1440/07/18
تحمیل
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول
40/07/18
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: باب التعارض و التعادل و التراجیح
مر بنا أنه قالب و إطار الحجیة في باب الحجج هي في الحقیقة المنظومیة و المجموعیة و لیست مستقلة مبطورة عن بعضها البعض بل هي في الحقیقة إجمالا کلها مجموعة بإرتباط معینٍ و معیةٍ معینةٍ و هندسةِ معیةٍ معینةٍ.
إذا کانت الحجیة منظومیة، فماذا معنی الدلیل علی کل حلقةحلقة من هذه المنظومة؟
قد یقول قائل: إذا کانت مجموعیة و منظومیة فلماذا تأتي الأدلة حول حلقةحلقة من هذه المنظومة للحجیة أو جزءجزء من هذه المنظومة؟ ما دامت الحجیة شيء مجموعي فلماذا ترد الأدلة حول کل جزءجزء أو کل حلقةحلقة؟ فلیکن ضابطة عامة لتراکم الظنون أو تراکم الإحتمالات أو ما شابه ذلک. بعبارة أخری أن الأدلة لماذا ترد حول کل حلقةحلقة؟ مثلا قضیة الصدور و الطریق و قضیة جهة الصدور و قضیة الظهور و المضمون و قضیة صحة الکتاب.
الجواب:أولا: هذه الهیکلیة المعیة هي في الحقیقة لیست في الظنون فقط بل حتی في القطع و الیقین، حتی في نظام البراهین، في الیقینیات لامعنی و لامصرح لوجود برهان یقیني مستقل و مبطور عن بقیة البراهین و الأدلة، لاأقل من أن منظومة النتیجة في الیقین مرتبط مع نتائج أخری. فهذا الحال المنظومي نجده حتی في باب الیقینیات و العقلیات والبراهین و کذلک بقیة العلوم بالدقة. هذا لیس کالنقض بل إنما توسعة للمطلب و الحل.
ثانیا: حینئذ نبسط التفسیر الحلي لهذا المطلب من أن تراکم الأجزاء أو الإحتمالات لایعني أن التراکم و الإنضمام عشوائي بل المفروض فیه أن یکون معیاریا و مقیاسیا.
من باب المثال، الصلوة أولها التکبیر و آخرها التسلیم و ثلثها کذا و کذا، لابد من أن یبین الأجزاء و قوالب الماهیة، في تراکم الإحتمالات أیضاً کذلک و مر أن الحجج في معیتها مع بعضها البعض تتبع أشکالا مختلفة و لیست شکلا واحداً.
بعد بیان هذه الضابطة نفسرها طبقا للأمثلة:المثال الأول: مثلاً في الإطمئنان، حجیة الإطمئنان -سواء أن یکون حجیته مطلقة أو علی تفصیل- أیا ما کان، حجیة الإطمئنان تراکم المناشئ، هذا التراکم في المناشی لیس عشوائیا، مثلا یمکن أن یحصل واحد الإطمئنان من طیران الغراب لکن العقلاء لایتبنّون الحجیة لهذه الإطمئنان أو الجزم.
نظیر ما ذکروه الاصولیون في قطع القطاع أو القطع في العقائد الناتج من إستبداد المقدّمات العقلیة، -یعني فقط من المقدمات العقلیة- الشیخ الأنصاري یقول: إن الأکثر و الکثیر من علماء الإمامیة یقولون: بأن استبداد العقل الناقص و القاصر البشري في العقائد و المعارف من دون إرشاد الوحي، إذا أدّی به نتائج باطلة، لایعذر فیها بل هي موجبة للخلود في النار. -لاحظوها في تنبیهات القطع في مبحث القطع الناشئ من المقدمات العقلیة-.
صحیح أن العقل البدیهي حجة، لکن العقل النظري إذا یتمادی في الإستبداد و الإنفراد من دون هدایة الوحي، إذا أدّی به ألی الإنحراف العقائدي، لیس فقط غیر معذور بل موجب للخلود في الهلاک. هذا التعبیر من الشیخ الأنصاري و ینقله من الکبار.
کلامنا في هذا الخصوص و هذا المطلب و هو حتی في القطع، الأعلام دققوا في منشأ القطع و منشأ الجزم، هل هو صحیح أو غیر صحیح و الإطمئنان أیضا هکذا، نفس الکلام في تراکم الحجج لابدّ من منشأ ینضبط و إلا یمکن أن یکون عشوائیا.
المثال الثاني في التواتر و المستفیض: من حیث العدد ما هي الضابطة في التواتر و کیفاً ما هي الضابطة؟ إذا ازداد الکم ولو یقلّ الکیف، مثل الأخبار الضعیفة و إذا ازداد الکیف لو یقل العدد، ما فيه مانع. مثل روایات الکتب الصحاح و إن کانت الطرق ضعیفة أو کان الطرق صحیحة، هذه طرق متابعدة جدا عن بعضها البعض و لیست من مدینة واحدة و یعبرون عنه العامل الکیفی فما یحتاج حینئذ للعامل الکمی. المقصود في بحث التواتر أیضا بحثوا من معیاریة ومقیاس المنشأ و أیضاً في المستفیض. في علم الدرایة أو في علم الأصول کتب الأصول المفصلة و المبسوطة القدیمة هذه البحوث موجودة فیها و الأسف الان أعزب عن هذه البحوث.
فالمقصود أن الأمر التراکمي و إن کان تراکمیا و مجموعیا، لکنه یضبط.
المثال الثالث في باب الرجال و علم الرجال: أحد الغفلات الکبیرة التي تسجل مؤاخذةً من إشکالات السید الخوئي علی کل المشهور یعني علی کل من کان قبله، لأن السید الخوئي في علم الرجال لایوافق النجاشي و لایوافق الغضائري و لایوافق حتی السید أحمد بن طاوس و تفرد بمبان من حیث البحث الرجالي الصغروي أو من حیث کبرویات الرجال أو کبرویات الأصول التي طبقها في علم الرجال.
هو في بدایة مقدمة علم الرجال في المعجم یقول: هذه المباني التي تبناها مخالفة للمشهور شهرة عظیمة حتی في الأصول قضیة الشهرة و الجابرة والکاسرة أو أن الخبر الموثوق، هو یعترف أن هذا خلاف المشهور، من کان قبله تماما في المباني الأصولیة. فلیس مبنی السید الخوئي هو أصولی و مباني المشهور قبله هو الأخباری، بل هذا المبنی إتفاقا أقرب إلی الأخباریة مبنی السید الخوئي. أما کیف؟ شرحناه مرارا و نشرحها في مناسباتها. المهم هو خلاف مشهور الأصولیین و الرجالیین و الإختلاف بینهما مأة و عشرین درجة إختلاف المباني الکلیة الرجالیة للسید الخوئي مع المباني الرجالیة للسید بن الطاوس.
المثال الثالث: في الرجال و هي مواخذة مسجلة علی السید الخوئي یعني غفلة عن حقیقة مرامیة للمشهور في الرجال و في الأصول. ما هي هذه الغفلة؟ السید الخوئي یقول: کم من مورد کثیر الروایة لکن ضعیف؟ -قرائن إعتمدها المشهور في التوثیق- کم من مورد روی عنه أصحاب الإجماع و هو ضعیف؟ -مع أن فیه غفلة صغرویة للسید الخوئي ذکرناها في الجزء الثالث من الرجال بغض النظر عن هذا المطلب- قال: کم من مورد شیخ الإجازة و مطعون علیه؟ کم من مورد صاحب أصل من الأصول الأربعمأة و مطعون علیه؟ و یقول: التلازم الواقعي لیس موجودا بین هذه الضوابط التي ذکروها المشهور قبله للوثاقة، ما فيه تلازم عقلي، للنقوض الکثیرة فیه.
هذا محصل إشکال السید الخوئي في المباني الرجالیة للأصولیین أو اکثر الأصولیین من قبله.
أما الجواب فأولا؛ -لانرید أن ندخل فیه لکن کالمثال- الأمارات الظنیة، مَن قال فیه تلازم واقعیة؟ من قال أن الأمارات الظنیة المعتبرة لها التلازم الواقعي و التکویني؟ لاأحد یشرح الأمارات الظنیة بهذا التفسیر. هذا التفسیر عجیب من السید الخوئي. هذا الخبر الواحد حجة، الخبر الواحد و الصحیح حجة، هل مفاد الخبر ماة بالماة مطابق للواقع؟ لا، قد یصیر الإشتباه یعني الکذب الخبری و إن لم یکن کذبا فاعلیا و مخبریا، إشتبه للراوي أو الناسخ أو الکاتب.
الظهور حجة لکن قد یکون الظهور لایصیب للواقع، لکلمة سقطت أو کلمة زیدت و النُسَخ تشویش فیه. الأمارات قد تخطئ و قد تصیب . لیس احد فسر الأمارات بأن فیها التلازم التکوینی. کیف السید الخوئي فسر هذه القرائن للتوثیق في علم الرجال؟ هذا أول الکلام. هذا إشکال علی مبنی السید الخوئي.
ثانیا: إشکال آخر یرتبط بالمحل الذي نحن فیه و هو أن هذه القرائن في حین أنها قرائن جعلها المشهور، مراد المشهور لیس بأن شیخوخة الإجازة بمفردها أمارة أو کونه صاحب کتاب أو أصل معروف أمارة بمفردها أو کونه یروي عنه الکبار و أصحاب الإجماع أمارة مستقلة و لا غیرها مما ذکره المشهور، لیس المراد هذا، بل المراد أن هذه حلقات مجموعیة و هي کل حلقة قرینة و فیه جانب کمي و کیفي .
تارة شیخوخة الإجازة مطمطمة مثلما إذا کان الأستاذ الأول في علم الروایة، هذا کیفا صعدت فوق. أو کونها صاحب کتاب لا کتاب روایی عادي بل کتاب أوَّلَ علیه کل إجیال الطائفة. لاحظ کیف یصاعد؟ کونه ممن روی عنه الأکابر لا الواحد بل روی عنه ستة، عشرة أو خمسة عشر من أصحاب الإجماع و روی عنه بکثرة و نفس هذه القرائن التي ذکرها المشهور هي ذات درجات و لیس ذات درجة واحدة کما و کیفا.
یمکن أن یجتمع خمسة من القرائن في فرد واحد و في فرد ثلاث أو اثنین فإذاً المشهور إذا یلاحظون هذا التراکم في جانب التوثیق فیلاحظونها في الجانب الکمي و الکیفي، إذاً نظریة التراکم في الکم و الکیف أمر ریاضیة مثل التواتر و أنه لیس صدفة تکوینیة من منشأ التواتر حتی یحدث التواتر، بل هي عملیة معادلة ریاضیة تکوینیة و هذه موجودة في موارد عدیدة.
اذا اتضح هذا المطلب إجمالا فماذا معنی أن المشهور یبحثون عن شیخوخة الإجازة أو کثرة الروایة أو صاحب الکتاب؟ یوضحون کل حلقة من الحلقات و کل جزء من الأجزاء في التوثیق، لمعیار و ضابطة لارُکاماً عشوائیاً بل لها معیار في جانب کیفي و لها معیار کمي.
فالمقصود هذه الحلقات و کل جزءجزء، في الحقیقة لها معیار کمي و کیفي و إتفاقا هذا من دقة المشهور، یعني في حین أنهم یرون التراکم لکن لایقبلونها عشوائیا رکامیا، مع أن کل جزء لها درجات کمیة و لها درجات کیفیة، فلذا فی ضعف الخبر، الغضائری المتشدد والنجاشی المتشدد درجة الضعف یذکروها في الراوي. لماذا یذکرون درجة الضعف؟ الان علی مبنی السید الخوئي لایحتاج إلیه لکنهم یذکرون درجة الضعف و حیثیة الضعف وجهة الضعف لماذا؟ لأن عندهم تراکمیة. حتی الوثاقة، درجة الوثاقة یذکرونها للتراکم.
نفس السید الخوئي یعترف أن في الإعتبار فیه قوي و فیه حسن و فیه صحیح، لماذا فرق السید الخوئي في الدرجات؟ الثمرة لیست فقط في باب التعارض بل في سائر الأبواب. فکیف درجة الإعتبار تختلف في المعتبر؟ الضعف أیضا درجاتها مختلفة. هذه في الحقیقة دراسة حقیقة موزونة أما هذا الذي یکیل بشکل عشوائي علی أن الروایة الغیر المعتبر غیر معتبر مطلقا و الروایة المعتبر فمعتبر مطلقا هي هذه عشوائیة علمیة اما المداقة في الدرجات کما و کیفا بالعکس هي نوع من الدقة و الصناعة العلمیة.
هذا مثال ثالث ذکرناه. إذاًأاصل معنی أن الحجج إنضمامیة ومنظومیة لایعني أن القطعات لاندرسها لأن درجة الضعف و درجة القوة تراکمیة و یجبر بعضها البعض.
هذه تتمة لمبحث الامس من أن نظام الحجج في القطعیات و الیقینیات و الظنیات نظام معي و لیس نظاما إنفرادیا و هذا بحث حساس و مقدمة علمیة و مهمة في باب التعارض و نخاعیة في نظریة المعرفة وتراث الحدیث و في کل نظریة المعرفة و العلوم الدینیة.
التمهید الثانی لباب التعارض: ضابطة التعارضأننا نلاحظ ظاهرة أخری و الإختلاف بین المتأخري الأعصار و بین المتقدمین في التعارض. في موارد و مواطن و أنواع التعارض. فیه إختلاف بین المتقدمین و بین المتأخري الأعصار.
مرارا و کرارا مر بنا هذا المبحث من أن طبقات العلماء الإمامیة، قسموها إلی الأقدمین و القدماء و المتأخرین و متأخری المتأخرین و المتأخري الأعصار و علماء العصر، طبقات خمسة أو سبعة کما أن رواة الأئمة علیهم السلام أیضا یقسمون ألی الطبقات و کل إمام أصحابه ثلاث طبقات، الشیوخ و کبار السن و طبعا کانوا من تلامیذ الإمام السابق أو الکهول و المتوسطون أو الأحداث یعني صغیر السن، عادتا کل إمام عنده من التلامیذ ثلاث طبقات.
الکلام بین المتأخري الأعصار یعني تقدر أن تقول من الوحید البهبهاني عن ما قبل في ماذا؟ ظاهرة الإختلاف عندهم کبیرة في أنواع التعارض أو قل موارد التعارض أو قل مواطن التعارض أو قل ضابطة التعارض. و هذه مهمة جدا مثلا القدماء عندهم أن الإختلاف بین مفاد الأصل العملي والأمارة الظنیة تعارض، یعني إذا کان مفادهما مختلف، مثلا حتی أصالة الإحتیاط یجعلونها معارضا لدلیل إجتهادي و ظهور من الظهورات. عندهم معارضة حتی بین الأضعف من الأصول العملیة و الأمارات اللفظیة. هذا المورد منها
هذه الضابطة لازم أن نبینها حتی نستخرج منها بحوث صناعیة في تعریف التعارض. مورد آخر و نختم موارد عدیدة لکن نذکره فقط مثلا موارد التزاحم ایضا جعله القدماء تعارضا بینما المتأخرین عدا النائیني ماجعلوها التعارض.
مثال ثالث: الورود و الحکومة عند القدماء تعارض و عند المتأخرین لیسا بتعارض و المورد الخامس إنقلاب النسبة قبل النراقي یعتبرونها التعارض و بعد النراقي من إبتکارات المرحوم النراقي و بلوره الشیخ أکثر و ما بعد الشیخ أکثر فأکثر، ماجعلوه من التعارض و بقیة الموارد التي اختلف فیها المتقدمون عن المتأخرین.
ماهو وراء هذا الإختلاف؟ هل لها ضابطة؟ هل فیه معیار؟