39/03/29


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حكم مجهول المالك - مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

هذا وربما يناقش بمناقشة أخرى وذلك بأن يقال:- إنَّ ظاهر ما دلّ على أنَّ الحكم هو التصدّق أنه بذلك تحصل براءة ذمّة من بيده مجهول المالك ، فكأن الشخص الذي بيده مجهول المالك كان في حيرة وأنه كيف يصنع فإنه فحص عن المالك ولم يعثر عليه والامام عليه السلام قال له ( تصدّق ) ، فالحكم بالتصدّق هو بيانٌ لوسيلة تحصل بها براءة الذمّة ، فالأمر بالتصدّق ظاهر في بيان طريقٍ تحصل به براءة الذمّة ، فعلى هذا الأساس لا تصل النوبة إلى الاستصحاب فإنه مع الدليل الاجتهادي لا تصل النوبة إلى الدليل الفقاهتي ، والدليل الاجتهادي هنا هو ظهور الرواية فإنَّ الظهور دليل اجتهادي وليس أصلاً عملياً فلا تصل النوبة إلى الأصل العملي وهو استصحاب الضمان بالبيان الذي ذكره الشيخ(قده).

وهذا شيء مقبول ولكنه يتوقّف على شيء:- وهو أن يقال: نحن نسلّم أنَّ ظاهر الرواية حينما أمرت بالتصدّق هو بيان طريق لبراءة الذمّة ، ولكن ذلك بيانٌ لطريق براءة الذمّة بلحاظ الحالة العامة ، فإنَّ الحالة العامة بعد التصدّق أنه لا يظهر المالك ، وعادة يموت المتصدّق ولا يظهر المالك ، فالامام عليه السلام قال له حينما حصل التصدّق إنه لا مشكلة ولا يتعلّق شيء في ذمّتك ، أما أنه في الحالة النادرة التي هي محلّ بحثنا العلمي وهي ما لو ظهر المالك وطالب بالمال أيضاً ظاهر شامل لهذه الحالة فالجزم به شيء صعب ، نعم يوجد ظهور بمقدار الحالة العامة وهي حالة ما أذا تصدّق ولم يظهر المالك ، أما لو ظهر فهل هنا ظهور للرواية في شمولها له فلا نجزم بذلك ، فالظهور بالمقدار المتعارف صحيح ومقبول أما لو ظهر المالك وطالب فأيضاً يوجد ظهور في أنَّ الذمّة بريئة ليس بواضح عندي ، فلذلك لم أجعل هذا مناقشة وإنما حصرت المناقشة بما تقدّم ، وأما إذا جزم شخصٌ بذلك فليجعل المناقشات أربع.

ولنا حديث آخر مع السيد الخوئي(قده):- فإنه ذهب إلى العكس ، يعني ذهب إلى عدم الضمان خلافاً للشيخ الأعظم - فإذن توجد دعويان واحدة مقابل الأخرى - ، وذلك بالبيان التالي:- إنه لا ضمان لأنَّ الموجب للضمان هو إما الأخبار أو اليد أو قاعدة ( من أتلف ) ، والكل لا يقتضي الضمان.

أما الأخبار:- فلأنَّ ما دلّ على ضمان فهو مثل رواية حفص بن غياث الواردة في وديعة اللّص وهي يمكن أن يقال هي ضعيفة سنداً وخاصّة باللّص.

وأما بالنسبة إلى اليد:- فاليد الموجبة للضمان ليست هي اليد الأمينة المحسنة ، والذي بيده مجهول المالك يده أمينة محسنة ويريد ردّ المال على صاحبه فلا تكون يد ضمان.

وأما قاعدة الاتلاف:- فقد ذكر أنَّ الاتلاف لا يوجب الضمان لوجهين:-

الأوّل:- إنّه يلزم التسلسل.

الثاني:- المنصرف من قاعدة الضمان بالاتلاف هو ما إذا كان الاتلاف على المالك لا فيما إذا كان للمالك ولصالحه كما في المقام ، فإنَّ المتصدّق يتصدّق لمصلحة المالك لا عليه ، فحينئذٍ لا تقتضي قاعدة الاتلاف الضمان لاختصاصها بما أشرنا إليه.

وكلّ بيت القصيد عند السيد الخوئي هو التسلسل ، فهو قال إذا ثبت الضمان لزم التسلسل ، وبيان ذلك: أنه إذا ثبت الضمان بوجوب التصدّق وفرض حصول التصدّق فالعين قد وجب التصدّق بها وقد تصدّق بها فيثبت الضمان أي ضمان المثل ، فيكون المثل مضموناً للمالك الأصلي ، وهذا المثل أيضاً هو مجهول المالك وقد يئسنا من صاحبه فيجب التصدّق به فيثبت الضمان ، وإذا ثبت ضمان مثل المثل فأيضاً هذا ملك للمالك المجهول فيلزم التصدّق به فيلزم الضمان .... وهكذا إلى ما لا نهاية ، وحيث إنَّ التسلسل باطل فثبوت الضمان يكون باطلاً[1] .

وقبل أن نعلّق على هذا نذكر قضية فنية:- وهي أنه حتى سلّمنا بأنه لا موجب للضمان ولكن هل هذا يكفي وحده لا ثبات عدم الضمان ؟

كلا ، بل لابد من التمسّك بالبراة ، يعني أنَّ الأصل براءة الذمّة من الضمان ، لكن السيد الخوئي(قده) لم يذكر ذلك لشدّة وضوح المطلب.

وأنا سابقاً عكست وقلت في الفرع السابع:- إنَّ مقتضى القاعدة هو عدم الضمان لأنَّ من بيده المال قد عمل بالوظيفة الشرعية فالضمان يحتاج إلى مثبت وحيث لا مثبت فالأصل براءة الذمّة[2] .

ويرد على ما أفاده:-

أوّلاً:- إنَّ التسلسل لا يلزم ، باعتبار أنَّ الموجب للضمان ليس وجوب التصدّق فقط بل هو حكم الشارع بوجوب التصدّق بإضافة التصدّق نفسه ، فإذن الموجب للضمان مركّب من وجوب التصدّق زائداً التصدّق بالفعل ، وهذا حاصل بلحاظ العين فإنه وجب التصدّق بها وقد تصدَّق الشخص بها بالفعل ، وأما المثل فصحيحٌ أنه يجب التصدّق به ولكنه لم يتصدّق به بالفعل وإنما عصى ولم يتصدّق ، فانقطع التسلسل ولو بسبب عصيانه.

ثانياً:- يمكن أن نقول: إنَّ الموجب للتسلسل هو وجوب التصدّق بإضافة نفس التصدّق وبإضافة ظهور المالك وعدم رضاه ، وحينئذٍ نقول: إنَّ المالك قد لا يظهر وإن حصل التصدّق بالفعل وبالتالي لا يطالب فأين التسلسل ؟!! فلا يحصل حينئذٍ ضمان للمثل ، إنما يحصل ضمان للمثل فيما إذا فرض أنه ظهر ولم يرضَ ، أما إذا لم يظهر فحينئذٍ لا موجب للضمان ، فلا يحصل آنذاك تسلسل.

وإذا ظهر المالك ولم يرض بالتصدّق بالعين فندفع إليه المثل فأين التسلسل ؟!! فحينئذٍ الضمان لا يبقى ثابتاً بنحو التسلسل.

فإذن ما ذكره مبنيّ على أنَّه بمجرّد وجوب التصدّق[3] يثبت الضمان حينئذٍ ، فنعم هنا سوف يصير تسلسلاً ، ولكن إذا قلنا بشرط التصدّق فإذا عصى الآخذ ولم يتصدّق بالمثل فسوف ينقطع التسلسل .

وذكرنا مناقشة أخرى:- وهي أنه يلزم التسلسل ليس بوجوب التصدّق والتصدّق فقط وإنما يحتاج إلى ظهور المالك وعدم رضاه ، فمادام لم يظهر المالك فلا مشكلة ، وإذا ظهر ولم يرضَ فسوف نعطيه المثل فأين التسلسل ؟!!


[2] فأنا حذفت هذه الأمور التي ذكرها لأن مثبتات الضمان ليست موجودة لأني يدي يد محسنة، وايضاً قاعدة الاتلاف لا معنى لأن تأتي هنا فإني لم اتفله وإنما قال لي الشارع تصدق به، فالمقصود هو أني تمسك بالبراءة رأساً بعد عدم الموجب للضمان أما السيد الخوئي فقد ذهب إلى نفي موجبات الضمان الثلاثة ولم يذكر أصل البراءة لشدة وضوح المطلب.
[3] إذا ثبت الوجوب.