37/07/17
تحمیل
الموضوع:- مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.
التعليق الثاني:- إن الشيخ الأعظم(قده) ذكر أنه كيف يأكل الامام عليه السلام البيض وهو حرام واقعاً والحرمة لا تدور مدار العلم ؟ وأجاب وقال:- نعم ، اللهم إلا أن نقول بأنّ الحرمة هي من الأحكام العلمية - يعني التي تدور مدار العلم -.
وهذا كما ترى فهو محل تأمل من الجنبة الفنّية والعلمية م:-
أما من الجنبة الفنية:- فالمفروض أن الاشكال كان هو أن الحرمة تدور مدار الواقع فلا معنى في مقام الجواب أن نقول اللهم إلا أن تدور مدار الواقع فإنّ هذا لا معنى له ، بل لابد من أن تجيب بجوابٍ آخر لا أنك في البداية تسلّم أنّ الحرمة تدور مدار الواقع ثم تقول بعد ذلك اللهم إلا إذا قلنا هي لا تدو مدار الواقع فإنّ هذا ليس بصحيحٍ من الجنبة الفنّية.
وأمّا من النبة العلمية:- فلا معنى لأن يبدي الشيخ احتمال أن الحرمة تدور مدار العلم وأنه بالعلم تحدث الحرمة فإنّ هذا لا يمكن للفقيه أن يلتزم به ، وإلا فلازمه عدم إمكان الاحتياط في الشبهات الموضوعية ، يعني إذا لم أعلم بأنّ هذا الشيء حلال أو حرام فإذا فرضنا أنّ الحرمة تدور مدار العلم فحرمةٌ في الواقع ليست بموجودةٍ فالاحتياط يكون لأجل أيّ شيء ؟!! بل لا مجال أصلاً للاحتياط ، بل هو سالبة بانتفاء الموضوع ، ولا أريد أن أقول هو غير حسن بل أقول أكثر من ذلك فأصلاً لا مجال للاحتياط؛ إذ لا حكم واقعاً إلا بعد العلم وحيث لا علم فلا احتياط - فلا يمكن الاحتياط - قبل أن تصل النوبة إلى مسألة أنه حسن أو غير حسن ، وهل يمكن أن يلتزم الفقيه بأنّ الاحتياط في الشبهات الموضوعيّة غير ممكن ؟!! نعم هو ليس بلازمٍ أمّا أنه غير ممكن فهذا لا يمكن أن يلتزم به فقيه.
إذن إمكان الاحتياط في الشبهات الموضوعيّة هو بنفسه دليل على أن الأحكام تابعة للواقع ولا تدور مدار العلم.
هذا مضافاً إلى أنه يلزم أن لا تقوم البينة ولا يمكن أن تشهد بأنّ هذا حرام أو أنّ هذا خمر لأنّ البينة بماذا تشهد ؟ فهل تشهد بالحرمة والمفروض أنّ الحرمة تدور مدار الواقع وحيث لا علم فلا حرمة في الواقع حتى تشهد البينة بالحرمة أو تشهد بأنه خمر ، فهذا أيضاً لا ينفع إذ المفروض أني ما دمت لا أعلم أنه خمر فلا حرمة فالشهادة تكون حينئذٍ لا معنى لها لأنها حينما تشهد بأنه خمر فبالتالي هو حرام فحيث لا حرمة فلا فائدة في الشهادة بأنه خمر إذ الحرمة ثابتة للخمر فإذا لم تكن حرمة واقعاً فالشهادة بالخميرية تكون عبثاً فإنّ الشهادة بالخمرية تؤخذ طريقاً لإثبات الحرمة وحيث لا حرمة فالشهادة في الخمرية حينئذٍ لا فائدة فيها.
فلا يمكن إذن للفقيه أن يحتمل أنّ المدار في الحرمة على العلم فلا معنى لأن يبديه الشيخ ويقول إلا أن يقال أنّ أكل القمار مثلاً هو من المحرّمات العلميّة.
ولعلك تقول:- يمكن أن نضيف منبّهاً آخر كمساعدة ضدّ الشيخ الأعظم(قده):- وهو أنّ لازم هذا أنّ الأحكام لا يلزم تعلّمها إذ هي ثابتة في حقّ العالم ، وحيث فرض أنّ الشخص ليس بعالمٍ فلا حرمة في الواقع في حقّه ليجب عليه التعلّم ، فإذن تعلّم الأحكام ليس بواجب ، بل ليس بممكنٍ لأنّ الحرمة ثابتة في حقّ العالم وأنا لست بعالم فتعلّم الأحكام يكون بلا فائدة إذ لا أحكام موجودة في حقّي حتى أتعلمها ، إنه قد يسجل هذا كمحذورٍ في مقابل الشيخ الأعظم(قده).
والجواب:- هذا لا يمكن تسجيله مقابل الشيخ الأعظم(قده) والنكتة هي أنّ كلامنا في شبهةٍ موضوعيةٍ وليس في شبهةٍ حكميةٍ - يعني في مسألة البيض الذي أخذ بالقمار لا يدري الإمام عليه السلام أنه أخذ بالقمار - وهذه الشبهة من هذه الناحية موضوعية لا حكمية ، فحكم القمار معروفٌ وهو أنه لا يجوز أكله وإنما الكلام في أنّ هذا قمار أو ، فلا يدرى أن هذا قمار ، فالشبهة ليست حكمية ، والشيخ لم يقل إن الحرمة تدور مدار العلم حتى في الشبهات الحكمية حتى يلزم عدم إمكان تعلّم الأحكام فإنها بعد ثبوتها في حقّ العالم لا حكم في حقّ الجاهل حتى يتعلمه ، وإنما الشبهة موضوعية فإذن لزوم تعلّم الأحكام يبقى على حالة وهو لازمٌ ، وإنما الذي نقوله هو أنّ لازم ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) هو أن الاحتياط لا يمكن في الشبهات الموضوعيّة ، وقيام البينة على الحرمة أو على أنه خمر يلزم أن يكون غير ممكنٍ أيضاً أو عبث أو لا فائدة فيه أو محاذير أخرى ، أما أنه يلزم محذور عدم إمكان تعلّم الأحكام الشرعية إذ هي ليست ثابتة في حقّ الجاهل فهذا لا يأتي فإنّ الشبهة التي نتكلّم عنها موضوعية والشيخ في الشبهة الموضوعية قال إلا أن يقال المدار على العلم في ثبوت الحكم ، فمقصوده يعني في الشبهات الموضوعية لا في الشبهات الحكمية حتى يسجّل هذا محذوراً عليه.
والخلاصة من كلّ ما ذكرته:- هو أنه بناء على ما ذكره الشيخ اعظم(قده) من احتمال اناطة الحرمة الواقعية في باب الشبهات الموضوعية بالعلم يلزم عدم امكان الاحتياط في الشبهات الموضوعية وعدم امكان قيام الأمارة وربما بالتأمل هناك محاذير أخرى تترتّب أيضاً.
التعليق الثالث:- إنّ الشيخ الأعظم(قده)لم يعالج مشكلةً أخرى كانت هي الأجدر بالتعرّض إليها وهي أن الرواية تدلّ على ما يتنافى والعصمة ، فإن الإمام عليه السلام كيف يكون جاهلاً بأنّ هذه البيضة قد أخذت بالقمار ثم يأكلها فإنّ هذا مناف للعصمة ، وقد أشار إلى ذلك صاحب الجواهر(قده) حيث قال إنّ هذا منافٍ للعصمة ، والشيخ الأعظم(قده) لم يشر إلى هذا من قربٍ ولا من بعدٍ ، وهذا يسجّل عليه وهو أنّ هذا الاشكال واردٌ أو ليس بوارد على كلا التقديرين ؟ وكان من المناسب الاشارة إليه ثم دفعه لا أنه لم يشر إليه أصلاً فإنّ هذا لا معنى له.
إن قلت:- هو قد أشار إليه لكن بلسانٍ آخر حيث قال كيف يأكل الإمام عليه السلام البيض الحرام من القمار والمفروض أنّ الحرمة تدور مدار الواقع فإنّ هذا إشارة إلى المنافاة مع العصمة.
قلت:- ولكنه بماذا أجاب؟! إنه أجاب وقال كان الإمام عليه السلام - ولكن ليس بهذه الصراحة - جاهلاً وإذا قلنا بأنّ الأحكام تدور مدار العلم فلا حرمة.
يعني هو ادّعى جهل الإمام عليه السلام ، وهذا هو الذي يتنافى مع العصمة ، فكيف يكون الإمام عليه السلام جاهلاً والحال أنه معصومٌ ويعرف جميع الأمور ولا يقع في الاشتباه والخطأ وغير ذلك ، فالشيخ بالعكس فهو بكلامه هذا أكّد ما يتنافى مع العصمة لا أنه عالج هذه القضية ، فعلى هذا الأساس الشيخ الأعظم(قده) لا أنه لم يعالج هذه القضية فقط - وهي أنّ الرواية تتنافى مع العصمة - بل لعلّه ذكر شيئاً - وإن لم يكون هذا مقصوداً له جزماً - يؤكد المنافاة مع العصمة.
وعلى أي حال القضية إنَّ التي نريد تسجيلها على الشيخ الأعظم(قده) هي أنه كان من المناسب أن يشير إلى منافاة الرواية إلى مسألة العصمة كما أشار صاحب الجواهر(قده) ويدفع الإشكال ، أما أنه لا يشير لها أبداً ويمرّ مرّ الكرام فهذه قضيّة مرفوضة وغير مقبولة عليماً.
وعلى أي حال نحن في هذا المجال نشير إشارةً عابرةً إلى هذه القضيّة وهي أنه هل الرواية تتنافى مع العصمة أو لا ؟
وفي الحقيقة في مسألة علم الإمام عليه السلام توجد روايات كثيرة أشار إليها الكليني(قده)[1] وربما هي متعارضة بل وربما يصعب التوفيق والجمع بينها ، ولكنه ذكر باباً باسم ( أنّ الأئمة عليهم السلام إذا شاءوا أن يعلموا علموا )[2] وذكر فيه ثلاث روايات تدلّ على المضمون المذكور وكأن الإمام عليه السلام بيده الستار فيمكن أن يزيله فينكشف له الواقع وجميع الأمور وإذا لم يشأ يبقى الأمر مستوراً عليه ، وما هي النكتة في ذلك ؟ تلك نكاتٌ غابت علينا فإنّ عقلنا له حدّ معيّن ، فأقصى ما يمكن أن نقوله هو أنه إذا اقتضت المصلحة ذلك فحينئذٍ يشاء أن يعلم وإذا لم تقتض المصلحة فلا يعلم ، فأقصى ما عندنا من جواب هو هذا أمّا أنه لماذا المصلحة اقتضت هنا أن يعلم وهناك لم تقتض فهذه أمور غيبية ليس بالإمكان أن نطّلع عليها.
ونشير إلى قضية:- وهي أنّ هذه العناوين التي ذكرها صاحب الكافي(قده) هي عناوين من نفس صاحب الكافي لا أنها عناوين من المحقّق لوجود قرائن تدلّ على أنها منه لا من غيره ، فلو نظرنا إلى الكافي وجدنا أنّه يعطي عنواناً خاصّاً مثل ( باب إذا أراد الإمام أن يعلم شيئاً أعلمه الله ذلك ) ، فمثل هكذا عنوان لا يصوغه المحقّق وإنما هو منه(قده) ، وإلا فالمحقق يصوغه بشكلٍ آخر فيقول مثلاً ( دوران علمه مدار مشيئته عليه السلام ) يعني يصير تعبيراً عصرياً ، وكذلك باب النوادر فهل هذا العنوان ليس من صاحب الكافي ؟ إنّ نفس مراجعة العناوين وملاحظة صياغتها يعطي اطمئناناً بأنها من صاحب الكافي(قده).
فإذن هذا العنوان هو من صاحب الكافي(قده) والروايات الثلاث التي ذكرها تدلّ على هذا المضمون
وعلى هذا الأساس نقول:- إنّ بنينا على أنّ الإمام عليه السلام صحيح هو يعلم الغيب وهو معصومٌ ولكن متى أراد ذلك فهو يعلم ومتى لم يرد فهو لا يعلم فسوف ينحلّ بذلك هذا الاشكال وتنحلّ بذلك اشكالات أخرى ربما تورد في مجالاتٍ أخرى ، فهنا نقول إنّ الامام عليه السلام لم يشأ أن يعلم فتناول البيض ، أما لماذا لم يشأ أن يعلم ؟ أجبنا عن ذلك بأنّ هذه قضية نكاتها ومصالحها نحن لا نعرفها ، فإذا بنينا على هذا المعنى وهو أنّ علمة يدور مدار المشيئة فينحلّ هذا الاشكال في المقام ، فهو لم يشأ أن يعلم أنّ هذا البيض من القمار ، فإذن أكله له لا منافاة فيه مع العصمة.