1440/04/21
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
40/04/21
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مبحث الأصول العملية.
وقد أشكل السيد الشهيد(قده)[1] على الشيخ النائيني(قده) بما حاصله:- إنَّ التفرقة بين الأمارة والأصل لا يمكن أن تكون بأي شكلٍ اتفق ، إذ هما مصطلحان أصوليان ، فيقصد من الأمارة ما كان حجة في لوازمه ، ويقصد ومن الأصل ما لا يكون حجة في لوازمه ، فحينما نفسّر الأمارة لابد أن نفسّرها بشكلٍ يفي بهذا الأثر - يعني يفي بإثبات حجيتها في لوازمها - ، وهكذا الأصل حينما نفسّره ، فهم يقولون هو ليس بحجة في لوازمه ونحن لابد أن نفسّره بشكلٍ يثبت هذه الخاصية ويفسّر النكتة ، فإذاً لابد أن تفسّر الأمارة بنحو يفي بنكتة حجيتها في لوازمها ، والأصل لابد أن تفسّره بشكلٍ يفي بتوضيح عدم حجيته في لوازمه ، لا أنه تفسّرهما كيفما اتفق ، وما ذكرته لا يفي بتفسير هذه الخصوصية ، فإنك ذكرت أنَّ المجعول في باب الأمارة هو العلميّة ، ونحن نقول إنَّ هذا لا يفسّر حجيتها في لوازمها غير الشرعية ، فإنَّ العلم بالشيء إنما يلازم العلم بلوازمه فيما إذا كان علماً حقيقياً لا ما إذا كان علماً اعتبارياً ، فإن العلم الاعتباري يتحدّد بمقدار الاعتبار ، نعم العلم الحقيقي بالشيء علم حقيقي بكلّ اللوازم ، فإذا علمت حقيقيةً بوجود زيدٍ الآن فسوف أعلم بوجود كلّ اللوازم وهي من قبيل أنه يأكل ويشرب وينام وغير ذلك ، فإنَّ العلم بالشيء بالوجدان يلازم العلم بلوازمه ، أما إذا كان العلم اعتبارياً فأنا اعتبرك عالم فحينئذٍ هذا يتحدّد بمقدار الاعتبار ، ومن هنا سوف لا تثبت اللوازم ، والمفروض أنَّ الشارع في باب الأمارة جعل العلمية اعتباراً لا حقيقيةً ، فإذا كانت العلمية ثابتة اعتباراً فلا يلزم من العلم بمؤدّى الأمارة العلم باللوازم ، فإذاً تفسيرك للأمارة لا يفي بتوجيه حجيتها في لوازمها ، وهكذا تفسيرك للأصل لم يفِ بنكتة عدم حجيته في اللوازم.
وفيه:-أولاً:- إنه ذكر أنَّ الأمارة هي مصطلح أصولي يختصّ بما كان مثبتاً للوازمه بخلاف الأصل فإنه مصطلح أصولي يختصّ بما لا يفي بإثبات لوازمه ، ونحن نقول:- إنَّ هذا الفرق جانبي ، وإلا فالفرق الأصيل هو شيء آخر ، فإن الفقيه يمرّ في مرحلة الاستنباط بحالتين ، الحالة الأولى أن يوجد عنده ما يكشف عن الواقع ويحكي عنه[2] مثل الخبر أو ظواهر الكتاب الكريم فإنها تريد أن تحكي عن واقع ، وهذا يصطلح عليه بالأمارة ، أو يصطلح عليه بالدليل الاجتهادي ، والمرحلة الثانية هي الأصل ، يعني إذا لم يوجد عندك شيء يحكي عن الواقع ويثبت الواقع فيأتي دور الأصل ، لأنه بالتالي وظيفتي عملاً ماذا أصنع فهل يلزم الاتيان بالعمل أو لا ؟ ، فمثلاً كنت احتمل أنَّ الدعاء واجب عند رؤية الهلال فإذا كان هناك آية أو خبر فبها ونعمت ، أما إذا لم يوجد آية او خبر فما هي وظيفتي ؟ هنا يأتي دور الأصل ، فالأصل يشخّص وظيفة عمليّة ولا يحكي عن الواقع ، وهذا فارقٌ أصولي موجود البين الأصل والأمارة.
نعم توجد خصوصية للأصل والأمارة ، وهي أنَّ أحدهما حجة في لوازمه والآخر ليس بحجة ، لكن ذاك أمر ثانٍ ، أما حقيقة الفرق بين الأمارة والأصل هو أنه يوجد عندنا شكلان من الأدلة ، فمرة يفترض يوجد عندنا دليل يكشف عن الواقع ويحكي حكايةً قطعيةً أو ظنيةً وهذا يصطبح عليه بالدليل الاجتهادي أو الأمارة ، وتارة لا يوجد عندنا دليل يحكي فبالتالي ماذا نفعل في مقام العمل والوظيفة فيأتي الأصل ويقول لك إما أن تحتاط أو البراءة ، هذا هو الفارق بينهما ، أما أنَّ الفارق هو أنَّ الأمارة ما كان حجة في لوازمه والأصل ما لم يكن حجة في لوازمه فهو شيء آخر ، وهو لا بأس به ولكنه ليس هو الفارق الحقيقي ، بل الفارق الأساسي هو ذكرناه ، وهو ما تعلمناه من السيد الشهيد(قده) ، وقد أشار إليه الشيخ الأعظم(قده) حيث قال عند بينان الفرق بين الأمارة والأصل:- ( ثم المراد بالدليل الاجتهادي كل أمارة اعتبرها الشارع من حيث إنها تحكي عن الواقع وتكشف عنه بالقوة[3] . ويسمّى في نفس الأحكام أدلة اجتهادية وفي الموضوعات يصطلحون عليها أمارة معتبرة فما كان مما نصبه الشارع غير ناظر إلى الواقع أو كان ناظراً ولكن فرض أن الشارع اعتبره لا من هذه الحيثية بل من حيث مجرد احتمال مطابقته للواقع فليس اجتهادياً وهو من الأصول )[4] ، فإذاً عبارة الشيخ الأعظم(قده) واضحة في أنَّ التفرقة بين الأصول وبين الأمارات هي بالحكاية ، فما يحكي عن الواقع فهو أمارة أو ما يصطلح عليه بالدليل الاجتهادي ، وما لا يحكي عنه فهو الأصل.
ثانياً:- ولو تنزلنا فنقول: إنَّ نكتة الفرق التي ذكرها الشيخ النائيني(قده) تفي بالفرق ، غاية الأمر نحن لا نوافقه على ذلك ، لا أنَّه فسّر الأمارة كيفما اتفق ، بل فسّرها بنحوٍ تفي بإثبات اللوازم ، لأنه قال ( إنَّ المجعول في باب الأمارة هو العلمية ومادام المجعول هو العلمية فسوف تكون اللوازم حجة فإنَّ العلم بالشيء علم بلوازمه ) ، يعني هو ناظر إلى هذه القضية ، غاية الأمر نحن نناقشه ونقول إنَّ هذا لا يكفي لأنَّ العلم بالشيء إنما يستلزم العلم باللوازم هو العلم التكويني لا العلم الاعتباري ، ولكن هذا شيء آخر ، ولكن بالتالي هو لم يفسّر الأمارة والأصل كيفما اتفق ، بل فسّرهما بما يفي بذلك غاية الأمر نحن لا نوافقه عليه.
ثالثاً:- يمكن أن نقول: إنَّ ما ذكره الشيخ النائيني(قده) يفي حقاً في التفرقة لو اصلحناه قليلاً ، وذلك بأن نقول:- إذا سلّمنا أنَّ المجعول في باب الأمارة هو العلمية ، يعني صار الخبر حجة من ناحية أنه يكشف سبعين بالمائة عن الواقع واعتبر الشارع هذه السبعون بالمائة بمثابة مائة بالمائة ، فإنه يلزم بلحاظ المدلول الالتزامي الأمر كذلك ، فإنَّ درجة كاشفية الشيء عن مدلوله المطابقي ومدلوله الالتزامي هي بدرجة واحدة ، فإذا كان الخبر كاشفاً عن المدلول المطابقي بدرجة سبعين بالمائة فهو كاشف عن المدلول الالتزامي بنفس تلك الدرجة ، وبالتالي إذا اعتبر الشارع الحجية في المدلول المطابقي لأجل الكاشفية بدرجة سبعين بالمائة فيلزم أن يعتبر هذا الشيء حجة بلحاظ المدلول الالتزامي أيضاً ، لأجل أنَّ الكاشفية الموجودة في المدلول المطابقي بدرجة سبعين بالمائة هي موجودة بنفس الدرجة في المدلول الالتزامي ، فعلى هذا الأساس مادام المجعول في الأمارة هو الكاشفية فنفس هذا يكفي لإثبات حجية الأمارة في المدلول الالتزامي ولا نحتاج إلى التفرقة التي ذكرها السيد الشهيد(قده).
فإذاً ما ذكره الشيخ النائيني(قده) يمكن أن يقال هو كافٍ في اثبات حجية لوازم الأمارة وعدم حجية لوازم الأصل.