37/04/15
تحمیل
الموضوع:- ثمرة وجوب المقدّمة - مقدّمة الواجب.
الثمرة الخامسة:- إنّ مقدّمة الواجب إذا كانت واجبة فيمكن للمكلّف أن يأتي بها بقصد التقرّب بأمرها من دون حاجةٍ إلى أن يقصد التقرّب من خلال الأمر النفسي بذيها ، كلا بل عنده طريق ثانٍ للتقرّب ، فتحصل توسعة في مقام التقرّب ، فحينما تركب الطائرة إلى الحج وأردت التقرب بركوبك هذا لا حاجة إلى أن تقول ( أركب في الطائرة ... ) ، بل تقول ( أسافر بقصد امتثال الأمر الغيري ) فإنّ الركوب مقدّمة وبناءً على وجوبه الغيري أقصد التقرّب من خلاله ، بينما إذا لم نقل بوجوب المقدّمة فقصد التقرّب يكون من خلال ذي المقدّمة ، يعني تقول ( أسافر بقصد امتثال الأمر بالحج ) فينحصر عليك ذلك - أي لأجل أنّ المولى يريد الحج - ، أما إذا قلنا بوجوب المقدّمة فتحصل توسعة فيمكنك أن تقصد التقرّب من خلال الأمر المقدّمي.
وقد أشار الشيخ العراقي(قده) إلى هذه الثمرة[1] ، وكذلك الشيخ النائيني(قده)[2] .
ويرد على ذلك:-
أوّلاً:- إنّ الأمر الغيري لا مقربيّة له ولا مبعّدية ولا عصيان ولا ثواب ولا عقاب ولا محرّكية ولا غير ذلك فإنّ الوجوب الغيري هذا شأنه ، وإنما المدار على امتثال الأمر النفسي؛ إذ السفر حتى لو كان واجباً ولكن الشرع لا يريد السفر بما هو سفر بل الذي يهمّه وفيه الملاك هو نفس الحج أمّا مقدماته فإنّه حتى لو فرض أنها واجبة ولكن لا ملاكٍ فيها ولا مقرّبية ولا غير ذلك ، فالأمر الغيري لا مقربيّة له بما هو أمرٌ غيري وإنما التقرّب يحصل بلحاظ الأمر النفسي.
ثانياً:- بهذا المقدار لا تصير المسألة أصولية ، فإنّ ثمرة المسألة الأصولية هو وقوع نتيجتها في استنباط الحكم الشرعي ، وهنا لا نحصل على ذلك ، فإنّ غاية ما نحصل عليه هو أنّ المقرّبية سوف تتحقّق ، والمقربية ليست حكماً شرعياً ، وإنما الحكم الشرعي هو وجوب التقرّب - يجب عليك التقرّب أو يستحب التقرب - ، فالوجوب أو الاستحباب هو الحكم الشرعي والتقرب هو متعلّق الحكم الشرعي ، وثمرة المسألة الأصولية يلزم أن تقع في طريق تحصيل الحكم الحكم الشرعي لا تحصيل متعلّقه أو موضوعه الحكم ، وإلا فموضاعات الأحكام ومتعلقاتها يمكن تحصيلها بوسائل متعدّدة ، فهل تصير كلّ تلك الوسائل مسائل أصولية حينئذٍ ؟! إنّها لا تصير أصولية.
الثمرة السادسة:- ولتوضيحها أذكر مقدّمة ثم نبينها:-
والمقدمة هي:- أنّه لو فرض أنّ شخصاً آجر غيره على عملٍ - وهذه مسألة فقهية - فقال له آجرتك على أن تبني داري بكذا مقدار من المال ، فحينئذٍ سوف يستحقّ العامل الأجرة بنفس عقد الاجارة سواء أدّى العمل أو لم يؤده ، فنفس عقد الاجارة هو من الموجبات للتمليك ، اللهم إلا أن نقول هناك شرطٌ ضمنيٌّ في أنه يلزم أن يكمل البناء حتى يعطيه الأجرة ، وليس من البعيد أن نقول بوجود هذا الشرط الضمني بهذا النحو وهذا لا بأس به ، ولكن بقطع النظر عن هذا الشرط الضمني فهو يستحق الأجرة بمجرد عقد الاجارة ، وهذا واضح.
والذي أريد أن أقوله:- هو أني لو قلت لشخصٍ ( ابنِ داري ) ولم أقل له ( آجرتك ) ، أو أقلت للحمّال ( خذ هذه الأشياء واحملها إلى البيت ) فهنا أنا الآمر هل أصير ضامناً لأجرته - التي هي أجرة المثل لأنه لا توجد أجرة مسمّاة - أو لا لأنه لم يوجد عقد إجارة بل أمرته فقط أن يحقّق هذا العمل ؟
هنا قال الفقهاء إنّ الأمر بالعمل من موجبات الضمان ، ولو سألتني عن المستند ؟ قلت:- السيرة العقلائية فهي جارية على أنّ الأمر بشيءٍ يوجب الضمان ، ولذلك لو أوصل الحمّال الأشياء إلى البيت فسوف يطالبني بالأجرة ، وهذه السيرة العقلائية موجودة في زمان الإمام عليه السلام ، فإنّ هذه الطريقة نفسها موجودةٌ في زمانه جزماً ولكن بطريقةٍ أخرى ، فالأمر بالعمل يوجب الضمان فإنّ السيرة العقلائية قد انعقدت على ذلك ولا ردع عنها.
ونعود إلى الثمرة فنقول:- لو فرضنا أنّ شخصاً أمر غيره بعملٍ وكانت لذلك العمل مقدّمات وهو قد أتى ببعضها ولم يأت بالواجب - أي المطلوب منه الذي أمرته به يعني أنا أمرته بان يبني البيت وهو أتى ببعض المقدّمات ولم يأت بالبناء – فالكلام هنا ، فهل يستحق الأجرة على المقدّمة التي أتى بها أو لا ؟
إنّه بناء على وجوب المقدّمة نقول إنّ الأمر بالشيء أمرٌ بمقدّماته ، فهو بالتالي مأمورٌ بالمقدّمات والأمر بالشيء من موجبات الضمان فيستحقّ الأجرة على فعل هذه المقدّمات وأن لم يأت بالعمل ، أمّا بناءً على عدم وجوب المقدّمة فلا يستحقّ الأجرة.
ويرد عليها:-
أوّلاً:- إنّ كلامنا هو في الوجوب الشرعي للمقدّمة والذي يوجب الضمان ليس هو الوجوب الشرعي وإنما هو الطلب والوجوب العرفي ، يعني لو قلت له ( احمل هذا الشيء إلى البيت ) فهنا لا يوجد وجوبٌ شرعيٌّ بل الموجود هو طلبٌ ووجوبٌ عرفيٌّ لا شرعيّ ونحن نريد ثمرةً للوجوب الشرعي ، والثمرة التي بينتها هي للطلب العرفي ومحلّ كلامنا هو الوجوب الشرعي دون الطلب والوجوب العرفي ، فصار خلطٌ بين الوجوب الشرعي وبين الوجوب العرفي ، فإذن أنت لم تأتِ بثمرةٍ للوجوب والطلب الشرعي.
ثانياًً:- إنّ الموجب للضمان ليس هو الوجوب وإنما هو الطلب ، يعني أنّ الذي يوجب الضمان بالسيرة العقلائية هو طلب شخص من غيره شيئاً ، كما لو طلب منه وقال ( ابن داري ) ، أو يصرح ويقول ( أطلب منك أن تبني داري ) فنقول هذا الطلب يستدعي الضمان ، فالموجب للضمان هو الطلب دون الوجوب ومحلّ كلامنا هو في الوجوب ، ونحن نريد ثمرةً للوجوب لا ثمرةً للطلب ، وفي مقامنا هذه الثمرة ليست ثمرة للوجوب وإنما هي ثمرةٌ للطلب ، فهذه الثمرة خارجة عن محلّ كلامنا.
ثالثاً:- يرد نفس ما أوردناه على الثمرة السابقة ، فإن الضمان وعدمه ليسا حكمين شرعيين ، وإنما هما موضوعٌ للحكم الشرعي أو متعلّق للحكم الشرعي ، فالحكم الشرعي هو ( يجب أن تدفع له أجرة المثل ) ، فاللوجوب هو الحكم الشرعي ، أمّا هنا فقد أثبتنا أنّه طلب وأراد منه هذا العمل.
وإن شئت قلت:- هنا يثبت ضمان ما أمرت به أو ما طلبته ، ، فالحكم هو ( يلزم الضمان أو يلزم الأجرة ) ، والمتعلّق هو ( ما طلبته ) ، وهذه الثمرة تثبت لنا أني طلبت منه المقدّمة فتنقّحت الصغرى - وهي أنّي طلبت المقدّمة - ولا تثبت الحكم الشرعي فإنّ الحكم الشرعي ثابت بدليله ، وإنما هذه الثمرة أثبتت لي أني قد أمرته بالمقدّمة ، وهذا ليس هو الحكم الشرعي وإنما هو متعلّق أو موضوع للحكم الشرعي ، فإن الحكم الشرعي هو ( يجب الضمان ) ومتعلّقه أو موضوعه هو ( ما أمرت به ) ، وهذه الثمرة تثبت أني قد أمرته بهذا لا أنها تثبت وجوب الضمان فلا تنفع حينئذٍ.
الثمرة السابعة:- ما أشار إليه الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية[3] في مقام النقل لا في مقام التبني والاختيار ، من أنّه لو فرض أنّ شخصاً نذر أن يأتي بواجبٍ ، كما لو قال ( لله عليّ إذا رزقني الله الشيء الفلاني فسوف اات بواجب من الواجبات ) فتحقّق ذلك الشيء ، فحينئذٍ أراد أن يفي بنذره فسافر إلى مكة المكرّمة ولكنه لم يأتِ بالحج أو هيأ جواز السفر - أي أتى بالمقدّمة من دون أن يأتي بالواجب - ، فبناءً على أن مقدّمة الواجب واجبة حينما يحضر الجواز وحده يصدق أنه أتى بواجبٍ ويحصل بذلك براءة ذمّته ، أمّا إذا قلنا بأنّ مقدّمة الواجب ليست واجبة لا يصدق أنّه وفى بالنذر ولا تحصل حينئذٍ البراءة.
وأرورد عليها في الكفاية(قده) فقال:- إنّ النذر يتبع قصد الناذر ، فإذا كان الناذر يقصد من الواجب الذي نذر أن يأتي به هو خصوص النفسي فحتى لو بنينا على أنّ مقدّمة الواجب واجبة لا يحصل الوفاء لأنّه قصد الواجب النفسي فقط والنذر يتبع قصد الناذر ، وأمّا إذا كان مقصوده هو أن يأتي بواجبٍ ما يعمّ الاتيان بالمقدّمة وإن لم تكن واجبة فحينئذٍ يحصل الوفاء حينما يأتي بالمقدّمة وإن لم نبنِ على وجوبها لأنّه قصد الاتيان بواجبٍ بما يعمّ المقدّمة وقد أتى بها سواء بنينا على أنها واجبة أو لم نبنِ على ذلك.
ويردّه:- نحن نفترض أنّه نذر بهذا الشكل فقال:- ( اات بما يكون واجباً شرعاً ) ولا يوجد عنده قصدٌ أكثر ، فهو قصد هذا المقدار وهو الواجب الشرعي ، فتظهر الثمرة حينئذٍ ، فإن قلنا بأنّ المقدّمة واجبة شرعاً فيحصل الوفاء ، وإذا لم نقل بأنها واجبة شرعاً فلا يحصل الوفاء ، فما ذكره صاحب الكفاية(قده) لا يرد فيما لو كان الناذر قد قصد - الفروض في الثمرة هو هذا - الاتيان بواجبٍ شرعيٍّ ولم بقصد أكثر من ذلك ، فكيف الجواب ؟