38/06/15


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/06/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 32 ) حكم الرشوة – المكاسب المحرمة.

ونريد أن نبيّن ثلاث اشكالات على هذه الطريقة:-

الاشكال الأوّل:- ومن المناسب ذكر هذا الاشكال في مبحث العام والخاص في علم الأصول وليس مورده بحث الفقه ولكن نحن نشير إليه هنا كإشارة ، وحاصله:- إنَّ هذه الطريقة - وهي أن نقول إنَّ العام يشمل جميع العناوين ففي مثال ( كل المرأة تحيض إلى خمسين ) يشمل المرأة العربية وغير العربية والقرشية وغير القرشية .... الخ - هي بناءً على أنَّ العام أو الاطلاق عبارة عن الجمع بين القيود أو بتعبير آخر عبارة اخرى عن ضمّ القيود في مقابل أن يكون عبارة عن رفض القيود ، يعني بتعبير آخر إنه حينما أقول لك ( كل امرأة تحيض إلى خمسين ) فالموضوع ما هو ؟ فهل المتكلّم المولى قد لاحظ هذا الفرد ولاحظ ذاك الفرد ... وهكذا فهو يتصوّر جميع الأفراد أو أنه يتصوّر طبيعي المرأة فقط ؟ فإذا قلنا هو يتصوّر كل واحد من الأفراد فهذا عبارة عن فكرة الجمع بين القيود وضمّ القيود ، يعني هو قد لاحظ هذا العقيد وذاك القيد وهذا العنوان وذاك العنوان .... وهكذا ، أما إذا قلنا بالثاني يعني أنه يلاحظ المرأة ما هي مرأة فهذا عبارة عن كون الاطلاق أو العام هو رفض القيود فهو لا يلاحظ القيود وإنما يلاحظ الطبيعة والذات.

وهذا التوجيه الذي ذكرناه في مقام مناقشة الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) يكون وجيهاً وتاماً لو قلنا بأنَّ الاطلاق أو العام عبارة عن الجمع بين القيود ، لأنَّ واحداً من الأفراد التي هي موجودة وقد لاحظه المتكلم هو المرأة زائداً عدم الاتصاف القرشية فإنَّ هذا من أحد الأفراد التي للاحظها فيبقى تحت العام ، فإذا بنينا على هذا فسوف يتم ما ذكرناه في مقابل الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) لأجل أنَّ المخصص يخرّج عنوان القرشية فقط أما الأفراد الباقية فكلّها باقية تحت العام وواحدٌ من الأفراد هو المرأة زائداً عدم القرشية ، أما إذا قلنا إنَّ الاطلاق أو العام هو عبارة عن رفض القيود يعني أنَّ المولى يلاحظ طبيعي المرأة لا أنه يلاحظ كلّ فردٍ فرد فهذه الطريقة من المناقشة كردٍّ على الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) تكون باطلة لأنها مبنية على فكرة الجمع بين القيود ، أما إذا بنينا على فكرة رفض القيود فهذه الفكرة باطلة لأنه لا توجد أفراد حتى يلاحظها المولى بل هو لاحظ الطبيعة بما هي طبيعة ، فكل هذا الكلام لا معنى لتوجيهه في مقابل الحاج ميرزا علي الايرواني ومن يرى رأيه.

وحيث إنَّ الصحيح هو أنَّ الاطلاق أو العموم هو عبارة عن رفض القيود لا الجمع بينها فيكون ما ذكرناه في مناقشة الحاج ميرزا علي الايرواني باطلاً والحق يكون معه.

وما هو الدليل على أنَّ الاطلاق أو العموم هو عبارة عن رفض القيود ؟

ذلك لبيانين:-

البيان الأوّل:- إنَّ لازم هذه الطريقة تعدد الحكم بعدد العناوين ، فأفراد المرأة إذا كانت مائة والمولى لاحظ كلّ فرد من أفراد المائة يعني أنَّ كلّ فرد قد أصابه هذا الحكم الثابت للعام فانحلّ هذا الحكم الثابت للعام وصار مرجعه وواقعه إلى أحكام متعددة بعدد أفراد المرأة ، وهذا مخالف للوجدان فإنَّ الصادر منه ليس إلا حكماً واحداً وليست أحكاماً متعددة ، فإنَّ لازم فكرة ضمّ القيود أن يكون الصادر في باب العام أو المطلق أحكاماً متعددة بعدد تلك الأفراد وليس حكماً واحداً وهذا مخالف للوجدان.

إذن لابد أن نبني - شئت أم أبيت -على أنَّ الاطلاق أو العام عبارة عن رفض القيود لا الجمع بينها وإلا يلزم محذور أن ينحل الحكم الواحد إلى أحكام متعددة ، وهذا الانحلال ليس انحلالاً في عالم الفعلية وإنما هو من البداية وثبوتاً يكون الصادر من المتكلّم أحكاماً متعدّدة ، يعني لم يصدر منه حكماً واحداً وإنما صدر منه مائة حكم لكلّ فردٍ حكم.

البيان الثاني:- إنَّ عملية ضمّ القيود عملية صعبة ، يعني أنا حينما أريد أن أصدر حكماً لابني فحينما أقول له ( جئني بقلم ) فأنا لابد لي من أتصوّر جميع أفراد القلم حتى أتمكن من اصدار الحكم وهذا مخالف للوجدان ، فأنا لا أجلس وأتصوّر الأفراد والقيود والصفات بل أقول له رأساً ( جئني بقلم ) وهذا معناه أنَّ الاطلاق ليس هو ملاحظة الأفراد والقيود والخصوصيات وإنما واقعه هو ملاحظة الطبيعة لا أكثر والوجدان أقوى شاهد على هذه القضية.

فإذن مناقشتنا للحاج ميرزا علي الايرواني(قده) سوف تكون باطلة ، وبالتالي هذا ردّ على صاحب الكفاية(قده) حيث قال إنَّ الخارج من العام ليس إلا عنوان الخاص ويبقى تحته كل عنوان غير عنوان الخاص ، فإنَّ هذا مبتنٍ على فكرة أنَّ الاطلاق عبارة عن الجمع بين القيود ، وهو باطل لما أشرنا إليه بالبيان المتقدّم.

وفيه:- ليس المقصود كون الأفراد مشمولة للعام أنها مشمولة ابتداءً ومباشرةً ، وإنما المقصود أنَّ الحكم ثابت للطبيعي الصادق على كلّ فرد ، فالحكم قد صدر وثبت على الطبيعي ولكن أيّ طبيعي ؟ إنَّه الطبيعي الثابت في جميع أفراده والمخصّص جاء واخرج فرداً واحداً فيبقى الطبيعي بلحاظ بقية أفراده - غير هذا الفرد - موجودة ومشمولة للحكم العام ، فليس المدّعى أنَّ الحكم ابتداءً يكون متوجهاً إلى الأفراد حتى تشكل عليّ وتقول إنه يلزم انحلال الحكم الواحد إلى أحكامٍ متعددة ويلزم أن تكون عملية اصدار الحكم عملية صعبة.

الاشكال الثاني:- إذا ثبت أنَّ الموضوع بعد التخصيص في مثال المرأة هو المرأة زائداً عدم الاتّصاف بالقرشية ودفعنا ذلك الاشكال السابق ، وكيف نثبت عدم الاتصاف بالقرشية ، فهي مرأة نثبته بالوجدان ولكن كيف نثبت عدم الاتصاف بالقرشية كيف نثبته ؟ إنه ليس إلا باستصحاب العدم الأزلي فنذهب إلى المرأة قبل أن تنعقد نطفتها فنقول هي لم تكن موجودة وبالأولى لم يكن وصف القرشية ثابت لها فإنَّ ذات الموصوف إذا كانت منعدمة فالوصف منعدم أيضاً ، فنذهب إلى ما قبل حياتها ووجود ذاتها فنقول لا ذات لها ولا وصف القرشية موجود ثم بعد ذلك انعقدت نطفتها فوجدت الذات أما وصف عدم القرشية هل تبدّل من عدم القرشية إلى القرشية ؟ فإنَّ عدم الذات قد تبدّل من عدم الذات إلى الذات جزماً أما عدم وصف القرشية هل تبدّل أو لا فنستصحب العدم الأزلي ، فنستصحب عدم الاتّصاف بالقرشية ونضمّه إلى ذات المرأة ، فذات المرأة ثبت بالوجدان وعدم الاتصاف ثبت باستصحاب العدم الأزلي.

وفي مثالنا نقول:- يدٌ على مال الغير ثابتة بالوجدان ، وعدم التسليط المجاني هو ثابت قبل أن يضع القاضي يده على مال الغير جزماً ، فهذا العدم هو عدمٌ ثابت قبلاً وهو أزلي فنستصحب العدم الأزلي ، فإذا صار هكذا فحينئذٍ يقال إنه من يبني حجية الاستصحاب في الأعدام الأزلية فلا مشكلة عنده كالسيد الخوئي(قده) والسيد الشهيد (قده) فإنه من المناسب على رأيهما ثبوت الضمان ، أما من ينكر ذلك مثل الشيخ النائيني(قده) فإنه ينكر الاستصحاب في الأعدام الأزلية - وقد ذكر مقدّمات كثيرة لذلك وقد أخل الفلسفة في علم الأصول - فلا يقول بالضمان ، ونحن أيضاً نذهب ونميل إلى عدم حجية الاستصحاب في الأعدام الأزلية ولكن ليس للبيان الذي ذكره الشيخ النائيني(قده) وإنما قلنا إنَّ دليل الاستصحاب ليس من البعيد أنه يظهر منه أنه يريد أن يبيّن قضية عقلائية ، فإنَّ روايات الاستصحاب ورد فيها لفظ ( لا ينبغي ) و ( فلا ينبغي ) وهذه الألفاظ هي إشارة إلى النكتة العقلائية ، فالنكتة العقلائية تقتضي هذا المعنى وهو أنَّ الشخص لا ينقض اليقين بالشك ، فإذا كان النصّ يريد أن يبيّن قضيةً عقلائيةً فحينئذٍ نحن نأخذ بمقدار ما لدى العقلاء ، لا بأس أن يوسّع الشارع أحياناً ، فافترض أنها ضيّقة عند العقلاء ولكنه يوسّع منها ، فإذا ثبتت التوسّع من الدليل بالنصّ فسوف نأخذ بذلك ، أما إذا لم نفهم من النصّ التوسعة الزائدة على المقدار العقلائي فحينئذٍ نتمكن أن نقول إنَّ العقلائي هو الاستصحاب في الحالات المتعارفة لا الذهاب إلى العدم الأزلي فإنه على خلاف المرتكزات العقلائية وما عند العقلاء ، فإذا كان دليل الاستصحاب ناظراً إلى ما هو ثابت عند العقلاء فإذن لا يمكن أن نفهم منه هذه التوسعة للأعدام الأزلية ، فلذلك نحن لم نقبل ذلك لأجل القصور في المقتضي والبيان الدليل ، فإنَّ دليل توسعة الاستصحاب لم يثبت عندنا.

فرب قائل يقول لنا:- إنه بناءً على ما تذهب إليه من عدم حجية الاستصحاب في الأعدام الأزلية فحينئذٍ هذه الطريقة التي ذكرتها في الردّ على الحاج ميرا على الايرواني(قده) باطلة ، لأنَّ الجزء الثاني الذي هو عدم التسليط المجاني هو عدم أزلي والمفروض أنك لا تجري الاستصحاب في الأعدام الأزلية ، نعم هذا الكلام يتكلّمه مثل السيد الخوئي(قده) أو السيد الشهيد(قده) أما مثلك فلا.