافاً إلى أنه قد يستفاد من الروايات ذلك - يعني عدم الإجزاء لو ذبح في غير منى - والحال أن مقتضى تعدّد الجعل هو الإجزاء غايته يكون عاصياً حيث لم يأتِ بالواجب الثاني.
وبالجملة:- إنه قد يقال للسيد الخوئي(قده) إن طريقتك التي ذكرتها تتمّ بناءً على وجود جعلين والحال أن ذلك لا مثبت له بل لعل المثبت على خلافه.
ومن هنا تبطل هذه الطريقة التي أشار إليها الأصوليون ( وهي أنه متى ما كان لدينا دليلٌ مطلق وكان لدينا دليل آخر مقيّد وكان دليل القيد يدلّ على ثبوته في حالة معيّنة كحالة القدرة ففي ما زاد على ذلك نتمسك بإطلاق الدليل الأوّل ) فإن هذه الطريقة المذكورة في علم الأصول سوف تكون موهونة أو على الأقل تكون تامّة في حالة تعدّد الجعل ولا تتم في حالة وحدته.
وفيه:- إنه ما المانع من أن يكون الجعل جعلاً واحداً وهو عبارة عن وجوب الذبح المقيّد بكونه في منى عند القدرة فلا يوجد إذن جعلان بل يوجد جعلٌ واحدٌ مقيدٌ بالقيد المذكور غايته إن القيد ليس قيداً على نحو الاطلاق وإنما هو قيدٌ في حالة القدرة فقط ، إنه لو فرض أن الجعل كان هكذا فلا يعود حينئذ مانعٌ من هذه الطريقة وحينئذ يكون هذان الخطابان كاشفين عن كون الجعل الواحد هو بهذا الشكل - أي أن القيد قيد في حالة القدرة - وبذلك لا محذور في بقاء وجوب أصل الذبح على حاله إذ المفروض أن القيد له قيدٌ في حالة القدرة فقط أما مع عدم القدرة فلا قيد ، فالمولي يقول أنا أريد الذبح المقيّد في منى ولكن عند القدرة فقط فهذا القيد - وهو قيد ( في منى ) - قيدٌ في حالة القدرة وأما في حالة عدم القدرة فهو ليس قيداً ، وهذا شيءٌ عقلائي ممكنٌ وليس فيه محذورٌ ولا بأس بأن يُبَيِّن بخطابين وتعود هذه الطريقة شيئاً ممكناً .
إذن هذان الاشكالان مدفوعان.
والمناسب في مقام الأشكال أن يقال:-
أولاً:- إننا نسلّم أن القيد قيدٌ في حالة القدرة ، يعني أننا ندّعي أن قيديّة منى كانت قيديّة مطلقةٌ وليست مقيّدة بحالة القدرة فرغم ذلك نقول إنه لو تعذّر الذبح في منى يكفي الذبح في وادي محسِّر ولا يسقط وجوب الذبح من الأساس رغم أن قيديّة منى قيديّة مطلقة ، والوجه في ذلك هو وجود خصوصيّة لنفس وادي محسِّر فإنه ورد في بعض الروايات أن منى إذا ضاقت بالناس ارتفعوا إلى وادي محسِّر فلاحظ موثقة سماعة:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ فقال:- يرتفعون إلى وادي محسِّر ..... )
[1]
فإنها تدلّ على اتساع منى وشمولها لوادي محسِّر عندما تضيق بالناس ، ومعه يجزي الذبح في وادي محسِّر لأنه جزءٌ من منى بعدما ضاقت منى بالناس ولا يكون حينئذ إشكال من هذه الناحية حتى على تقدير التسليم بأن قيديّة منى قيديّة مطلقة.
إن قلت:- إن الرواية المذكورة تدلّ على اتساع منى حينما تضيق بالناس وهي في زماننا لم تضق بالناس وإنما السلطة ضيّقت على الناس ومنعتهم من الذبح في منى وإلا فهي لم تضِق بهم بل هي بَعدُ ذات سعة ومادام الأمر كذلك فالرواية الذكورة لا يمكن التمسك بها لإثبات سعة منى وشمولها لوادي محسِّر.
قلت:- إن هذا وإن فهمه بعض الفقهاء - يعني فهموا من ضيق الناس بمنى خصوص الضيق بما هو ضيق وجعلوا الخصوصية للضيق - ولكن من الوجيه أنه لا يبعد أن نقول إن عنوان ضيق منى قد أخذ بنحو المرآتية إلى التمكّن من أداء الأعمال المطلوبة في منى فالمدار هو على المُكنة على أداء الأعمال عدمه وليس على الضيق بعنوانه فهو لم يؤخذ بنحو الموضوعيّة وإنما أخذ بنحو المرآتية إلى عدم التمكّن من مزاولة الأعمال في منى والمفروض أنه لا يمكن مزاولة العمل في زماننا إذ منعت السلطة من ذلك فبالتالي تتسع منى أما أن نجعل الخصوصيّة لنفس الضيق فإن هذا تماشٍ مع الألفاظ والحروف قد لا يكون مقبولاً عرفاً ، والأمر إليك.
[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج13، ص535، ب11 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة، ح4، آل البيت.