36/12/06


تحمیل

الموضـوع:- مسألة ( 16 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

الدليل الثاني:- ما دلّ على الأمر بالنفخ في التمثال أو الصورة وأنّه يكلّف المصوّر يوم القيامة أن ينفخ فإنّ هذا يدل على أنَّ ذا الصورة حيوانٌ فإنّه هو الذي يحتاج إلى نفخٍ لأجل الروح.

ونحن نضيف ونقول:- إنّ لازم النفخ كون الصورة جسماً إذ لو لم تكن جسماً[1] باعتبار أنّ النفخ يحتاج إلى شيء يمكن النفخ فيه والرسم - النقوش - لا يصلح للنفخ فيه إذ هو ليس جوهراً حتى يقبل النفخ وإنما هو عرضٌ والأعراض ليست قابلة للنفخ. إذن بذلك يثبت من خلال هذه الروايات أنّ المحرّم هو ما إذا كانت الصورة حيواناً وكانت جسماً ، وحيثية الحيوانية عرفناها من النفخ ، وكذلك حيثية الجسميّة عرفناها من النفخ أيضاً لأنّ النفخ لا يكون إلا في الجوهر دون العرض.

وفيه:- لو سلّمنا أنّ لازم النفخ أن يكون المنفوخ حيواناً - وسيأتي إن شاء الله تعالى أنّ هذا ليس بثابت - أي لو سلّمنا على أنّ النفخ يدلّ على أنّ المنفوخ له روحٌ وهو ينفخ لأجل نشر الروح فيه ، ولكن من أين يثبت أنّه مجسّم ؟

نحن استفدنا ذلك وساعدنا صاحب الجواهر(قده) من خلال أنّ النفخ لا يكون في الأعراض وإنما يكون في الجواهر.

ولكن يرد عليه:- أنّه من قال إنّ النقوش هي أعراضٌ ؟! فهي ذرّات حبرٍ ، والحبر مجموعة ذرّاتٍ ويمكن أن يقال بأنه جوهر وليس عرضاً خصوصاً إذا كانت له كثافة.

وبقطع النظر عن ذلك يمكن أن يكون لنفخ باعتبار محلّ العرض فــ( يكلّف بالنفخ ) أي يكلَّف أن ينفخ في الورقة التي فيها الرسم ، فالنفخ أيضاً يمكن تصوّره في محلّ العرض.

إذن لا يمكن لصحاب الجواهر(قده) أن يثبت اشتراط أن تكون الصورة مجسّمة ، كلّا بل حتى لو كانت رسماً - كما هو مخترنا – فمادام حيواناً فرسمه حرامٌ سواء كان بنحو التجسيم أو بنحو النقش ، فهذه تلتئم مع مدّعانا لا أنها تثبت مدّعاك.

الدليل الثالث:- إنّه ورد في خبر المناهي المقابلة بين النقش والصورة وأنّه نهى صلى الله عليه وآله عن رسم الصورة - أو صورة حيوان – فإنّه يكلّف بالنفخ فيها يوم القيامة ، وأيضاً نهى عن نقش الحيوان على الخاتم ، إنّ الحديث الشريف جعل مقابلة بين النقش على الخاتم وبين الصورة ، فالنقش على الخاتم ليس المراد منه التجسيم وإنما بمعنى الرسم ، وأمّا الصورة فهناك نهى عنها وهي عبارة عن المجسّم.

إذن نهى النبيّ عن صورة الحيوان يعني عن تجسيمه فثبت بذلك أنّ المحرّم هو صورة الحيوان إذا كانت مجسّمة.

إن قلت:- المفروض في الشقّ الثاني أنّه نهى صلى الله عليه وآله عن نقش الحيوان على الخاتم والنقش عبارة عن الرسم فيدلّ ذلك على أنّ المحرّم مجرّد رسم الحيوان وإن لم يكن جسماً ومجسّمةً فإنّ الذي يكون على الخاتم لا يمكن أن يكون جسم حيوان.

فإذن النهي الثاني ضدّ صاحب الجواهر(قده).

قلت:- إنّ الخاتم له خصوصيّة فرسم الحيوان عليه لا يجوز وكلامنا في غير الخاتم ، فغير الخاتم يحرم التصوير فيه إذا كان الشيء فيه حيواناً ومجسّماً وهذا ما نستفيده من النهي الأوّل ، فإذن النهي الثاني لا يكون ضدّنا بل هو حياديّ لأنّه ناظرٌ إلى الخاتم والخاتم له خصوصيّة.

ولنقرأ الرواية :- وهي رواية الصدوق بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال:- ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن التصاوير وقال:- من صوّر صورةً كلّفه الله تعالى يوم القيامة أن ينفخ فيها وليس بنافخ[2] ، ونهى أن يحرق شيء من الحيوان بالنار ، ونهى عن التختم بخاتم صفرٍ أو حديدٍ ، ونهى أن ينقش شيءٌ من الحيوان على الخاتم )[3] .

إنه توجد مقابلة بين النهي الرابع حيث أخذ فيه النقش وبين النهي الأوّل حيث أخذ فيه الصورة وهذا يدلّ على وجود تقابل بينهما وذلك بأن يكون المقصود من النقش مجرّد الرسم خصوصاً وأنّ الخاتم لا يقبل إلّا ذلك بينما المقصود من الصورة التي ينفخ فيها والتي هي صورة حيوان بقرينة النفخ عبارة عن التجسيم.

والجواب:- إنّه لو قطعنا النظر عن سند هذه الرواية - فإنّ السند ضعيف لأن شعيب بن واقد لم يرد في حقّه توثيق كما أنّ طريق الصدوق إلى شعيب بن واقد ضعيفٌ والحسين بن زيد أيضاً كذلك فالرواية محلّ تأمّلٍ سنداً - فنحن نقول إنّ المقابلة لا تدل على المغايرة ، فلعلّ ذلك من باب التفنّن في التعبير ، فيصحّ أن يعبَّر بهذا مرّة وبذاك مرّةً أخرى كما نفعل نحن في تعابرينا فمرّةً نعبّر بالصورة ومرّةً نعبّر بالتمثال فكلاهما سيّان ، ومن حقّ المتكلّم مادام يوجد ترادفٌ أن يعبّر بهذا مرّة وبذاك مرّة أخرى ولا يمكن أن نستنتج أنّه يقصد من الصورة معنىً يغاير ما يراد من النقش ، إنّ هذا إنّ صحّ فهو نحو إشعارٍ لا أنّه فيه دلالة بعدما فرض أنّ التغيير في الألفاظ نحوٌ من التفنّن الذي قد يكون محبّباً أحياناً حتى لا يسأم السامع.

إذن هذه القضيّة حياديّة ولا يمكن أن نجعلها كدليل.

ولو غضضنا النظر عن ذلك وسلّمنا أنّ التغيير في التعبير يدلّ على المقابلة ولكن نقول:- هذا يتمّ إذا فرض أنّ هذين التعبيرين وردا في نهيٍ واحدٍ كما لو قيل ( أنهاك عن الصورة فإنّك تكلّف يوم القيامة بالنفخ فيها وعن نقش الحيوان على الخاتم ) ، فإذا جُمِع التعبيرين في نهيٍ واحدٍ فهذا يكون وجيهاً فنقول قد جُعلت مقابلة بينهما وهذا يدلّ على المغايرة ، ولكن المفروض أنّ الأمر ليس كذلك فإنّ هذه نواهٍ متعدّدة من النبي صلى الله عليه وآله ويحتمل أنّ النهي الأوّل قد صدر في يومٍ والنهي الأخر قد صدر في يوم آخر ... وهكذا والإمام الصادق عليه السلام جمعها.

الدليل الرابع:- يمكن إن يقال إنَّ الوارد في الروايات هو تعبير صورة أو تمثال والقدر المتيقّن من ذلك هو المجسّم لذي الروح - وهذا مسلّم ولا أحد يشكك فيه - فنأخذ به.

والجواب:- صحيحٌ أنّ هذا قدرٌ متيقّن ولكن القدر المتيقّن لا يمنع من انعقاد الإطلاق كما قرأنا وإلا يلزم أن لا ينعقد إطلاقٌ أبداً إذ ما من مطلقٍ إلا وفيه قدر متيقّن - من الخارج وليس من اللفظ -.

الوجه الخامس:- إنّه ورد في بعض الروايات جواز وجود الوسادة أو الستارة وفيها الصورة والتمثال وهذا يدلّ على أنّ صورة الحيوان لا بأس بها وإلا كيف جوّز الإمام عليه السلام ذلك ونفى البأس عنه ؟! ولو كان ليس جائزاً فمن المناسب له أن يقول أزل الستارة والوسادة.

وواضح أنّ هذا يحتاج إلى ضمّ الإطلاق حتى يثبت أنّ الصورة هي صورة حيوانٍ أيضاً ولا تختصّ بغيره ، فبضمّ الإطلاق يثبت أنّ الإمام عليه السلام نفى البأس عن وجود الصورة في الوسادة حتى لو كانت صورة إنسانٍ.

كموثقة أبي بصير المقدّمة عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سألته عن الوسادة والبساط يكون فيه التماثيل ، فقال:- لا بأس به يكون في البيت ، قلت:- التماثيل ؟! قال:- كلّ شيءٍ يوطأ فلا بأس به )[4] ، وواضحٌ أنّ هذا يتمّ بعد ضمّ الإطلاق كما ذكرنا.

وفيه:- إنّ هذه الرواية ناظرة إلى البقاء وليس إلى الصنع فلا وجه لذكرها والاستشهاد بها.

وبهذا اتضح أنّ جميع ما يمكن الاستدلال به على الرأي الثالث قابلٌ للمناقشة.

الرأي الرابع:- أنّ التصوير حرامٌ إذا كان مجسّماً سواء كان لحيوانٍ أو لغير حيوان.

ونسبه العلامة(قده)[5] إلى الشيخين المفيد والطوسي(قده) وإلى سلّار(قده) ، ولم يذكر له وجهاً كما لم يذكر غيره وجهاً له ، وهذا من الأقوال التي خفي توجيهها.

اللهم إلا أن يقال:- إنّ ما دلّ على الأمر بالنفخ يدلّ على أنّ الصورة جسم حتى تقبل النفخ إذ النفخ لا يصحّ إلا في الجسم ولا يلزم أن يكون المنفوخ حيواناً فإنّ النفخ لا يلازم كون المنفوخ حيواناً بل حتى لو رسم شخصٌ شجرةً فيكلّف يوم القيامة أن ينفخ فيها حتى تصير شجرة ، فالنفخ يتلاءم مع الأعم - مع الحيوان وغيره - ولا يوجد تقييدٌ بالحيوان بل حتى لو فرض أنّ روايةً قيّدت بالحيوان كرواية محمد بن مروان حيث قالت:- ( ثلاثة يعذبون يوم القيامة الأوّل من صوّر صورة حيوان يعذّب حتى ينفخ فيها وليس بنافخ )[6] فهذه موردها الحيوان لا أنها تدلّ على اختصاص الحرمة وأنّ النفخ لا يمكن لغير الحيوان وأن النفخ مختص بالحيوان ، فتبقى مثل رواية شعيب بن واقد المتقدّمة التي تقول:- ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن التصاوير وقال من صوّر صورة كلفه الله تعالى يوم القيامة إن ينفخ فيها وليس بنافخ )[7] والتي لا يوجد فيها كلمة حيوان فيمكن أن تتمّسك بإطلاقها.

إذن بهذا يثبت هذا القول الرابع.

ولكن يردّه ما أشرنا إليه:- من أنّ النفخ لا يلازم أن يكون المنفوخ جسماً ، فيمكن أن يكون النفخ في النقش باعتبار أنه جوهر ، وإذا لم نسلّم بأنّه جوهرٌ فيصير النفخ باعتبار المحلّ ، فليزم أن يلتزم أصحاب هذا القول بحرمة مطلق التصوير لا خصوص المجسّم.

ونحن لا نقبل أصل هذه الرواية ولا نقبل دلالتها على التحريم ولكن كلّ هذا الكلام تماشياً مع مبانيهم.

ولي كلمة تتعلّق بالأمر الثامن:- حيث قلنا فيه أنّه لا فرق بين أن تكون الصورة واقعية لشخصٍ أو تكون خياليّة أو تكون كاريكتيرية إذا صدق عليها أنها صورة حيوان أو إنسان ومستند ذلك كلّه على مبنى القوم هو الإطلاق ، وأمّا على مبنانا فسوف تأتي فكرة البديل وقلنا هي وجيهة وإن كنت لست بقاطعٍ بذلك ولذلك صرت إل الاحتياط الوجوبي ضمن الاحتياط الوجوبي.

والآن أضيف وأقول:- ومنه يتّضح الحال في التصوير بالأنحاء الأخرى كما لو كان بنحو التطريز ، فالنساء الآن مثلاً يطرّزن طيراً فإذا صدق عليه أنّه طير فهو لا يجوز - أو الأحوط وجوباً عدمه - إذ لا فرق في ذلك.

وهكذا إذا كان بنحو النحت ، يعني ينحت في الحجر أو الخشبة صورة طيرٍ بحيث يقول الرائي إنّ هذا صورة طير ، فإذا صدق أنها صورة طيرٍ فالكلام هو الكلام.

وهكذا يتّضح الحال في التماثيل الشمعيّة فإنها القدر المتيقّن من التحريم لأنّها لإنسانٍ بنحو التجسيم.

ولا تقل:- يلزم إتلافها.

إذ نقول:- إنّ أصل الصنع فيه إشكالٌ ، ولكن إبقاؤها لا إشكال فيه.


[1] وأنا أأكد على هذا لأنّ مدّعاه هو أنّه إذا كان الرسم لحيوانٍ وكانت الصورة مجسّمة لا أنها مجرد رسم ونقش فهذا أيضاً لابد من أن نثبته وهو(قده) لم يشر إليه.
[2] هذا هو النهي الأول المقصود منه الحيوان بقرينة النفخ وسف نناقشه فيما بعد.
[5] المختلف، العلامة، ج5، ص14.