1440/04/24


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/04/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شرطية الاختيار- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ).

انتقلنا إلى الحكم الثاني الذي يشتمل عليه المتن هو تحقيق حقيقة الاكراه ، وهو أنه ما هي العناصر المعتبرة في الاكراه ، ولعلني ذكرت أنّ السيد الخوئي(قده) ذكر أنه يعتبر أمران ، والآن نقول إنه اعتبر ثلاثة أمور ، الأوّل وجود شخصٍ يأمره ويحمله على المعاملة وهذا قد مرّ ، والثاني أن نفترض أنَّ الطرف الثاني يكره البيع وهذا قد ذكرناه أيضاً ، والثالث هو أن يكون الأمر متوجهاً إلى نفس ما يكرهه وليس إلى المقدمة كأن يقول له بع دارك ، لا أنَّ الأمر يتوجه إلى شيءٍ آخر كأن يقول له اعطني مائة دينار ويتوقف ذلك على بيع الدار ، قال(قده):- ( الثالث: الاختيار فلا يصح بيع المكره وهو من يأمره غيره بالبيع المكروه له ) فهذه ثلاث أمور ، فالأول ( وهو من يأمره ) ، والثاني ( بالبيع المكروه له ) يعني أن يكون الشيء المأمور به مكروهاً له ، والثالث أن يأمره بنفس البيع المكروه لا بالمقدمة ، فإذاً هذه الأمور الثلاثة المقوّمة للإكراه أشار إليها في هذه العبارة ، أما قوله ( على نحوٍ يخاف الاكراه ) فهذه تتمة غير مهمة.

وأما الشيخ الأعظم(قده) فيمكن أن نستفيد من عبارته اعتبار سبعة قيود في الاكراه حيث قال(قده):- ( ثم إنَّ حقيقة الاكراه لغة وعرفاً حمل الغير على ما يكرهه ويعتبر في وقوع الفعل عن ذلك الحمل اقترانه بوعيد منه مظنون الترتب على ترك ذلك الفعل مضرٍّ بحال الفاعل أو متعلقه نفساً أو عرضاً أو مالاً . فظهر من ذلك أن مجرد الفعل لدفع الضرر المترتب على تركه لا يدخله في المكرَه عليه .....ثم إنه هل يعتبر في موضوع الاكراه أو حكمه عدم إمكان التفصي عن الضرر المتوعّد به ... )[1] ، إنه بقوله ( حمل الغير على ما يكرهه ) اعتبر ثلاثة أمور في تحقق الاكراه ، وهي نفسها مذكورة في كلام السيد الخوئي(قده) وهي حمل الغير وأن يكره البيع وأن يحمله على نفس ما يكرهه عليه كبيع الدار التي يكره بيعها ، ، ثم بعد ذلك قال ( ويعتبر في وقوع الفعل عن ذلك الحمل اقترانه بوعيدٍ منه ) وهذا هو الأمر الرابع المعتبر في الاكراه ، يعني الخوف من ضرره ، أما إذا لم يخف منه فلا يعتبر اكراه ، ثم بعد ذلك قال ( مظنون الترتّب ) وهذا هو الأمر الخامس ، يعني يظن بأنَّ المكرِه سوف ينفّذ تهديده ، ثم قال ( مضرّ بحال الفاعل ) وهذا قيد خامس ، أما إذا لم يكن مضراً فلا إكراه ، والقيد السابع هو عدم إمكان التفصّي ، وقد أشار إليه في ذيل العبارة قائلاً ( ثم إنه هل يعتبر في موضوع الاكراه أو حكمه عدم إمكان التفصي ) ، وانتهى إلى أنَّ إمكان التفصّي بالتورية غير معتبر ، أما التفصّي بغير التورية كأن يهرب منه فهنا لا إكراه ، فيعتبر العجز عن التفصّي بغير التورية في الاكراه.

إذاً هذه قيود سبعة يمكن أن نستفيدها من عبارة الشيخ الأعظم(قده) هي معتبرة في حقيقة الاكراه.

والذي نريد أن نقوله:- إنَّ اتعاب النفس في تحقيق هذا المطلب قد لا يكون نافعاً ، إلا من يريد التحقيق في القضايا اللغوية ، فهو يريد أن يعرف أنَّ الاكراه متى يصدق لغةً ، ولكن هذه قضية ثانية ، أما نحن كفقه وفقهاء فهذا البحث لا نرى جدوى من التعرض له ، والوجه في ذلك هو أنَّ الشخص المكرَه هل يوجد عنده رضا وطيب نفس أو لا - ولا يخلو الأمر من اثنين - ؟ فإن كان هناك طيب نفس فجزماً لا يصدق الاكراه ، فإذاً تحقيق أنَّ القيود المعتبرة في الاكراه ما هي ليس بمهم ، لأننا نعرف أنَّ طيب النفس إذا كان موجوداً فجزماً لا يصدق الاكراه ، وهذا يكفينا ، أما القيود الأخرى المعتبرة وهل هي خمسة أو ستة أو غير ذلك فهذا ليس بمهم ، وأما إذا لم يكن طيب النفس موجوداً فسواء صدق الاكراه أو لم يصدق المعاملة تكون باطلة ولا حاجة إلى تحقيق أنَّ الاكراه صادق أو ليس بصادق.

وبهذا انتهى حديثنا عن النقطة الثانية وهي بيان حقيقة الاكراه.

والخلاصة التي انتهينا إليها:- إنَّ تحقيق حالة الاكراه ليس بالأمر المهم للنكتة التي انتهينا إليها ، وكلامنا هو على غير رأي الشيخ الأصفهاني(قده) وإنما على الرأي الذي بنى عليه المشهور.

الحكم الثالث والرابع:- الحكم الثالث هو ما ذكره في عبارته ( ولو لم يكن البيع مكروها وقد أمره الظالم بالبيع فباع صح ) ، يعني إذا أمرني الظالم ببيع الدار وأنا من البداية أحبّ بيعها فهذا ليس من الاكراه ، ولا يحتاج إلى بيان.

هذا كله بالنسبة إلى النقطة الثالثة.وأما بالنسبة إلى النقطة الرابعة التي أشار إليها - وهي أنه لو أمره بألف دينار وتوقف ذلك على بيع داره - ففي مثل هذه الحالة حكم بأنه يقع صحيحاً ، ونحن فيما سبق بيّنا الوجه في ذلك وقلنا إنه بالتالي تطيب نفسه ببيع الدار.

بيد أنه يوجد كلام للسيد الحكيم(قده)[2] في هذا المجال:- وحاصله: إنه يمكن أن نقول إنَّ الاكراه على ذي المقدّمة اكراه على المقدمة ، يعني مادام أكرهه على أن يدفع له مائة دينار فهو بالتالي اكراه على بيع الدار ، فهو حينما يبيع الدار التي هي مقدّمة للدفع يكون مكرهاً عليها مادام مكرهاً على ذي المقدمة.

بيد أنَّ حديث رفع الاكراه لا يشمل هذا المورد كي يحكم بالبطلان ، لأنه لو شمله وثبت بطلان البيع يلزم التعسير دون التيسير ، يعني أنَّ الألف دينار لا يمكن أن يحصل عليها المكرَه ويعطيها للظالم فهذا تعسير عليه وليس تيسيراً ، فحديث رفع الاكراه لا يشمله ونحكم بحصة البيع.إذاً هو(قده) سلّم بأنَّ الاكراه صادق لكنَّ حكم الاكراه - وهو البطلان - لا ينطبق عليه ، لأنه يلزم التعسير دون التيسير.

قال(قده):- ( إنَّ الاكراه على ذي المقدمة اكراه على المقدمة إلا أنَّ الظاهر أنه لا إشكال في صحة البيع إذ الأدلة المتقدمة على قدح الاكراه في الصحة غير جارية ، أما الاجماع فظاهر ، وأما حديث الرفع فإطلاقه اللفظي وإن كان شاملاً للمقام إلا انه لما كان امتنانياً امتنع شموله له إذ يكون تطبيقه خلاف الامتنان لأن ابطال البيع في الفرض تعسير لا تيسير وتضييق لا توسعة ).

وفيه:-

أولاً:- هناك قضية علمية وهي أنه قال إنَّ حديث الرفع لا يشمل المورد لأنه امتناني ، ونحن نقول:- نعم هو لا يشمل ولكن ثم ماذا ؟ هو قال: إذاً نحكم بالصحة ، ولكن نحن نقول:- إنَّ عدم شمول حديث الرفع يعني زوال المانع من الصحة وليس اثباتًا لمقتضى الصحة ، فلا يلزم من عدم شمول حديث الرفع الحكم بالصحة ، بل لابد وأن نلتفت إلى أنَّ شروط الصحة هل هي موجودة أو لا والتي منها الرضا وطيب النفس ، فإذا قيل إنَّ الرضا وطيب النفس مفقود لأنه مكرَه ، فلا يمكن الحكم بالصحة.

ثانياً:- يمكن أن يقال إنَّ هذا ليس بمكره بل له طيب نفس ، باعتبار أنه إذا فرض أنَّ البيع باطلاً فمشكلته حينئذٍ سوف تكون باقية على حالها ، يعني بالتالي يأتي أيّ مشترٍ ويقول له هل أنت راضٍ بأن اشتري دارك أو لا ؟ فلو قال إني غير راضٍ فهذا الشخص سوف لا يشتريها ، وهكذا الحال بالنسبة إلى المشتري الثاني والثالث ، فيبقى حينئذٍ على مشكلته ، فهو حتماً بالتالي يتحقق له الرضا شاء أم أبى ، وهذا منبه نأتي به على أن الرضا موجود ، بل لو فرض أنه جاء شخص ولم يسأل هذا السؤال وإنما أقدم واشترى فهذا المال الذي يحصل عليه المكرَه مقابل داره فهل هو ماله أو ليس بماله ؟ فإذا لم يكن له طيب نفس فالمعاملة باطلة فهذا لا يكون ماله فكيف يتصرّف فيه ؟!! فإذاً لا يمكنه التصرف فيه فبقيت المشكلة على حالها ، فهو بعد التفاتة إلى هذه النكات سوف يرضى ببيع داره لأنه يريد أن يخلّص نفسه من المشكلة التي وقع فيها.