37/07/09


تحمیل

الموضوع:- مبحث الضد.

وبعد أن اتضحت المقدّمات التي يحتاجها مسلك المقدّمية نقول:- لو قارنّا بين هذه المقدّمات الثلاث وبين المقدّمات الثلاث على مسلك التلازم وجدنا أنّ المسلكين يشتركان في المقدّمة الثالثة وهي الأمر بترك الصلاة نهيٌ عن الصلاة التي هي الضدّ العام - النقيض - ، والاختلاف بينهما هو في المقدّمة الأولى والثانية ، فإن المقدمة الأولى على مسلك التلازم هي أنّ وجود الازالة ملازمٌ لترك الصلاة بينما على مسلك المقدّمية نحذف كلمة التلازم ونقول وجود الازالة يتوقف على ترك الصلاة أو بتعبيرٍ آخر ترك الصلاة مقدّمة لوجود الازالة ،فإذن على مسلك المقدّمية نأتي بكلمة مقدمة فنقول ترك الصلاة مقدمة للإزالة ، وعلى مسلك التلازم نقول ترك الصلاة ملازمٌ لوجود الازالة.

وهنا أيضاً اختلاف في المقدّمة الثاني ، فإنّ المقدمة الثانية على مسلك التلازم هي أنّ المتلازمان وجوداً لا يختلفان من حيث الحكم - يعني متّحدان من حيث الحكم - ، بينما على مسلك المقدّمية نصوغ المقدّمة الثانية وهي أن نقول إنَّ مقدمة الواجب واجبة فيجب ترك الصلاة الذي هو مقدّمة للإزالة ، فمقدمة الواجب واجبة ، أمّا على مسلك التلازم نقول المتلازمان في الوجود متحدان من حيث الحكم.

ونلفت النظر إلى قضية علمية:- وهي أنّ المهم على مسلك المقدّمية الذي نتكلّم عنه الآن هو المقدّمة الأولى ، فالنزاع والخلاف لابدّ من توجيهه إلى المقدّمة الأولى وأما الثانية والثالثة فليستا مهمتين في الوصول إلى المقصود - والمقصود هو إثبات بطلان الضدّ إذا كان عبادةً لأنه منهيٌّ عنه -.

أما أنّ المقدّمة الثانية ليست مهمة:- وهي أنَّ مقدمة الواجب واجبة يعني ترك الصلاة واجب لأنه مقدّمة ، يعني حتى لو قلنا أنَّ مقدمة الواجب ليست واجبة ، يعني حتى لو قلنا أنَّ ترك الصلاة ليس بواجبٍ فمع ذلك نصل إلى الهدف وهو بطلان الصلاة ، لأنّ ترك الصلاة لنفترض أنه ليس واجباً بحيث أنكرنا وجوب المقدّمة ولكن بالتالي يكون ترك الصلاة محبوباً للمولى لأنه مقدمة للإزالة الواجبة ومحبوبية المقدّمة لا يمكن انكارها وإنما الذي يمكن إنكاره هو الوجوب أما أصل المحبوبية فينبغي أن تكون مسلّمة ، وإذا كان ترك الصلاة محبوباً فالصلاة تقع فاسدةً وبذلك وصلنا إلى الهدف المنشود ، وكيف تكون فاسدة ؟ لأنّ تصحيح الصلاة إما بالأمر وإما بالملاك ، والأمر لا يمكن التصحيح به لأنه لو كان هناك أمرٌ بالصلاة صارت الصلاة محبوبةً وكيف يكون النقيضان محبوبين معاً ؟!! إن هذا غير ممكن ، فالصلاة إذن لا يمكن تصحيحها بالأمر ولا بالملاك إذ لازمه أن تكون محبوبةً ولا يمكن أن تكون محبوبةً وترك الصلاة أيضاً يكون محبوباً إذ لازمه محبوبية النقيضين وهو شيء غير ممكن ، فما دمنا قد افترضنا أن ترك الصلاة مقدّمة للإزالة الواجبة فحتى لو قلنا إنّ مقدّمة الواجب ليست واجبة فبالتالي يكون ترك الصلاة محبوباً لأنّ المقدّمة محبوبة شئت أم أبيت ، وإذا كانت محبوبة فالصلاة التي هي النقيض لا يمكن أن تقع صحيحةً لأنّ صحتاها تقع بالأمر أو بالملاك وكلاهما غير ممكن إذ لازم الملاك محبوبية الصلاة ولا يمكن أن تجتمع محبوبية الصلاة مع محبوبية ترك الصلاة لأنّ النقيضين لا يمكن أن يكونا محبوبين في وقتٍ واحد ، فالصلاة إذن تقع فاسدةً بمجرد افترضنا أنّ ترك الصلاة مقدّمة للإزالة وإن لم يكن ترك الصلاة واجباً - أي لم نقل بوجوب مقدمة الواجب - ، وهذه نكتة علمية ظريفة جداً ، فإذن المقدّمة الثانية يمكن الاستغناء عنها.

وهكذا المقدمة الثالثة ليست مهمة:- وهي أنه مع الأمر بترك الصلاة تكون نفس الصلاة - التي هي النقيض - منهياً عنها ، فهذه المقدّمة ليست ضرورية إذ لنفترض أنّ الصلاة ليست منهياً عنها بأن قلنا الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن الضدّ العام فالصلاة ليس منهياً عنها ، ولكن مع ذلك تقع فاسدة لأنّ صحتها تحتاج إلى أمرٍ أو إلى ملاكٍ ، والأمر بالصلاة لا يمكن وإلا يلزم الأمر بالنقيضين بترك الصلاة وبالصلاة فكلاهما أمرٌ وهو لا يمكن ، وإذا لا يمكن الأمر بها فلا يمكن استكشاف المحبوبية - الملاك - لأنّ المحبوبية نستكشفها من الأمر وحيث لا أمر فالمحبوبية لا يمكن استكشافها فنقع الصلاة باطلة بلا حاجة إلى المقدّمة الثالثة.

ونصبّ حديثنا على المقدّمة الأولى - يعني أن ترك الضد هل هو مقدمة لوجد ضدّه فترك الصلاة هل هو مقدمة للإزالة أو لا -:- فالكلام قد وقع هنا ، وقد تسربت الفلسفة من هذه النافذة إلى علم الأصول ، فالأصولي من حيث لا يشعر أخذ يطرق بعض المباحث الفلسفية هنا ، وعلى أيّ هناك أقول متعدّدة في مسألة أنّ ترك الضدّ هل هو مقدّمة لوجود الضدّ الآخر أو لا ، وننقل في هذا المجال خمسة أقوال:-

الأوّل:- نفي المقدّمية ، فترك الضدّ - أي الصلاة - ليس مقدمةً للإزالة ، ولا وجود الازالة مقدّمة لترك الصلاة - لترك الضدّ - ، فلا يتوقّف وجود الضدّ على عدم ضدّه ولا عدم الضدّ يتوقف على وجود ضدّه.

الثاني:- تسلّيم المقدّمية من كلا الطرفين ، يعني وجود الضدّ يتوقّف على عدم ضدّه ، وعدم الضدّ يتوقّف على جود ضدّه ، فالمقدّمية يدّعيها من طرف الوجود ومن طرف العدم ، وهذا ربما ينسب إلى العضدي والحاجبي.

الثالث:- إنّ وجود الضدّ يتوقف على عدم ضدّه ، يعني وجود الإزالة يتوقف على عدم الصلاة ، ولكن عدم الضدّ - الصلاة - لا يتوقّف على وجود ضدّه - الإزالة -.

الرابع:- وهو عكس الثالث ، وهو أنّ عدم الضدّ يتوقف على وجود ضدّه ، أما وجود الضدّ فلا يتوقف على عدم ضدّه.

الخامس:- إنّ الضدّ إذا كان موجوداً كالإزالة إذا كانت موجودة بالفعل فوجود الصلاة يتوقّف على عدمها ، وأما إذا لم تكن موجودة بالفعل يعني لم يكن المكلف مشغولاً بالإزالة فوجود الصلاة لا يتوقف على عدم الازالة .

إذن الضدّ إذا كان موجوداً - أي الإزالة - فوجود الضدّ الآخر يتوقف على عدم هذا الضدّ الموجود ، وأما إذا لم يكن الضدّ موجوداً –- أي أنّ الإزالة لم تكن موجودةً - فوجود الضدّ لا يتوقف على عدم هذا الضدّ ، وربما ينسب هذا الى المحقق أغا حسين الخوانساري.

ونحن نتعرّض باختصار إلى رأي المثبتين للمقدّمية وإلى رأي النافين لها أما بقية الآراء فسوف نتركها:-

أدلة المثبتين للمقدمية[1] :- وقد استدلوا لذلك بعدة أدلة:-

الدليل الأوّل:- وهو المعروف وهو الذي يخطر إلى الذهن ، وهو أنّ الصلاة مانعٌ من وجود الإزالة ، وعدم المانع هو من جملة المقدّمات للعلّة فهو من أحد أجزاء العلة التامة ، فصار عدم الصلاة مقدّمةً ومن أحد أجزاء العلة لوجود الإزالة ، فالإزالة لها علّة وعلتها تتركّب من أجزاءٍ وأحدها عدم الصلاة فصار عدم الصلاة مقدّمةً لوجود الازالة.

وجوابه واضح حيث يقال:- إنّ المانع له معنيان وهو بأحد معنييه يكون من أجزاء العلة التامة وأما بالمعنى الآخر فليس من أجزاءها ، المعنى الأوّل هو المانع عن تأثير المقتضي ، فيفترض أنّ المقتضي للشيء موجودٌ كالنار فهي مقتضٍ لتحقق احتراق الورقة ، والرطوبة تمنع من تأثير النار في الاحراق ، هنا عدم المانع يكون من أجزاء العلة ، والمعنى الثاني هو بمعنى المنافي للشيء في عالم الوجود الخارجي ، والمانع بهذا المعنى ليس عدمه من أجزاء العلة ، ومقامنا من هذا القبيل فإنّ الصلاة مانعٌ من وجود الإزالة لا أنها مانعٌ من تأثير المقتضي فإنّ المقتضي للإزالة هو الارادة ، فإذا كانت عندي إرادة تامّة فحينئذٍ سوف تؤثر في وجود الإزالة ولا يمنعني حينئذٍ وجود الصلاة ، بل يكون الأمر بالعكس وهو ارادتي للإزالة سوف تُوجِد الإزالة وفي نفس الوقت تمنع من وجود الصلاة ، فهي توجد الإزالة وتُبقِي الصلاة على العدم ، فالصلاة لا تمنع من تأثير المقتضي وإنما تمنع في عالم الوجود يعني أنهما لا يجتمعان معاً في عالم الوجود الخارجي ، فالتنافي وجوديّ وليس بمعنى أنه يمنع من تأثير المقتضي ، ومن المعلوم أنّ عدم المانع بهذا المعنى ليس من أجزاء العلّة.

إن قلت:- ما الدليل على أنّ عدم المانع الوجودي ليس من أجزاء العلة ، بل تعال من الآن نقول إنَّ عدم المانع الوجودي هو من أحد أجزاء العلة ؟

قلت:- أنّ لازم ذلك أن يكون عدم أحد النقيضين مقدّمة إلى وجود النقيض الآخر ، لأنّ كلّ نقيضٍ يمنع من وجود النقيض الآخر ، فيصير عدم النقيض مقدّمة لوجود النقيض الآخر ، فمثلاً السواد نقيضه عدم السواد فحينئذٍ يلزم أن يكون السواد متوقفاً على عدم نقيضة يعني على عدم عدم السواد ، ومن المعلوم أنّ عدم عدم السواد ليس إلا هو السواد ، فيلزم توقّف وجود السواد على السواد ، فلو فرض أنّ المانع الوجودي كان عدمه من المقدّمات فيلزم هذا المحذور وهو أنّ كلّ نقيضٍ يتوقّف على عدم نقيضه ، وإذا توقّف على عدم نقيضة يعني توقّف على نفسه وهذا شيءٌ باطلٌ كما هو واضح.


[1] أي الذين قالوا أن وجود الازالة يتوقف على عدم الصلاة.