36/06/14
تحمیل
الموضوع:- قاعدة مرجعية العرف - قواعد وفوائد.
المورد الرابع:- تحديد المداليل الالتزاميّة.
والمقصود هو أنّ الدليل قد يدلّ على حكمٍ ولذلك الحكم مدلولٌ التزامي عرفي فإذا ثبت ذلك فنأخذ بذلك المدلول الالتزامي العرفي.
من قبيل:- الدليل الدال على طهارة الخمر بالانقلاب فيصير حلالاً وطاهراً بانقلابه خلّاً.
والسؤال:- لو قال قائل أوليس القنينة أو الآنية التي تحتوي الخمر كانت متنجّسة - بناءً على نجاسة الخمر - والدليل قد دلّ على أنّ الخمر يطهر لكن تبقى نجاسة من ناحية الآنية فزالت النجاسة الذاتيّة وحدثت نجاسة عرضيّة بسبب نجاسة الآنية أو القنينة ؟!!
ونحن نجيب ونقول:- هناك دلة التزاميّة عرفيّة، يعني أنّ العرف يفهم أنّ الشرع حينما يقول ( الخمر قد طهر ) فلازمه أنّ الآنية تطهر بالتبع، وهذا مدلولٌ التزاميٌّ عرفيّ إذ لو لم تطهر بالتبع فما الفائدة من هذه الطهارة ؟ إنّه يلزم العبث، فالعرف يفهم من نفس دليل طهارة الخمر بالانقلاب طهارة الآنية أيضاً بسبب الانقلاب، وهذا المدلول الالتزامي حجّة فنأخذ به.
ومن القبيل:- جواز الاستجمار بالأحجار، فلو طهّر موضع الغائط بالأحجار فإنّه سوف تبقى ذرّات النجاسة في الموضع وبالتالي حينما يلامس الثوب هذه الذرات برطوبة فهل تقبل بأنّ نقول إنّه قد تنجّس ؟ كلّا لا نقبل ذلك . فإذن هنا يوجد مدلول التزامي عرفيّ.
وتوجد شواهد أخرى كثيرة على ذلك.
والجواب:- إنّ المدرك هو نفس مدرك الحجيّة في مرجعيّة العرف لتحديد مفاهيم الألفاظ فإنّ المدرك كان هو الظهور الحالي في أنّ الانسان يتكلّم على طبق ما يفهمه عامّة الناس وهنا نذكر نفس هذا الكلام ولكن مع إضافةٍ فنقول هناك ظهورٌ حاليّ لكلّ إنسان في أنه يتكلّم ويريد ما يفهمه الناس بما له من مداليل عرفيّة والظهور حجّة.
المورد الخامس:- باب العادات السير، بمعنى أنّ العرف قد تكون له عادة وسيرة على قضية معيّنة فإذا كانت هذه العادة والسيرة في زمان المعصوم وسكت عليه السلام عن ذلك ثبتت حجّية هذه العادة والسيرة من باب دلالة التقرير فسكوته يدلّ على إمضاء هذه العادة.
فمثلاً الأخذ بالظهور والأخذ بخبر الثقة و ( كلّ من حاز ملك ) وما شاكل ذلك فإنّ هذه عادات وسير كانت موجودة في زمن المعصوم عليه السلام فمادام قد سكت عنها فهذا يدلّ على الامضاء، وهذا شيءٌ واضح.
وما هو المدرك لحجيّة العرف في هذا المورد ؟
والجواب واضح :- وهو أنّ العرف يُوجِد صغرى دليل الامضاء - إن صحّ التعبير -، يعني بالعرف تتحقّق عادةٌ وسلوكٌ، فدور العرف دور المحقّق للعادة والسلوك وسكوت الإمام الكاشف عن الامضاء هو الحجّة، فالحجيّة تعود إلى إمضاء المعصوم المستكشف من سكوته أما دور العرف فهو دور المنقّح للعمل الذي يُراد استكشاف إمضائه، فدور العرف هو دور المحقّق للعادة والسيرة لا أكثر والحجّة هو الامضاء فيؤخذ حينئذٍ بالعرف في هذا المورد.
كما هو الحال في الشرط الضمني فهو من باب أنّه يحقّق صغرى الشرط والحجيّة تعود إلى دليل ( المؤمنون - أو المسلمون - عند شروطهم ) فهنا أيضاً كذلك، فدور العرف دور المحقّق للسيرة والعادة والحجّية تعود للإمضاء المستكشف من السكوت.
هذه خمسة موارد يرجع فيها إلى العرف.
وينبغي أنّ ننبّه إلى أنّ هذه الموارد التي ذكرناها لم نذكرها من باب الحصر إذ لعله بالتتبع والتأمل يمكن العثور على موارد أكثر، ويصعب على الفقيه أن يحصر الرجوع إلى العرف في هذه الموارد فقط.
وألفت النظر أيضاً إلى أنّ المقصود من العرف الذي هو حجّة ونرجع إليه هو العرف العام دون الخاص، فهناك عرفٌ للنحاة وهناك عرفٌ للمناطقة فإنّ هذه الأعراف الخاصّة لا نرجع إليها وإنما نرجع إلى الاعراف العامّة، والنكتة في ذلك هي أن المتكلّم حينما يتكلّم فهو لا يتكلّم بما هو منطقيّ أو أصولي وإنما يتكلّم بما هو إنسانٌ ومصداقٌ من العرف العام فيتكلّم على وفق الأساليب والأدوات العامة عند العرف، فالمدار على العرف العام دون الخاص.
نعم إذا كان المتكلّم منطقياً أو أصولياً فربما تتغلّب عليه النزعة الاصطلاحيّة فيؤخذ بعرفه وهذه قضية خاصة.
ومن هذا القبيل:- هو أنّ بعض المدن أو العشائر لها مصطلحاتها وعاداتها الخاصّة فيلزم الأخذ بالمفهوم على طبق ما هو متداول عندهم، ويترتب على هذا أنّه لو جاءتنا وصيّة مثلاً فينبغي أن نفهمها على طبق ما هو موجودٌ عند تلك العشيرة لأنّ ظاهر حاله أنّه يتكلّم على طبق ما هو متداول في محيطه ولا أُلزِمه بما تقتضيه أعرافنا نحن عامّة الناس، ولذلك لابد وأن نسأل أحد أفراد تلك العشيرة أو أحد أولاده حتى نفهم مقصوده فنحدّد الدلالة على طبق ما هو متداول عندهم فنسير على طبق الخاصّ لأننا نريد فهم كلام هذا الانسان وهو يتكلّم على وفق ما هو متداول عندهم.
إذن لابد وأن نميّز بين الألفاظ الواردة في النصوص الشرعيّة فنرجع فيها إلى العرف العام، وبين الألفاظ الواردة في وصايا الناس العاديّين فنرجع فيها إلى عرفهم، وهذه نكتة ينبغي الالتفات إليها.
ونلفت النظر أيضاً إلى أنه يوجد فرقٌ بين العرف وبين السيرة، فالسيرة تمثّل عملاً وسلوكاً خاصّاً فالسلوك والعمل يعبّر عنه بالسيرة كالأخذ بالظهور أو الأخذ بخبر الثقة، وأمّا العرف الذي نرجع إليه فيراد به ما هو أوسع من ذلك، فالسيرة هي أحد مصاديق العرف ولكن لا ينحصر مصداق العرف بالسيرة، فقد يكون الأخذ بالعرف ليس من مصاديق السيرة كما ذكرنا في بعض الأمثلة المتقدّمة فمثلاً قلنا إنّه يوجد مدلول التزاميّ عرفي لدليل طهارة الخمر إذا انقلب إلى خلّ فإنّ هذا ليس مصداقاً للسيرة وإنما هو مصداق لفهمٍ عرفيّ خاصّ وقد لا نسميّه سيرةً، إذن العرف شيءٌ أوسع من السيرة والسيرة حصّة خاصّة من العرف.
وأمّا الموارد التي لا يجوز فيها الرجوع إلى العرف:- فقد اتضحت من خلال ما ذكرناه، ولكن نشير إلى تلك الموارد لوجود بعض النكات:-
المورد الأوّل:- ما إذا فرض أنّ العرف أو الشرع حدّد المفهوم ففي مقام تطبيقه - بعد التحديد العرفي أو الشرعي - لا نرجع إلى العرف، من قبيل أنّ الآية الكريمة قالت:- ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) ، والوجه ما دارت عليه الإبهام والوسطى، فلو فرض أنّه كانت توجد نقطة صغيرة كرأس الإبرة على الوجه من الصبغ أو الصمغ المانع من وصول الماء فلعلّ العرف في هذه الحالة يقول إنّه غَسَل وجهه بمقدار ما دارت عليه الابهام والوسطى، ولكن الدّقّة تقول هو لم يغسله إذ هو غَسَله إلّا بمقدار رأس إبرة، فهنا هل نرجع إلى العرف ؟ كلّا لا نرجع إليه فإنّه لا دليل على الرجوع إلى العرف في تحديد المصداق.
أجل لو فرض أنّ العرف قال إنّي أفهم من الأمر بغسل الوجه - كتحديدٍ للمفهوم وليس كتحديدٍ للمصداق - يعني غسل عامّة الوجه ولا يضرّ إذا بقي مقدارٍ صغيرٍ منه فإذا حدّد المفهوم بهذا الشكل فهذا رجوعٌ إليه في تحديد المفهوم وهو عن محلّ كلامنا، إنما كلامنا فيما إذا فرض أنّه قال ( إنّ غسل الوجه يعني كامل الوجه وإذا بقي منه شيء يسير فهذا ليس غسلاً لكامل الوجه ولو قلتُ - أنا العرف - إنّ هذا غسلٌ لكامل الوجه فهذا إطلاقٌ مسامحي )، فإذا قال هكذا فلا نرجع إليه في تحديد المصداق لأنك قلت إن المفهوم هو غسل كامل الوجه وهذا ليس غسلاً لكامل الوجه.
وهكذا في مسألة تحديد مقدار الكرّ وأنه سبعة وعشرين شبراً مثلاً، ولكن لو فرض أنّه كان سبعة وعشرين شبراً إلّا مقدار شعرةٍ فهل نرجع إلى العرف حينئذٍ ؟ كلّا بعدما فرض أنّ العرف وافق وقال إنَّ المدار على سبعة وعشرين شبراً بالشبر المتعارفة وهنا قد فرضنا أنّه لم يكن سبعة وعشرين كاملة بالشبر المتعارفة بل هو أقل بمقدار شعرة أو شعرتين فهنا يكون رجوعاً إليه في المصداق ولا دليل على حجيّة الرجوع إلية في باب المصداق.
المورد الرابع:- تحديد المداليل الالتزاميّة.
والمقصود هو أنّ الدليل قد يدلّ على حكمٍ ولذلك الحكم مدلولٌ التزامي عرفي فإذا ثبت ذلك فنأخذ بذلك المدلول الالتزامي العرفي.
من قبيل:- الدليل الدال على طهارة الخمر بالانقلاب فيصير حلالاً وطاهراً بانقلابه خلّاً.
والسؤال:- لو قال قائل أوليس القنينة أو الآنية التي تحتوي الخمر كانت متنجّسة - بناءً على نجاسة الخمر - والدليل قد دلّ على أنّ الخمر يطهر لكن تبقى نجاسة من ناحية الآنية فزالت النجاسة الذاتيّة وحدثت نجاسة عرضيّة بسبب نجاسة الآنية أو القنينة ؟!!
ونحن نجيب ونقول:- هناك دلة التزاميّة عرفيّة، يعني أنّ العرف يفهم أنّ الشرع حينما يقول ( الخمر قد طهر ) فلازمه أنّ الآنية تطهر بالتبع، وهذا مدلولٌ التزاميٌّ عرفيّ إذ لو لم تطهر بالتبع فما الفائدة من هذه الطهارة ؟ إنّه يلزم العبث، فالعرف يفهم من نفس دليل طهارة الخمر بالانقلاب طهارة الآنية أيضاً بسبب الانقلاب، وهذا المدلول الالتزامي حجّة فنأخذ به.
ومن القبيل:- جواز الاستجمار بالأحجار، فلو طهّر موضع الغائط بالأحجار فإنّه سوف تبقى ذرّات النجاسة في الموضع وبالتالي حينما يلامس الثوب هذه الذرات برطوبة فهل تقبل بأنّ نقول إنّه قد تنجّس ؟ كلّا لا نقبل ذلك . فإذن هنا يوجد مدلول التزامي عرفيّ.
وتوجد شواهد أخرى كثيرة على ذلك.
والجواب:- إنّ المدرك هو نفس مدرك الحجيّة في مرجعيّة العرف لتحديد مفاهيم الألفاظ فإنّ المدرك كان هو الظهور الحالي في أنّ الانسان يتكلّم على طبق ما يفهمه عامّة الناس وهنا نذكر نفس هذا الكلام ولكن مع إضافةٍ فنقول هناك ظهورٌ حاليّ لكلّ إنسان في أنه يتكلّم ويريد ما يفهمه الناس بما له من مداليل عرفيّة والظهور حجّة.
المورد الخامس:- باب العادات السير، بمعنى أنّ العرف قد تكون له عادة وسيرة على قضية معيّنة فإذا كانت هذه العادة والسيرة في زمان المعصوم وسكت عليه السلام عن ذلك ثبتت حجّية هذه العادة والسيرة من باب دلالة التقرير فسكوته يدلّ على إمضاء هذه العادة.
فمثلاً الأخذ بالظهور والأخذ بخبر الثقة و ( كلّ من حاز ملك ) وما شاكل ذلك فإنّ هذه عادات وسير كانت موجودة في زمن المعصوم عليه السلام فمادام قد سكت عنها فهذا يدلّ على الامضاء، وهذا شيءٌ واضح.
وما هو المدرك لحجيّة العرف في هذا المورد ؟
والجواب واضح :- وهو أنّ العرف يُوجِد صغرى دليل الامضاء - إن صحّ التعبير -، يعني بالعرف تتحقّق عادةٌ وسلوكٌ، فدور العرف دور المحقّق للعادة والسلوك وسكوت الإمام الكاشف عن الامضاء هو الحجّة، فالحجيّة تعود إلى إمضاء المعصوم المستكشف من سكوته أما دور العرف فهو دور المنقّح للعمل الذي يُراد استكشاف إمضائه، فدور العرف هو دور المحقّق للعادة والسيرة لا أكثر والحجّة هو الامضاء فيؤخذ حينئذٍ بالعرف في هذا المورد.
كما هو الحال في الشرط الضمني فهو من باب أنّه يحقّق صغرى الشرط والحجيّة تعود إلى دليل ( المؤمنون - أو المسلمون - عند شروطهم ) فهنا أيضاً كذلك، فدور العرف دور المحقّق للسيرة والعادة والحجّية تعود للإمضاء المستكشف من السكوت.
هذه خمسة موارد يرجع فيها إلى العرف.
وينبغي أنّ ننبّه إلى أنّ هذه الموارد التي ذكرناها لم نذكرها من باب الحصر إذ لعله بالتتبع والتأمل يمكن العثور على موارد أكثر، ويصعب على الفقيه أن يحصر الرجوع إلى العرف في هذه الموارد فقط.
وألفت النظر أيضاً إلى أنّ المقصود من العرف الذي هو حجّة ونرجع إليه هو العرف العام دون الخاص، فهناك عرفٌ للنحاة وهناك عرفٌ للمناطقة فإنّ هذه الأعراف الخاصّة لا نرجع إليها وإنما نرجع إلى الاعراف العامّة، والنكتة في ذلك هي أن المتكلّم حينما يتكلّم فهو لا يتكلّم بما هو منطقيّ أو أصولي وإنما يتكلّم بما هو إنسانٌ ومصداقٌ من العرف العام فيتكلّم على وفق الأساليب والأدوات العامة عند العرف، فالمدار على العرف العام دون الخاص.
نعم إذا كان المتكلّم منطقياً أو أصولياً فربما تتغلّب عليه النزعة الاصطلاحيّة فيؤخذ بعرفه وهذه قضية خاصة.
ومن هذا القبيل:- هو أنّ بعض المدن أو العشائر لها مصطلحاتها وعاداتها الخاصّة فيلزم الأخذ بالمفهوم على طبق ما هو متداول عندهم، ويترتب على هذا أنّه لو جاءتنا وصيّة مثلاً فينبغي أن نفهمها على طبق ما هو موجودٌ عند تلك العشيرة لأنّ ظاهر حاله أنّه يتكلّم على طبق ما هو متداول في محيطه ولا أُلزِمه بما تقتضيه أعرافنا نحن عامّة الناس، ولذلك لابد وأن نسأل أحد أفراد تلك العشيرة أو أحد أولاده حتى نفهم مقصوده فنحدّد الدلالة على طبق ما هو متداول عندهم فنسير على طبق الخاصّ لأننا نريد فهم كلام هذا الانسان وهو يتكلّم على وفق ما هو متداول عندهم.
إذن لابد وأن نميّز بين الألفاظ الواردة في النصوص الشرعيّة فنرجع فيها إلى العرف العام، وبين الألفاظ الواردة في وصايا الناس العاديّين فنرجع فيها إلى عرفهم، وهذه نكتة ينبغي الالتفات إليها.
ونلفت النظر أيضاً إلى أنه يوجد فرقٌ بين العرف وبين السيرة، فالسيرة تمثّل عملاً وسلوكاً خاصّاً فالسلوك والعمل يعبّر عنه بالسيرة كالأخذ بالظهور أو الأخذ بخبر الثقة، وأمّا العرف الذي نرجع إليه فيراد به ما هو أوسع من ذلك، فالسيرة هي أحد مصاديق العرف ولكن لا ينحصر مصداق العرف بالسيرة، فقد يكون الأخذ بالعرف ليس من مصاديق السيرة كما ذكرنا في بعض الأمثلة المتقدّمة فمثلاً قلنا إنّه يوجد مدلول التزاميّ عرفي لدليل طهارة الخمر إذا انقلب إلى خلّ فإنّ هذا ليس مصداقاً للسيرة وإنما هو مصداق لفهمٍ عرفيّ خاصّ وقد لا نسميّه سيرةً، إذن العرف شيءٌ أوسع من السيرة والسيرة حصّة خاصّة من العرف.
وأمّا الموارد التي لا يجوز فيها الرجوع إلى العرف:- فقد اتضحت من خلال ما ذكرناه، ولكن نشير إلى تلك الموارد لوجود بعض النكات:-
المورد الأوّل:- ما إذا فرض أنّ العرف أو الشرع حدّد المفهوم ففي مقام تطبيقه - بعد التحديد العرفي أو الشرعي - لا نرجع إلى العرف، من قبيل أنّ الآية الكريمة قالت:- ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) ، والوجه ما دارت عليه الإبهام والوسطى، فلو فرض أنّه كانت توجد نقطة صغيرة كرأس الإبرة على الوجه من الصبغ أو الصمغ المانع من وصول الماء فلعلّ العرف في هذه الحالة يقول إنّه غَسَل وجهه بمقدار ما دارت عليه الابهام والوسطى، ولكن الدّقّة تقول هو لم يغسله إذ هو غَسَله إلّا بمقدار رأس إبرة، فهنا هل نرجع إلى العرف ؟ كلّا لا نرجع إليه فإنّه لا دليل على الرجوع إلى العرف في تحديد المصداق.
أجل لو فرض أنّ العرف قال إنّي أفهم من الأمر بغسل الوجه - كتحديدٍ للمفهوم وليس كتحديدٍ للمصداق - يعني غسل عامّة الوجه ولا يضرّ إذا بقي مقدارٍ صغيرٍ منه فإذا حدّد المفهوم بهذا الشكل فهذا رجوعٌ إليه في تحديد المفهوم وهو عن محلّ كلامنا، إنما كلامنا فيما إذا فرض أنّه قال ( إنّ غسل الوجه يعني كامل الوجه وإذا بقي منه شيء يسير فهذا ليس غسلاً لكامل الوجه ولو قلتُ - أنا العرف - إنّ هذا غسلٌ لكامل الوجه فهذا إطلاقٌ مسامحي )، فإذا قال هكذا فلا نرجع إليه في تحديد المصداق لأنك قلت إن المفهوم هو غسل كامل الوجه وهذا ليس غسلاً لكامل الوجه.
وهكذا في مسألة تحديد مقدار الكرّ وأنه سبعة وعشرين شبراً مثلاً، ولكن لو فرض أنّه كان سبعة وعشرين شبراً إلّا مقدار شعرةٍ فهل نرجع إلى العرف حينئذٍ ؟ كلّا بعدما فرض أنّ العرف وافق وقال إنَّ المدار على سبعة وعشرين شبراً بالشبر المتعارفة وهنا قد فرضنا أنّه لم يكن سبعة وعشرين كاملة بالشبر المتعارفة بل هو أقل بمقدار شعرة أو شعرتين فهنا يكون رجوعاً إليه في المصداق ولا دليل على حجيّة الرجوع إلية في باب المصداق.