1441/06/07
تحمیل
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الفقه
41/06/07
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الديات
(مسألة 224): إذا أمر شخصاً بقطع عقدة في رأسه مثلاً ولم يكن القطع ممّا يؤدّي إلى الموت غالباً، فقطعها فمات، فلا قود (1) وكذلك لا دية على القاطع إذا كان قد أخذ البراءة من الآمر، وإلّا فعليه الدية (2)2- كان الكلام في أدلة القول الثاني في المسالة وهو ما ذهب اليه المشهور من الضمان وذكرنا الدليل الأول والثاني والثالث
الدليل الرابع: إن الضمان واضح باعتبار دخول المقام في صغرى الجناية شبه العمدية لأنه قصد الفعل بالنسبة الى المجني عليه من دون قصد القتل ولم يكن الفعل مما يقتل مثله، فكل الأدلة الدالة على الضمان على الجاني في شبه العمد تأتي في المقام
أما الدليل الأول فإن القاعدة تقتضي الضمان على المتلف بعد فرض صدق المتلف على الطبيب المعالج باعتبار أن التلف حصل بسبب علاجه وإن لم يكن قاصداً للإتلاف والقتل وتقدم أن هذا الاتلاف غير مأذون به
وأما الدليل الثاني فإن الرواية صريحة في الضمان في صورة عدم أخذ البراءة وهو قول المشهور ومقتضى إطلاقها ثبوت الضمان في جميع الصور السابقة فهي تحكم بالضمان سواء كان الطبيب قاصراً او لا ومقصراً او لا ومأذوناً او لا، مع وضوح الفراق بين الاذن والبراءة التي تعني عدم تحمل ضمان ما يتلف بعلاجه
ومنه يظهر أن الدليل على ما ذهب اليه المشهور من الضمان في جميع الصور السابقة هو هذه المعتبرة
وهي كما تدل على الضمان مع عدم أخذ البراءة تدل على عدم الضمان مع أخذ البراءة، وقد ذهب المشهور الى كلا الحكمين، نعم صار الحكم الثاني محل كلام وإشكال من جهة أن اسقاط الضمان بالبراءة اسقاط لما لم يجب، فإن المقصود في الرواية هو أخذ البراءة قبل العلاج وحصول الجناية لا أخذ البراءة بعد ثبوت الجناية، فإن هذا لا يختص بالطبيب بل هو عام لكل جاني
وقد أخذ هذا الاشكال مأخذاً من الفقهاء وتردد المحقق في الشرائع من جهته فاقتصر في كلامه على نقل القولين في المسألة، ونقل التردد عن العلامة في الارشاد، وزاد الشهيد الثاني في المسالك فذهب الى الضمان حتى في صورة أخذ البراءة لأنه إبراء قبل ثبوت الحق فلا يكون له اثر، نعم ذكر بأن الرواية المستدل بها على سقوط الضمان ضعيفة السند وواضح أن مقصوده من جهة وجود النوفلي في سندها، ومضمونها مخالف للقاعدة، فاعتبرها قاعدة عقلية غير قابلة للتخصيص، واضطر الى حمل الرواية على الابراء بعد الجناية واستشهد على هذا الحمل بقوله (عليه السلام) في الرواية (اخذ البراءة من وليه) فلم يقل يأخذ البراءة من المريض وانما من وليه وهو انما يكون ذا حق بعد الجناية فالولي لا يثبت له الحق قبل الجناية
وعلى كل حال فيمكن الإجابة عن أصل الاشكال بأحد جوابين:
الأول: إذا سلمنا انه من باب اسقاط ما لم يجب فالظاهر أنه لا مانع من الالتزام به إذا دل عليه الدليل كما في المقام، لأن ما ذكر ليس قاعدة عقلية غير قابلة للخروج عنها بالدليل فهي لا تزيد على العمومات فيمكن تخصيصها بالدليل
وبعبارة أخرى: كأنهم اعتبروا الاسقاط أمر تكويني خارجي فلا يعقل اسقاطه قبل ثبوته، ولكن الاسقاط في الروايات امر اعتباري سهل المؤونة ولا اشكال في أن يسقط الشارع الامر اعتباراً قبل ثبوته إذا دل عليه الدليل
الثاني: إن أخذ البراءة قبل العلاج تارة يفسر بإسقاط الحق والضمان قبل ثبوته فيأتي الاشكال السابق، وأخرى نفسره بأن الفعل الذي يقوم به الطبيب لا يقتضي الضمان مع اخذ البراءة، وإن لم يأخذ البراءة يقتضي الضمان، فيكون عدم ضمان التلف الحاصل بسبب العلاج مع أخذ البراءة قبل العلاج لعدم المقتضي له لا أنه من جهة أنه اسقطه قبل العلاج حتى يقال بأن هذا اسقاط ما لم يجب، ويمكن استفادة هذا المعنى من الرواية فهي تدل على أن الفعل الصادر من الطبيب اذا لم يأخذ البراءة يقتضي الضمان وإن أخذ البراءة فالفعل الصادر منه لا يترتب عليه الضمان، وهذا ليس ببعيد فإن تحديد موضوعات الاحكام الشرعية بيد الشارع وما يستفاد من هذا الخبر أن الشارع حدد موضوع هذا الحكم الشرعي، واذا فسرنا الرواية بهذا التفسير تكون اجنبية عن مسألة اسقاط ما لم يجب
ولو فرضنا التشكيك في هذه الاستفادة من الرواية فنقول بناءً على ما ذكروه من أن هذه قاعدة عقلية لا يمكن تخصيصها، يمكن أن نفسر الرواية بتفسير لا يصطدم مع هذه القاعدة بأن نقول بأن المقصود ليس هو عدم الضمان المستند للاسقاط قبل الفعل بل المقصود هو عدم الضمان المستند الى عدم المقتضي
وأما ما ذكره في المسالك من حمل الرواية على الاسقاط بعد الجناية فهو خلاف الظاهر إذ عليه لا فرق بين الطبيب وبين أي جاني اخر مع أن الرواية ظاهرة في الخصوصية للطبيب والمريض، وأما ما استشهد به من تعبير الرواية (فليأخذ من وليه) وأن الولي لا يكون ذا حق قبل الجناية، فقد أجابوا عنه بأن المقصود به من له الولاية، والانسان حينما يكون بالغاً عاقلاً يكون هو ولي نفسه وهو يكون ولياً قبل الجناية فتؤخذ البراءة منه
وذكروا بأن تعبير الرواية بالولي من الممكن أن يكون باعتبار أن الولي هو الذي يطالب بعد ذلك بالضمان
ومن هنا يظهر أن المريض إذا كان بالغاً عاقلاً فلا بد من أخذ البراءة منه لأنه ولي نفسه لا من سيكون ولياً بعد تلفه وموته
وهذه المعتبرة ظاهرة في ما إذا تولى الطبيب العلاج بنفسه، وأما لو لم يباشر العلاج بنفسه وإنما وصف دواءً للمريض فاستعمله المريض ومات فالظاهر أن هذه الحالة لا تدخل في هذه الرواية