37/06/10
تحمیل
الموضوع:- شرائط جريان الاصول العملية.
كان الكلام فيما اعترض به على قول الميرزا النائيني (قدس سره) من ان الاحتياط في العابدة بداعي احتمال الامر اشد عبادية من الامتثال التفصيلي وبالتالي العبادية مقررة بل هي اشد او متساوية ، بعد تسليم الطرفين ان العبادية لها درجات.
ومر بنا ان الاهتمام بأمر المولى والفحص وتعلم مواطن ارادته مقدمة وجودية او مقدمة علمية وفي الحقيقة هذه المقدمة في بيان الشيخ الانصاري ترتبط بالجهة الفاعلية للمكلف وعبر عنها بالمصلحة السلوكية ، فلما تكون مرتبطة بالجهة الفاعلية للمكلف ففي باب العبادات تكون مؤثرة لان في باب العبادات ليس فقط متن الفعل هو تمام الكلام بل عمدة العبادة قائمة بالجهة الفاعلية أي جهة النية والقربى والانصياع والطوعانية من المكلف.
اذن هذه جهة اساسية في باب العبادات ورما هي احد معاني القاعدة النبوية انما الاعمال بالنيات وان كانت هذه القاعدة كما ذكر احد المحققين انها فسر بستة وثلاثين تفسير ، فان احد هذه التفسيرات هو ان العبادات قوامها بالنية أي بالجهة الفاعلية ، وعبادية الجوارح بتبع عبادية الجوانح كما حديث اخر للإمام الصادق عليه السلام ((اذا خشع القلب خشعت الجوارح)) ،اذن طوعانية وتسليم الجوارح بطوعانية وتسليم الجوانح وهي الافعال والحالات الروحية النفسانية ، اذن الجهة الفاعلية بالغة التاثير في العبادة بل هي بحسب البرهان العقلي الحسن والقبح الفاعلي عند العقل اعظم من الحسن والقبح الذاتي في الافعال ، فان الحسن والقبح في الافعال يكتسب حسنا مضاعفا او قبحا مضاعفا من الجهة الفاعلية ، هذا ملخص ما ذكره الاصوليون في معنى المصلحة السلوكية ، ان تعلم ارادة المولى او الفحص عن ارادة المولى يعني انقياد فاعلي لدى الفاعل ، فان هذه المقدمة ليست مقدمة علمية فقط بل هي مقدمة وجودية بل هي مقدمة وجودية دخيلة في الجهة الفاعلية في العبادة ، واذا كان هكذا فمن الواضح ان الامتثال التفصيلي ينطوي على هذه المقدمة وهي عناية العبد بأمر مولاه فهذه المقدمة هي حسن فاعلي والحسن الفاعلي ابلغ في العبادة من الحسن الفعلي بخلاف ذلك الذي ليس له اهتمام ورعاية لأمر المولى وانما يندفع من الاحتمال من دون ان يتصدى الى الفحص.
ومن ثم نلاحظ هذا الحديث المستفيض في روايات اهل البيت عليهم السلام ((ان الله لا يقبل عبادة العبد حتى تكون عبادة لله بدلالة حجة الله الذي نصبه الله عز وجل)) ، وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه ابليس ووقع فيه ابو حنيفة ووقع فيه الثاني عندما قال حسبنا كتاب الله.
ان الجهة الفاعلية في المكلف لا تتحقق بمجرد المجيء بالفعل بما هو هو وهوية الفعل لا تقتصر على الفعل بما هو هو بل قوام هوية الفعل بالجهة الفاعلية ن وهذا ايضا قد حقق في البحث العقلي وهو ان هوية الشيء بعلته الفاعلية او علته الغائية اقوى من هوية الشيء من الجنس والفصل او المادة والصورة.
ومما تقدم تبين ان الذي يفحص ويهتم ويتعلم مواطن ارادة المولى اكثر رعاية واهتماما بمولاه ممن يعرض عن ذلك ، فما عرف في ابحاث الاصول او الفقه من ان المقدمة العلمية في الشبهات الحكمية هي مقدمة علمية بحته محل تأمل فان المقدمة العليمة في الشبهات الحكمية هي مقدمة وجودية وفي العبادات ادخل في درجة عبادية العبادة.
ومن ثم مر بنا تفسير الحديث الشريف ((ان الله لا يقبل عبادة العبد حتى تكون عبادة لله بدلالة حجة الله الذي نصبه الله عز وجل)) فان الله نصبه دليلا على ارادته فكيف له ان يستكشف ارادة المولة من غير الحجة التي نصبها الله وحينئذ لا يكون العبد في مقام التسليم والعياذ بالله بل هو في مقام التطاول على الله وهذا هو مضمون الحديث القدسي انه عندما رفض ابليس الطاعة لخليفة الله فقال اعفني من السجود لآدم ولاعبدنك عبادة او لاسجدن لك سجدة ما سجدها لك احد من النبيون فقال اني اريد ان اعبد من حيث اريد لا من حيث تريد ، فان قوام العبادة هو التسليم لارادة الله في كل المواطن ولب لباب العبادة في التسليم لله عز وجل في الدليل الذي نصبه.
لذا ما عرف ان الحجج الظنية والامارات وهو مبنى المحقق النائيني طريقية محضة غير صحيحة فان هذا المبنى نرفضه وان كنا نقبله من جهة مسلك العدلية والامامية ونقبل مسلك الشيخ من ان المصلحة السلوكية لابد منها ، فهي طريقية ممزوجة بسلوكية.
لذا اخذ الروايات عن غير اهل البيت عليهم السلام لا تحقق العبادة في باب العبادات او لا تحقق ما اراده الله من النعم حتى في باب التوصليات ايضا الامر هكذا لان البركة والمصلحة ليست في الفعل بما هو هو في التوصليات بل الفعل المادي انما هو ارضية وقابلية وامكانية للملاك وللكمال وليس الفعل التوصلي علة فاعلية لما حقق في بحث العقلي ان الاسباب المادية ليست اسباب فاعلية بل اسباب اعدادية ، ولا نقول كالاشعرية ان الافعال لا دور لها بل لها دور والحكم تابع للمصالح والمفاسد في الافعال ولكن هي علة معدة وليست علة فاعلية لان العلة الفاعلية غيبية ملكوتية وهذه العلة الغيبية تفيض البركات لما يكون هناك انقياد ، اذن تبين ان المصلحة السلوكية التي ذكرها الشيخ الانصاري (قدس سره) مصورة بشكل برهاني عقلي في العبادات وفي التوصليات ، فنستطيع بهذا البيان ان نقول ان الطرق موضوعية على نحو الطريقية بمعنى ان فيه شائبة الموضوعية بلحاظ المصلحة السلوكية وفيه جهة الطريقية.
وكثير من الاعلام عندهم هذا المسلك وهو ان المكلف اذا اراد ان يحتاط ـــ حتى في الشبهات الموضوعية ــــ وينبذ الامارات التي نصبها الله عز وجل من باب الاعراض عنها فانه فيه اشكال وهذا خلاف الاحتياط ، ولعل هذا هو مفاد الحديث الشريف ((ان الله يحب ان يأخذ برخصة كما يأخذ بعزائمه)) ، والعزيمة والرخصة اسم للحكم الالزامي في مرحلة التنجيز فان كان منجزا يسمى عزيمة وان لم يكن منجزا فيسمى رخصة ، ولكن الصحيح ان الرخصة تستعمل في الواجبات المرخصة وتستعمل في المستحبات وتستعمل حتى في الحلية.
اذن الصحيح ان العمل بالامارات والحجج ليس طريقيا محضا وليس الامر لأجل تدارك المصلحة عند خطا الامارات كما يفهم ذلك من كلام الشيخ الانصاري (قدس سره) بل في الحقيقة ان هذه المصلحة السلوكية مقررة في الامارات حتى في موارد الاصابة وعدم خطأ الامارة.
وكل عبادة تهيئك الى عبادة اعلى منها الى ان تصل الى عبادة العبادات وهي الولاية نبل حتى الصلاة ليست هي قمة العبادات انما تهيئك لهذا ، فان سجدة ابليس عندما لم تنتهي الى ولاية ولي الله احبط الله عمله ن اصلا ولاية الله انما تتجلى وتوضح وتستكشف بولاية الرسول وولاية الرسول انما تستكشف بولاية الائمة بمجموعهم.