37/04/15


تحمیل

الموضـوع:- حكم الغناء في القرآن الكريم - مسألة ( 17 (- المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

عودٌ إلى جواب الشيخ الأعظم(قده):- ذكرنا فيما سبق شبهة السبزواري(قده) في مسألة قراءة القرآن بنحو الغناء وأنه قال تحصل معارضة بين اطلاقين اطلاق رجحان القراءة بالصوت الحسن مع اطلاق حرمة الغناء وفي مادّة المعارضة نرجع إلى أصل البراءة بعد التساقط.

نقلنا فيما سبق جواباً للشيخ الأعظم(قده) وكان حاصله هو أنّ دليل الاستحباب يدلّ على استحباب الشيء لو خلّي وطبعه - يعني مع قطع النظر عن العناوين الأخرى - فلا ينافي ذلك أن يصير لازماً فعلاً أو تركاً بسبب عنوانٍ آخر.

ونحن علّقنا عليه بما تقدّم وقلنا إنَّ هذه القضية تتم في باب العنوان الأوّلي والثانوي لا في باب العنوانين الأوليين.

والذي أريد أقوله الآن:- هو أنّه يظهر من الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب[1] أنّ له جوابان آخران ، وربما يظهر منه أنهما ليسا مغايرين لما سبق بل الجميع يرجع إلى واحدٍ ، ونحن ننقل هذين الجوابين مع التعليق عليهما:-

الجواب الثاني[2] :- إنّ دليل استحباب الشيء يدلّ على استحبابه من اسبابه المحلّلة دون المحرّمة ، وبناءً على هذا فحينما يقول الدليل يستحب قراءة القرآن بصوت حسن يعني من الطريق المباح وليس من طريق الغناء ، ونصّ عبارته:- ( فإن مرجع أدلة الاستحباب إلى استحباب إيجاد الشيء بسببه المباح لا بسببه المحرم )[3] .

ولكن ما ذكره أشبه بالدعوى بلا دليل:- فمن أين لك أنّ مرجع استحباب الشيء إلى استحبابه من طريقه المباح؟!

وفي مقام الجواب يمكن أن نذكر في هذا المجال ثلاث نكات:-

الأولى:- الانصراف ، بأن نقول:- إنَّ المنصرف العرفي هو هذا ، فالمسألة مسألة انصراف لا أكثر ، فحينما يقال لك الصوت الحسن مستحبّ فإنَّ المنصرف عرفاً هو أنّه مستحبٌّ بالوسيلة المباحة دون المحرّمة.

وإذا كان هذا هو مقصوده فلا ندري مدى حقّانية دعوى الانصراف هذه ، فإني من المتردّدين في ذلك ، ولكن لو أردت أن أسلّم بذلك فإني أسلمه في الجملة لا بالجملة ، إذ من اللازم فنّياً أن نلاحظ كلّ دليلٍ استحبابيٍّ مع الدليل المقابل له - الوسيلة المحرّمة - ونلاحظ هل الانصراف موجودٌ أو لا ، ولا يمكن للفقيه أن يدّعي الانصراف في جميع موارد الأدلّة التي فيها تحريم للوسيلة ، إنّه ليس عالماً بذلك كالإمام عليه السلام[4] ، فالفقيه ليست له هذه الهيمنة وأنه في كلّ موردٍ يلاحظ دليله الاستحبابي مع دليله المقابل له - صاحب الوسيلة المحرّمة - مثل استحباب قراءة القرآن بالصوت الحسن مع دليل حرمة الغناء ، فهذا لو لاحظناه فقد يدّعي أحدٌ الانصراف ، أمّا في بقيّة الموارد فنحن لم نلاحظها فكيف ندّعي الانصراف ؟!!

نعم أنت تشعر بالوجدان بشيءٍ ولكن هل هذا انصراف ؟! إننا لا نستطيع أن نقول هو انصراف ، فالانصراف يحتاج إلى ملاحظةٍ ونحن لم نلاحظ كلّ الأدلّة.

إذن ما أفاده الشيخ(قده) لو أردنا أن نسلّمه فنحن نسلّم بالانصراف في المورد الذي أطلعنا عليه ، أمّا الموارد الأخرى التي لم نطّلع عليها فلا معنى لأن يدّعي الشيخ الانصراف.

الثانية:- أن يكون مقصوده هو أنّ دليل الاستحباب مهملٌ ، فهو يقول اقرأوا القرآن بالصوت الحسن أمّا أنّه يجوز بهذا الطريق أو بذاك الطريق أو بذاك - يعني نحو الغناء أو لا بنحو الغناء أو بالنحو الثالث أو بالنحو الرابع - فهو مهملٌ وليس في مقام البيان من هذه الناحية ، فلا يعارض ما دلّ على حرمة الغناء.

والفرق بين هذه النكتة وبين الأولى واضح:- وهو أنّه في تلك النكتة يوجد انصراف ، أمّا في هذه النكتة فنحن ندّعي الاهمال ، يعني لا يوجد اطلاقٌ ، أمّا في الأولى فيوجد اطلاق ولكنه ينصرف إلى السبب المحلّل.

وإذا كان مقصوده هو هذا فأيضاً يرد عليها ما أوردناه على الأولى من أنّه:-

أوّلاً:- كيف تقول إنّ دليل الاستحباب هو في مقام الاهمال ؟!! خصوصاً أنّه يوجد عندهم أصلٌ أوّلي هو أنّ الأصل في المتكلّم أن يكون في مقام البيان ؟! ولو سلّمنا ذلك فهو يحتاج إلى أن نلاحظ دليله بخصوصه ولا يصحّ للفقيه أن يصدر حكماً عاماً على كلّ الأدلة من هذا القبيل ويدّعي أنها في مقام الاهمال !! وقد قلنا إنَّ هذا يحتاج إلى اطلاع الفقيه على الأدلة واجتماعها أمامه كما تجتمع عند الإمام عليه السلام.

فهذه النكتة أيضاً قابلة للنظر.

الثالثة:- أن يدّعى أنّ العرف أو العقل حاكمٌ بأنّه حينما يكون الأمر كذلك - يعني الشيء مستحبّ والوسيلة بعضها محرّمة وبعضها مباحة – فإنه يجمع بينهما بأن المقصود هو أنه ائت به من الوسيلة المباحة أو العقل يحكم مثلاً بذلك.

وهذا لعلّه أوجه من النكتتين الأوليين ، ولعلّ شعورنا الوجداني بوجاهة أصل الدعوى التي ذكرها الشيخ(قده) من أنّ مرجع دليل الاستحباب إلى استحبابه بالوسيلة المباحة هو هذا ، يعني أنَّ مقتضى العرف أو العقل هو هذا.

إذن ما ذكره من البيان الثاني بعد توضيحه بأحد هذه الأمور هو قابل للمناقشة.

الجواب الثالث:- هو أنّه حينما تجتمع الملاكات - أي ملاك المستحبّ مع ملاك المحرّم - لا إشكال في تقديم ملاك المحرّم ، وقد أشار إلى هذا بقوله:- ( والحاصل إنّ جهات الأحكام الثلاثة أعني الاباحة والاستحباب والكراهة لا تزاحم جهة الوجوب أو الحرمة فالحكم لهما مع اجتماع جهتيهما مع إحدى الجهات الثلاث )[5] .

ويرد عليه ما أشرنا إليه:- من أنّ ملاك الحرمة - جهة الحرمة - إنما نقول هو ثابت ويقدّم على ملاك الاباحة أو الرجحان فيما لو أحرزنا ثبوت الحرمة في مورد المعارضة حتى نحرز من خلال ثبوت الحرمة الملاك فنقدّم ملاك الحرمة على ملاك الاستحباب والمفروض أنّه في مادّة المعارضة لا نجزم بثبوت الحرمة ، فبالتالي نحن لا نجزم بثبوت ملاك الحرمة ، فلا معنى لما ذكره من تقديم ملاك الحرمة على ملاك الاستحباب أو غير ذلك.

هذا كلّه بالنسبة إلى ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) وقد اتضح أنه لم يذكر جواباً واحداً في ردّ شبة السبزوراي بل ذكر ثلاثة أجوبة وكلّها قابلة للتأمّل.

ونذكر شيئاً آخر:- وهو أنّ هذه الأجوبة ليس بعضها حاصلاً للبعض الآخر وعينه أو عبارة أخرى عنه ، فكيف ذكرها الشيخ(قده) كأجوبةٍ عن هذه الشبهة الواحدة بعنوان أنه حاصل حيث قال ( والحاصل ).

وإن شئت قلت:- هي لا تجتمع في موردٍ واحد حتى تذكر بأجمعها ، فإنه يصحّ ذكرها ثلاثاً بأجمعها إذا كان أمكن أن تكون أجوبة في موردٍ واحد ، فمثلاً في الجواب الأوّل ذكر أنّ دليل الاستحباب يدلّ على استحباب الشيء لو خلّي وطبعة فلا ينافي اللزوم بدليلٍ من جهة أخرى ، إنّ هذا لا يلتئم مع قوله بالجواب الثاني إنّ المستفاد من دليل الاستحباب هو استحبابه من الطريق المحلّل فإنّ هذا ليس له ربط بذاك ، وإذا تم الأوّل لا تصل النوبة إلى الثاني ، فهما لا يجتمعان ، يعني إذا تمّ الأوّل وقلنا إنّ دليل الاستحباب يدلّ على استحباب الشيء لو خلّي وطبعة فلا معنى لأن تأتي ويقول إن المستفاد من دليل الاستحباب هو مطلوبيّة هذا المستحبّ بالسبب المباح لا بالسبب الحرام فإنَّ هذا لا معنى له ، فهو لا يرتبط به ولا يجتمعان في موردٍ واحدٍ ،وليس هذا عبارة أخرى عن ذاك كما يوحي به كلام الشيخ ، وهذا ليس بمهم.

والذي أريد أن أسلّط الأضواء عليه:- هو أنهما لا يجتمعان ، فبعد دعواك الأولى من أنّ المستفاد من دليل الاستحباب هو استحباب الشيء لو خلّي وطبعة بقطع النظر عن عنوانٍ آخر لا تصل النوبة إلى الجواب الثاني ولا معنى آنذاك لذكر الجواب الثاني وهو أن المستفاد من دليل الاستحباب هو استحباب الشيء من الطريق المباح دون الحرام ، فهما جوابان لا يجتمعان في موردٍ واحد .

فإشكالنا الذي نريد أن نسجّله على الشيخ الأعظم(قده) ليس أنّه كيف تجعل هذا حاصل ذاك فإنّ هذا ليس بمهم وهو أشبه بالإشكال التعبيري ، وإنما الإشكال هو أنّه مع تسليم الأوّل لا تصل النوبة إلى الثاني فلا يمكن ذكرهما معاً في موردٍ واحد.


[1] في نفس هذا المطلب الذي ذكر فيه هذا الجواب الذي أشرت إليه وفي نفس هذا الموضع.
[2] الجواب الثاني للشيخ الاعظم هن شبهة السبزواري.
[4] فإن الإمام عليه السلام يقال في الرواية أنه تجتمع له كل الدنيا وهو ينظر إليها وكأنه ينظر في فِلقة جوزة.
[5] المكاسب المحرمة، الانصاري، ج1، ص309.، وقد ذكره بعنوان ( والحاصل )