03-03-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/03/03
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة (407 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي (قد). [1]
الموقف أو التوجيه الخامس:- أن يقال إن الطائفة الأولى حيث إن عددها ليس بالقليل فإنها سبع روايات ودلالة الروايات واضحة على بقاء حرمة الطيب بعد الحلق وليس هناك تشكيك من هذه الناحية فهي تمثّل لأجل كثرتها ووضوح دلالتها عنوان السنّة القطعيّة ومعه يسقط ما يعارضها باعتبار أنه مخالفٌ للسنّة القطعية وما خالف السنّة القطعيّة ساقط عن الحجيّة في حدّ نفسه أو بسبب المرجّح - يعني أن الأوّل موافق للسنّة القطعيّة فيسقط الثاني عن الحجية -.
إن قلت:- إن الطائفة الأولى لست بأجمعها صحيحة السند بل بعضها صحيح السند والبعض الآخر ليس كذلك ومعه فإذا جمعنا عدد الروايات التي هي صحيحة السند لا تبلغ ولا ترتقى الى مستوى السنّة القطعيّة فماذا نصنع إذن ؟
قلت:- إنه في باب السنّة القطعيّة - أو بالأحرى في باب التواتر - لا نفتّش عن السند فإن السند الصحيح نحتاج إليه في أخبار الآحاد أما إذا فرض أن كثرة العدد ولّدت القطع كما لو فرض أنه جاءنا جماعة الآن من جنسيات وأذواق واتجاهات مختلفة والجميع أخبر عن قضيّة معيّنة وليست لهم مصلحة شخصية تجاهها بأن قالوا ( إن فلاناً سوف يأتي هذا اليوم من السفر ) إنه بهذا يتكوّن ويحصل القطع حتى إذا فرض أنهم كانوا مجاهيل . إذن نفس الكثرة تولّد القطع وبعدما ولّدت القطع فلا حاجة الى أن نفحص عن السند ، وعلى هذا الأساس نقول في مقامنا إن الطائفة الأولى حيث إنها تمثل السنّة القطعيّة فلا حاجة حينئذٍ الى صحة سند الكثير بل إن نفس الكثرة توجب القطع ولا حاجة بعد ذلك الى صحة السند لحجيّة القطع.
إن قلت:- هذا شيءٌ وجيهٌ إذا فرض أن العدد المقابل والمعارض كان روايةً واحدةً أو روايتين أما إذا كان العدد كبيراً كخمس روايات حسبما هو المفروض حيث أن الطائفة الثانية تمثل خمس روايات فعلى هذا الأساس كيف نقول إن الطائفة الثانية مخالفة للسنة القطعية وتطرح ؟
قلت:- إنك إذا سلّمت أن الطائفة الأولى التي عددها أكبر يتولّد منها القطع والسنّة القطعيّة وقبلت أنه تحصل سنّة قطعيّة فبعدما حصل قطع بالسنّة من الطائفة الأولى فالمعارض حينئذٍ يكون ساقطاً عن الاعتبار سواءً كان واحداً أو اثنين أو أكثر فإن المفروض أن السنّة القطعيّة تتكوّن وتتولّد من الطائفة الأولى وبعد تولّد عنوان السنّة القطعيّة فلا مجال للتشكيك في طرح المقابل مهما بلغ عدده.
نعم ربما يقال إن العدد إذا فرض أنه كبير كخمس روايات في الطرف المقابل مثلاً فلا يتولّد قطعٌ من الجانب الثاني - أي من السبع روايات - بسبب أن المعارض ، إنه ربما يدّعى هذا وربما تكون له وجاهةٌ أما بعد أن سلّمنا بحصول القطع فلا مجال للتوقف في سقوط المعارض وتبقى المسألة من هذه الناحية مرهونة بنفسيّة الفقيه فربما لا يحصل له قطعٌ بسبب كثرة المقابل وربما يحصل له قطعٌ رغم الكثرة الموجودة باعتبار أن الدلالة في المقابل ليست واضحة بل هي مع هنٍ وهن بخلاف دلالة الطائفة الأولى فإنها واضحة مضافاً الى أن المعارض وإن قلنا هو خمس روايات ولكن في الحقيقة أن السالم دلالة هو أربع روايات لأن الرابعة التي تنقل فعل النبي صلى الله عليه وآله عن ابن عباس قلنا هي ليس من البعيد أنها ناظرة الى حج القران لأن النبي صلى الله عليه وآله حجّ حجةً واحدةً كانت قراناً فتحذف هذه الرواية من الحساب فتبقى أربع روايات في الجانب المعارض وهي أيضاً دلالتها ليست قويّة كدلالة تلك الروايات . فإذن إن تولّد قطعٌ من الروايات السبع طبّقنا هذا المرجّح وإلا فننتقل الى الموقف السادس.
ولكن قد تسأل وتقول:- لماذا صارت السنّة القطعيّة موجبة لطرح المعارض إن هذا شيءٌ مسلّم نفسيّاً ولكن نريد التخريج الفنّي فإنه قد لا يكون واضحاً فما هو التخريج الفنّي لذلك ؟
والجواب:- يمكن أن نذكر بيانين:-
البيان الأول:- التمسك بما دلّ على أن من أحد المرجحات هو موافقة الكتاب الكريم فإنه إذا تعارضت طائفتان قُدّم ما وافق الكتاب وحينئذٍ نقول عن الموافق للكتاب إنما يقدّم من باب أن الكتاب يمثّل حكماً قطعياً وإلا فالكتاب بعنوان كونه كتاب لا خصوصيّة له وإنما كلّ الخصوصيّة هي لكونه يحكي ويبيّن حكماً قطعيّاً فالمدار على الحكم القطعي ومعه يقال إن السنّة القطعيّة حيث أنها تحكي عن حكمٍ قطعيّ فعلى هذا الأساس يكون حكمها حكم الكتاب الكريم.
البيان الثاني:- لو تنزّلنا وفرضنا أنه لا توجد مرجحيّة الكتاب الكريم أو قلنا إن التعدّي بهذا البيان باطلٌ بل نحتمل الخصوصيّة للكتاب فمع ذلك يمكن أن نقول إنه مادمنا قد فرضنا أن الطائفة الأولى هي سنّة قطعيّة ومعنى أنها قطعيّة يعني أنه عندنا قطعٌ بمضمونها ومادام يوجد عندنا قطعٌ بالمضمون فيتعيّن أن يكون الثاني باطلاً بل نقطع ببطلانه فإن ذلك هو لازم كون الأوّل قطعيّ المطابقة للواقع فإن الطائفة الأولى إذا كانت قطعيّة - أي قطعيّة المطابقة للواقع - وتمثّل حكماً قطعياً فإن الثاني سوف نقطع ببطلانه وإلا فلا يجتمع القطع بصحة والأوّل وصدوره ومضمونه ومطابقته للواقع ومع ذلك لا يحصل لنا قطع ببطلان الثاني إن هذا خلف قطعيّة الأوّل ، وعلى هذا الأساس لا نحتاج الى البيان الأوّل بل يكفينا هذا البيان.
الموقف أو التوجيه السادس:- إن سلّمنا بما ذكرناه في الوجه الخامس من أن الطائفة الأولى يتكون منها عنوان السنّة القطعيّة فبها ونعمت وأما إذا حصل التردّد وعدم الوضوح من هذه الناحية فلنا أن نسلك هذا الوجه الذي يؤدي الى نفس النتيجة وحاصله أن يقال:- إن التعارض سوف يصير مستقراً ولا مرجّح في البين لأن عنوان التقيّة الذي - ذكرناه في الوجه الرابع - رفضناه وعنوان السنّة القطعيّة تأملنا فيه فحينئذٍ تصير المعارضة مستقرةٌ بلا مرجّح وآنذاك يلزم التساقط ومعه إما أن نرجع الى اطلاق ما دلّ على حرمة الطيب إن فرضنا تحقّقه وإذا لم نفترض تحقّقه فيمكن الاستعانة بالبديل أعني استصحاب الحرمة السابقة فإن الطيب كان سابقاً محرّماً - أي قبل الحلق أو التقصير -وبعد ذلك نشك هل يصير حلالاً أو لا فنستصحب بقاء الحرمة ، وإنما ردّدنا أو ترددنا في وجود الاطلاق باعتبار أن الروايات الدالة على حرمة الطيب قد أُخذ فيها قيد الاحرام - يعني أن المحرِم يحرُم عليه ولا يجوز له الطيب - إما بنحوٍ صريحٍ أو بنحوٍ مضمر لأن حرمة الطيب بالتالي هي مختصّة بحالة الاحرام حتى إذا لم يذكر القيد المذكور - فالمقصود هو أنه يحرم عليه مادام محرماً - ومعه يقال إن الشخص المذكور إذا حلق أو قصّر هل هو باقٍ على الاحرام أو لا ؟ ربما يقال هو ليس بباقٍ على الاحرام أو يقال هو نصف أو ربع محرمٍ باعتبار أن النساء بَعدُ محرّمة في حقه ومثله هل تشمله الروايات المحرّمة للطيب فإنها كما قلنا هي ناظرة الى المحرِم أما الذي أحلّ أو بقي نصف إحرامه إن صح التعبير فهل الروايات شاملة له أو لا ؟ إنه ليس من الواضح شمولها له ، ومثال على ذلك للروايات :
صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: « لا تمسّ شيئاً من الطيب ولا من الدهن في إحرامك واتّق الطيب في طعامك وأمسك على أنفك من الرائحة الطيبة ولا تمسك عليه من الرائحة المنتنة فإنه لا ينبغي للمحرم أن يتلذّذ بريحٍ طيبةٍ »[2]
إنها كما ترى أخذت قيد المحرِم بل حتى لو لم تأخذه قلنا هو مقدّر جزماً . إذن اطلاق مثل هذه الرواية بعد فرض تحقّق الحلق هل يصح التمسك به أو لا ؟ إنه ليس من الأمور الواضحة ولأجل هذا ردّدنا بين التمسك بالاطلاق إن فرض أنه متحقّق أو التمسك بالاستصحاب . نعم مثل السيد الخوئي(قده) حيث إنه يرفض مثل هذا الاستصحاب فإنه استصحاب حكميّ لأننا نشك في الحكم الشرعي الكلّي يعني أن الطيب هل حرمته - التي هي حرمة كليّة في الشريعة الاسلامية - مستمرّة الى ما بعد الحلق أو تنقطع ؟ إنّا شك في بقاء الحكم الكليّ وهو لا يقول بجريانه لمعارضة استصحاب بقاء المجعول - أي لبقاء الحكم الفعلي - بأصالة عدم الجعل الزائد - أي أصالة عدم التشريع بلحاظ الفترة المشكوكة - إنه حيث يذهب الى هذا فيتعين عليه أن يأخذ بالاطلاق ويتمسّك به فإن الباب الثاني عنده - وهو الاستصحاب - منسدٌّ ، ولكن يردّ عليه الاشكال الذي ذكرناه وهو أن التمسك بالاطلاق ليس من الأمور الواضحة بعدما كان قيد الاحرام قد أُخِذ تصريحاً أو ضمناً ويشكّ في صدق عنوان الاحرام في حقّ الشخص المذكور بعدما حلق أو قصّر.
والنتيجة النهائية من كل هذا:- إن حرمة الطيب باقية بعد الحلق أو التقصير - أي موافقة لمضمون الطائفة الأولى - والوجه في ذلك هو إما لكون الطائفة الأولى تمثّل عنوان السنّة القطعيّة أو لأجل أنه بعد استقرار التعارض وعدم المرجّح نقول بالتساقط والرجوع إلى اطلاق ما دلّ على حرمة الطيب إن كان موجوداً وإلا فنتمسك باستصحاب بقاء الحرمة.
هذا كلّه بلحاظ الرأي الأوّل