38/08/03


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/08/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 35 ) حرمة الكذب – المكاسب المحرمة.

الاعتراض الثاني:- وهو للحاج ميرزا علي الايرواني(قده)[1] وحاصل ما ذكره: لو سلّمنا وجود مفهوم لرواية سماعة يعني قلنا إنَّ كلمة ( إذا ) شرطية وتدل على المفهوم فإذا اضطر فحينئذٍ يجوز الاضطرار لا يصدق إلا مع العجز عن التورية لكنه قلت أيها الشيخ الأعظم إنَّ النسبة هي العموم والخصوص من وجه ويتساقطان ونرجع إلى عمومات حرمة الكذب ، ونحن نقول:- إنَّ نسبة عمومات حرمة الكذب إلى هذه الروايات - يعني إلى الروايات التي دلت على أنه يجوز الكذب عند الحاجة أو عند الاضطرار - هي نسبة العموم والخصوص من وجه ، ومعه هي تكون طرفاً للمعارضة ولا تكون مرجعاً بعد سقوط تينك الطائفتين ، وإنما يكون المرجع بعد تساقط الجميع هو أصل البراءة في مورد الحاجة من دون اضطرار - أو الحلف كاذباً نشكّ في جوازه وعدمه - بعد سقوط عمومات حرمة الكذب لأنَّ النسبة هي العموم والخصوص من وجه فيكون المرجع هو أصل الاباحة ، وسوف تكون النتيجة عكسية وهي الاباحة ، بينما الشيخ الأعظم(قده) أراد أن يثبت الحرمة.

لكن الحاج ميرزا علي الايرواني لم يوضّح كيف أن النسبة بين عمومات حرمة الكذب وبين هذه الروايات هي العموم والخصوص من وجه ، ونصّ عبارته:- ( إنَّ الاشكال على ما ذكره من وجهين الأوّل جعل دليل نفي الاضطرار معارضاً لهذه الأخبار بالعموم من وجه مع أنه لا مفهوم لها كي يعارضها ، الثاني جعل المرجع اطلاقات حرمة الكذب مع أنَّ هذه الاطلاقات معارِضة لها بالعموم من وجه ) ، وقصده من الاطلاقات أي اطلاقات حرمة الكذب جعلها معارضة لهذه الأخبار - سواء كانت الطائفة الأولى يعني رواية إسماعيل بن سعد الأشعري مع أختها أو الطائفة الثالثة التي هي رواية سماعة التي أخذت قيد الاضطرار فإنَّ هذا لا يؤثر - ، هذا ما ذكره ولم يبيّن نسبة العموم والخصوص من وجه.

ونحن نقول في بيان ذلك:- إنَّ اطلاقات حرمة الكذب تدل على حرمة الكذب مطلقاً يعني سواء تمكن من التورية أم لم يتمكّن بينما تلك الروايات سواء كانت الطائفة الأولى التي جعلت المدار على الحاجة أو الطائفة الثاني اليت جعلت المدار على الاضطرار - دلت على أنه مع الحاجة أو مع الاضطرار يجوز حينئذٍ الكذب سواء امكنت التورية أم لم تمكن التورية فتحصل حينئذٍ نسبة العموم والخصوص من وجه ، فتصير معارضة، فتلك تقول لا يجوز وهذه تقول يجوز فتصير معارضة فيما بينها.

وفيه:- إنه لا يمكن أن تكون السنبة هي العموم والخصوص من وجه أبداً ، والوجه في ذلك: إنَّ شرط نسبة العموم والخصوص من وجه أن يكون في كل دليل جنبة عموم وجنبة خصوص هذا من البديهيات ، فجنبة العموم في هذا الدليل يلزم أن تكون جنبة الخصوص في ذلك الدليل وجنبة الخصوص في ذلك الدليل تكون هي جنبة العموم في هذا الدليل ، فأنت لا تأتني بجنبة عموم كيفما كان ، بل يلزم في العموم والخصوص من وجه أن تكون جبنة العموم هنا هي خصوص هناك والخصوص هناك هو جنبة العموم هنا وهذا من البديهيات ، مثل الأسود والإنسان فإنَّ النسبة بينهما العموم والخصوص من وجه ، لأنَّ الأسود فيه نسبة عموم من ناحية كونه إنساناً أو غير إنسان هذه جنبة عموم التي هي خصوص في الإنسان ، والإنسان حينما نلاحظه فجنبة الخصوص فيه هي الإنسان سواء كان أسوداً أو كان غير أسود التي هي جنبة العموم في الأسود ، فدائماً جهة الخصوص في هذا هي جهة العموم هناك وجهة العموم في هذا هي جنبة الخصوص في ذاك وهكذا العكس وهذا من البديهيات ، وإذا صارت من البديهيات فكيف تقول إنَّ النسبة هي العموم والخصوص من وجه ؟!! فنأتي ونقول: إنَّ عمومات حرمة الكذب فيها جنبة عموم فقط أما جنبة خصوص فلا يوجد فيها ، فهي تقول الكذب حرام فهي مطلقة لا قيد فيها ، وتلك تقول الكذب يجوز في حالة أو في حالتين أو ثلاث وهنا سوف يصير خصوصاً ولا يوجد في عمومات حرمة الكذب جنبة خصوص بل توجد جنبة عموم فقط ، فإذا كان لا توجد جنبة خصوص فكيف تصير النسبة هي العموم والخصوص من وجه ؟! بل هي عموم وخصوص مطلق كما قال الشيخ الأعظم(قده) ، فتكون تلك العمومات أو الاطلاقات مرجعاً إن فرضنا وجود عمومات ، ونحن شكّكنا في وجود العمومات فإنه لم يتّضح لنا بشكلٍ جلي ، ولكن على تقدير وجود العمومات فسوف تكون هي أعم مطلقاً من تلك الأخبار لأنه لا توجد فيها جنبة خصوص فكيف تصير النسبة هي العموم والخصوص من وجه ؟!!

الاعتراض الثالث:- ما ذكره السيد الخوئي(قده)[2] وحاصله: صحيحٌ أنَّ النسبة بني الطائفتين عموم وخصوص من وجه ، ولكن رغم هذا عند المعارضة في مادّة الاجتماع وهي أنَّ يحتاج الشخص إلى الكذب ولكن من دون اضطرار هنا تحصل معارضة بين الطائفتين فالأولى تقو يجوز لك الحلف والثانية تقل مادمت ليس مضطراًً فلا يجوز فرغم أنهما متعارضتان في هذه المادّة لكن يلزم أن نقدّم الطائفة الأولى على الثانية فإنَّ تقديم الثانية على الأولى يلزم منه إلغاء العنوان المأخوذ في الطائفة الأولى ، بينما لو عكسنا وقدّمنا الأولى على الثانية فغاية ما يلزم هو رفع اليد عن مفهوم الثانية وليس عن منطوقها - وأنا أقول رفع اليد عن اطلاق مفهومها - ، وكلما دار الأمر في المتعارضين بهذا الشكل - يعني من تقديم هذا إلغاء العنوان المأخوذ في ذاك بخلاف العكس - قدّمت الطائفة التي لا يلزم منها إلغاء العنوان المأخوذ في الطائفة الثانية رأساً ، يعني في مقامنا سوف نقدّم الطائفة الأولى ، وبالتالي سوف يصير المدار على الحاجة وإن لم تبلغ درجة الاضطرار.

أما كيف تطبّق هذه الكبرى على موردنا ؟

نقول:- لو قدّمنا الطائفة الثانية التي أخذت قيد الاطرار فمعنى ذلك أنَّ المدار على الاضطرار وبالتالي عنوان الحاجة لا مدخلية له ، أو قل إنَّ دفع الضرر عن النفس أو عن المال أو عن المؤمنين لا مدخلية له بل المهم هو الاضطرار أما دفع الضرر أو الحاجة فلا مدخلية له وسوف يطرح بل يكون المدار على الاضطرار ، وهذا بخلاف العكس ، أي لو قدّمنا الأولى التي فيها عنوان الحاجة أو دفع الضرر لا يلزم من ذلك رفع اليد عن العنوان الموجود في الطائفة الثانية بل نحافظ على العنوان الموجود في الطائفة الثانية وهو الاضطرار فنقول هو مجوّز أعلائي ولم نرفع اليد عنه وإنما رفعنا اليد عن مفهومه الذي هو ( إذا لم تضطر فلا يجوز) ، فهذا المفهوم سوف نرفع اليد عنه - أي عن اطلاقه - بمقدار غير الحاجة وهذا لا محذور فيه ، فرفعنا اليد عن المفهوم ولم نرفع اليد عن الاضطرار بل نقول إنَّ الاضطرار مجوّز بل هو مجوّز بالأولوية وهو الفرد الأعلائي.

وفيه:- نحن لا نسلّم أنَّ تقديم الطائفة الثانية يوجب إلغاء العنوان المأخوذ في الطائفة الأولى ، بل يوجب تقييده لا رفع اليد عنه ، فالحاجة بقيد الشديدة البالغة إلى درجة الاضطرار للكذب فيجوز فإنََّه في الاضطرار الحاجة مأخوذة أيضاً ، فإنَّ الاضطرار هو حاجة لكنها حاجة بدرجةٍ عالية لا أنه أصلاً لا يصدق الحاجة في مورد الاضطرار ، بل الاضطرار يصدق عليه أنه حاجة لكنها حاجة مقيّدة بأنها حاجة بالدرجة العالية ، وهكذا الخوف على نفسه يصدق لكنه خوف بدرجةٍ عالية فيلزم التقييد ، فلا نسلّم أنه من تقديم الطائفة الثانية يلزم إلغاء عنوان الحاجة ، بل حافظنا على عنوان الحاجة ولكن قيّدنا الحاجة بأن تكون بدرجةٍ عاليةٍ بالغة درجة الاضطرار.

إن قلت:- يمكن أن نساعد السيد الخوئي(قده) بشكلٍ آخر وإن لم يذكره هو فنقول: صحيحٌ أنه لا يلزم من تقديم الطائفة الثانية إلغاء الحاجة ولكنه يلزم تقييد الحاجة بحالة الاضطرار ، وهذا تقييد بفردٍ نادرٍ فإنَّ من النادر أنَّ الأنسان لا يتمكّن من التورية ، بل عادة هو يتمكن من التورية ، فتقييد روايات الحاجة بالاضطرار - يعني بحالة عدم التمكن من التورية - هذا فردٌ نادر ، فعلى هذا الأساس من الأخذ بالطائفة الأولى لو قيّدت بالاضطرار يلزم من ذلك التقييد بالفرد النادر لأنه لا يوجد مورد حاجة إلى الحلف بحيث يضطر إليه فإنَّ الاضطرار لا يحصل لأنَّ كل إنسانٍ يتمكن أن يورّي ، فهذا تقييدٌ بفردٍ نادر وحمل للرواية على فردٍ نادرٍ وهو مستهجن.

فإذن يتم ما أراده(قده) - وهو لم يقله ولكنه وصل إلى مقصوده - من أنه لا يمكن تقييد الطائفة الأولى بحالة الاضطرار كما نحن اقترحنا.


[1] الحاشية على المكاسب، الحاج ميرزا علي الايرواني، ج1، ص236.
[2] تراث السيد الخوئي( مصباح الفقاهة )، تسلسل35، ص621.