39/02/22


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/02/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

الفرع الرابع:- ما إذا كان المالك مردداً بين جماعة كثيرة غير محصورة وفي مثل ذلك تطبق فكرة مجهول المالك ، يعني يفحص عن مالكه إلى حدّ اليأس ومع حصول اليأس يتصدق به فإن هذا هو حكم مجهول المالك ولا يوجد انصراف هنا إنما الانصراف كان موجوداً فيما إذا كان مردداً في جماعة محصورة - الذي هو الفرع الثالث - أما هنا فانصراف لأدلة مجهول المالك غير موجود ، فأدلة مجهول المالك تشمل موردنا فنطبق حكم مجهول المالك على موردنا ، وقد أشار صاحب الجواهر(قده) إلى هذا المعنى حيث قال ما نصّه:- ( وإن لم يكن بين محصورين بل كان في غير محصور وحصل اليأس من معرفته أو تعذّر الوصول إليه تصدق بها عنه كما في غيرها من أقسام مجهول المالك الذي حكمه ذلك نصّاً وفتوىً لأنه أقرب طرق الايصال )[1] .

ونذكر شيئاً جانبياً:- وهو أنه لماذا جاء بعبارة ( لأنه أقرب طرق الايصال ) فإنه لا داعي إليها ، فإنَّ هذا هل هو تعليلٌ بقطع النظر عن النصّ أو أنه تعليل للحكم المذكور في النص - يعني أن النص ذكر أنَّ الحكم هو التصدّق ويأتي صاحب الجواهر(قده) يقول لماذا حكم النصّ بالتصدق وذلك لأنه أقرب طرق الايصال - فهل ذكر هذه العبارة كتعليلٍ لحكم النصّ حيث حَكَم النصّ بلزوم التصدّق بعد اليأس أو يريد أن يقول إنَّ حكم مجهول المالك هو التصدّق بعد اليأس والدليل أمران الأوّل هو النص والثاني إنه أقرب طرق الايصال ؟ ، فإذا كان مقصوده هو تعليل ثانٍ فإنه لا معنى له ، فإنه بعد وجود النص قوله ( إنَّ هذا أقرب طرق الايصال ) لا حاجة إليه ، ولا نعلم هل أنه أقرب طرق الايصال واقعاً أو لا ، ولكن مادام النص موجوداً فهو المعتمد ، وأما إذا كان يريد أن يعلّل ما ذكره النص فهذا لا معنى له.

ثم إنه بهذه المناسبة لا بأس بالتعرض إلى فكرة مجهول المالك ، فإنا وإن تعرضنا إليها في مسألة اليانصيب التي تقدّمت بحثاً وإن كانت متأخرة ترقيماً لأنه بحسب الترقيم مسألة اليانصيب تأتي متأخرة ولكن نحن قدّمناها لنكتةٍ ووعدنا هناك أنه سيأتي البحث بشكل أكثر تفصيلاً في مسألة جوائز السلطان الجائر وهذا وفاء بالوعد ، وهذه المسألة تستحق البحث.

وقبل أن ندخل في حكم مجهول المالك نشير إل الفرق بين مجهول المالك بين اللقطة:-

وفي هذا المجال ذكر السيد الخوئي(قده)[2] :- أنه توجد عدّة فروق نذكر منها فرقين لا على سبيل الحصر:-

الأوّل:- إنه في اللقطة يجوز حين أخذها أن ينوي الآخذ تملّكها على تقدير لفحص لفترة سنة وعدم العثور على المالك بينما في مجهول المالك لا يجوز ذلك فإذا اخذت مجهول المالك لا يجوز أن تنوي التملك بعد اليأس من المالك بل الوظيفة كل الوظيفة هي التصدق ولا يوجد تملك ، والفرق الثاني هو أنه لو ظهر المالك وقال أنا لا أرضى بالتصدق فإذا كان المورد مورد اللقطة فله الحق في ذلك أما إذا كان من مجهول المالك فهناك كلام ووجوه وأقوال.

أقول:- المناسب حينما يذكر الفرق بين الموردين أن يذكر الفرق الموضوعي لا أن يذكر الفرق الحكمي فإن الفرق الحكمي فرع معرفة الموضوع فإذا لم نعرف الموضوع وأنَّ هذا الموضوع هو موضوع اللقطة أو موضوع مجهول المالك لا تصل النوبة إلى التفرقة الحكمية.

والأجدر التفرقة الموضوعية وذلك بأنَّ يقال:- إنه في القطة أخذ عنصر الضياع فالمال الذي ضيعه صاحبه كما ولو نسي المسبحة في مكان وهو لا يعلم أين نساها ، وأما في مجهول المالك لا يؤخذ عنصر الضياع بل سواء كان لمال ضائعاً أم لم يكن ضائعاً فغير الضائع هو مجهول المالك كما لو فرض أن شخصاً في زيارة الأربعين ترك بطانية له عند شخص وقال له سأعود إليها في الزيارة الأربعينية القادمة ثم مضت سنة أو أكثر فهنا لا يوجد ضياع ، وكذلك طالب المدرسة لو خرج في سفر في العطلة الصيفية وترك كتبة ووسائله في الغرفة لكنه لم يَعُد ولا نعرف شيئاً عنه فهذا يصطلح عليه مجهول المالك[3] .

فعلى هذا الأساس النسبة بين مجهول المالك وبين اللقطة هي العموم والخصوص المطلق فكل لقطة ه مجهول المالك وليس كل مجهول المالك لقطة وهذه هي التفرقة الموضوعية أما التفرقة الحكمية فستأتي وهي أنَّ حكم اللقطة ثلاثة أمور أن يتملكها أو يبقيها أمانة أو غير ذلك على كلام ، أما حكم مجهول المالك فهو شيء واحد وهو التصدق وإن كانت هناك احتمالات أخرى في الروايات سنذكرها ، هكذا ينبغي أن يفرق.

إذن المهم هي التفرقة الموضوعية بالشكل الذي أشرنا إليه وهذه التفرقة الموضوعية قد أشار إليها صاحب الجواهر (قده):- ( الفرق بين موضوعي مجهول المالك واللقطة هو اعتبار صدق الضياع من المالك في الثاني دون الأوّل )[4] .

وبعد أن عرفنا الفرق بين مجهول المالك وبين القطة يقع الكلام في حكم مجهول المالك.

حكم مجهول المالك:-

لعلّ المعروف والذي دلت عليه روايات معتبرة هو التصدق بعد اليأس.

ونبيّن قضية جانبية:- وهي أنه قد يسأل شخص ويقول متى يحصل اليأس وما هو المدار ؟ قلت:- إن قضية ترتبط بالشخص فبعض الأشياء كما لو فرض أنَّ شخصاً جلس بالقرب منّا أخذنا من قلماً فكتبنا به ثم التقتنا فلم نجد صاحب القلم فهنا يصعب العثور عليه أو عند الجمرة يوم العاشر في مثل هذه الحالة يتحقق الياس في ذلك الآن ولا يحتاج إلى مضي فترة .

فإذاً قضية اليأس قضية ترتبط بك فإنه قد لا يحصل اليأس بسنة كما لو فرضنا أن صديقاً لنا كان ضيفا عندنا في زيارة الأربعين وكانت عنده راية مثلاً ونسيها عندنا وجاء في السنة الثانية فوجدها معلقة في نفس المكان فهنا لعله لا يحصل اليأس في سنة واحدة أو سنتين أو ثلاثة أو أكثر فلا يحصل اليأس نعم لعله إذا مضت عشرين سنة أو عشر سنوات يحصل اليأس ، فهذه قضية ليست شرعية وإنما هي عرفية.

وقد دلت مجموعة من الروايات على أن الحكم هو التصدق بعد اليأس وهي عدة روايات:-

الرواية الأولى:- محمد بن الحسن بإسناده عن الصفار عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد لرحمن قال:- ( سئل أبو الحسن الرضا عليه السلام وأنا حاضر إلى أن قال: فقال: رفيق كان لنا بمكة فرحل منها إلى منزله ورحلنا إلى منازلنا فلما أن صرنا في الطريق اصبنا بعض متاعه معنا فأيّ شيء نصنع به ؟ قال: تحملونه حتى تحملوه إلى الكوفة[5] ، قال: لسنا نعرفه ولا نرعف بلده ولا نعرف كيف نصنع ؟ قال: فإذا كان كذا فبعه وتصدق بثمنه ، قال له: على من جعلت فداك ؟ قال: على أهل الولاية )[6] .

وهناك قضية مهمة تسجل على صاحب الوسائل:- وهي أنه صاحب الوسائل يظهر أنَّ ما نقله من التهذيب ويظهر أنه لم يراجع الكافي فإنَّ الموجود في كافي هذه العبارة وفيها فرق كبير وهي ( بعه وأعط ثمنه أصحابك ، قال: فقلت: جعلت فداك أهل الولاية ؟ قال: فقال: نعم ) ، والنقطة المهمة في هذا النقل هي أنَّ الامام عليه السلام قال للسائل ( أعطه أصحابك ) لم يقل له ( تصدق ) فإنه إذا كان الموجود هو لفظ تصدق فيمكن أن يقال كما سياتي أن التصدّق منصرف عرفاً وإن كان لغة التصدق أعم وهو كل احسان يقوم به الانسان لله عزّ وجلّ هو صدقة ولكن يمكن أن يدعى الانصراف العرفي لخصوص الفقراء أما في نقل الكافي لا يوجد هذا بل أعطه لأصحابك فحتى لو كان الصاحب غنيّاً يجوز اعطاءه.


[2] تراث السيد الخوئي( مصباح الفقاهة )، تسلسل35، ص792.
[3] ولو قلت:- إن هذين المثالين هما من مجهول المالك حكما لا حقيقة، قلت:- إننا تساهلنا من هذا الجانب، ولو أردت أن نأتي بمثال حقيقي لمجهول المالك فهو مثل ما لو كان هناك شخص سارق وجاء بمسبحة ورماها عليّ وذهب فإنَّ هذه المسبحة ليست ضائعة ولكن المسروقة منه المسبحة لا نعرفه فهذا حقيقة مجهول المالك لا حكماً بخلاف ذينك المثالين -.
[5] ويظهر أن صاحب الوسائل نقلها من التهذيب فهي في التهذيب هكذا موجود، ج6، ص395، ولكن لو نراجع الكافي، ج5، ص309، نرى أن العبارة الموجودة هكذا ( تحملونه حتى تلحقوهم بالكوفة ).