32/05/26


تحمیل

المحضور رقم (20) :- ستر الوجه للنساء.

مسالة 266 :- لا يجوز للمرأة المحرمة أن تستر وجهها في البرقع أو النقاب أو ما شابه ذلك . والأحوط أن لا تستر وجهها بأي ساتر كان . كما أن الأحوط أن لا تستر بعض وجهها أيضا . نعم يجوز لها أن تغطي وجهها حال النوم . ولا بأس بستر بعض وجهها مقدمة لستر الرأس في الصلاة، والأحوط رفعه عند الفراغ منها .

 تشتمل المسالة على مجموعة نقاط :-

النقطة الأولى :- من المحرمات الخاصة بالنساء حالة الإحرام ستر الوجه .

 وقبل أن نذكر الروايات نشير إلى هذا الطلب ، وهو أن الفقهاء قد اتفقوا على قضيتين :-

الأولى :- إن المرأة المحرمة لا يجوز لها أن تستر وجهها . إن هذا مطلب اتفاقي .

والثانية :- يجوز لها أن تسدل الثوب الذي على رأسها أما إلى طرف انفها أو أكثر من ذلك . وهذا مطلب متفق عليه أيضاً .

 إذن هناك قضيتان متفق عليهما إحداهما حرمة ستر الوجه للمحرمة ، والثانية جواز إسدال ما على الرأس .

 وقد أشار إلى هذين الاتفاقين مجموعة من الفقهاء منهم صاحب المدارك حيث ذكر ما نصه ( اجمع الأصحاب على أن إحرام المرأة في وجهها فلا يجوز لها تغطيته )[1] انتهى . وهذا إشارة إلى القضية الأولى

 ثم قال ( وقد اجمع الأصحاب وغيرهم على انه يجوز للمحرمة سدل ثوبها من فوق رأسها على وجهها إلى طرف انفها )[2] وهذا إشارة إلى القضية الثانية .

 وممن أشار إلى ذلك صاحب الجواهر[3] أيضا.

 إذن القضية متفق عليها ، وهي جواز الإسدال , وهذا مطلب ينبغي الالتفات إليه .

 وهناك جهات من البحث لا بد من الالتفات إليها قبل أن نقرأ الروايات لنكون على هدىً وبصيرةٍ حين قراءتها ، وتلك الجهات تأتي إنشاء الله مفصلاً ، بيد أن المهم منها ثلاث أشير إليها :-

الجهة الأولى :- كيف نلائم بين الاتفاقين السابقين ، فان تغطية الوجه إذا لم تجز بالنقاب أو بالبرقع[4]

  مثلا فكيف بعد ذلك نقول يجوز إسدال الثوب من فوق الرأس ، أو ليس هذا منافياً للأول ، أي لعدم جواز التغطية .

الجهة الثالثة :- بعدما سلمنا جواز إسدال ما على الرأس نتساءل إلى حد ماذا يجوز ذلك ، فهل إلى الطرف الأعلى من الأنف أو انه يجوز إلى الفم أو انه يجوز أكثر من ذلك أي إلى النحر ؟ إن في ذلك احتمالات ثلاثة حسب اختلاف الروايات كما سوف نلاحظ .

الجهة الثالثة :- إن المرأة إذا أرادت الصلاة وهي محرمة فيحصل عندها تزاحم بين تكليفين ، فإنها حالة الصلاة يلزمها أن تستر شعرها أو بالأحرى كامل رأسها ومن باب المقدمة العلمية يلزمها أن تستر شيئا من الوجه حتى يحصل لها اليقين بأنها قد سترت كامل الرأس ، ولكن نحن قد فرضنا وعرفنا أن ستر الوجه محرم عليها في الإحرام فمن باب المقدمة العلمية يلزمها أن تكشف شيئا من الرأس حتى تتيقن أنها قد كشفت كامل الوجه .

 إذن يحصل لديها تزاحم بين هذين التكليفين ، ولكن نؤكد حالة الصلاة فماذا تصنع ؟

 هذه هي الجهات المهمة من جهات البحث الآتية .

 والآن نقرأ الروايات :-

الرواية الأولى :- صحيحة عبد الله بن ميمون المتقدمة عن أبي عبد الله عن أبي جعفر عليهما السلام ( المحرمة لا تتنقب لأن إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه )[5] , ودلالتها واضحة حيث أنها قالت ( إحرام المرأة في وجهها ) ، يعني يحرم على المرأة ستر الوجه .

الرواية الثانية :- صحيحة العيص بن القاسم ( قال أبو عبد الله عليه السلام في حديث :- كره النقاب يعني للمرأة المحرمة وقال : تسدل الثوب على وجهها ، قلت : حد ذلك إلى أين ؟ قال : إلى طرف الأنف قدر ما تبصر )[6] وهي قد دلت على حكمين احدهما كراهة النقاب للمحرمة ، ولابد من تفسير الكراهة هنا بالحرمة بقرينة باقي الروايات فان لفظ الكراهة في عصرنا وان صار في مقابل الحرام ولكن في أصل اللغة هي عبارة عن مطلق المبغوضية الصادقة على الحرام والمكروه ، وما دام الأمر كذلك فلا تصير هذه الرواية منافية لبقية الروايات الظاهرة في تحريم ستر الوجه للمحرمة .

 والحكم الثاني الذي دلت عليه وهو أنها يجوز لها أن تسدل الثوب على وجهها . وهناك حكم ثالث وهو أن حد الإسدال إلى طرف الأنف وهذا سيأتي وطبيعي عندما قال ( قدر ما تبصر ) فالمقصود هو طرف الأنف الأعلى فهذا هو قرينة على الحد.

وهنا قضية جانبية :- إن صاحب الوسائل قد نقل الرواية هكذا ( قال أبو عبد الله عليه السلام في حديث :- كره النقاب .....) ، وهذه العبارة بهذا الشكل تلفت النظر وان الإمام عليه السلام كيف عبَّر ، يعني هل قال ابتدءاً ( كره النقاب ) انه شيء بعيد ، ولو كان ينقل كامل الرواية فلعله تزول هذه الغرابة ، وهو - أي صاحب الوسائل - لم ينقل كامل الحديث في باب آخر ، بل نقل صدر الحديث في مكان آخر[7] ( المرأة الحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين ) انه نقل إلى هذا المقدار ، ولكن إذا رجعنا إلى المصدر وهو الكافي[8] نجده قد نقل الرواية هكذا ( المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين ، وكره النقاب[9] ، وقال تسدل الثوب .........) .

الرواية الثالثة :- صحيحة الحلبي ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال : مر أبو جعفر عليه السلام بامرأة متنقبة وهي محرمة ، فقال : أحرمي وأسفري وأرخ ثوبك من فوق راسك فانك إن تنقبت لم يتغير لونك فقال رجل: إلى أين ترخيه ؟ قال :- تغطي عينيها ، قال قلت : تبلغ فمها ؟ قال : نعم )[10]

الرواية الرابعة :- صحيحة احمد بن محمد البزنطي ( عن أبي الحسن عليه السلام قال مر أبو جعفر عليه السلام بامرأة محرمة قد استترت بمروحة[11] فأماط المروحة بنفسه عن وجهها )[12] وهذه الرواية قد نقلها الشيخ الكليني ( عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن احمد بن محمد عن أبي الحسن عليه السلام ) .

 وربما يستشكل في هذا الطريق باعتبار سهل ، ولكن بعد ذلك ذكر الحر العاملي فقال ( ورواه الحميري في قرب الإسناد عن احمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن أبي نصر مثله ) ، وعلى هذا يمكن أن يقال أن الرواية صحيحة لان الحر العاملي له طريق معتبر إلى الحميري - يعني إلى قرب الإسناد - والحميري يعني عبد الله بن جعفر من أجلة أصحابنا ، وهكذا احمد بن محمد بن عيسى واحمد بن محمد بن أبي نصر هما من أجلة أصحابنا ، فلا مشكلة في السند .

 نعم من توقف في طريق الحر إلى قرب الإسناد فالرواية لا يمكن تصحيحها سنداً ، أما ما هو وجه التوقف ؟ انه ما اشرنا إليه في بعض الأبحاث وهو أننا نسلم أن الحر له طرقاً إلى الكتب التي نقل عنها وقد ذكر تلك الطرق في آخر الوسائل في بعض فوائده وهي طرق صحيحة تنتهي إلى ابن إدريس وهو المحطة الأولى ومن ابن إدريس بطرقه تنتهي إلى الشيخ الطوسي ، إنها طرق صحيحة ويمكن ملاحظة ذلك في آخر الوسائل ، ولكن المشكلة هي انه من المحتمل أن تكون هذه الطرق طرقاً إلى أصحاب الكتب أنفسهم يعني إلى الحميري نفسه - أو إلى أصل الكتاب بتعبير آخر - وهذا المقدار لا ينفعنا فان المهم أن يكون الطريق طريقا إلى النسخة التي ينقل عنها وليس إلى نفس الكتاب أو صاحب الكتاب أما ما هو وجه ذلك ولماذا ؟ قد اشرنا إلى ذلك فيما سبق .

الرواية الخامسة :- ما رواه الصدوق بإسناده إلى حماد عن حريز ( قال أبو عبد الله عليه السلام المحرمة تسدل ثوبها على وجهها إلى الذقن )[13] ودلالتها واضحة على جواز الإسدال .

 وحماد وحريز هما من أجلة أصحابنا ، ولكن حماد هو اسم يطلق على ثلاثة ، وهم حماد بن عيسى الجهني غريق الجحفة وحماد بن عثمان الذي لعله من الواقفية وحماد النوى .و

 طريق الصدوق إلى حماد النوى قد تستشكل فيه باعتبار محمد بن علي ماجيلويه الذي هو شيخ للصدوق فانه لم تثبت وثاقته ، بناءاً على عدم كفاية كونه شيخا للصدوق ولا يكفي الترضي والترحم عليه ، وبما أن حماد مردد بين هؤلاء الثلاثة فالطريق سوف لا يمكن الاعتماد عليه .

 ولكن يمكن أن يجاب أن حماد هذا هو ابن عيسى الجهني غريق الجحفة بقرينة انه يكثر الرواية عن حريز ، فهذه قرينة تولد الاطمئنان ، وهو الذي سأله الإمام الصادق عليه السلام وقال له تعرف أن تصلي ؟ فاستغرب ، فقال له : قم وصل حتى أرى صلاتك ، فقال : سيدي إني أحفظ كتاب حريز في الصلاة .

 وعلى أي حال فان حماد هذا هو ابن عيسى فلا موجب للتوقف .

[1] المدارك 7 - 359

[2] المصدر السابق 360

[3] الجواهر 18 389 و 391

[4] لعل النقاب بمثابة اللثام للرجل فانه في اللثام يستر جميع الأنف إلى أسفل الوجه أو الجزء الأكبر من الأنف مع بروز بقية الوجه ، وللمرأة يسمى نقاباً ، وأما البرقع فيحتمل انه هو ما يستر جميع الوجه الذي هو قد يشبه ( البوشية عندنا ) مع وجود ثقب للعينين أو لا.

[5] الوسائل 12 -493 48 تروك الإحرام ح1

[6] المصدر السابق - ح2

[7] الوسائل 12 - 368 -33 أبواب الإحرام ح9

[8] الكافي 4 - 344

[9] أي ويكره النقاب

[10] المصر السابق ؛3

[11] المروحة على ما ذكر في مجمع البحرين بالكسر آلة يتروح بها ( ولعل مصاق4 ذلك في زماننا المهفة ) .

[12] المصدر السابق ح4

[13] المصدر السابق ح6