37/08/23


تحمیل

الموضوع:- النبيه الثالث ( مبحث الترتب ) - مبحث الضد.

وفيه:- إنّ هذا يرد لو أخذنا العصيان قيداً في البين ، يعني استعنّا بمصطلح العصيان فربما يأتي هذا البيان إذ عصيان الشيء فرع وجود ذلك الشيء ، فعصيان الأمر الثاني فرع وجود الأمر الثاني ، ولكن تعال لنترك مصطلح العصيان ونبدله بمصطلح الاشتغال ، يعني قل هكذا:- ( كلّ واحدٍ منهما مقيّد بعدم الاشتغال بالآخر ) وليس بعصيان الآخر فالدور يرتفع ، فهذه المشكلة كلّها جاءت من هذا المصطلح إما إذا أبدلناه والمفروض أنه في فكرة الترتّب لا يؤثر علينا عصيان أو عدم الاشتغال فلنترك مصطلح العصيان ولنستعن بمصطلح عدم الاشتغال فيرتفع الدور فنقول هكذا :- ثبوت الأمر الأوّل فرع عدم الاشتغال بامتثال الأمر الثاني ، ومعلومٌ أنّ عدم الاشتغال بامتثال الثاني لا يتوقّف على وجود الأمر الثاني بل حتى لو لم يكن الأمر الثاني موجوداً بنحو السالبة بانتفاء الموضوع فعدم الاشتغال يصدق فيثبت الأمر الأوّل ، فالمولى يريد أن يقول إنه في حالة وجود غريقين يجب انقاذ هذا إذا لم تشتغل بإنقاذ ذاك وبالعكس ، وفي مثل هذه الحالة يكون ثبوت الأمر بإنقاذ الأوّل موقوفاً على أن لا اشتغل بإنقاذ الثاني سواء كان هناك أمر بالثاني أو لا ، وهذا عدم الاشتغال صادقٌ حينئذٍ ، فهو لا يتوقّف على ثبوت الأمر الثاني ، فحينئذٍ إذا لم يكن لديك عملٌ آخر وكنت فارغاً فلا تجلس فارغاً بل تعال واشتغل بإنقاذ هذا ، فإذن لا يلزم في مثل هذه الحالة الدور بعد تبديل مصطلح العصيان بعدم الاشتغال.

البيان الثاني للدور:- أنّ يقال:- لو فرضنا أنّ الصلاة والإزالة متساويان من حيث الأهمية فحينئذٍ نقول الأمر في مثل هذه الحالة سوف يلزم الدور ، وذلك البيان:- أنّ فعل الصلاة موقوفٌ على عدم وجود الداعي إلى الصلاة ، وهذا صحيح ، والداعي يتولّد عند وجود الأمر بالصلاة ، وهذا واضح ، والأمر بالصلاة هو فرع عدم الاشتغال بالإزالة التي هي المساوي ، وعدم الاشتغال بالإزالة فرع عدم الداعي إلى الازالة ، وهذا واضح ، وعدم الداعي إلى الازالة فرع عدم الأمر بالإزالة ، وعدم الأمر بالإزالة فرع الاشتغال بالصلاة ، فصار فعل الصلاة موقوفاً على فعل الصلاة.

وفيه:- أما المقدمة الأولى فصحيحة ، يعني أنَّ فعل الصلاة موقوف على الداعي لها وإلا كيف يفعل الإنسان شيئاً اختيارياً من دون وجود داعٍ له ، ونسلّم المقدّمة الثانية أيضأً وهي أنّ وجود الداعي إلى الصلاة فرع الأمر بالصلاة ، والأمر بالصلاة فرع عدم الاشتغال بالإزالة وهذا صحيح أيضاً لأنا فرضنا أنّ كلّ أمرٍ مقيّدٍ بعدم الاشتغال بالآخر ، فصحيحٌ أن ثبوت الأمر بالصلاة فرع عدم الاشتغال بالإزالة.

وعدم الاشتغال بالإزالة فرع عدم الداعي للإزالة وعدم الداعي فرع عدم الأمر . وهنا توجد وقفة قصيرة والتأمل يكون هنا وهو أنّ ( عدم الداعي للإزالة فرع عدم الأمر ) لا نسلّمه ، بل عدم الداعي لا يتوقّف على عدم الأمر ، بل حتى لو كان يوجد أمرٌ بالإزالة فلا يوجد عندي داعٍ إلى فعل الإزالة كما في العصاة فإنه يوجد أمرٌ ولكنه لا يوجد عنده داعٍ إلى فعل الإزالة رغم وجود الأمر.

فإذن الخلل في هذا البيان هو بلحاظ هذه المقدّمة فإذا كانت هذه المقدّمة باطلة انخرم حينئذٍ الدور من أساسه ، ويكفي لبطلان الدور بطلان واحدةٍ من المقدّمات.

وبهذا اتضح أنّ الترتّب من الجانبين لا مانع منه ، بل هو شيء عقلائي ونشعر بوجداننا بأنه شيء ممكن ، فلذلك أنا أقول لولدي مثلاً أو لغيره ( في هذا اليوم إما أن تذهب إلى بيت فلان وإذا لم تذهب إليه فاذهب إلى بين فلان الآخر ) وهذا ترتّبٌ نستعمله في حياتنا اليومية وهو شيءٌ نشعر بإمكانه بالوجدان.

وهذه النقطة التي نبينها مهمة جداً لأنّي بيّنت أكثر من مرّة أنه إذا أردت أن تفكر في بعض المطالب فلا يكون هدفك هو أنّ كلّ فكرة تواجهها تحاول أن تبطلها كما يفعل البعض فإنّ هذا ليس بصحيح ، ولكن عليك أن تلاحظ إذا كانت الفكرة منافية للوجدان فاعلم أن فيها خللٌ في نقطةٍ من نقاطها فاذهب وفتّش عن الخلل ، وهنا كذلك يأتي شخصٌ ويقول إنَّ الترتب من الجانبين ليس بممكن ، ولكن نحن بالوجدان نشعر أنه شيء ممكن ، فحينما تذكر أدلة على الاستحالة من قبيل هذا البيان أو ذاك فنقف ونتأمل أين يوجد الخلل فإنه يوجد خللٌ حتماً ، فصار الوجدان منطلقاً إلى التفكير في بطلان الصناعة ، ولذلك أنا قلت مراراً أنّ هذا الوجدان كنزٌ خفي عليك الاحتفاظ به ولا تتنازل عنه في سبيل الصناعة كما يفعل البعض ، بل عليك أن تفتش في الصناعة أين الخلل فيها ومنطلقنا في التفتيش هو ذلك الوجدان ، فاجعل الوجدان سبباً للانطلاق في التفكير في أنّ هذه الصناعة أين الخلل فيها فإنّ هذا هو المناسب لا أنه تفدي الوجدان لأجل الصناعة كما فعل صاحب الكفاية(قده) في مبحث الجملة الشرطية حيث قال إنّ الجملة الشرطية لا مفهوم لها لأنّ ثبوت المفهوم يحتاج إلى ثبوت إطلاق ، يعني هكذا يلزم أن نفهم من جملة ( إذا جاءك زيد فأكرمه ) إنه إذا لم يجئك زيد فلا تكرمه سواء كان مريضاً أو هاشمياً أو غير ذلك ، فقال هذا الاطلاق ليس بثابتٍ ونحتاج إلى بعض الاطلاقات وهي ليست بثابتة ومادامت ليست بثابتة فسوف ننكر المفهوم ، فهو(قده) ضحّى بالوجدان في سبيل الصناعة ، ولكن هذا ذكره في الكفاية وهي تضحيةٌ مؤقّتة لكنه في الفقه سرعان ما عاد إلى الوجدان لأنه لا يستطيع أن ينكر المفهوم في الجملة الشرطية ، فـ( إذا بلغ الماء قدر كرٍّ لا ينجسه شيء ) هل يستطيع فقيه يقول إن هذه لا تدلّ على المفهوم ؟!! يعني أنَّ مفهومها الذي هو ( إذا لم يكن بمقدار كر ينجسه شيء ) ليس بموجود ؟!! كلا ، فإن هذا لا يمكن ، وإذا قال شخصٌ بذلك فلا يقبل منه ، فلذلك الأصولي أو الفقيه قد تواجهه معضلة عليمة في بعض المرّات فيضحّي بالوجدان في سبيل الصناعة وهذا غير صحيح.