32/11/12


تحمیل

 وقد تقدم بحث ذلك والإشارة إليه في مسألة ( 155 ) حيث ذكر ( قده ) أن من أحرم لعمرة التمتع ولم يتحقق منه الإتيان بأفعالها وضاق الوقت بحيث استلزم الإتيان بأفعالها فوات الموقف الاختياري في عرفات فآنذاك ينقل حجه إلى الإفراد بلا حاجة إلى عمرة ويتوجه إلى عرفات الذي هو الفعل الثاني في حج الإفراد.

 أما إذا ضاق عليه الوقت وهذا شيء جانبي قبل أن يحرم بأن وصل إلى مسجد الشجرة وبعد لم يحرم والتفت إلى أنه لا يتمكن من أن الإتيان بعمرة التمتع لضيق الوقت - يعني لو أتى بها سوف لا يدرك الموقف الاختياري في عرفات - فحينئذ لا تكون وظيفته الانتقال إلى حج الإفراد بل إما أن يرجع إلى أهله أو أن يأتي بعمرة مفردة .

 إذن القول بأنه ينقل نيته إلى حج الإفراد يتم إذا كان الوقت وسيعاً وأحرم إلى العمرة المفردة ولكنه ضاق عليه . وهذا قد تقدم في مسالة ( 155 ).

 ونحن هناك علقنا وقلنا أن المدار في ضيق الوقت ليس على فوات الموقف الاختياري في عرفات بل على حلول زوال يوم عرفة ، فإذا حل الزوال فهنا يصدق ضيق الوقت وينقل حجه إلى الإفراد.

 أما لماذا المدار على هذا دون ذاك ؟

 الجواب:- قد تقدم ذلك في تلك المسألة وإنما أردنا أن نشير هنا إلى مجمل الأمور لا أكثر.

النقطة الرابعة:- ذكرنا فيما سبق أنه لو أحرم المكلف ولم يتمكن من إتمام عمرة التمتع لضيق الوقت بطلت وبالتالي فسد الحج ، ولكن كيف يخرج من الإحرام ؟ فهل يبقى على الإحرام إلى أن يأتي بعمرة مفردة ويتحلل بها ؟ أو بأن ينتقل إلى حج الإفراد ويتحلل آنذاك من خلاله ؟ أو أن الإحرام يبطل بشكل قهري بلا حاجة إلى عمرة مفردة أو غير ذلك ؟ إن هذه مسألة تعرض إليها الأصحاب ومنهم صاحب المدارك[1] وذكر أن في ذلك احتمالات ثلاثة:-

الأول:- بطلان الإحرام بشكل قهري بلا حاجه إلى عمرة مفردة أو غير ذلك.

الثاني:- توقف الإحلال على الإتيان بطواف عمرة التمتع وما بعده من الأفعال ، يعني في السنة الثانية فيبقى محرماً طيلة سنة إلى أن يكمل أفعال عمرة التمتع في ، وإنما قيد بالسنة الثانية باعتبار أن عمرة التمتع لا تكون إلا في أشهر الحج ويكون حج التمتع معها فلا بد من الانتظار إلى السنة الثانية.

الثالث:- إن التحلل يحصل بالإتيان بعمرة مفردة.

 ثم قال بعد ذلك ( وجزم المحقق الشيخ علي في حواشي القواعد أي المحقق الكركي(قده) بالأخير[2] والمسألة قوية الإشكال من حيث أن مقتضى استصحاب بقاء الإحرام هو أن لا يحصل التحلل إلا بأفعال العمرة ومن حيث أن مقتضى أصالة عدم توقف الإحلال على ذلك يقتضي أن لا حاجة إلى أفعال العمرة فالأصل عدم التوقف مع خلو الأخبار عن ذلك ، ولعل المصير إلى ما ذكره رحمه الله أحوط ) أي أنه يميل إلى التوقف على أفعال العمرة.

 وهناك شيء جانبي:- وهو أنه ماذا يقصد من أفعال العمرة حيث قال ؟ فهل يقصد العمرة المفردة أو يقصد إكمال أفعال عمرة التمتع ؟

 لا يبعد أن مقصوده هو العمرة المفردة ، فانه لو كان يقصد عمرة التمتع فالمناسب أن يعبر بـ( إكمالها ) فيكون الإتيان بالضمير أجدر ، مضافاً إلى أنه يظهر منه الميل إلى رأي المحقق الشيخ علي الكركي(قده) الذي جعل المدار على العمرة المفردة.

 وصاحب الجواهر(قده)[3] ذكر الاحتمالات الثلاثة السابقة ويظهر منه الميل إلى الاحتمال الثاني حيث قال ( فحينئذ يتجه توقف التحليل على فعل الفائت[4] ولو في السنة الآتية لأصالة عدم حصول التحلل بغير أداء النسك الذي وقع الإحرام له ، ولكن فيه من العسر والحرج ما لا يخفى ولذا قال الكركي بالتحلل بأفعال العمرة ) أي العمرة المفردة.

 وعلى أي حال الاحتمالات في المسألة ثلاثة على ما ذكرنا ، ومال الكركي(قده) إلى الأخير بينما يظهر من صاحب الجواهر(قده) الميل إلى الاحتمال الثاني.

ولكن يمكن أن يقال:- إن المناسب هو الاحتمال الأول وذلك لوجهين:-

الأول:- انه حينما يضيق الوقت ولا يمكن الإتيان ببقية أفعال عمرة التمتع في هذه السنة لفرض ضيق الوقت ولا في السنة الثانية لفرض أن أفعال حج التمتع يلزم أن تقع في سنة واحدة فينكشف من البداية أن إحرامه باطل ، أي لم يتحقق منه الإحرام لا أنه تحقق ثم يبطل ، وإذا عبرنا بالبطلان فالمقصود هو البطلان في مرحلة الظاهر وإلا فبحسب الواقع فينكشف أنه لا أمر بالإحرام في حقه من البداية فهو باطل من البداية.

الوجه في ذلك:-

أولاً:- أن مطلوبية الإحرام مطلوبية ضمنية وليست استقلالية ، فهو مطلوب ضمن المجموع بنحو الجزئية أو الشرطية ومن المعلوم أن مطلوبية كل جزء مرهونة بإمكان الإتيان ببقية الأجزاء ، أما إذا لم يمكن الإتيان بها فينكشف عدم مطلوبية ما أتي به كما هو الحال في باب الصلاة ، فلو أن شخصاً كبَّر للصلاة وبعد ذلك عرض له عارض منعه من الإكمال فينكشف أن ما أتى به - أعني الكبير - ليس مطلوباً إذ هو لا يكون مطلوباً بنحو الاستقلال وإنما هو جزءٌ ووجوب كل جزء مرهون بإمكان بقية الأجزاء وحيث لا يمكن الإتيان ببقية الأجزاء فينكشف بطلان التكليف ، والأمر في المقام كذلك فانه ينكشف بطلان الإحرام من البداية وبالتالي لا حاجة إلى محلل إذ الحاجة إليه فرع وقوع ما أتي به بشكل صحيح.

 ونحن قد سمعنا في بداية دراستنا أن كل إحرام لا يحصل التحلل منه إلا بمحلل ، وهذا الكلام لو قبلناه فهو لا يشكل عقبة أمامنا لأن المقصود منه هو أن الإحرام الذي انعقد بشكل صحيح لا يحصل التحلل منه إلا بمحلل والمفروض في مقامنا هو انكشاف بطلان الإحرام من البداية.

وثانياً:- صحيحة علي بن يقطين المتقدمة ، فان الإمام عليه السلام قال ( أعاد ) أي أعاد الحج ، ولم يبين لزوم الإتيان بعمرة مفردة حتى يحصل التحلل أو لزوم البقاء على الإحرام للسنة الثانية وسكوته يدل على عدم لزوم ذلك ، يعني كأن الإمام عليه السلام يريد أن يقول ( انه يحصل التحلل القهري ) وهذا مرجعه إلى التمسك بالإطلاق المقامي ، أي أن الإمام عليه السلام كان في مقام البيان وسكت عن بيان وجوب العمرة المفردة لأجل التحلل.

[1] المدارك 8 174.

[2] يعني التوقف على الإحلال بالعمرة المفردة ، ومنه يتضح التأمل فيما ذكره السيد الخوئي في المعتمد ج4 291 حيث نسب إلى المحقق الثاني أنه ذهب إلى توقف الإحلال على الإتيان بأفعال عمرة التمتع في السنة الثانية . وأشكل عليه بأن أفعال العمرة والحج لم يؤت بها في سنة واحدة فبعضها أتي بها في السنة الماضية - والمقصود هو الإحرام - والبقية أتى بها في السنة الثانية ولا يجوز الإتيان بحج التمتع بكامل أفعاله إلا في سنة واحدة ، وإذا قيل عليه أن يحرم من جديد في السنة الثانية كان معنى ذلك بطلان الإحرام السابق والتحلل القهري وهو خلف المدعى.

[3] الجواهر 19 373 .

[4] ومقصوده الطواف وما بعده