1441/06/08


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

41/06/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الخامس ( الشبهة غير المحصورة ) - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.

الرواية السادسة: - الروايات الوارد في حلّ جوائز السلطان الجائر، السلطان الجائر إذا أهدى لشخص هدية فهي حلال، وقد وردت روايات في ذلك، منها:- ( جوائز العمّال ليس بها بأس )[1] ، والمقصود من العمّال هم عمّال السلطان فهؤلاء العمال يهدون هدايا للناس فيجوز أخذها.

وتقريب الدلالة أن نقول: - إنَّ ما هو الموجود عند السلطان بعضه حرام جزماً، إذ لا يحتمل أن جميع ما في الخزينة حلال ولو فرض أنَّ بعض العمّال كان روعاً لكن البقية ليس لهم ذلك واطلاق ( جوائز العمّال لا بأس بها ) يشمل من لا يتورّع ويوجد في خزينته أموال محرمة، فإذاً هذه الرواية دلت على جواز ارتكاب بعض أطراف الشبهة المحصورة وهي واضحة في ذلك، وبذلك يثبت المطلوب.

وقد اتضح أيضاً أنه لو أشكل مشكل وقال: - ربما تكون كل أموال العامل الذي أهدى الهدية حلال فنجري أصل الحل في جميعها.

فنقول له: - صحيح أنَّ بعض العمّال هكذا، ولكن البعض الآخر نعلم بأنَّ في أمواله حرام، فإنه لا يحتمل أنَّ كل العمّال لا يوجد مال حرام في خزينة بعضهم، فالإطلاق شامل لهذا البعض الذي يوجد في خزينته أموال محرمة، فتدل هذه الرواية على جوا أخذ الجائزة من هذا العامل الذي في خزينته أموال محرمة وبذلك يثبت المطلوب.

وربما يجاب عنه: - بأنَّ ما دفعه العامل هو محل للابتلاء وأما الباقي في الخزينة فليس محلاً للابتلاء - لأنه لم يدفعه إليه - فلا يجري فيه أصل الحل لخروجه عن محل الابتلاء، فيجري أصل الحل فيما دفعه العامل إليه من دون معارض، وهذا تخريج لجواز الارتكاب تقتضيه القاعدة، فنقول إنَّ القاعدة تقتضي جواز ارتكاب بعض أطراف الشبهة غير المحصورة في جوائز السلطان، وكل شبهة غير محصورة - حتى في غير جوائز السلطان - إذا كانت من هذا القبيل فأيضاً نحكم فيها بذلك، ولكن بشرط أن تكون بعض الأطراف داخل محل الابتلاء وبعضها خارج عن محل الابتلاء، فلا معارضة بين الأصول، فيجري الأصل فيما هو داخل تحت محل الابتلاء من دون معارضة، هكذا يمكن أن يجاب عن التمسك بهذه الروايات.

وهو كما ترى: - فإنَّ هذا وجيه فيما إذا فرض أنَّ البعض الآخر كان خارجاً عن محل الابتلاء، أما إذا فرض أنَّ البعض الآخر كان يمكن الاستيلاء عليه، كما لو كان العامل ضعيفاً وعنده أموال في أقصى البلاد وكنت قوياً وعندي جماعة فيمكن أن نستولي على بعض أموال الدولة، ففي مثل هذه الحالة سوف تصير الأصول متعارضة، فلو أهدى لي هذا العامل جائزة يلزم ألا تكون حلالاً لأجل كون الأصول متعارضة.

فإذاً هذا الجواب يتم فيما إذا كانت بقية أموال السلطان خارجة عن محل الابتلاء واقعاً، كما لو كان هذا السلطان جبّاراً وطاغوتاً ولا يجرؤ أحد على التصرف في أمواله، ولكن بعض العمّال ليسوا كذلك، وأطلاق ( جوائز العمّال لا بأس بها ) تشمل هذا العامل الضعيف الذي تكون فيه الأصول متعارضة في الأطراف، فإذاً هذا الجواب لو غضضنا النظر فإنه يمكن أن يناقش بما أشرنا إليه، وهو أنه يتم في قسمٍ من المساحة لا في كاملها.

ولنا جواب آخر غير هذا الجواب وذلك بأن يقال:- نحن نحتمل الخصوصية لجوائز السلطان والعمّال، فإنَّ جوائز العمّال مباحة بخصوصها رغم أنَّ الشبهة غير محصورة ولكن يجوز الارتكاب بعنوان جوائز العمّال لورود النص في ذلك، وعليه فلا يمكن أن نستفيد أنَّ كل شبهة غير محصورة يجوز ارتكاب بعض أطرافها، لأنَّ جوائز العمّال صارت لها خصوصية محتملة، فلا يمكن أن نتمسَّك بهذه الروايات لإثبات أنَّ كل شبهةٍ غير محصورة يجوز ارتكاب بعض أطرافها، لاحتمال وجود خصوصية لجوائز العمّال، فلا يمكن أن نتعدّى إلى جميع الموارد، وقد قلنا إنَّ هذا الجواب أولى من الجواب السابق.

الرواية السابعة:- ما دل على أنه يجوز شراء أموال الزكاة أو أموال المقاسمة من العامل، منها صحيحة معاوية بن وهب:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- اشتري من العامل الشيء وأنا أعلم أنه يظلم، فقال:- اشتر منه )[2] .

وتقريب الدلالة: - هو أنه قد فرض أنه يعلم بانه يظلم يعني أنه توجد عنده أموال حرام من زكوات وخراج وغير ذلك والامام عليه السلام قال ( اشتر منه ).

وصحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام: - ( سالته عن الرجل منا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنم الصدقة وهو يعلم أنهم يأخذون منهم اكثر من الحق الذي يجب عليهم، فقال:- ما الابل إلا مثل الحنطة والشعير وغير ذلك لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه.... )[3] ، ودلالتها واضحة.

فقد يستدل بهاتين الروايتين وغيرهما مما دلّ على جواز شراء أموال الجراج وأموال الصدقة من العامل الذي يُعلَم أنه يظلم، فيدل على أنَّ الشبهة غير المحصورة يجوز ارتكاب بعض أطرافها.

والجواب هو الجواب: - فنحن نحتمل الخصوصية للشراء من العامل - أي شراء أموال الزكاة - ولو تسهيلاً على المكلف، ولا يهمنا ما هي النكتة، ولكن يمكن أن يقال إنَّ هذه موارد لها خصوصية فيجوز فيها التعامل مع العامل والشراء منه رغم أنَّ الشبهة غير محصورة، ومادام يحتمل الخصوصية فلا يمكن التعدي إلى سائر الشبهة غير المحصورة.

هذه روايات سبع لجواز ارتكاب بعض أطراف الشبهة غير المحصورة وقد اتضح أنَّ الجميع قابل للمناقشة والتأمل.

عودة إلى صلب الموضوع: - كان كلامنا في الوجوه التي يتمسك بها لأجل جواز ارتكاب الشبهة غير المحصورة، وكان الوجه الأول هو الاطمئنان، وهو الذي تمسك به الشيخ الأعظم والشيخ العراقي(قده)، والوجه الثاني ولعله هو المشهور هو أنه تجري الأصول في الأطراف من دون معارضة لعدم إمكان المخالفة القطعية بسبب كثرة الأطراف، والوجه الثالث هو إنه من باب العسر والحرج، ......وغير ذلك من الوجوه، والآن نطرح سؤالين: -

السؤال الأول: - ما هو الوجه الصحيح لجواز ارتكاب بعض أطراف الشبهة غير المحصورة؟

والجواب: - اتضح من خلال ما سبق أنَّ كل الوجوه قابلة للمناقشة عدى الوجه الأول - وهو الاطمئنان – فإنه هو الصحيح، لأنَّ كل طرف نضع يدنا عليه نطمئن بأنه ليس هو الحرام فيجوز ارتكابه.

السؤال الثاني: - ما هو تحديد الشبهة غير المحصورة؟

إنَّ الجواب قد اتضح وحاصله إن يقال:- إنَّ التحديد يختلف باختلاف مدرك جواز ارتكاب بعض الأطراف، فبناءً على كون المدرك هو الاطمئنان نقول إنَّ الشبهة غير المحصورة هي ما كثرت أطرافها بحيث أنه في كلّ طرفٍ لو أخذ وحده يطمأن بأنه ليس هو المعلوم بالاجمال، وأما بناءً على كون المدرك هو كثرة الأطراف بحيث لا يمكن ارتكابها فنقول إنَّ الشبهة غير المحصورة هي ما كثرت أطرافها بحيث لا يمكن ارتكابها جميعاً في حقّ المكلف، وأما بناءً على كون المدرك هو العسر والحرج فنقول إنَّ الشبهة غير المحصورة هي ما كثرت أطرافها بحدٍّ يعسر على المكلف الاجتناب عن جميع أطرافها، ..... وهكذا، فإذاً ينبغي أن يكون تحدد الشبهة غير المحصورة على طبق المستند بالشكل الذي أشرنا إليه.