37/06/24
تحمیل
الموضوع:- الواجب النفسي والواجب الغيري- تقسيمات الواجب - مقدمة الواجب.
ثالثاً:- أن يقال سلّمنا أنّ القيد في الوجوب النفسي عدمي وفي الغيري وجودي ، ولكن نقول إنّ دعوى أنّ القيد العدمي لا يحتاج إلى بيانٍ زائدٍ هو أوّل الكلام.
ولعله يجيب ويقول:- إنه عدمٌ ، والعدم هو لا شيء ، واللاشيء لا يحتاج إلى بيانٍ فإنّ الذي يحتاج إلى بيانٍ هو الشيء الوجودي.
ولكن نقول:- إنّ هذا كلام يتناسب مع الدقة الفلسفة ، والمهم أن نلاحظ عرفاً - فالمدار على العرف هنا - هل القيد العدمي لا يحتاج إلى بيانٍ أو أنه يحتاج إلى بيانٍ كالقيد الوجودي ، ولماذا يكون الرجوع إلى العرف دون الفلسفة الدقة ؟ ذلك باعتبار أنّ هذا البيان هو من الأساس يعتمد على الظهور ، يعني يريد أن يقول إنَّ الظاهر عند العرف هو إرادة الوجوب النفسي ، والظهور كما ترى أمرٌ عرفيٌّ وليس دقّياً وفلسفياً ، فلا يمكن أن ندخل قضايا فلسفية في القضايا العرفيّة.
وقد تسأل وتقول:- من أين لك أنّ العرف يرى أنّ القيد العدمي يحتاج إلى بيانٍ زائدٍ كالقيد الوجودي ؟
قلت:- نحن لا ندّعي أنّ كل قيدٍ عدمي يحتاج إلى بيانٍ زائد ، بل في مقامنا وربما في بعض المقامات الأخرى يحتاج إلى بيان ، فدعوانا ونزاعنا هو أنّ القيد العدمي الآن يحتاج إلى بيانٍ زائدٍ ، والمنبّه على ذلك - وإن كانت القضيّة وجدانية ولا تحتاج إلى منبّه - هو أنّ العرف لا يرى النسبة بين الواجب النفسي والواجب الغيري هي نسبة الأقل إلى الأكثر وإنما يرى نسبة التباين ، بينما لو كان القيد العدمي الموجود في الواجب النفسي في نظر العرف عدماً محضاً ولا شيء فسوف يصير الوجوب النفسي أقلّ بالقياس إلى الواجب الغيري ، لأنّ الواجب النفسي هو وجوبٌ فقط ، وعدم النشوء من واجبٍ آخر المفروض أنّه لا شيء ، فيصير الوجوب النفسي عبارة عن وجوبٍ فقط ، بينما الوجوب الغيري هو وجوبٌ زائد إضافةٍ ، فصار الوجوب الغيري أكثر بالنسبة إلى الوجوب النفسي ، وصار الوجوب النفسي أقل بالنسبة إلى الوجوب الغيري ، وهل تلتزم بذلك ؟ إنه لا يمكن الالتزام بذلك ، وهذا أحسن منبّه.
التقريب الرابع:- ما جاء في بعض الكلمات من أنه لو قلنا بوجوب المقدّمة الموصلة ولم نقل بوجوب مطلق المقدّمة فعلى هذا الأساس يلزم على المولى لو كان هذا الواجب المشكوك غيرياً أن يقيده بقيد الايصال ، فالوضوء إذا شككنا أنه واجب غيري أو ليس بواجبٍ غيري للصلاة وإنما هو نفسي فيلزم لو كان غيرياً أن يقيده المولى - أو متعلّقه - بحيثية الايصال فيقول:- ( يجب عليك الوضوء الموصل إلى الصلاة ) ، لا أنه يقول ( يجب عليك الوضوء ) ويسكت لأنّ الواجب حسب الفرض في باب المقدّمة هو الموصلة.
فبناءً على هذا المبنى يلزم على المولى أن يقيّد ، وحيث لم يقيد بحيثية الإيصال نفهم أنّ هذا الوجوب - أو الواجب - هو نفسيّ وليس غيرياً.
والجواب:- إنّه حتى لو بنينا على وجوب المقدّمة الموصلة لا يلزم على المشرّع أن يبيّن حيثية الإيصال ويقول ( يجب عليك الوضوء الموصل ) ، والوجه في ذلك هو إما لأجل أنّ العبد لا يعرف أنّ هذا الوضوء هو موصلٌ أو غير موصلٍ إلا إذا تحقق ذو المقدّمة بعد ذلك ، أمّا من البداية فهو لا يدري أنه سوف يوصله إلى الصلاة أو لا ، فلعلّه لا يوصله إلى الصلاة من باب أنه سوف يصدر منه حدث بين الوضوء أو بين الصلاة أو غير ذلك ، فهو لا يعلم بأنّ هذا موصلٌ أو ليس بموصلٍ إلا بعد تحقّق ذي المقدّمة ، فإذا لم يعرف العبد أنّ هذه المقدّمة سوف تكون موصلة أو لا فلا داعي للمولى أن يبيّن قيد الإيصال لأنه ليس فيه فائدة للعبد إلا فوائد علمية أصولية.
أو لأجل أنه إذا لم يكن هذا الوضوء موصلاً إلى الصلاة بأن تحقّق نقضه في الوسط بعد الوضوء وقبل الصلاة فحينئذٍ نقول إنّ المكلف سوف يعيد الوضوء حتماً حتى يأتي بالصلاة بعده ، وهذا شيءٌ قهريٌّ ، فبناء على هذا لا داعي للمولى أن يبيّن أنّ حيثية الإيصال متعلّق بالوجوب، إنّه لا توجد هناك فوائد عمليّة للمكلف ، وإنما هناك فوائد عليمة ، والمولى إنما يبيّن الفوائد التي فيها فائدة عملّية للمكلّف ، أما القيود التي فيها فوائد أصولية للأصولي فلا داعي إلى بيانها.
التقريب الخامس:- ما أفاده السيد البروجردي(قده)[1] وحاصله:- إن ظاهر كلّ أمرٍ هو البعث والتحريك نحو متعلّقه ، فحينما أقول لك ( اكتب ) فظاهر ( اكتب) هو أني أريد أن أبعثك إلى الكتابة ، وهكذا في ( ادرس ) وغيرها ، فهذا ظاهره البعث إلى المتعلّق وهذا واضح ، وبناءً على هذا نقول إذا جاءنا واجب وشككنا أنه نفسي أو غيري فنطبّق هذا الظهور فنقول إنَّ ظاهر الأمر هو التحريك نحو متعلّقه ، وبذلك يثبت أنّ هذا أمرٌ نفسيٌّ؛ إذ الغيري لا يكون البعث فيه إلى متعلّقه وإنما يكون البعث والتحريك إلى ذي المقدّمة ، فحينما يقول لك ( اذهب إلى السوق كي تشتري اللحم ) فهو يريد أن يبعثك إلى شراء اللحم ، وعلى هذا الأساس يثبت أنّ الواجب المشكوك هو الواجب النفسي.
وفيه:- نحن نسلّم أنّ ظاهر كلّ أمرٍ هو التحريك نحو متعلّقه ، ولكن نرفض ما ذكره من أنّ الأمر الغيري يكون التحريك فيه نحو ذي المقدّمة وليس نحو المقدّمة ، بل الأمر الغيري يحرّك أيضاً نحو متعّلقه لا نحو ذي المقّدمة - فهو يحرك نحو المقدّمة - ولكن الهدف من التحريك نحو المقدّمة هو حصول ذي المقدّمة وهذا مطلبٌ آخر ، فهذا ليس معناه أنّه لا يحرك نحو المقدّمة وإنما يحرك ابتداءً ومباشرةً إلى ذي المقدّمة فإنّ هذا خلاف الوجدان ، كلا هو لا يحرّك ابتداءً نحو المقدّمة.
نعم هذا هو المقصود الأساسي وإلا فالمقصود الأوّلي هو التحريك نحو المقدّمة ، والهدف من التحريك نحو المقدّمة هو تحقّق ذي المقدّمة ، فما أفاده قابل للمناقشة.
التقريب السادس:- ما أفاده السيد الحكيم(قده)[2] ، وعلى منواله السيد الخميني(قده)[3] :- وهو أنّ سيرة العقلاء قد انعقدت على عدم الاعتناء لاحتمال الغيريّة إلا أن تثبت بقرينةٍ خاصّة ، وإذا لم تكن قرينةٌ خاصّة فسيرة العقلاء تقتضي كون هذا الواجب واجباً نفسياً.