1440/10/06


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

40/10/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الاستصحاب في الشبهات الموضوعية - أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.

والكلام وقع في كيفية حلّ هذا العلم الاجمالي:- فهل نحلّه من خلال فكرة الانحلال الحقيقي ، أو من خلال الانحلال الحكمي ، أو من خلال الانحلال التعبّدي ؟ ، فإذاً هو لابد أن يكون منحلاً ولكن الكلام هو أنه ينحلّ بأيّ طريق.

وقبل بيان كيفية الانحلال لابد من توضيح هذه المصطلحات:-

الانحلال الحقيقي:- ويقصد منه أن يزول العلم الاجمالي من النفس زوالاً حقيقياً ، كما لو فرض أنه كان عندنا علم بوجود إناء نجس بين أوانٍ متعددة ثم فرض حصول العلم بتشخيص ذلك النجس إما لأجل أنك حدّقت النظر فرأيت النجاسة فيه أو غير ذلك فالمهم أنه حصل العلم الوجداني بأن هذا الطرف هو النجس فيزول العلم الاجمالي حقيقةً وإنما اقصى ما موجود هو الشك البدوي أنَّ هذا الاناء نجس وذاك الاناء نجس فيجري أصل الطهارة في هذه الأطراف ، فعلى هذا الأساس إذا حصل العلم بتشخيص ذلك النجس فينحل العلم الاجمالي انحلالاً حقيقياً لأنه زال من النفس حقيقيةً ويعود إلى شكوك بدوية في كل إناء.

إذاً في الانحلال الحقيقي لابد أن نفترض حصول علم وجداني بذلك الاناء النجس مثلاً.

الانحلال الحكمي:- والمقصود منه أن يكون العلم الاجمالي بعد الانحلال بَعدُ باقياً في النفس ولكنه ساقط عن الاعتبار الحجية ، كما لو فرضنا وجود اناءين أحدهما نجس جزماً وفرض أن المكلف كان مضطراً لشدّة عطشه إلى تناول إناء ماء فحينئذٍ يتناول أحد الاناءين فإنَّ المجوّز لشربه هو ( رفع عن أمتي ما اضطروا إليه ) ، أما الاناء الثاني فيوجد شك بدوي في نجاسته فربما يقال بجواز تناوله أيضاً لجريان أصل البراءة فيه ، ولكن العلم الاجمالي بنجاسة أحدهما موجود ولكن رغم وجوده في النفس حقيقةً هو ساقط عن الاعتبار لوجود المجوّز في أحد الطرفين وهو الاضطرار فيسقط عن الحجية ، وهذا يعبر عنه بالانحلال الحكمي ، وسبب التسمية واضح ، يعني أنَّ العلم الاجمالي موجود ولكن حكمه قد ارتفع فإنَّ المنجزية قد ارتفعت وغلا فهو باقٍ حقيقةً.

الانحلال التعبدي:- أن يكون المقصود منه أن يكون العلم الاجمالي باقياً حقيقةً كما في الانحلال الحكمي ولكن الشارع عبّدنا بانحلاله ، كما لو جاء خبر ثقة وشهد بأن الاناء النجس هو هذا وقلنا بحجية خبر الثقة ، إنه بناءً على هذا الشارع عبّدنا بأنَّ هذا نجس ، ومع هذا التعبّد يجري أصل البراءة في الطرف الثاني ويجوز ارتكابه ، وهذا انحلال تعبّدي من باب أنَّ الخبر والأمارة عبّدتنا بالانحلال ، يعني عبّدتنا بأنَّ هذا الطرف هو النجس ، وبالتالي انحل العلم الاجمالي ولكنه انحلال تعبّدي.

وبعد اتضاح هذا نأتي إلى ذكر الأجوبة على هذا العلم الاجمالي:- وهي متعددة:-

الجواب الأول:- ما يخطر إلى الذهن ، وذلك بان يقال:- إنَّ هذا لعلم الاجمالي هو ثابت قبل أن نراجع النصوص من آيات ورايات أما بعد أن رجعنا إليها وشخّصت أين المحرّم وأين الواجب فحينئذٍ العلم الاجمالي سوف ينحل ويزول.

والجواب:- ما المقصود من الانحلال بعد مراجعة النصوص الشرعية ، فهل المقصود هو الانحلال الحقيقي أو الحكمي أو التعبدي ؟ فإن كان المقصود هو الانحلال الحقيقي فهذا فرع حصول العلم بأن هذا حرام - يعني في ما دلت عليه النصوص - وذاك حرام وذاك حرام ، فإذا حصل علم فصحيح ينحل العلم الاجمالي ، يعني حصل علم بعدد المحرمات التي نعلم بها جمالاً ، فمثلاً نعلم إجمالاً بوجود مائة محرّم والنصوص أوصلتنا إلى مائة محرم فهنا ينحل العلم الاجمالي ولكن يلزم أن يكون علماً ولكن من الواضح أن النصوص أقصى ما تفيد الظن ولا تفيد العلم فإنَّ خبر الثقة يفيد الظن ، وكذلك القرآن الكريم وإن كان يوجد عندنا علم به ولكن دلالته ظنية فبالتالي الحرمة تكون ظنية ، فعلى هذا الأساس لا يتحقق انحلال حقيقي فإنَّ الانحلال الحقيقي فرع وجود علم بأنَّ المحرمات المعلومة بالاجمال بعددها عثرنا عليها من خلال النصوص ، ولكننا لا نعثر عليها من خلال العلم ، لأنَّ النصوص عادةً أقصى ما تفيد الظن ، نعم قد يكون في مورد أو موردين يفيد النص العلم بأن تكون دلالته صريحة ويكون متواتراً ولكن هذا قليل وليس في كل الموارد فيبقى العلم الاجمالي على حاله ، فالانحلال الحقيقي غير ممكن.

وإذا كان مقصودك الانحلال الحكمي ، بمعنى أنا نقول في مورد قيام النصوص على حرمة هذا وذاك الأصل لا يجري لوجود دليل اجتهادي وهو النص فيجري الأصل العملي - وهو البراءة - في البقية ، فهذا انحلال حكمي ، فلو كان هذا هو مقصودك فله وجاهة ولكنه سيأتي كجوابٍ مستقل.وإذا كان مقصودك الانحلال التعبدي ، بمعنى أنَّ الخبر حينما يقوم على حرمة هذا أو ذاك فهو يعبّدنا بحرمة هذا أو ذاك ومعه يجري الأصل في بقية الطراف بلا مانع ، فإذا كان هذا مقصودك فله وجاهة أيضاً ، ولكنه يأتي كوجه مستقل فلا نتعرّض إليه هنا.

الجواب الثاني:- أن نتمسّك بفكرة الانحلال الحقيقي بأن نقول إن العلم الاجمالي بوجود محرمات في الشريعة ينحل انحلالاً حقيقياً.

وكيف يكون ذلك فإنه قلنا قبل قليل إنَّ النصوص من آيات وروايات لا تفيد إلا الظن عادةً ولا تفيد العلم الوجداني حتى يحصل الانحلال الحقيقي ؟

إنه لأجل التغلّب على هذه المشكلة نضيف اضافةً ونقول:- إنه توجد اجماعات وضرورات وأخبار آحاد مقترنة بقرائن مفيدة للعلم ، إنَّ هذه الأمور وغيرها نقول إنَّ هذا المقدار يورث العلم فينحل العلم الاجمالي حينئذٍ انحلالاً حقيقياً ، إذ المفروض قد حصل من خلال هذه الأمارات علم لا أنه حصل ظنٌّ حتى تقول يبقى العلم الاجمالي على حاله ، بل حصل علمٌ ، ومع حصول العلم ينحل العلم الاجمالي حينئذٍ انحلالاً حقيقياً.

وفيه:- إنَّ الصغرى غير تامة ، يعني ليس لدينا علم وجداني بكمية المحرمات المعلومة بالاجمال ، والسبب في ذلك هو قلة هذه الموارد ، والمنبه الوجداني على ذلك أننا في الشريعة الاسلامية لا يوجد عندنا علم عادة بأنَّ هذا حرام وذاك حرام ، وإنما أقصى ما عندنا هو الظن ولكنه ظن مستند إلى الحجة أما العلم فلا ، لأنَّ الأدلة عادة مثل حرمة الغيبة فأقصى ما نتمسّك بظهور الآية وظهور الروايات ولكن الظهور أقصى ما يفيد الظن لا أنه يفيد العلم ، فعلى هذا الأساس أقصى ما يمكن حصوله هو الظن الحجة وأما العلم فلا ، ولا نقصد بهذا أنَّ هذه لا تفيد العلم ، كلا بل الضرورات تفيد العلم ، وكذلك الاجماعات لا بأس بأن تفيد العلم ، وكذلك أخبار الآحاد المقترنة بقرائن قد تفيد العلم ، ولكن مواردها ليست بذلك الشكل الذي يزول معه العلم الاجمالي ، فإذاً لا يوجد انحلال حقيقي.

ولكن لو سلّمنا بأنه يمكن تحقق الانحلال الحقيقي نطرح هذا التساؤل:- وهو أنه بالتالي هل علمنا الاجمالي بوجود محرّمات منحلٌّ حقيقةً أو أنه مجرّد فرضية لا مصداق لها ؟