18-11-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/11/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:-  مسألة ( 431 ) / الواجب الثالث عشر من واجبات حج التمتع ( رمي الجمار ).
النقطة السادسة:- بعد أن عرفنا أنّ الحكم بكون رمي أربع بمثابة رمي سبع يختص بغير العامد نسأل الآن ونقول إن غير العامد له مصداقان الجاهل والناسي فهل الحكم المذكور - أي بكون رمي أربع بمثابة رمي سبع - يعم الجاهل والناسي أو يختص بالناسي ولا يعمّ الجاهل ؟
ذكر صاحب الجواهر[1] وجود رأيين في هذا المجال رأي يقول بأنه يعمّ الجاهل والناسي ورأي يقول بالاختصاص بالناسي.
وذهب السيد الخوئي(قده) في المعتمد[2] إلى الاختصاص بالناسي لنكتة أشار إليها وهي إنّ الرواية لا تشمل الجاهل لقرينة فرضت فيها وهي أنه فرض أنّ الشخص رمى الجمرات بأربع ورمى الجمرة الأخرى بسبع ومن المعلوم إن الشخص لو كان جاهلاً بأن كان يتصور أن الرمي هو بأربع وليس بسبع فمن المناسب أن يكون رميه لجميع الجمرات على وتيرةٍ واحدةٍ - أي كلّها أربع أربع لا أن واحدة أربع وواحدة سبع - فنفس افتراض أن الشخص قد رمى واحدة بأربع والثانية بسبع  يكشف عن كونه ناسياً، فالأولى رماها بأربع بتخيل أنّه رماها بسبع ولكنه التفت فيما بعد أنه رماها أربع وحينئذ حينما انتقل إلى الثانية رماها بسبع كما هو مقتضى الوضع الطبيعي .فإذن في الناسي يمكن أن نفترض هذا التبعيض في حقه بهذا الشكل أما في الجاهل فلا يتصور هذا المعنى، وعلى هذا الأساس هذه قرينة على اختصاص الرواية بالناسي دون الجاهل.
ونحن تكميلاً لما أفاده نقول:- إن ما أفاده يحتاج الى ضم مقدمة ولعله لم يذكرها لشدة وضوحها وهي أنّ الإمام عليه السلام حينما لم يستفصل من معاوية بن عمّار ولم يقل له   هل كان هذا الشخص جاهلاً أو  ناسياً  ؟ وأجاب من دون تفصيل بأنه لا ضير ويكمل ما رماه أربعاً  بثلاث إن عدم استفصال الامام هنا لا يدلّ على التعميم فلعل الإمام لم يستفصل من هذه الناحية  يعني أنه فهم أن السؤال هو عن الناسي ولذلك لم يستفصل .
إذن لا يمكن أن نقول إن عدم استفصال الإمام هنا يدلّ على العموم إذ لعله عليه السلام لم يستفصل لأنه فهم من نفس الفرضيّة اختصاص السؤال بالناسي وعدم شموله للجاهل . فإذن لا يمكن أن نستكشف العموم، وعلى هذا الأساس تختص الرواية  بالناسي ولا تعمّ الجاهل لما أفاده(قده).
هذا ولكن يمكن أن يقال:- إنّ النكتة التي أشار إليها نكتة ظريفة ولكن لا يلتفت إليها الطابع العام،  فهي سنخ نكتة يغفل عنها عامّة الناس، وإذا كان الأمر كذلك فمن المناسب للإمام عليه السلام لو كان ناظراً إلى هذه النكتة أن يرشد ويبيّن يعني بأن يستفصل باعتبار أنّ عامة الناس لا يلتفتون إلى هذه النكتة وبالتالي لا يلتفتون بأنَّ السؤال مختصٌّ بالناسي فهم يتصوّرون أنّ السؤال عام وليس فيه تخصيصاً بالناسي فيتمسّكون آنذاك بالعموم فعلى هذا الأساس تأتي آنذاك فكرة عدم استفصال الإمام يدلّ على العموم، والنتيجة آنذاك هي أنه عدنا أنه يمكن أن نستفيد من الرواية العموم لما أشرنا إليه.
ونخرج بهذه النتيجة:- وهي أن ترك الاستفصال إنما يدل على العموم فيما إذا لم تكن هناك نكتة يمكن أن يفهم الامام منها الاختصاص بحيث تكون نكتة يلتفت إليها الطابع العام، أما ّإذا لم تكن النكتة من هذا القبيل بل تحتاج إلى من ينبّه ويرشد إليها فيبقى حينئذٍ ترك الاستفصال دالاً على العموم.
والنتيجة النهائية التي نخرج بها:- هي أنَّ الرواية يمكن أن يستفاد منها التعميم للناسي والجاهل معاً.
ثم إني ألفت النظر إلى أنّ السيد الماتن(قده) ذهب كما عرفنا إلى اختصاص الحكم المذكور بالناسي وذكر ما يشير إليه في المتن حيث ذكر في عبارة المتن ما نصه:- ( نعم إذا نسي فرمى جمرة ... ) إنّه قيّد وقال ( إذا نسي ) ولم يقل ( إذا نسي أو جهل ) وهذا معناه أنّه يذهب إلى اختصاص الرواية بالناسي لكنّه من دون أن يبيّن ذلك بوضوح.
ملاحظة:- ذكر صاحب الجواهر(قده)[3] مطلباً يرتبط بهذا المجال وحذا السيد الخوئي(قده) حذوه وهو أن المكلّف لو رمى أربعاً وافترضناه ناسياً فإنه يكفي منه ذلك في حصول الترتيب بلا إشكال، والسؤال هو:- لو التفت هذا الشخص إلى أنّه نسي ورمى أربعاً ولم يرمِ سبعاً فهل يلزمه أن يذهب فوراً إلى الجمرة التي رماها ناقصاً ويرميها بثلاثٍ أو يجوز له التواني ؟
ذكر صاحب الجواهر(قده) أنّه لا تجب الفوريّة والموالاة بل يجوز أن يتوانى  والوجه في ذلك هو إطلاق صحيحة معاوية بن عمار فإن الإمام لم ينبه  على أن الفورية شيء لازم بل هو قال فقط ( يكمل ما نقص ) ولم يقل ( فوراً ) فلو كانت الفورية لازمة لنبه عليها الامام وعدم التنبيه يدل على أنها ليست لازمة .
 وهل هذا اطلاق لفظي أو مقامي ؟
ليس من البعيد أنه إطلاق مقامي.
إذن الفورية ليست لازمة . ووافقه على ذلك السيد الخوئي وقال إنه لا دليل على لزوم الفورية بل الدليل قائم على العدم ويقصد من قوله هذا هو هذا الاطلاق فإن هذا الاطلاق هو دليل على العدم،وهذا كله شيء واضح.
والذي نريد أن نقوله:- هو أن الفوريّة في غير هذه الحالة –  أي في الحالة الطبيعية أي المولاة - هل هي زمة أو لا ؟ يعني بمعنى أني الآن ملتفت وليس ناسياً واريد أن أرمي الجمرة الاولى بسبع فهل تلزم الموالاة بين رمية ورمية للحصيات أو يجوز التراخي في الرمي بين حصية وأخرى بحيث تصير هناك فواصل بين رمي الحصيات ؟وكذلك الحال في الجمرة الثانية وهكذا الثالثة ؟
ذكر صاحب الجواهر(قده)[4] في هذا المجال في مقام الردّ على ابن بابويه - فإنه على ما عرفنا سابقاً أنّ ابن بابويه أنّ رأيه كان هو أنّ رمي الجمرة بأربع حصيات لا يكفي في حصول الترتيب فلابد من الاستئناف من جديد هكذا نسب إليه - وصاحب الجواهر ناقشه وقال إنّه لا دليل لك على ذلك إلّا الموالاة وهي قد دلّ الدليل على عدمها، ويشير بذلك إلى إطلاق صحيحة معاوية الذي أشرنا إليه، ثم قال:- بل لا دليل على اعتبار الموالاة في رمي الحصيات رأساً ومقصوده هو أنّه حتى في الحالة الطبيعية - أي حالة غير النسيان - لا دليل على اعتبار الموالاة في رمي الحصيات، والسيد الخوئي(قده) وافق صاحب الجواهر على هذا الكلام.
أقول:- ولهذا ترى أن الفقهاء ومنهم السيد الخوئي لم يذكروا  في شرائط الرمي  الموالاة في رمي الحصيات ولكنهم لم يصرّحوا بالعدم وإنما سكتوا عن اعتبارها ومن سكوتهم يفهم عدم اعتبار الموالاة، فالسيد الخوئي ذهب ايضاً الى عدم اعتبار المولاة وذكر نفس كلام صاحب الجواهر، وعبارة صاحب الجواهر هكذا:- ( وما سمعته من ابن بابويه لم نعرف له دليلا سوى فوات الموالاة التي لم نجد عليها دليلاً بل ظاهر الأدلة خلافه بل مقتضاه حينئذٍ عدم الاكتفاء بإكمال ما زاد على الأربع لفوات الموالاة فيه )، وهذا كلّه مطلب واضح.