33/03/12
تحمیل
الموضوع / التنبيه الرابع / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
الوجه الثاني:- ما أشار إليه الشيخ الأعظم(قده) في كلماته وارتضاه السيد الروحاني(قده)
[1]
وحاصله:- ان شرط منجزية العلم الإجمالي هو تعارض الأصول في اطرافه وتساقطها فإنها لو تساقطت يبقى كل طرف بلا مؤمِّن فلا تجوز آنذاك المخالفة لفرض عدم وجود المؤمن وفي المقام لا معارضة بين الأصول إذ المرأة ما دامت في الثلاثة الأولى من الدم فتجري الأصل بلحاظ التكليف المشكوك في الثلاثة الأولى فهي تشك هل أنه يحرم عليها دخول المسجد في الثلاثة الأولى فتجري البراءة ، ولا يعارض ذلك بالبراءة عن حرمة دخول المسجد في الثلاثة الثانية إذ المفروض أن ذلك التكليف لا يُحتمل وجوده الآن كي نحتاج إلى إجراء البراءة عنه بل ان كان ثابتاً فهو يثبت في الثلاثة الثانية التي لم يحن وقتها الآن ، ومعه فلا معنى لإجراء البراءة عن الحكم الذي يتولد في الثلاثة الثانية بعد عدم احتمال وجوده الآن ، هذا ما دمنا في الثلاثة الأولى.
وإذا حلَّت الثلاثة الثانية فالبراءة تجري عن حرمة دخول المسجد في هذه الثلاثة الثانية ولا يُعارض بالبراءة بلحاظ الثلاثة الأولى فان حرمة دخول المسجد في الثلاثة الأولى لا يُحتمل وجوده الآن حتى نحتاج إلى إجراء البراءة عنه بل لو كان ثابتاً فهو ثابت في وقته الذي سبق وانقضى.
وبكلمة أخرى:- ان تعارض البراءتين فرع احتمال ثبوت كلا التكليفين الآن والفروض أن الأمر ليس كذلك فان الثابت في الثلاثة الأولى - ان كان هناك شيء ثابت - هو حرمة دخول المسجد في الثلاثة الأولى ، وأما الحرمة في الثلاثة الثانية فلا يحتمل ثبوتها الآن ، وهذا مطلب ينبغي ان يكون واضحاً.
وفيه ما أشرنا إليه أكثر من مرة:- وهو أنه ماذا يقصد من تعارض الأصول ؟ ليس المقصود هو أن الأصل يجري في الجانب وفي ذلك الجانب أيضاً ويتساقطان ، فلو كان المقصود هو هذا المعنى فنسلم أن الساحة في الثلاثة الأولى لا يبرز إليها الا أصل واحد وهو أصل البراءة من حرمة دخول المسجد في الثلاثة الأولى ولا يبرز أصلٌ بلحاظ الثلاثة الثانية ، وهكذا حينما نصل إلى الثلاثة الثانية لا يبرز أصلان بل أصل واحد والحق - لو فسرنا التعارض بهذا التفسير - يكون مع العلمين ، ولكن قلنا ان المقصود من التعارض ليس هذا إذ أنه واضح الوهن إذ لا معنى لأن يعبدني الشارع بالأصل من هذا الجانب ثم يعبدني بالأصل من ذاك الجانب وبعد أن عبدني مرتين يقول لي إنهما يتساقطان ولا تُعر لهما أهمية ، ان هذا لغوٌ في أصل التعبُّد من البداية فلماذا تعبدني من البداية ثم يسقط كلا التعبدين ان هذا ليس فعلاً للعاقل ، بل المقصود من التعارض هو أن دليل الأصل يُعلم بعدم قابليته لشمولهما معاً لكونه كاذباً بلحاظ أحدهما وكذلك لا يمكن أن يشمل أحدهما دون الآخر لأنه بلا مرجح ، وإذا قبلنا بكون معنى التعارض هو هذا فتعال الى مقامنا ونقول:- أنا الآن في الثلاثة الأولى وأعلم بأن دليل الأصل لا يمكن أن يشمل هذا الوجوب الآن مع شموله لذلك الوجوب غداً فان أحد الشمولين كاذب - يعني إما شموله للحكم هذا اليوم هو كاذب أو شموله للحكم ليوم غد هو كاذب - وبالتالي صرت أعلم بكذب أحد الشمولين وهذا نتيجته أنه لا يشملهما معاً لكذب أحدهما جزماً كما لا يشمل الواحد المعيَّن لأنه بلا مرجح ، ان هذا هو معنى التعارض والتساقط وهو لا يتوقف على وجود كلا الحكمين معاً الآن بل يتم بالطريقة التي أشرنا إليها ، وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً.
ثم ان الشيخ النائيني(قده)
[2]
وهكذا السيد الخوئي(قده)
[3]
ذكرا جواباً آخر عن هذا الوجه الذي ذكره الشيخ الأنصاري وقالا بأن الأصلين متعارضان بلحاظ زمن واحد وذلك بالبيان التالي:- ان ملاك الحكم الثاني - يعني حرمة دخول المسجد في اليوم الثاني - تارة يكون فعلياً من الآن ولا تتوقف فعليته على مجيء اليوم الثاني وأخرى لا يكون فعلياً من الآن وإنما يكون فعلياً في وقته - أي عند حلول يوم غدٍ -.
فان فرضنا الأول فذلك يعني أن المكلف يعلم إجمالاً بفعلية أحد الملاكين فإما أن يكون الحيض هو الدم الاول فيكون ملاكه فعياً أو يكون الحيض هو الدم الثاني وملاكه يكون فعلياً أيضاً فيعلم المكلف إذن بفعلية واحدٍ من الملاكين فيصير هذا العلم الإجمالي منجزاً وبالتالي لا تجري الأصول في أطرافه للمعارضة ، فاصل البراءة عن الملاك الاول لا يجري لمعارضته بأصل البراءة عن الملاك الثاني لفرض أن أحد الملاكين فعلي جزماً.
وعلى الثاني فأصل البراءة بلحاظ الملاك الثاني - الذي يصير فعلياً غداً - لا يجري من الآن ولا يحق للمولى أن يعبدنا به لأنه لو عبدنا به فسوف يُعجِّز عبده عن تحصيل ذلك الملاك الذي يصير فعلياً في وقته ، ومن الواضح ان تعجيز المكلف عن تحصيل الملاك الفعلي في وقته شيء قبيح ، فكما يقبح من العبد أن يُعجِّز نفسه عن تحصيل الملاك الفعلي في وقته كذلك يقبح على المولى أن يُعجِّز عبده - من خلال تشريعه للأصل - عن تحصيل الملاك الذي يكون فعلياً في وقته.
وبكلمة أخرى:- ليس التعجيز القبيح هو فقط أن يُعجِّز المكلف نفسه عن تحصيل الملاك الذي يكون فعلياً الآن بل يقبح أيضاً أن يعجز نفسه عن تحصيل الملاك الذي يكون فعلياً غداً وفي وقته ، وبالتالي لا يجوز للمولى أن يُشرِّع الأصل بلحاظ الملاك الثاني لأنه سوف يُعجِّز عبده عن تحصيله والذي هو فعلي في يوم غدٍ وفي زمانه المقرر وبالتالي نحن نعلم أن أحد الأصلين لا يجري فإما أن الدم الاول هو حيض فيكون ملاكه فعلياً من الآن أو يكون الدم الثاني هو الحيض فيكون ملاكه فعلياً غداً وفي وقته ولكن لا يجوز تشريع الأصل الآن لأنه يلزم منه تعجيز المكلف عن تحصيل ذلك الملاك وبالتالي يبقى المكلف بلا مؤمِّن فيلزمه الاحتياط وذلك بترك دخول المسجد في هذا اليوم تحصيلاً للملاك المحتمل ثبوته الآن وترك الدخول غداً تحصيلاً للملاك الفعلي في وقته ، هذا حاصل ما ذكره العلمان.
[1] منتقى الأصول 5 -182.
[2] فوائد الأصول 4 113 ، أجود التقريرات 2 273.
[3] مصباح الأصول 2 -371.