38/04/05


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 28 ) الاجارة على الواجبات - المكاسب المحرمة.

وفيه:- إنَّ حبّ النفس على نحوين فإذا كان حبّ النفس يدعو إلى الجنّة ودفع النار فهذا ما يريده الله عزّ وجلّ والقرآن الكريم يحثنا على أن نحبّ أنفسنا فنقيها من النار قال تعالى:-﴿ يا أيها اذلين آمنوا قوا أنفسكم واهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ﴾[1] فالمقصود أن الاسلام يحثنا على ذلك ، وقال تعالى:- ﴿ وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنّة عرضها السموات والأرض ﴾[2] ، فإذن حبّ النفس ضروري إذا كان يدعو إلى الجنة والخلاص من النار.

وأما إذا كان لا يدعو إلى ذلك وإنما يدعو إلى تملّك الأجرة كما هو محلّ كلامنا فهذا ليس مما يدعو إليه الله تعالى فهو ليس غاية محبّبة.

إذن لا يمكن أن ننقض على العلمين بالأنحاء الثلاثة فإنَّ حبّ النفس في الانحاء الثلاثة هو شيء محبّب إلى الله عزّ وجلّ والقرآن يؤكد هذه الحقيقة ، فهو يريد حبّ النفس حتى يدعو إلى هجر النار والحصول على الجنّة ، إنه لابد من التفرقة بين هذا الحبّ وبين حبّ النفس الذي يدعو إلى تملّك المال بما هو تملك للمال فإنَّ هذا ليس بمحبوب.

فإذن من حقّ العلمين أن يجيبا أنَّ هذا النقض ليس وارداً علينا لأنَّ حبّ النفس في هذه الموارد الثلاثة محبوب إلى الله عزّ وجلّ بالبيان الذي ذكرناه ، بخلافه في محل الكلام وهو الاتيان بالصلاة بهدف الامتثال لكن هذا المقيد أأتي به بداعي استحقاق الأجرة فإنَّ هذا لم يثبت أنه محبّب.

إن قلت:- إنَّ تملك المال للتوسعة على العيال هو شيء محبّب في الاسلام أيضاً فبالتالي سوف يكون حبّ تملّك المال يكون شيئاً محبّباً مادام لتوسعة العيال.

قلت:- هذا صحيح فيما إذا كان الهدف من تملّك المال هو الوسعة على العيال بأن يفترض أني أنوي وأقصد في تملّكي للمال أن أوسّع على عيالي بحيث يكون هذا الهدف موجود في النفس ، أما إذا كان الهدف هو التملّك من دون أن يكون قضية التوسعة كامنة في النفس فحينئذٍ لا ينفع هذا ولا يكن محبّباً.

إذن هذا الذي ذكر فهو ينفع في مساحة ضيقة أي في حق ذلك الانسان الذي هدفه التوسعة على العيال ، هذا بالتالي يندفع الاشكال وهنا ربما يقول العلمان أيضاً بصحّة الاجارة لأنه انتهى إلى شيءٍ محبوب ، لكن هذا ليس حلاً في كل المساحة بل يبقى الاشكال في المساحة الواسعة - يعني كل إجارة على العبادة نريد أن نصححها لا أننا نريد أن نصححها في حقّ عشرة أو عشرين الذين هدفهم من تملك الأجرة التوسعة على العيال - فيبقى حينئذٍ الاشكال بحاله بلحاظ المساحة الأوسع التي هي عادةً الطابع العام في حق الانسان هو هذا ، يعني لا يضع في نفسه مسألة التوسعة على العيال.

هذا كلّه بالنسبة إلى ما أفاده العلمان مع ما ذكره السيد الخوئي(قده) في مقام الردّ عليهم.

هذا وفي المقابل قد يذكر بياناً في تصحيح فكرة الداعي إلى الداعي والدفاع عنها:- يعني في مقابل العلمين - الشيخ الأعظم والشيخ النائيني - حيث قالا إنها تنتهي إلى أمر غير إلهي فلا ينفع وما سوف أذكره هو بالعكس أي نثبت إلى أنه ينتهي إلى أمرٍ إلهي فليكن العنوان هو:-

دفاع في المقابل عن فكرة الداعي إلى الداعي:- ربما يقال في الدفاع عن هذه الفكرة وان جميع السلسلة هي عبادية ومحبوبة ربما يتمسّك البيان التالي:- وذلك بأنَّ يقال بأنَّ الأجير يأتي بالصلاة بقصد الامتثال وهدفه من هذا المركّب بما هو مركّب - فالعلمان كانا يقولان إنَّ هدفه الأجرة وحينئذٍ صار هذا داعياً ليس إلهياً - هو الوفاء بالعقد فإنَّ أوفوا بالعقود يدعوه إلى الوفاء ويقول يجب عليك أيها الانسان الوفاء بالعقد وحيث إنَّ متعلّق العقد هو الصلاة بقصد القربة فأنا أأتي بالصلاة بقصد القربة لأجل الوفاء بالعقد ، فحينئذٍ صار نهاية السلسلة هو الوفاء بالعقد وبذلك صارت جميع الدواعي إلهية فإن الله عزّ وجلَّ يأمرنا بالوفاء بالعقود.

ويرد على ذلك:-

أوّلاً:- إنَّ هذا ينفع في حق من هو متوجه ومتلفت إلى أوفوا بالعقود وأن الوفاء بالعقد شيء لازم شرعاً ويأتي بالصلاة بقصد الامتثال - يأتي بهذا المقيّد - بنيّة الوفاء بالعقد - حيث قلنا إنه لابد وأن يكون ملتفتاً بالحمل الأوّلي - لا أنه يأتي به بنيّة الأجرة المفروض أنَّ الطابع العام أنه ليس ملتفتاً إلى قضية الوفاء بالعقد وأنه واجب ويأتي بالصلاة بقصد الامتثال لأجل الوفاء بالعقد ، كلا هذا ليس موجوداً في ذهنه إلا الذي درس كأنا وأنت وربما يغيب هذا عن أنفسنا أيضاً ، فأما إذا كنت في حاجة فهذا قد يغيب عن نفسي فأجيء بالصلاة بقصد الامتثال بقصد الأجرة ، فإذن هذا الاقتراح لا ينفع إلا في مساحة ضيقة دون المساحة الواسعة.

ثانياً:- إنَّ التمسّك بأوفوا بالعقود يمكن أن يقال هو دوري فإنَّ التمسّك به فرع ان يكون متعلّق الاجارة مما يمكن الاتيان به بقطع النظر عن أوفوا ، فإذا كان صحيحاً في حدّ ذاته بقطع النظر عن أوفوا فيأتي أوفوا وحينئذٍ يقول يجب الوفاء به والمفروض نحن في المقام بقطع النظر عن أوفوا هو لم تثبت صحته وإنما نريد أن نصححه من خلال شمول أوفوا له فصار التمسّك دورياً.

فإذن الصحيح ما ذكرناه سابقاً في مقام الجواب وهو أنَّ فكرة الداعي إلى الداعي وجيهة ويكفينا ما أشرنا إليه وهو الحج الاستيجاري فهو خير دليل على صحة فكرة الداعي إلى الداعي وأنَّ الاسلام يكتفي بهذا المقدار من الداعوية والقربة ولا يحتاج إلى أكثر من هذا.

هذا كلّه بالنسبة إلى النحو الثاني من الاعتراض على فكرة الداعي إلى الداعي.

الصنف الثالث من الاشكال على فكرة الداعي إلى الداعي:- إنكار فكرة الداعي إلى الداعي من الأساس:-

ذكرنا أنه توجد ثلاثة انحاء من الأشكال على فكرة الداعي إلى الداعي تقدّم اثنان وهذا هو الثالث وهو ما صار إليه الحاج ميرزا على الايرواني(قده)[3] فله ثلاث كلمات في هذا المجال يثبت من خلالها أنَّ الداعي لا يدعو إلى الداعي:-

الكلمة الأولى:- إنَّ الداعي في حدّ نفسه لا يمكن أن يدعو إلى الداعي لأنَّ الداعي هو عبارة عن المحرّك الباعث نحو العمل ، ولازم ذلك أنه لا يمكن أن يكون الشيء داعياً إلا إلى الفعل الاختياري ، فمتعلّق الداعي دائماً لابد وأن يكون فعلاً واختياراً ، ولماذا ؟ لأنَّ المفروض أنَّ الداعي هو الباعث والباعثية لا تكون إلا نحو الفعل - هذا اوّلاً - والاختياري –وهذا ثانياً - ، وبناءً على هذا نقول- يتضح أنه لا يمكن أن يدعو الداعي إلى الداعي فإنَّ الداعي الأوّل وهو قصد الامتثال فأنا أأتي بالصلاة بقصد الامتثال ، والداعي الذي يدعو إلى هذا الداعي هو قصد استحقاق الأجرة أو غير ذلك ، وهذا الداعي الثاني لا يمكن أن يدعو إلى الداعي الأوّل لأنه يدعو إلى فعلٍ اختياري ، والداعي الأوّل - وكلّ داعي كذلك وإنما ذكرت الداعي الأوّل لأنّ محلّ كلامنا الآن في الأوّل - ليس فعلاً فضلاً عن كونه اختيارياً ، فالداعي ليس فعلاً بل هو الباعث ، كما أنه ليس اختيارياً ، فكيف يكون الداعي داعياً إلى الداعي؟!


[3] الحاشية على المكاسب، الميرزا علي الايرواني، ص282.