1440/10/28


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

40/10/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- التنبيه الأول ( اشتراط عدم الأصل الحاكم ) - تنبيهات أصالة البراءة - مبحث الأصول العملية.

إشكال وجواب:-

وحاصل الاشكال:- إننا ذكرنا في الصورة الأولى أنا نرجع إلى أصل الحل في الشبهة الموضوعية بل وفيي الشبهة الحكمية إذا لا يوجد عموم أو غضضنا النظر عن العموم الاجتهادي فنرجع إلى أصل الحل ، والاشكال يقول:- أنت رجعت إلى أصل الحل واثبت حليته ولكن لماذا لا نتمسك باستصحاب الحرمة فنشير إلى هذا الحيوان نقول إن هذا الحيوان الذي هو الأرنب مثلاً - إذا كانت الشبهة حكمية - كان حراماً في حياته والآن نشك هل صار حلالاً فنستصحب الحرمة الثابتة حال حياته ، هذا إذا كانت الشبهة حكمية وغضضنا النظر عن الدليل الاجتهادي أو لا يوجد دليل اجتهادي يدل على ذلك وأنكرنا دلالة ما ذكرناه ، وفي الشبهة الموضوعة بأنَّ خرج لنا حيوان جديد لا ندري أنه أرنب أو هو أبو عرس فهذه شبهة موضوعية وقد قلنا في الشبهة الموضوعية نرجع إلى أصل الحل ولكن قد يقول قائل إننا نشير إلى هذا الحيوان ونقول إنه في حياته كان حراماً فنستصحب الحرمة الآن فبالاستصحاب تثبت الحرمة فلماذا أجريت أصل الحل والحال أنه يوجد استصحاب الحرمة والاستصحاب مقدم على سائر الأصول العملية كأصل البراءة وأصل الحل ؟

ونجيب بجوابين:-

الأول:- أن نقول أنت قلت عن هذا الحيوان حال حياته كان محرماً وبعد تذكيته نستصحب الحرمة الثابتة حال الحياة ، ونحن نقول من قال إنَّ الحيوان حال حياته يحرم أكله فإنَّ الدليل قد دل على حرمة الميتة وهذا ليس بميتة ، ودل على حرمة غير المذكى والمقصود من غير المذكى يعني ما كان قد زهقت روحه لا كل غير مذكى ولو بسبب أنه حي ، فإن قوله تعالى ﴿ حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم ﴾[1] نفهم من ظاهرها أنَّ ما كان قد زهقت روحه يحرم إذا انطبق عليه عنوان الميتة أو عنوان المنخنقة أو ما شاكل ذلك ، فالمنظور هو هذا لا أنَّ غير المذكّى ولو كان حيّاً يحرم أيضاً فإنَّ الأدلة لا تدل عليه ، ولا أقل هي مجملة من هذه الناحية فلا مشكلة فيه ، فعلى هذا الأساس لو فرضنا أنَّ شخصاً أراد أن يبتلع عصفوراً وهو حي فلا بأس بذلك ، نعم يلزم أن لا ينطبق عنوان خبائث كالريش وغير ذلك ولكن ذلك عنوان آخر لا أنَّه بعنوان أنه حيّ لا يجوز ابتلاعه ، فإذا قلنا لا دليل على حرمة الخبائث المادية كما تعلمناه من السيد الخوئي(قده) وإنما الخبائث المحرمة في الآية الكريمة ﴿ ويحرّم عليهم الخبائث ﴾ المقصود هو الخبائث المعنوية فإنَّ ظاهر الآية الكريمة هو هذا ، فإذا قلنا بهذا المعنى فعلى هذا الأساس هو حال حياته لا توجد حرمة أكل له حتى تستصحبها ، بل الاستصحاب من أساسه باطل لعدم وجود متيقنٍ سابق.

الثاني:- أن نقول سلّمنا أنَّ الأكل حال الحياة حرام ، ولكن نقول أنت تستصحب أي حرمة فهل تستصحب الحرمة الناشئة من عدم التذكية أو الناشئة من كونه من محرمات الأكل الأبدية ، فإن كان حراماً من ناحية أنه غير مذكى فالمفروض أننا قد ذكّيناه ، لأننا نريد أن نحري أصل البراءة بعد أن ذكّيناه ، وإذا كانت الناشئة من كونه من المحرّمات الأصلية البداية فالمفروض أن كونه كذلك مشكوك فإنَّ كلامنا هو في هذا المورد ، فإذاً العنوان المحرّم - غير المذكى - قد زال جزماً والعنوان الآخر المحرّم - وهو كونه من محرّمات الأكل - نشك في أصل ثبوته من البداية فكيف تستصحبه ؟!

إن قلت:- لنستصحب استصحاب الكلي ، يعني لا ننظر إلى استصحاب الجزئي فلا ننظر إلى الحرمة من ناحية التذكية والحرمة من ناحية أنه من المحرمات الأصلية بل نستصحب استصحاب الكلي فنقول إنَّ هذا كان حال الحياة محرّماً جزماً فلا أقل هو غير مذكى وقد فرضنا أنَّ عدم التذكية يوجب الحرمة ، فعلى هذا الأساس نستصحب الحرمة الكلية لا الحرم الشخصية الجزئية فنشير إلى هذا الحيوان ونقول هذا الحيوان كان حراماً حال الحياة والآن كذلك بالاستصحاب فننظر إلى الحرمة الكلية الجامعة لا الحرمة الجزئية حتى تقول لي إنَّ الحرمة بسبب عدم التذكية قد زالت أصلاً والحرمة الأصلية مشكوكة الحدوث من البداية ، كلا بل ننظر إلى الحرمة الكلية ونستصحبها.

قلت:- نحن نسأل ونقول: إنَّ هذا استصحاب الكلّي من أي قسم هو ؟ إنَّ القسم الأوّل من استصحاب الكلي هو أن نعلم بحدوث كلّي الانسان ضمن زيد دخل المسجد ونشك هل خرج أو لم يخرج ، فهذا جزئي وبالتالي نشك في كلّي الانسان هل هو باقٍ في المسجد أو ليس بباقٍ فيه فنستصحب الجزئي ، وأيضاً يجوز استصحاب الكلي ، وموردنا ليس من هذا القبيل ، وأما القسم الثاني فهو أن أعلم بحدوث حيوان موجود على سطح الدار له خرطوم ولا أعلم أنه بقّ أو فيل وأنا نذرت بأن كل حيوان له خطوم وهو حي أعطيه أكلاً وأنا لا أعلم أنه بقٌّ أو هو فيل ، فإن كان هو البقّ فقد مات ، وإذا كان فيلاً فهو حي ، وهذا يسمى باستصحاب الكلي من القسم الثاني ، يعني نحن نعلم بوجود حيوان كلي الحيوان إما ضمن هذا أو ضمن ذاك فهنا نتمكن أن نقول نحن نجزم ببقاء الكلّي ونشك الآن في بقائه فيجري استصحاب الكلي ، وأما القسم الثالث هو أن أعلم بحدوث الكلّي ضمن فردٍ كأن يكون زيداً دخل المسجد وأعلم بأنه قد خرج فأنا أعلم أنه لا يبقى في المسجد كثيراً ، ولكن احتمل أنه قبل أن يخرج زيد أو مقارناً له دخل عمرو وفي مثل هذه الحالة أريد أن استصحب الكلّي فهل يجوز استصحابه أولا ؟ إنه لا يجوز استصحابه ، لأنه لو استصحبته ضمن زيد فقد خرج جزماً ، ولو استصحبته ضمن عمرو فأنا أشك في حدوثه ، فلا يجري الاستصحاب ، والمفروض أنَّ الكلي موجود في الحصص ، فإذاً الكلي من القسم الثالث لا يجري.

وهنا أنت افترضت أننا نريد أن نستصحب كلّي الحرمة ولا ننظر إلى الحرمة من جهة عدم التذكية ولا الحرمة الأصلية وإنما ننظر إلى كلّي الحرمة ونستصحب كلّي الحرمة ، فهذا من أي قسم من أقسام الكلي ؟ إنَّ الحرمة هنا هي من القسم الثالث وليس من القسم الثاني ، والوجه في ذلك:- هو أنَّ الحرمة من جهة غير المذكّى مرتفعة جزماً واحرمة الأصلية نشك في أصل حدوثها ولا وجد حرمة واحدة نشير إليها ونقول هذه الحرمة كانت جزماً وهي نشك في بقائها وإنما توجد حرمتان حرمن من ناحية عدم التذكية وقد زالت جزماً وحرمة أصلية فنشك في أصل حدوثها فأين استصحاب الكلي من القسم الثاني ؟!! لأنه إذا كان من القسم الثاني لابد أن نفترض وجود حرمة واحدة قد حصلت ولكن هذه الحرمة الواحدة التي حصلت لا نعلم أنها الحرمة الطويلة أو الحرمة القصيرة والحال أنه هنا لا وجد عندنا حرمة واحدة وإنما توجد عندنا حرمة واحدة كانت وزالت جزماً وهي الناشئة من عدم التذكية وتوجد حرمة ثانية نشك في أصل حدوثها فلا توجد حرمة واحدة والكلي من القسم الثاني يحتاج إلى واحد فقول هناك حيوان له خرطوم كان حادثاً وأشك في بقاءه أما هنا لا توجد حرمة واحدة حتى تقول إنَّ تلك الحرمة الواحدة هي حدثت وأشك في زوالها ، وإنما توجد حرمتان ، فيصير من الكلي من القسم الثالث ،يعني أتيقن بوجود الكلي في ضمن فردٍ وقد زال جزماً وهو الحرمة من ناحية عدم التذكية حيث كانت الحرمة موجودة وقد زالت بالتذكية ، والفرد الثاني أحتمل أنه كان مقارناً موجوداً ولكن هذا احتمال ولا أعلم بحدوثه فيصير هذا من الكلّي من القسم الثالث ، فلا يجري استصحابه ، وهو شيء ظريف.