36/07/21


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 15 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
والكلام تارةً يقع فيما تقتضيه القاعدة بقطع النظر عن النصّ الخاص، وأخرى بلحاظ النصّ والوارد في المسألة - أعني رواية جابر وصحيحة عمر بن أذينة -:-
وقد تسأل وتقول:- إذا كانت عندنا روايات في المسألة فلماذا تبحث في القاعدة أو ليس هذا ترفاً من الكلام ؟
قلت:- إنّه في خصوص المورد قد تتحقّق المعارضة وبالتالي لا ننتفع بالروايات فنحتاج إلى تأسيس القاعدة، وهذا لا نصنعه في كلّ موردٍ وإنما نصنعه فقط فيما إذا كان يوجد تعارض بين الروايات واحتملنا الحاجة في الرجوع إلى مقتضى القاعدة.
أمّا مقتضى القاعدة:- فينبغي التفصيل بين ما إذا كانت الاجارة على الحرام نفسه وبين ما إذا كانت على شيء حلالٍ بشرط فعل الحرام فالحرام يؤخذ شرطاً، فإن كان الحرام بنفسه متعلّقاً للإجارة كما لو آجرت العبد للسرقة - لا أني آجرته واشترطت عليه السرقة -، والمناسب في مثل ذلك من حيث الحكم التكليفي هو الحرمة لأنّ هذا نحو حثٍّ وتشجيعٍ على الحرام، فأنا بإجارتي أشجعه وأحثّه على ارتكاب الحرام وقد قالت الآية الكريمة:- ﴿ إنّ الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ﴾[1] . إذن كلّ موقفٍ فيه تشجيع أو حثّ بمقتضى هذه الآية الكريمة يكون حراماً لأنها أثبتت العذاب الأليم في الدنيا والآخرة.
وأمّا وضعاً:- فهي باطلة أيضاً باعتبار أنّها لو كانت صحيحة ووجب الوفاء بها فذلك يعني وجوب الوفاء بما هو حرام ولا يحتمل وجوب الوفاء بما هو محرّم.
وأمّا إذا كان متعلّق الاجارة حلالاً وأخذ الحرام بعنوان الشرطية فالحرمة التكليفية تثبت أيضاً لنفس النكتة السابقة فإنّ أخذ الحرام شرطاً فيه نحو حثٍّ وتشجيعٍ على المعصية فتصير المعاملة محرّمة باعتبار أنها تشتمل على التشجيع على الحرام.
وأمّا وضعاً فيقال إنّ الشرط فاسد ولا يجب الوفاء به وإلّا كيف يجب الوفاء بما هو محرّم ؟!! فالشرط فاسدٌ، وأما المعاملة فهي على المبنى فإن قلنا بأنّ الشرط الفاسد مفسدٌ فيفسد المعاملة وإن قلنا هو لا يُفسِدُ فلا تفسد المعاملة.
وإنما فصلّت هنا بين الشرط وقلت إنّه بناءً على كون الشرط الفاسد مفسد أو لا ولم آخذه في الحالة الأولى لأنّه هناك المفروض أنّ الحرام هو بنفسه يكون متعلّق الاجارة ولم يؤخذ كشرطٍ أمّا هنا فقد أخذ بنحو الشرطيّة.
وأمّا بالنسبة إلى الروايات:- فقد ذكرنا أنه توجد روايتان إحداهما لجابر - أو صابر -، والثانية صحيحة عمر بن أذينة وبينهما يوجد تعارض.
إن قلت:- لماذا يوجد بينهما تعارض فإن الأولى ناظرة إلى بيع الخمر في البيت بينما الثانية ناظرة إلى حمل الخمر على الدابّة أو السفينة، فالأولى ناظرة إلى البيع ولعل البيع مبغوضٌ شرعاً فالرواية قالت ( حرام أجرته ) بينما الثانية ناظرة إلى الحمل فقط في السفينة أو الدابة ولعلّ أمره هيّن فقالت ( لا بأس ) . إذن لا تعارض بعد اختلاف الموضوع والفرض الذي ذكر فيهما !!
قلت:- إنّ كلامنا هو فيما إذا لم نحتمل اختلاف حكم البيع عن حكم الحمل فإنه لا فرق من هذه الناحية والروايات قد ذكرت أن الرسول صلى الله عليه وآله لعن من جملة من لعن البائع والحامل فالحمل والبيع سيّان من هذه الناحية، فبناءً على الوحدة من هذه الناحية يتحقّق التعارض، وهذه قضيّة ينبغي الالتفات إليها، وإلا لو احتمل الاختلاف فأصل التعارض يرتفع.
ورفع الشيخ الأعظم(قده) التعارض كما ذكرنا بحمل الأولى – التي قالت ( يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر ) [2]على ما هي نصّ فيه حيث قال هي نصٌّ في حالة الاشتراط، وتلك الثانية التي قالت ( يؤاجر سفينته ودابته ممّن يحمل فيها أو عليها ... )[3]نصٌّ في حالة الصدفة وعدم الاشتراط، فنأخذ بنصّ كلّ واحدةٍ فيرتفع حينئذٍ التعارض، هكذا ذكر(قده) وختم كلامه.
وفيه:- إنّ لسان الرواية واحدٌ فكيف صارت الأولى نصّاً في حالة الاشتراط ولذلك قال الإمام عليه السلام ( حرام ) والثانية صارت نصّاً في حالة الصدفة والاتفاق من دون اشتراط ونحملها على ذلك ؟ إنّه كيف يكون ذلك مع وحدة اللسان وعدم الفرق فيه ؟! نعم القدر المتيقن من الأولى هو حالة الاشتراط وهذا قدرٌ متيقّنٌ من الخارج إذ الإمام عليه السلام حينما حكم بحرمة الأجرة فالقدر المتيقّن هو أنّ الأجرة حرامٌ في حالة الاشتراط ولا يحتمل أنّها حرام في حالة الصدفة وليست بحرام في حالة الاشتراط، فالقدر المتيقّن من حرمة الأجرة هو حالة الاشتراط، والرواية الثانية التي قالت ( لا بأس ) القدر المتيقّن منها هو حالة عدم الاشتراط والصدفة لا أنها نصّ في ذلك وهذا ينبغي أن يكون من الأمور الواضحة، فما أفاده الشيخ الأعظم(قده) واضح الإشكال، فليست هناك نصيّة وإنما هناك قدر متيقّن من الخارج والقاعدة التي ذكرها - من أنّ ظهور كلّ واحدة يترك بنصّ الأخرى - تتمّ فيما إذا كان هناك ظهور لنصّ لفظي من نفس الكلام لا ما إذا كان هناك قدر متيقّن من الخارج.
وذكر الشيخ الطوسي(قده) وجهين للجمع[4]:-
الأوّل:- أن نحمل الأولى التي قالت ( حرام أجرته ) على حالة ما إذا علم المستأجِر - أي صاحب البيت أو السفينة - بأّن هذا سوف يبيع أو يحمل الخمر، ونحمل الثانية التي قالت ( لا بأس ) على حالة عدم العلم.
والإشكال عليه واضح:- فإنّ هذا ما يعبّر عنه بالجمع التبرّعي وليس جمعاً عرفياً، وإذا صار البناء على الجمع التبرّعي فالباب مفتوحٌ على مصراعيه فيمكن أن نحمل الأولى على حالة عدم الاضطرار وعدم الإكراه ونحمل الثانية على حالة الإكراه... وهكذا فيوجد الكثير من هذا القبيل من وجوه الجمع . إذن هذا جمع تبرعيّ لا عبرة به ولفظ الروايتين كما قلنا هو واحد.
الثاني:- أن يقال إنّ الأولى ناظرة إلى بيع الخمر فقالت حرام بينما الثانية ناظرة إلى مجرّد الحمل لا البيع ولعّله يحمل الخمر لأجل أن ينقلب إلى خلٍّ وإذا كان بهذا الهدف فلا مشكلة والإمام عليه السلام جوّز ذلك ولا مشكلة.
وفيه:- نسلّم أن الثانية ناظرة إلى الحمل لكن الحمل قد يقترن بالبيع، والإمام عليه السلام لم يستفصل ولم يقل إنّه حينما حمل فيها الخمر هل يتحقّق بيعٌ أيضاً أو لا يتحقق ؟ وبهدف الانقلاب إلى الخلّ أو لا ؟ إنّه أطلق من هذه الناحية.
مضافاً إلى أنه توجد روايات متعدّدة في هذا المجال تذكر أنّ اللعن ثابتٌ للبائع وللحامل، فهي لم تفرّق بين البيع وبين الحمل.
فإذن هذا الوجه من الجمع محلّ تأمل، فإذن ماذا نصنع ؟