33/06/28
تحمیل
الموضوع:- مسألة ( 329 ) / الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع ( صلاة الطواف )/ واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
ثم انه قد اتضح بأنا أفدنا مطلبين في هذا المجال :-
الأول:- الجمع بين الطائفتين بالحمل على التخيير.
والثاني:- على تقدير التنزل وتسليم المعارضة المستقرة نرجع إلى الأصل العملي وهو يقتضي البراءة من تعين أحد الأمور الثلاثة المتقدمة ، فتكون النتيجة هي النتيجة السابقة.
ولكن يمكن أن نقول بلحاظ المطلب الأول:- ان المصير إلى التخيير انما يكون وجيهاً لو لم يكن هناك جمع آخر أقرب منه ، ويمكن أن يقال ان الجمع الآخر الأقرب هو الجمع بالتقييد باعتبار أن الطائفة الأولى تقول ( من ارتحل عن مكة وتذكر فوات الركعتين أتى بهما في موضعه ) وهي مطلقة من حيث أنه ارتحل بمقدارٍ كبير حتى وصل إلى بلده مثلاً وبين أن يكون قد ارتحل بمقدارٍ قليل.
بينما إذا نظرنا إلى الطائفة الثانية وجدناها مقيدة حيث تقول ( ان كان قد مضى قليلاً فليرجع فليصلهما أو يأمر بعض الناس فليصلهما عنه ) وهذه صالحة لتقييد الطائفة الأولى فتحمل الطائفة الأولى على حالة ما إذا ارتحل وابتعد فان مثله يصلي في مكانه وأما من لم يبتعد فحكمه ما أشارت إليه الطائفة الثانية - وهو الرجوع أو الاستنابة - وبهذا تكون النتيجة هي التفصيل بين من ارتحل كثيراً فيصلي مكانه ومن لم يكن كذلك فيرجع أو يستنيب ، وهذا الجمع مقدّم على الجمع بالتخيير ولكن النتيجة العملية لا تتغير كثيراً فبالتالي يصبح من ارتحل عن مكة وصار في بلده أو ما قبله من حقه أن يصلي مكانه سواءً صرنا إلى التخيير أم صرنا إلى الجمع بالتقييد فالنتيجة من هذه الحيثية لا تتغير.
وأما بالنسبة إلى المطلب الثاني فنقول:- هو وجيه بشرط أن لا يكون لدينا إطلاق فوقاني والّا كان هو المرجع ، ويمكن أن يقال ان قوله تعالى ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) هو المرجع أو المرجّح إذ يمكن أن يقال ان الإطلاق موجود هنا فقوله تعالى ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) مطلق فوقاني فعند تعارض الطائفتين - أعني من نسي الركعتين وقالت واحدة يصلي مكانه وقالت الثانية يرجع أو يستنيب - معارضة مستقرة يصير الإطلاق مرجّحاً أو مرجعاً من دون أن تصل النوبة إلى الأصل العملي ، وهذا مطلب واضح ينبغي الالتفات إليه.
وإنما ردّدنا بين مرجعية الإطلاق ومرجّحيته اشارةً إلى الخلاف في المسألة المذكورة ، فالسيد الخوئي(قده) ذهب إلى أنه عند المعارضة المستقرة نرجّح في المرحلة الأولى الموافقة لكتاب الله وهذا مطلب مسلم ، بيد أن الكلام في شيء آخر وهو أن موافقة أحد الخبرين المتعارضين لإطلاق الكتاب هل يعد موافقة للكتاب أو لا ؟ ذكر في غير واحدة من كلماته(قده) أن الموافقة للإطلاق ليست موافقة للكتاب وعلل ذلك بأن إطلاق الكتاب ليس مفاداً للكتاب الكريم ومدلولاً له إذ هو ليس مدلولاً وضعياً حتى يكون مفاداً ومدلولاً للكتاب ، وهذا الرأي كان قبل سلطان العلماء أما بعده فاتفقت الكلمة على أن الإطلاق مدلول لمقدمات الحكمة ، يعني حيث أن المتكلم لم يقيد ووجّه الحكم إلى الطبيعي فيحكم العرف أو العقلاء بالإطلاق فالإطلاق مدلول حكمي وليس مدلولاً وضعياً ومفاداً للكتاب الكريم ، وبناءً على هذا الرأي
[1]
- لو تم - سوف لا يكون إطلاق الكتاب مرجّحاً لأحد الخبرين على الآخر لأنه لا يصدق عليه عنوان الموافق للكتاب وإنما هو موافق للمدلول الحِكمي العقلائي العرفي لا المدلول الكتابي ، وعلى هذا الأساس بعد تساقط الخبرين لا يكون الإطلاق مرجّحاً بل يكون مرجِعاً.
وأما إذا أنكرنا هذا الرأي وقلنا أن إطلاق الكتاب هو كتابٌ غايته هو كتابٌ ومدلول للكتاب بعد ضمّ مقدمات الحكمة فمقدمات الحكمة تصير سبباً لكون الكتاب الكريم دالاً على الإطلاق فبالتالي الدال على الإطلاق هو الكتاب الكريم ، فانه بناء على هذا يكون إطلاق الكتاب مرجّحاً لا مرجعاً.
إذن ترديدنا في كون الإطلاق مرجعاً أو مرجّحاً هو اشارة إلى هذه النكتة العلمية . وهل هناك ثمرة عملية لذلك أو أنه مجرد خلاف علمي لا أكثر ؟ لا يخطر ببالي ثمرة عملية لذلك.
إذن الخلاصة هي ما أوضحناه:- أي المناسب هو الجمع بالتقييد دون التخيير ، هذا أوّلاً.
وثانياً:- وعلى تقدير التنزل والمعارضة المستقرة لا يكون الأصل العملي هو المُحكَّم بل يكون المُحكَّم هو إطلاق الكتاب كمرجع أو كمرجّح.
وقبل أن نختم حديثنا نشير إلى قضية علمية وهي:- ان الجمع الذي أشرنا إليه لا نقصد منه الجمع بنحو شاهد التفصيل ولا الجمع بنحو الحكومة فان للجمع العرفي أشكالاً متعددة ومن أشكاله الجمع بشاهد التفصيل ، والمقصود منه أنه أحياناً تأتي ثلاث طوائف طائفة تقول مثلاً ( إذا نسي الركعتين رجع ) ولنفترض أنها مطلقة والثانية تقول ( يصلي مكانه ) والثالثة تقول ( ان شق عليه فيصلي مكانه وان لم يشق عليه فيرجع ) فهنا نجمع بين الروايات ونحمل الآمرة بالأداء في موضعه على حالة المشقّة وتلك على عدم المشقة والدليل على ذلك هو الرواية المفصّلة فان العرف حينما يطّلع على وجود رواية مفصّلة بالشكل الذي أشرنا إليه يحمل التي ألزمت بالعود مطلقاً على حالة عدم المشقة وتلك على المشقة ، وهذا يمكن أن نصطلح عليه بالجمع بشاهد التفصيل
[2]
، هذا بالنسبة إلى الشكل الأول من الجمع العرفي.
والجمع الثاني هو الجمع بنحو الحكومة ، ويقصد منه ورود طوائف ثلاث أيضاً ولكن النسبة بين احدى الطائفتين والأخرى هي التباين أو العموم من وجه مثلاً فلا يمكن الجمع بالتخصيص أو بالتقييد ولكن توجد طائفة ثالثة هي أخص مطلقاً من احدى تينك الطائفتين فسوف تخصّصها لقانون الجمع بالتخصيص فإذا خصصتها فربما تصير تلك النسبة السابقة بن الطائفتين الأوليين - التي كانت هي التباين مثلاً - بعد التخصيص هي العموم والخصوص المطلق ، يعني أن الطائفة التي خصّصت بالثالثة تصير بعد التخصيص نسبتها إلى الأولى نسبة الأخص مطلقاً ، ووقع كلام بين الأصوليين في أنه هل نلاحظ هذه النسبة الجديدة - التي يعبر عنها بالنسبة بعد الانقلاب أو بالنسبة المنقلبة - أو نلاحظ النسبة القديمة ؟ ان هذا نزاع وقع بين الأصوليين ، وذهب صاحب الكفاية إلى أنه نلاحظ النسبة القديمة ، بينما ذهب البعض إلى أنه نلاحظ النسبة الجديدة . وهذا جمع عرفي أيضاً ولكن بنحو الحكومة فيقال ان العرف في هذه الطوائف الثلاث يجمع بالشكل المذكور - يعني يجعل الثالثة مخصصة في المرحلة للثانية فالثانية إذا صارت أخص مطلقاً من الأولى فيلاحظ العرف هذه النسبة الجديدة بين الأولى والثانية فتصير الثانية بعد تخصيصها بسبب الثالثة أخص مطلقاً من الأولى فنخصص الأولى بالثانية - وهذا جمع بنحو الحكومة.
ونحن نريد أن نقول:- ان الجمع الذي ذكرناه في مقامنا ليس من هذا ولا من ذاك - أي لا من باب شاهد التفصيل ولا من باب الحكومة - وإنما من بابٍ ثالثٍ يمكن أن نصطلح عليه بالجمع بنحو التخيير أو الجمع بنحو التقييد ، وقلنا الجمع بنحو التقييد مقدّم على الجمع بنحو التخيير فإذا كان هناك مجال للجمع بنحو التقييد وقلنا أنه مقبول عرفاً في خصوص مقامنا فالمصير إليه ، وان لم يكن مقبولاً بأن كانت الروايات آبية عن التقييد مثلاً فنصير إلى الجمع بالتخيير.
[1] وأنا الآن لست بصدد تمامية هذا الراي أو لا ، كما انا بينا في بعض الموارد أنا لا نوافق على ذلك.
[2] وهذا ليس مصطلحاً اصوليا موجود سابقاً بل ان اوقعه موجود ولكن نحن قد اصطلحناه الآن.