35/04/23
تحمیل
الموضوع: الأصول العمليّة/ أصالة التخيير
تبين من الدرس السابق ان التوسط في التنجيز الذي ينتج حرمة المخالفة القطعية في محل الكلام، وفي باب الاضطرار الى احد الطرفين لا بعينه، هذا إنما يمكن الالتزام به بناءً على(مسلك الاقتضاء)، واما بناءً على (مسلك العلّية التامة) لوجوب الموافقة القطعية، فضلاً عن حرمة المخالفة القطعية، فالالتزام بالتوسط في(التنجيز) غير ممكن؛ بل المتعيّن بناءً عليه ــــــــــ مثلاً ـــــــــ هو التوسّط في التكليف بالمعنى المتقدم سابقاً، وهذا التوسط في التكليف كما هو واضح ينتج أيضاً حرمة المخالفة القطعية إذا التزمنا به، لأنّ التوسّط في التكليف يعني أنّ ثبوته في كل طرفٍ مشروط بمخالفته في الطرف الآخر، فإذا خالف المكلّف التكليف في أحد الطرفين، لأجل رفع اضطراره كما هو المفروض، يكون التكليف ثابتاً في الطرف الآخر، وهذا ينتج حرمة المخالفة القطعية أيضاً .
ومن هنا أصحاب مسلك (العلّية التامة) يمكنهم الاعتماد على هذا المبنى، أي(التوسّط في التكليف) لإثبات حرمة المخالفة القطعية، وإلا لولا(التوسّط في التكليف) لكان مقتضى القاعدة بناءً على(العلّية التامّة) هو سقوط العلم الإجمالي عن المنجزية، فلا يكون منجزاً لشيءٍ، لا لوجوب الموافقة القطعية ولا لحرمة المخالفة القطعية، لماذا ؟ لأنّ الاضطرار المستلزم للترخيص التخييري في الطرفين ينافي العلم الإجمالي، بذات التكليف المعلوم بالإجمال الذي نجّزه العلم الإجمالي بنحو العلّية التامّة ؛ إذ لا يمكن الجمع بين الترخيص التخيير في أحد الطرفين، وبين منجّزية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية على نحو العلّية التامّة لولا التوسّط في التكليف المقترح، لكان مقتضى القاعدة أن يكون حال الاضطرار الى احد الطرفين لا بعينه، لكان حاله حال الاضطرار الى احد الطرفين بعينه، كيف ؟ هناك التزموا بسقوط العلم الإجمالي عن التنجيز وجواز اجراء الأصول المؤَمَّنة في غير الطرف المضطر إليه، لأن التكليف لا يعلم بثبوته على كل تقدير، على تقدير أن يكون التكليف في هذا الطرف الذي اضطر إليه، فهذا ساقط لمكان الاضطرار ولأجل الاضطرار، نعم يحتمل ثبوت التكليف في الطرف الآخر، وهذا مجرد احتمال تجري فيه الأصول المؤَمَّنة، الاضطرار الى احد الطرفين لا بعينه بناءً على العلّية التامّة يكون حاله حال الاضطرار الى احد الطرفين بعينه في أنّ العلم الإجمالي يسقط عنه التنجيز ولا ينجز حتّى حرمة المخالفة القطعية، لكنّ التوسط في التكليف هو الذي سوف ينتج حرمة المخالفة القطعية لماذا ؟ لأنه إذا غيرنا في التكليف الواقعي وقلنا بتحوّل التكليف وتبديله من كونه تكليفاً تعيينياً الى كونه تكليفاً تخييرياً ثابتاً من كل الطرفين بشرط ترك الطرف الآخر ومخالفة الطرف الآخر؛ حينئذٍ سوف ينتج كما قلنا حرمة المخالفة القطعية؛ لأنّ المكلّف اذا رفع اضطراره بأحد الطرفين يكون قد خالف التكليف في ذلك الطرف، فيثبت التكليف في الطرف الآخر ويجب عليه الالتزام به، وهذا معناه حرمة المخالفة القطعية .
هذا حاصل ما تقدم في الدرس السابق، فحينئذٍ إذا قلنا بالاقتضاء نلتزم بالتوسّط في التنجيز؛ لأننّا قلنا أنّ منجزية العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية، المفروض قدرة المكلف عليها وتمكنه منها، هذه تبقى على حالها، نعم تسقط منجزية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية، لعدم قدرة المكلف على الموافقة القطعية، وتأثير العلم الإجمالي في حرمة المخالفة القطعية، هذا لا ينافي أيّ شيءٍ، لا ينافي العلم الإجمالي ولا منجزية العلم الإجمالي، لوجوب الموافقة القطعية؛ لأنّ منجزيته بنحو الاقتضاء لا بنحو العلّية التامّة كما قلنا في الترخيص في احد الطرفين، لمكان الاضطرار ليس منافياً للعلم الإجمالي، ومنجزية هذا العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية، لأنها ليس بنحو العلّية التامّة) وانما هي بنحو الاقتضاء، كما أنها ليست منافية لمنجّزية العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية، لما قلنا من أنّ الترخيص في احد الطرفين لا ينافي حرمة المخالفة القطعية، تحرم المخالفة القطعية لكن يجوز ارتكاب أحد الطرفين، فلا مانع من بقاء العلم الإجمالي مؤثراً في حرمة المخالفة القطعية وهو معنى التوسّط في التنجيز، وهذا الالتزام لا يفرّق فيه بين محل الكلام وبين موارد الاضطرار، في كل منهما يلتزم بالتوسّط في التنجيز بمعنى أنّ العلم الإجمالي في محل الكلام ينجّز حرمة المخالفة القطعية على المكلف، يعني لا يجوز له ترك الوجوب التعبدي، مخالفة الوجوب التعبدي ومخالفة الحرمة وكيفية المخالفة قطعاً، بأن يفعل لا بقصد القربة وهي مخالفة قطعية للتكليف المعلوم بالإجمال ينجز عليه حرمة هذه المخالفة، فلا يجوز له ترك الفعل بلا قصد القربة؛ بل يجب عليه اما الفعل بقصد القربة، او ترك الفعل، فيُخيّر بينهما، لكن لا يجوز مخالفة كل منهما، لأنّ العلم الإجمالي ينجّز حرمة المخالفة القطعية، ونفس الكلام يقال في باب الاضطرار الى أحدهما لا بعينه، هناك ايضاً يقال بأنّ المكلّف لا يجوز له ارتكاب كِلا الطرفين في الشبهات التحريمية، أو ترك كِلا الطرفين في الشبهات الوجوبية، لماذا ؟ لأنّ العلم الإجمالي هناك وإن لم ينجز الموافقة القطعية، لكنّه ينجّز حرمة المخالفة القطعية، فيجري في كِلا الامرين ولا مانع من ذلك .
واما إذا قلنا بالعلّية التامّة؛ حينئذٍ مبدئياً لا يمكن الالتزام بحرمة المخالفة القطعية، يعني بمنجزية العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية، لماذا ؟ لأنّ منجّزية العلم الإجمالي بحسب الفرض على نحو العلّية التامّة، فيكون العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية، يعني لازمه حرمة المخالفة الاحتمالية، والعلم الإجمالي علة تامة لذلك، حينئذٍ كما قلنا هذا مقتضى القاعدة الأولية هو أنّ يسقط العلم الإجمالي عن التنجيز؛ لأنّه لا يمكن الجمع بين العلّية التامّة المفروضة في محل الكلام، وبين الترخيص في ارتكاب احد الطرفين، فلازم ذلك سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز، فلا ينجّز لا الموافقة القطعية ولا حرمة المخالفة القطعية، فيكون حال الاضطرار الى احد الطرفين لا بعينه، حال الاضطرار الى احد الطرفين بعينه، هذه القاعدة الأوّلية، لكن لو قلنا بفكرة التوسّط في التكليف؛ حينئذٍ لا مانع بناءً على العلّية التامّة أنّ نلتزم بحرمة المخالفة القطعية، لماذا ؟ لأنّ التكليف الواقعي المفروض كونه تعيينيّاً حوّلناه الى كونه تخييرياً، فيكون التكليف ثابتاً في كِلا الطرفين، لكنّه مشروط بمخالفة الطرف الآخر، فكأنه يقال للمكلّف في باب الاضطرار الى أحدهما لا بعينه، انت يحرم عليك هذا الطرف اذا رفعت اضطرارك عن الطرف الآخر، يعني خالفت التكليف في الطرف الآخر لأجل الاضطرار، والعكس ايضاً يقال له يحرم عليك هذا الطرف اذا رفعت اضطرارك عن الطرف الآخر، يعني خالفت التكليف في الطرف الأوّل، وهذا ينتج حرمة المخالفة القطعية، بمعنى أنّ المكلّف إذا رفع اضطراره بأحد الطرفين يحرم عليه الآخر، ولا يجوز له ارتكابه، وهذا معناه حرمة المخالفة القطعية، وإن لم تجب عليه الموافقة القطعية، لكن تحرم عليه المخالفة القطعية؛ لأنّ التكليف ثابت في الطرف الذي لم يرفع به اضطراره، وهو معناه حرمة المخالفة القطعية، فيمكن التوصّل الى حرمة المخالفة القطعية، حتّى على القول بالعلّية التامة، بفكرة التوسّط في التكليف، لكن فكرة التوسّط في التكليف بناءً على العلّية التامة، إنّما يصح فرضها في موارد الاضطرار الى احد الطرفين لا بعينه، وأمّا في محل الكلام الذي ليس هو اضطراراً؛ بل عجزاً تكوينياً، هو يعلم بالإلزام المردّد بين الوجوب القربي وبين الحرمة، هنا هو عاجز تكويناً عن الجمع بين الفعلين، فهو مضطرٌ الى مخالفة احد الطرفين، أمّا مخالفة الوجوب، او مخالفة التحريم، فإنْ فعل، يخالف التحريم، وإنْ ترك يخالف الوجوب، فهو مضطرٌ بحكم العجز التكويني، في محل الكلام فكرة التوسّط في التكليف لا يمكن تطبيقها، حتّى نثبت عن طريقها حرمة المخالفة القطعية، لماذا لا يمكن تطبيقها في المقام ؟ باعتبار أنّ الوجوب الذي هو أحد الطرفين، أحد المحتملين، الوجوب التعبّدي، الوجوب المشروط بقصد القربة بحسب الفرض، لو فرضنا أنّ الوجوب هو القربي، والحرمة ليست قربية بل؛ توصلية والوجوب تعبّدي؛ حينئذٍ نقول أنّ الوجوب التعبّدي المشروط بقصد القربة لا يمكن أن يكون مشروطاً بمخالفة الحرمة، لماذا ؟ لأنّ مخالفة الحرمة تساوق قهراً تحقق الفعل في الخارج، كيف يخالف الانسان حرمة الفعل ؟ يخالفها بالإتيان بالفعل، فمخالفة الحرمة تساوق تحققّ الفعل في الخارج، ومن الواضح انّه يستحيل أن يتعلّق الوجوب بالفعل المتحقق خارجاً، المفروض تحقّقه خارجاً؛ لأنّ معنى الوجوب المتعلّق بالفعل المُقيّد بمخالفة الحرمة المُقيّد بمخالفة الطرف الآخر هو ماذا ؟ هو يؤخذ في موضوع هذا الوجوب، فكأنّه فرض في المرتبة السابقة تحقق الفعل؛ لأنّه فرض فيها على الوجوب مخالفة التحريم، إذا خالفت التحريم يجب عليك الفعل قربة الى الله تعالى، فكأنه في المرتبة السابقة فرض تحقق الفعل؛ لأنّ مخالفة التحريم تكون بالإتيان بالفعل، فكأنّه يقال له إذا تحقق الفعل يجب عليك الاتيان به قربة الى الله تعالى، وهذا لا معنى له، أن يكون الوجوب المتعلق بالفعل مقيد وموضوعه مخالفة الحرمة التي تساوق تحقق الفعل خارجاً، وعند تحقق الفعل خارجاً في المرتبة السابقة، لا يعقل أنْ يكون هناك وجوب تعبّدي يتعلّق بنفس الفعل؛ لأنه حاصل بحسب الفرض وموجود، وهذا غير معقول، بينما هذا الشيء كان معقولاً في باب الاضطرار، في باب الاضطرار الى احد الطرفين لا بعينه، كان معقول بأن يقال له أنّ وجوب هذا الطرف مقيّد بمخالفة الطرف الآخر، مخالفة الطرف الآخر لا تساوق تحقق الفعل حتّى يكون وجوبه محالاً، فأحد الطرفين يقال له أنّ الوجوب يثبت في هذا الطرف إذا خالفت الوجوب في الطرف الآخر، كيف يخالف الوجوب في الطرف الآخر ؟ بأن يترك إذا لم يفرض في مرتبة سابقة عن الوجوب المتعلق بهذا الطرف تحقق الفعل، حتّى يقال أنّه لا معنى لأنْ يتعلّق الوجوب بالفعل المفروض تحققه في مرتبة سابقة، فيقال له إذا خالفت الوجوب في هذا يجب عليك هذا الفعل، هذا في الشبهة الوجوبية، أمّا في الشبهة التحريمية، فيقال له يحرم عليك هذا الطرف اذا خالفت الحرمة في هذا الطرف، ومخالفة الحرمة فيه لا تعني تحقق الترك، حتى يكون تحقق الحرمة محالاً، لماذا ؟ لأنّه فرض تحقق الترك خارجاً في المرتبة السابقة، فلا يساوق ذلك في باب الاضطرار كون التكليف في احد الطرفين في باب الاضطرار لا يساوق تحقق الطرف الآخر، لا يساوق تحقق نفس ما تعلّق به التكليف حتّى يكون تعلّق التكليف به محالاً، فحينئذٍ يكون معقولاً هناك ولا يكون معقولاً في محل الكلام، بناءً على هذا؛ حينئذٍ التوسّط في التكليف لا تنفع في محل الكلام؛ لأنّ هذا الوجوب التعبدي ـــــــــ احد المحتملين ــــــــــ المتعلّق بالفعل، هذا الفعل الذي يدور امره بين أن يكون واجباً تعبّداً وبين أن يكون حراماً؛ لأنّ الامر دائر بين الوجوب التعبّدي وبين الحرمة بحسب الفرض؛ لأنّ هذا الوجوب التعبدي يستحيل أن يثبت للفعل؛ لأنه إمّا أن يثبت له مطلقاً بلا قيد وبلا شرط مخالفة الطرف الآخر، المفروض أنّ هذا غير ممكن، وإلا لما اضطروا الى القول بالتوسط في التكليف بناءً على العلّية التامّة لا يمكن أن يكون هذا الوجوب مطلقاً؛ لأنّ هذا ينافي العلّية التامّة بحسب الفرض، إذن: لا يمكن أن يكون مطلقاً، ولا يمكن أن يكون مشروطاً بمخالفة الطرف الآخر، لماذا ؟ لأنّ كونه مشروطاً محال، لماذا ؟ كون الوجوب التعبدي مشروطاً بمخالفة الطرف الآخر، والطرف الآخر في محل الكلام هو الحرمة، وليس الوجوب في الطرف الآخر كما في الاضطرار الى أحدهما لا بعينه، وإنّما هو الحرمة، ومخالفة الحرمة تكون بالإتيان بالفعل، كيف يعقل أن يتعلّق وجوب بفعل مشروط بتحقق نفس الفعل في المرتبة السابقة، فإذن، لا يعقل أن يكون مطلقاً، ولا يعقل أن يكون مشروطاً، وهذا يعني أنه في المقام لا يمكن الالتزام بحرمة المخالفة القطعية في محل الكلام، تطبيقاً لفكرة التوسط في التكليف .
نعم، في جانب الحرمة فقط يمكن افتراض الاشتراط، لماذا ؟ لأنّ الحرمة لا مانع من أن يقال أنّ حرمة الفعل مشروطة بمخالفة الوجوب؛ لأنّ مخالفة الوجوب لا تنحصر في ترك الفعل حتّى يقال كيف يحرم عليه الفعل مشروطاً بتركه، كيف يحرم الفعل وفرض في موضوعية تحقق الترك في مرتبة سابقة، هذا محال، مخالفة الوجوب التعبّدي لا تنحصر بالترك؛ بل كما يمكن أن تتحقق بالترك يمكن أن تتحقق بالفعل الغير قربي، كُلاً منهما تتحقق به مخالفة الوجوب التعبدي، مرّة يخالفه بالترك ومرة يخالفه بالفعل الغير تعبّدي، وكُل منهما مخالفة للوجوب، إذا لا ضير أن تكون الحرمة مقيدة ومشروطة بمخالفة الوجوب التعبدي؛ إذ لا يلزم من ذلك طلب الحاصل مثلاً، فليس فيه محذور، المحذور موجود من جانب الوجوب، الوجوب التعبّدي لا يعقل أن يكون مشروطاً بمخالفة الحرمة في محل الكلام، كما أنه لا ضير في ذلك فيما إذا كان كُل منهما تعبدياً أيضاً لا ضير في هذا، الوجوب تعبّدي والحرمة تعبّدية، كُل منهما يكون ممكناً، الوجوب التعبّدي يكون مشروطاً بمخالفة الحرمة التعبّدية، مخالفة الحرمة التعبّدية لا ينحصر بالفعل، حتّى تقول أنّ الوجوب محال أن يتعلق بالفعل، حينئذٍ قد فرض وجود هذا الفعل في مرتبة سابقة، مخالفة الحرمة التعبدية كما يتحقق بالفعل يتحقق بالترك الغير تعبدي، إذن: يعقل أن يقال أنّ الوجوب التعبدي مشروط بمخالفة الحرمة التعبدية، والعكس أيضاً صحيح، يعقل أن يقال بأنّ الحرمة التعبدية مشروطة بمخالفة الوجوب التعبدي ؛ لأنّ مخالفة الوجوب التعبدي لا ينحصر تحققها بالترك؛ بل تتحقق بالترك وتتحقق بالفعل الغير تعبدي، إذن: فكرة التوسط في التكليف إنما تنفع في باب الاضطرار الى أحدهما لا بعينه، ولا تنفع في محل الكلام، لماذا ؟ لأنه في محل الكلام على الأقل يكون التكليف في جانب الوجوب محال، محال أن يكون هناك وجوب للفعل تعبداً، لا مطلقاً ولا مشروطاً بمخالفة الحرمة، فإذن، هذا الكلام يصح في باب الاضطرار، ولكنه لا يصح في محل الكلام لإنتاج حرمة المخالفة القطعية؛ فحينئذٍ التكليف في المقام يكون غير معقول؛ وحينئذٍ تترتب الاثار على ذلك وهو أنه يمكن إجراء البراءة في الطرف الآخر ولا نصل الى هذه النتيجة وهي حرمة المخالفة القطعية، ومن هنا يسجل اشكال على من يقول بالعلّية التامّة، ولا يفرّق بين الموردين على من يقول بحرمة المخالفة بالعلّية التامّة، ويقول بحرمة المخالفة القطعية في المقامين، كالمحقق العراقي(قدّس سرّه) فأنه يقول بالعلّية التامّة ويقول نلتزم بحرمة المخالفة القطعية في موارد الاضطرار وفي محل الكلام، لماذا ؟ بناءً على فكرة التوسط في التكليف وهذا الاشكال يسجل عليه، بأن فكرة التوسط في التكليف تنفع لإثبات حرمة المخالفة القطعية في باب الاضطرار، فهناك يكون من المعقول فكرة التوسط في التكليف، أن يكون التكليف ثابتاً في كل طرف مشروط بمخالفة الطرف الآخر، فلا يوجد محذور ولا طلب حاصل، لكنها لا تنفع في محل الكلام؛ لأنه يستحيل تقييد الوجوب التعبدي للفعل بمخالفة الحرمة؛ لأنّ مخالفة الحرمة تساوق تحقق الفعل في الخارج، ويستحيل اخذ تحقق الفعل في الخارج في مرتبة سابقة على طلبه ووجوبه فلا يمكن تطبيق ذلك في محل الكلام .
تبين من الدرس السابق ان التوسط في التنجيز الذي ينتج حرمة المخالفة القطعية في محل الكلام، وفي باب الاضطرار الى احد الطرفين لا بعينه، هذا إنما يمكن الالتزام به بناءً على(مسلك الاقتضاء)، واما بناءً على (مسلك العلّية التامة) لوجوب الموافقة القطعية، فضلاً عن حرمة المخالفة القطعية، فالالتزام بالتوسط في(التنجيز) غير ممكن؛ بل المتعيّن بناءً عليه ــــــــــ مثلاً ـــــــــ هو التوسّط في التكليف بالمعنى المتقدم سابقاً، وهذا التوسط في التكليف كما هو واضح ينتج أيضاً حرمة المخالفة القطعية إذا التزمنا به، لأنّ التوسّط في التكليف يعني أنّ ثبوته في كل طرفٍ مشروط بمخالفته في الطرف الآخر، فإذا خالف المكلّف التكليف في أحد الطرفين، لأجل رفع اضطراره كما هو المفروض، يكون التكليف ثابتاً في الطرف الآخر، وهذا ينتج حرمة المخالفة القطعية أيضاً .
ومن هنا أصحاب مسلك (العلّية التامة) يمكنهم الاعتماد على هذا المبنى، أي(التوسّط في التكليف) لإثبات حرمة المخالفة القطعية، وإلا لولا(التوسّط في التكليف) لكان مقتضى القاعدة بناءً على(العلّية التامّة) هو سقوط العلم الإجمالي عن المنجزية، فلا يكون منجزاً لشيءٍ، لا لوجوب الموافقة القطعية ولا لحرمة المخالفة القطعية، لماذا ؟ لأنّ الاضطرار المستلزم للترخيص التخييري في الطرفين ينافي العلم الإجمالي، بذات التكليف المعلوم بالإجمال الذي نجّزه العلم الإجمالي بنحو العلّية التامّة ؛ إذ لا يمكن الجمع بين الترخيص التخيير في أحد الطرفين، وبين منجّزية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية على نحو العلّية التامّة لولا التوسّط في التكليف المقترح، لكان مقتضى القاعدة أن يكون حال الاضطرار الى احد الطرفين لا بعينه، لكان حاله حال الاضطرار الى احد الطرفين بعينه، كيف ؟ هناك التزموا بسقوط العلم الإجمالي عن التنجيز وجواز اجراء الأصول المؤَمَّنة في غير الطرف المضطر إليه، لأن التكليف لا يعلم بثبوته على كل تقدير، على تقدير أن يكون التكليف في هذا الطرف الذي اضطر إليه، فهذا ساقط لمكان الاضطرار ولأجل الاضطرار، نعم يحتمل ثبوت التكليف في الطرف الآخر، وهذا مجرد احتمال تجري فيه الأصول المؤَمَّنة، الاضطرار الى احد الطرفين لا بعينه بناءً على العلّية التامّة يكون حاله حال الاضطرار الى احد الطرفين بعينه في أنّ العلم الإجمالي يسقط عنه التنجيز ولا ينجز حتّى حرمة المخالفة القطعية، لكنّ التوسط في التكليف هو الذي سوف ينتج حرمة المخالفة القطعية لماذا ؟ لأنه إذا غيرنا في التكليف الواقعي وقلنا بتحوّل التكليف وتبديله من كونه تكليفاً تعيينياً الى كونه تكليفاً تخييرياً ثابتاً من كل الطرفين بشرط ترك الطرف الآخر ومخالفة الطرف الآخر؛ حينئذٍ سوف ينتج كما قلنا حرمة المخالفة القطعية؛ لأنّ المكلّف اذا رفع اضطراره بأحد الطرفين يكون قد خالف التكليف في ذلك الطرف، فيثبت التكليف في الطرف الآخر ويجب عليه الالتزام به، وهذا معناه حرمة المخالفة القطعية .
هذا حاصل ما تقدم في الدرس السابق، فحينئذٍ إذا قلنا بالاقتضاء نلتزم بالتوسّط في التنجيز؛ لأننّا قلنا أنّ منجزية العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية، المفروض قدرة المكلف عليها وتمكنه منها، هذه تبقى على حالها، نعم تسقط منجزية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية، لعدم قدرة المكلف على الموافقة القطعية، وتأثير العلم الإجمالي في حرمة المخالفة القطعية، هذا لا ينافي أيّ شيءٍ، لا ينافي العلم الإجمالي ولا منجزية العلم الإجمالي، لوجوب الموافقة القطعية؛ لأنّ منجزيته بنحو الاقتضاء لا بنحو العلّية التامّة كما قلنا في الترخيص في احد الطرفين، لمكان الاضطرار ليس منافياً للعلم الإجمالي، ومنجزية هذا العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية، لأنها ليس بنحو العلّية التامّة) وانما هي بنحو الاقتضاء، كما أنها ليست منافية لمنجّزية العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية، لما قلنا من أنّ الترخيص في احد الطرفين لا ينافي حرمة المخالفة القطعية، تحرم المخالفة القطعية لكن يجوز ارتكاب أحد الطرفين، فلا مانع من بقاء العلم الإجمالي مؤثراً في حرمة المخالفة القطعية وهو معنى التوسّط في التنجيز، وهذا الالتزام لا يفرّق فيه بين محل الكلام وبين موارد الاضطرار، في كل منهما يلتزم بالتوسّط في التنجيز بمعنى أنّ العلم الإجمالي في محل الكلام ينجّز حرمة المخالفة القطعية على المكلف، يعني لا يجوز له ترك الوجوب التعبدي، مخالفة الوجوب التعبدي ومخالفة الحرمة وكيفية المخالفة قطعاً، بأن يفعل لا بقصد القربة وهي مخالفة قطعية للتكليف المعلوم بالإجمال ينجز عليه حرمة هذه المخالفة، فلا يجوز له ترك الفعل بلا قصد القربة؛ بل يجب عليه اما الفعل بقصد القربة، او ترك الفعل، فيُخيّر بينهما، لكن لا يجوز مخالفة كل منهما، لأنّ العلم الإجمالي ينجّز حرمة المخالفة القطعية، ونفس الكلام يقال في باب الاضطرار الى أحدهما لا بعينه، هناك ايضاً يقال بأنّ المكلّف لا يجوز له ارتكاب كِلا الطرفين في الشبهات التحريمية، أو ترك كِلا الطرفين في الشبهات الوجوبية، لماذا ؟ لأنّ العلم الإجمالي هناك وإن لم ينجز الموافقة القطعية، لكنّه ينجّز حرمة المخالفة القطعية، فيجري في كِلا الامرين ولا مانع من ذلك .
واما إذا قلنا بالعلّية التامّة؛ حينئذٍ مبدئياً لا يمكن الالتزام بحرمة المخالفة القطعية، يعني بمنجزية العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية، لماذا ؟ لأنّ منجّزية العلم الإجمالي بحسب الفرض على نحو العلّية التامّة، فيكون العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية، يعني لازمه حرمة المخالفة الاحتمالية، والعلم الإجمالي علة تامة لذلك، حينئذٍ كما قلنا هذا مقتضى القاعدة الأولية هو أنّ يسقط العلم الإجمالي عن التنجيز؛ لأنّه لا يمكن الجمع بين العلّية التامّة المفروضة في محل الكلام، وبين الترخيص في ارتكاب احد الطرفين، فلازم ذلك سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز، فلا ينجّز لا الموافقة القطعية ولا حرمة المخالفة القطعية، فيكون حال الاضطرار الى احد الطرفين لا بعينه، حال الاضطرار الى احد الطرفين بعينه، هذه القاعدة الأوّلية، لكن لو قلنا بفكرة التوسّط في التكليف؛ حينئذٍ لا مانع بناءً على العلّية التامّة أنّ نلتزم بحرمة المخالفة القطعية، لماذا ؟ لأنّ التكليف الواقعي المفروض كونه تعيينيّاً حوّلناه الى كونه تخييرياً، فيكون التكليف ثابتاً في كِلا الطرفين، لكنّه مشروط بمخالفة الطرف الآخر، فكأنه يقال للمكلّف في باب الاضطرار الى أحدهما لا بعينه، انت يحرم عليك هذا الطرف اذا رفعت اضطرارك عن الطرف الآخر، يعني خالفت التكليف في الطرف الآخر لأجل الاضطرار، والعكس ايضاً يقال له يحرم عليك هذا الطرف اذا رفعت اضطرارك عن الطرف الآخر، يعني خالفت التكليف في الطرف الأوّل، وهذا ينتج حرمة المخالفة القطعية، بمعنى أنّ المكلّف إذا رفع اضطراره بأحد الطرفين يحرم عليه الآخر، ولا يجوز له ارتكابه، وهذا معناه حرمة المخالفة القطعية، وإن لم تجب عليه الموافقة القطعية، لكن تحرم عليه المخالفة القطعية؛ لأنّ التكليف ثابت في الطرف الذي لم يرفع به اضطراره، وهو معناه حرمة المخالفة القطعية، فيمكن التوصّل الى حرمة المخالفة القطعية، حتّى على القول بالعلّية التامة، بفكرة التوسّط في التكليف، لكن فكرة التوسّط في التكليف بناءً على العلّية التامة، إنّما يصح فرضها في موارد الاضطرار الى احد الطرفين لا بعينه، وأمّا في محل الكلام الذي ليس هو اضطراراً؛ بل عجزاً تكوينياً، هو يعلم بالإلزام المردّد بين الوجوب القربي وبين الحرمة، هنا هو عاجز تكويناً عن الجمع بين الفعلين، فهو مضطرٌ الى مخالفة احد الطرفين، أمّا مخالفة الوجوب، او مخالفة التحريم، فإنْ فعل، يخالف التحريم، وإنْ ترك يخالف الوجوب، فهو مضطرٌ بحكم العجز التكويني، في محل الكلام فكرة التوسّط في التكليف لا يمكن تطبيقها، حتّى نثبت عن طريقها حرمة المخالفة القطعية، لماذا لا يمكن تطبيقها في المقام ؟ باعتبار أنّ الوجوب الذي هو أحد الطرفين، أحد المحتملين، الوجوب التعبّدي، الوجوب المشروط بقصد القربة بحسب الفرض، لو فرضنا أنّ الوجوب هو القربي، والحرمة ليست قربية بل؛ توصلية والوجوب تعبّدي؛ حينئذٍ نقول أنّ الوجوب التعبّدي المشروط بقصد القربة لا يمكن أن يكون مشروطاً بمخالفة الحرمة، لماذا ؟ لأنّ مخالفة الحرمة تساوق قهراً تحقق الفعل في الخارج، كيف يخالف الانسان حرمة الفعل ؟ يخالفها بالإتيان بالفعل، فمخالفة الحرمة تساوق تحققّ الفعل في الخارج، ومن الواضح انّه يستحيل أن يتعلّق الوجوب بالفعل المتحقق خارجاً، المفروض تحقّقه خارجاً؛ لأنّ معنى الوجوب المتعلّق بالفعل المُقيّد بمخالفة الحرمة المُقيّد بمخالفة الطرف الآخر هو ماذا ؟ هو يؤخذ في موضوع هذا الوجوب، فكأنّه فرض في المرتبة السابقة تحقق الفعل؛ لأنّه فرض فيها على الوجوب مخالفة التحريم، إذا خالفت التحريم يجب عليك الفعل قربة الى الله تعالى، فكأنه في المرتبة السابقة فرض تحقق الفعل؛ لأنّ مخالفة التحريم تكون بالإتيان بالفعل، فكأنّه يقال له إذا تحقق الفعل يجب عليك الاتيان به قربة الى الله تعالى، وهذا لا معنى له، أن يكون الوجوب المتعلق بالفعل مقيد وموضوعه مخالفة الحرمة التي تساوق تحقق الفعل خارجاً، وعند تحقق الفعل خارجاً في المرتبة السابقة، لا يعقل أنْ يكون هناك وجوب تعبّدي يتعلّق بنفس الفعل؛ لأنه حاصل بحسب الفرض وموجود، وهذا غير معقول، بينما هذا الشيء كان معقولاً في باب الاضطرار، في باب الاضطرار الى احد الطرفين لا بعينه، كان معقول بأن يقال له أنّ وجوب هذا الطرف مقيّد بمخالفة الطرف الآخر، مخالفة الطرف الآخر لا تساوق تحقق الفعل حتّى يكون وجوبه محالاً، فأحد الطرفين يقال له أنّ الوجوب يثبت في هذا الطرف إذا خالفت الوجوب في الطرف الآخر، كيف يخالف الوجوب في الطرف الآخر ؟ بأن يترك إذا لم يفرض في مرتبة سابقة عن الوجوب المتعلق بهذا الطرف تحقق الفعل، حتّى يقال أنّه لا معنى لأنْ يتعلّق الوجوب بالفعل المفروض تحققه في مرتبة سابقة، فيقال له إذا خالفت الوجوب في هذا يجب عليك هذا الفعل، هذا في الشبهة الوجوبية، أمّا في الشبهة التحريمية، فيقال له يحرم عليك هذا الطرف اذا خالفت الحرمة في هذا الطرف، ومخالفة الحرمة فيه لا تعني تحقق الترك، حتى يكون تحقق الحرمة محالاً، لماذا ؟ لأنّه فرض تحقق الترك خارجاً في المرتبة السابقة، فلا يساوق ذلك في باب الاضطرار كون التكليف في احد الطرفين في باب الاضطرار لا يساوق تحقق الطرف الآخر، لا يساوق تحقق نفس ما تعلّق به التكليف حتّى يكون تعلّق التكليف به محالاً، فحينئذٍ يكون معقولاً هناك ولا يكون معقولاً في محل الكلام، بناءً على هذا؛ حينئذٍ التوسّط في التكليف لا تنفع في محل الكلام؛ لأنّ هذا الوجوب التعبدي ـــــــــ احد المحتملين ــــــــــ المتعلّق بالفعل، هذا الفعل الذي يدور امره بين أن يكون واجباً تعبّداً وبين أن يكون حراماً؛ لأنّ الامر دائر بين الوجوب التعبّدي وبين الحرمة بحسب الفرض؛ لأنّ هذا الوجوب التعبدي يستحيل أن يثبت للفعل؛ لأنه إمّا أن يثبت له مطلقاً بلا قيد وبلا شرط مخالفة الطرف الآخر، المفروض أنّ هذا غير ممكن، وإلا لما اضطروا الى القول بالتوسط في التكليف بناءً على العلّية التامّة لا يمكن أن يكون هذا الوجوب مطلقاً؛ لأنّ هذا ينافي العلّية التامّة بحسب الفرض، إذن: لا يمكن أن يكون مطلقاً، ولا يمكن أن يكون مشروطاً بمخالفة الطرف الآخر، لماذا ؟ لأنّ كونه مشروطاً محال، لماذا ؟ كون الوجوب التعبدي مشروطاً بمخالفة الطرف الآخر، والطرف الآخر في محل الكلام هو الحرمة، وليس الوجوب في الطرف الآخر كما في الاضطرار الى أحدهما لا بعينه، وإنّما هو الحرمة، ومخالفة الحرمة تكون بالإتيان بالفعل، كيف يعقل أن يتعلّق وجوب بفعل مشروط بتحقق نفس الفعل في المرتبة السابقة، فإذن، لا يعقل أن يكون مطلقاً، ولا يعقل أن يكون مشروطاً، وهذا يعني أنه في المقام لا يمكن الالتزام بحرمة المخالفة القطعية في محل الكلام، تطبيقاً لفكرة التوسط في التكليف .
نعم، في جانب الحرمة فقط يمكن افتراض الاشتراط، لماذا ؟ لأنّ الحرمة لا مانع من أن يقال أنّ حرمة الفعل مشروطة بمخالفة الوجوب؛ لأنّ مخالفة الوجوب لا تنحصر في ترك الفعل حتّى يقال كيف يحرم عليه الفعل مشروطاً بتركه، كيف يحرم الفعل وفرض في موضوعية تحقق الترك في مرتبة سابقة، هذا محال، مخالفة الوجوب التعبّدي لا تنحصر بالترك؛ بل كما يمكن أن تتحقق بالترك يمكن أن تتحقق بالفعل الغير قربي، كُلاً منهما تتحقق به مخالفة الوجوب التعبدي، مرّة يخالفه بالترك ومرة يخالفه بالفعل الغير تعبّدي، وكُل منهما مخالفة للوجوب، إذا لا ضير أن تكون الحرمة مقيدة ومشروطة بمخالفة الوجوب التعبدي؛ إذ لا يلزم من ذلك طلب الحاصل مثلاً، فليس فيه محذور، المحذور موجود من جانب الوجوب، الوجوب التعبّدي لا يعقل أن يكون مشروطاً بمخالفة الحرمة في محل الكلام، كما أنه لا ضير في ذلك فيما إذا كان كُل منهما تعبدياً أيضاً لا ضير في هذا، الوجوب تعبّدي والحرمة تعبّدية، كُل منهما يكون ممكناً، الوجوب التعبّدي يكون مشروطاً بمخالفة الحرمة التعبّدية، مخالفة الحرمة التعبّدية لا ينحصر بالفعل، حتّى تقول أنّ الوجوب محال أن يتعلق بالفعل، حينئذٍ قد فرض وجود هذا الفعل في مرتبة سابقة، مخالفة الحرمة التعبدية كما يتحقق بالفعل يتحقق بالترك الغير تعبدي، إذن: يعقل أن يقال أنّ الوجوب التعبدي مشروط بمخالفة الحرمة التعبدية، والعكس أيضاً صحيح، يعقل أن يقال بأنّ الحرمة التعبدية مشروطة بمخالفة الوجوب التعبدي ؛ لأنّ مخالفة الوجوب التعبدي لا ينحصر تحققها بالترك؛ بل تتحقق بالترك وتتحقق بالفعل الغير تعبدي، إذن: فكرة التوسط في التكليف إنما تنفع في باب الاضطرار الى أحدهما لا بعينه، ولا تنفع في محل الكلام، لماذا ؟ لأنه في محل الكلام على الأقل يكون التكليف في جانب الوجوب محال، محال أن يكون هناك وجوب للفعل تعبداً، لا مطلقاً ولا مشروطاً بمخالفة الحرمة، فإذن، هذا الكلام يصح في باب الاضطرار، ولكنه لا يصح في محل الكلام لإنتاج حرمة المخالفة القطعية؛ فحينئذٍ التكليف في المقام يكون غير معقول؛ وحينئذٍ تترتب الاثار على ذلك وهو أنه يمكن إجراء البراءة في الطرف الآخر ولا نصل الى هذه النتيجة وهي حرمة المخالفة القطعية، ومن هنا يسجل اشكال على من يقول بالعلّية التامّة، ولا يفرّق بين الموردين على من يقول بحرمة المخالفة بالعلّية التامّة، ويقول بحرمة المخالفة القطعية في المقامين، كالمحقق العراقي(قدّس سرّه) فأنه يقول بالعلّية التامّة ويقول نلتزم بحرمة المخالفة القطعية في موارد الاضطرار وفي محل الكلام، لماذا ؟ بناءً على فكرة التوسط في التكليف وهذا الاشكال يسجل عليه، بأن فكرة التوسط في التكليف تنفع لإثبات حرمة المخالفة القطعية في باب الاضطرار، فهناك يكون من المعقول فكرة التوسط في التكليف، أن يكون التكليف ثابتاً في كل طرف مشروط بمخالفة الطرف الآخر، فلا يوجد محذور ولا طلب حاصل، لكنها لا تنفع في محل الكلام؛ لأنه يستحيل تقييد الوجوب التعبدي للفعل بمخالفة الحرمة؛ لأنّ مخالفة الحرمة تساوق تحقق الفعل في الخارج، ويستحيل اخذ تحقق الفعل في الخارج في مرتبة سابقة على طلبه ووجوبه فلا يمكن تطبيق ذلك في محل الكلام .