39/03/01


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/03/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حكم مجهول المالك - مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

وتوجد روايات أخرى قد يستدل بها أيضاً على ذلك ونذكر منها ثلاثة:-

الرواية الخامسة:- محمد بن يعقوب عن علي بن محمد بن بندار عن إبراهيم بن اسحاق عن عبد الله بن حمّاد عن علي بن أبي حمزة قال:- ( كان لي صديق من كتّاب بني أمية فقال لي استأذن على أبي عبد الله عليه السلام فاستأذنت له فأذن له فلما أن دخل سلّم وجلس ثم قال: جعلت فداك إني كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالاً كثيراً وأغمضت في مطالبه[1] فقال أبو عبد الله عليه السلام: لولا أنَّ بني أمية وجدوا لهم من يكتب ويجبي لهم الفيء ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما وجدوا شيئاً إلا ما وقع في أيديهم ، قال: فقال الفتى: جعلت فداك فهل لي مخرج منه ؟ قال:- إن قلت لك تفعل ؟ قال: أفعل ، قال له: فاخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم فمن عرف منهم رددت عليه ماله ومن لم تعرف تصدقت به وأنا أضمن لك على الله عزّ وجلّ الجنَّة ، فأطرق الفتى طويلاً ثم قال: فعلت جعلت فداك ، قال ابن أبي حمزة: فرجع الفتى معنا إلى الكوفة فما ترك شيئاً على وجه الأرض إلا خرج منه حتى ثيابه التي كانت على بدنه ، قال: فقسمت له قسمة واشترينا له ثياباً وبعثنا إليه بنفقته ، قال: فما أتى عليه إلا أشهر قلائل حتى مرض فكّنا نعوده ، قال: فدخلت يوماً وهو في السَّوق ، قال: ففتح عينية ثم قال لي: يا علي وفى لي والله صاحبك ، قال: ثم مات فتولينا أمره فخرجت حتى دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فلما نظر إليَّ قال لي يا علي وفينا والله لصاحبك ، قال: فقلت صدقت جعلت فداك هكذا والله قال لي عند موته )[2] ، وموضع الشاهد هو أنَّ هذا الرجل حصل على مال من طرق محرّمة كالأخذ من الناس غصباً ونحو ذلك والامام عليه السلام قال له من عرفت صاحبه فردّه إليه ومن لم تعرف صاحبه فتصدّق به ، فإذن هي دلّت على أنه إذا لم يعرف المالك يتصدّق بالمال ، فإذن دلالتها على المقصود واضحة.

وفيه:- إنها قابلة للمناقشة دلالة وسنداً.

أما دلالة:- فهي وإن دلت على لزوم التصدّق عند اليأس من المالك ولكن لعلّ ذاك من باب الكفارة عمّا سبق ، حيث إنه تعاون مع عمّال بني أمية فالامام عليه السلام قال له إذا أردت أن تكفّر عن عملك هذا فأنا أضمن لك الجنَّة وطريقة التكفير هي هذه ، فمن المحتمل أن يكون المقصود هو هذا ، فلا يمكن أن نستفيد منها أن حكم مجهول المالك هو التصدّق ، كلّا بل يوجد هذا الاحتمال الثاني وهو أنه من دخل مع الظلمة فالطريق للتكفير عنه هو أن يخرج من جميع أمواله إن عرف أهلها وإلا فالتصدّق ، وبناءً على هذا سوف لا نفعنا الرواية ، فإذن هي مجملة من هذه الناحية.

وأما من حيث السند:- فهي قابلة للتأمل من نواحٍ عدة ، فحتى لو بني على وثاقة علي بن أبي حمزة حيث إنَّ فيه كلاماً وإن كنّا نميل إلى وثاقته ، فلو غضضنا النظر من هذه الناحية وغضننا النظر عن علي بن محمد بن بندار الذي يروي عنه الشيخ الكليني في موارد متعدّدة من الكافي إما من باب كثرة رواية الكليني عنه أو من باب أنه هو علي بن محمد بن أبي القاسم البرقي الذي وثقه النجاشي ، ولكن حتى تغلّبنا على المشكلة من هاتين الناحيتين تبقى المشكلة من ناحية إبراهيم بن اسحاق وعبد الله بن حمّاد فإنه لم تثبت وثاقتهما ، وإن كان عبد الله بن حمّاد قد ورد في أسانيد كامل الزيارات لمن يبني على كبرى وثاقة كلّ من ورد في أسانيد كامل الزيارات أو نحو ذلك.

فإذن الرواية قابلة للمناقشة سندلاً ودلالةً.

الرواية السادسة:- الحسين بن محمد عن معلّى بن محمد عن الحسن بن علي عن أبان عن أبي أيوب:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل أمر غلامه أن يبيع كرمه عصيراً فباعه خمراً ثم أتاه بثمنه ، فقال: إنَّ أحبَّ الأشياء إليَّ أن يتصدّق بثمنه )[3] ، ووجه الدلالة:- هو أنَّ الامام عليه السلام أمر بالتصدّق بقوله ( إن أحبَّ الأشياء إليَّ أن يتصدّق بثمنه ).

وأما سنداً:- فإذا توقّف من ناحية معلّى بن محمد البصري فإنه لا بأس به في بقية السند ، فإنَّ الحسن بن علي هو ابن بنت الياس ، وأبان من أصحاب الاجماع ، وأبو أيوب الخزاز من ثقات أصحابنا ، إنما التأمل من ناحية معلّى بن محمد البصري إلا على كبرى وثاقة كلّ من ورد في أسانيد تفسير القمّي فقد يتوقّف في السند من ناحيته ، ولكن الكليني نفسه رواه بسندٍ آخر صحيح ذكره صاحب الوسائل في آخر الرواية ، بل وللشيخ الطوسي سند آخر صحيح ، وكلاهما لا يمرّان بالمعلّى ، فإذن لا مشكلة في السند.

ولكن يرد عليها:-

أوّلاً:- إنها أجنبية عن مجهول المالك ، إذ هي لم تفترض مجهول المالك وإنما افترضت أنَّه باع العصير عندما صار خمراً وهنا لا يوجد مجهول مالك فإنه لم يفترض مجهول المالك في البين والامام عليه السلام قال يتصدّق بثمنه ، فهي إذن أجنبية عن مجهول المالك.

ثانياً:- حتى لو سلّمنا أنها ناظرة إلى مجهول المالك بتقريب أنَّ مقصود الامام عليه السلام أن يرجع الثمن إلى صاحبه فإذا كان صاحبه مجهولاً ولم يعرف له خبر فيلزم التصدق ، فإنه حتى بعد إعمال هذه العنايات لا تنفعنا هذه الرواية ، لأنَّ الامام عليه السلام قال ( أحبّ الأشياء إلي التصدّق به ) وهذا لا يدل على اللزوم وإنما يدلّ على الرجحان الجامع ، فلا يمكن الاستفادة لزوم التصدّق منها.

الرواية السابعة:- محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن أيوب بن نوح عن العبّاس بن عامر:- ( قال: سألته عن رجل أوصي له بوصية فمات قبل أن يقبضها ولم يترك عقباً ، قال: اطلب له وارثاً أو مولىً فادفعها إليه ، قلت: فإن لم أعلم له ولياً ؟ قال: اجهد على أن تقدر له على وليّ فإن لم تجد وعلم الله منك الجدَّ فتصدّق بها )[4] ، فقد يقال إنَّ هذه الرواية تدل على أنَّ حكم مجهول المالك هو التصدّق فإنَّ الامام عليه السلام قال ( فإن لم تجد وعلم الله منك الجدّ فتصدق بها ) ، فإذن هي دالة على المطلوب.

والسند لا مشكلة فيه ، لأن محمد بن يحيى ثقة ومحمد بن أحمد هو صاحب نوادر الحكمة وهو من الثقات ، وأيوب بن نوح ثقة ، والعباس بن عامر ثقة أيضاً.

ولكن يمكن أن يجاب:- بأنَّ هذا مصداق لوارث من لا وارث له ، ولعلّ الصدقة من هذا الباب لا من باب أنَّ كلّ مجهول المالك هذا هو حكمه ، وإنما من باب أنه هذا لا وارث له وحكمه التصدّق ، فهو إما أنَّ يصير ملكاً للإمام والامام أراد أن يتصدّق به أو أنَّ حكمه الصدقة ابتداءً ولكن هذا غير مهم ، فبالتالي هي مجمع للعنوانين – أي عنوان مجهول المالك وعنوان وارث من لا وارث له - ومادامت مجمعاً لكلا العنوانين فيحتمل أن التصدّق من ناحية عنوان وارث من لا وارث له لا من ناحية عنوان مجهول المالك ، فإذن هي مجملة من هذه الناحية فلا تنفعنا.

وقد يشكل عليها أيضاً:- بأنها مضمرة حيث قال: ( سألته عن رجلٍّ ) ولكن من المسؤول فإنها مضمرة ولا يجزم بأنَّ المسؤول هو الامام عليه السلام ؟ ، وهذا الكلام يأتي في جميع المضمرات ، كما أنَّ العباس بن عامر ليس مثل زرارة ومحمد بن مسلم حتى يقال إنه لا يليق بهم الرواية عن غير الامام عليه السلام ، فإذن ماذا نصنع ؟

هنا يأتي الجواب العام الذي ذكرناه غير مرّة في جميع المضمرات وسواء كان الراوي من الأجلّة أو من غيرهم وحاصله:- إنَّ ظاهرة الاضمار مخالفة الأسلوب التعبير إلا إذا كان المرجع معهوداً فلو فرض أنه دخل علينا شخص وقال: ( قلت له لا تفعل هذا ولكنه ... ) فنحن نستغرب منه ذلك فإنَّ قوله ( قلت له ) من هو ؟ فإنَّ هذا الكلام لا معنى له ، بخلاف ما إذا كان المرجع معهوداً فإنه لا بأس به ، هذه مقدّمة.

ثم نضيف مقدّمة أخرى ونقول:- إنه لا يوجد مرجع معهود لدى جميع الأوساط إلا الامام عليه السلام ، فيتعين أن يكون هو ذلك المرجع المعهود ، وبذلك يزول الاستغراب عن هذا الاضمار ، ولذلك نحن لا نشعر بالاستغراب في المضمرات التي نقرأها وتطرق اسماعنا بسبب أنه يوجد لها مرجع معهود وهو الامام عليه السلام.

إن قلت:- لعله هناك مرجع معهود بين الطرفين وهو غير الامام عليه السلام فإنه لا يمكن أن نثبت أنَّ ذلك المرجع المعهود هو الامام عليه السلام.

قلت:- إنَّ المفروض أنَّ صاحب الرواية لا يريد أن تكون الرواية حكراً له ولصاحبه وإنما أراد منها أن تكون مرجعاً إلى جميع الأجيال ، ولا مرجع معهود في جميع الأوساط إلا الامام عليه السلام.

هكذا ينبغي أن توجّه حجية جميع المضمرات.

وقد ذكر البعض في باب المضرات كما في المستمسك وغيره:- أنَّ ظاهرة الاضمار نشأت من تقطيع الروايات ، ففي البداية كأنه ذكر الامام ولكن بعد ذلك قطّعت الرواية فارجع الضمير ، أو قبل التقطيع حينما كانت الرواية مجموعة فمادام الراوي قد ذكر الامام في البداية فبعد ذلك يعبّر بـ ( قلت له ، وقال لي ) فحينما قُطّعت نقل ( قلت له ) وحده فتخيلنا الاضمار والحال أنَّ المرجع قد ذكر في صدر الرواية وهو الامام عليه السلام.

وفيه:- إنَّ هذا مقبول لو أحرزنا من البداية أنَّ السؤال كان مع الامام عليه السلام ، ولكن من أين تحرز أن السؤال من البداية كان له وأنَّ الامام قد ذكر في صدر الرواية ؟! ، إنَّ هذا لا يمكن اثباته ، فكلامنا هنا إذ لعلّ مثل هذه الرواية لم يكن السؤال من الامام وإنما كان من غيره ، فإذن التقطيع لا يمكن أن يكون وجهاً لحجية المضمرات ، إنما يصلح أن يكون توجيهاً لبروز ظاهرة المضمرات.


[1] قال في مجمع البحرين، ج3، ص331، . أي تساهلت في تحصليه ولم اجتنب فيه الحرام والشبهات