38/01/29


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/01/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة(26) الغش - المكاسب المحرمة.

وأما الصنف الثالث:- فيمكن ذكر الروايات التالية له:-

الأولى:- ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه وعن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعاً عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام :- ( ليس منّا من غشّنا )[1] .

وسند الرواية جيّد ، فإنَّ الكليني ينقلها عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم بطريقين إلى ابن أبي عمير الطريق الأوّل علي بن إبراهيم عن ابن أبي عمير ، والطريق الثاني هو محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد - وسواء فرض أنَّ أحمد بن محمّد هذا هو أحمد بن محمد بن عيسى أو ابن خالد الأشعري فكلاهما لا مشكلة فيه - عن ابن أبي عمير.

إذن كلمة ( جميعاً ) فيها إشارة إلى هذا المعنى ، وذكر ( وعن ) أيضاً إشارة ، وهذه مصطلحات لابد من الالتفات إليها ، ومن حسن الحظ أنَّ كلا الطريقين إلى ابن أبي عمير معتبر.

وأما دلالة:- فهي لا تثبت الحرمة فإنها قالت:- ( ليس منّا من غشّنا ) هذا ليس دالاً على الحرمة إلا أن يقال إنَّ الغش إذا لم يكن محرّماً فلماذا الغاشُّ ليس منّا ؟! فلابدّ أنه قد ارتكب فعلاً محرّماً حتى يصحّ أن يعبّر الامام الصادق عليه السلام بـ( ليس منا من غشّنا ) ؟

الجواب:- هذا وجيه إذا كان المقصود النفي الحقيقي ، فلو كان المقصود ليس منّا - أي من المسلمين - فهو يخرج من الاسلام والايمان فإذا كان بهذا المعنى أي يخرج حقيقة فنعم فيه دلالة على الحرمة ، ولكن جزماً ليس هذا هو المقصود؛ إذ لا يحتمل أحد أن من غشّ يخرج عن الاسلام أو عن الايمان ، كلا بل يخرج عن الخصال العالية ، أي يخرج عن المؤمن بالمعنى الكامل ، فإن هذا هو المقصود وإلا يلزم أن يلزم تلتزم بلوازم لا يمكن الالتزام بها ، فإذن هي لا دلالة فيها.

الثانية:- وهي بالسند السابق ، يعني عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله لرجلٍ يبيع التمر:- يا فلان أما علمت أنه ليس من المسلمين من غشَّهم )[2] .

وما ذكرناه بالنسبة إلى الرواية السابقة يأتي في حق هذه الرواية.

الثالثة:- الكليني عن أبي علي الأشعري - وصاحب الوسائل لم يقل الكليني محمد بن يعقوب ولكنه قال عن أبي علي الأشعري ولكننا نعرف أنه حينما قال عن أبي علي الأشعري فهنا نعرف أن المقصود هو محمد بن يعقوب الكليني فإن هو الذي يروي عن أبي علي الأشعري الذي هو أحمد بن ادريس وهو من أجلّة أصحابنا - عن الحسن بن علي بن عبد الله عن عبيس بن هشام عن رجلٍ من أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( دخل عليه رجلٌ يبيع الدقيق فقال:- إياك والغش فإنه من غَشَّ غُشَّ في ماله فإن لم يكن له مال غُشَّ أهله )[3] .

أما من حيث السند:- ففيها ضعفٌ من جهات عدة ويكفينا الارسال.

وأما بالنسبة إلى الدلالة:- فهي تدل على أثرٍ وضعي وهو أنَّ من يغِشُّ من آثاره الوضعية أنّه أيضاً يُغَشُّ في ماله وإذا لم يكن له مال فيُغَش في أهله ، وسبب هذا الأثر الوضعي يرجع فعل الآباء والأجداد ، فلابدّ من الالتفات إلى ذلك فالروايات تدلّ على أنَّ فعل الآباء ولأجداد قد يؤثر على الابناء آثاراً وضعية ، فهذه الرواية ناظرة إلى الأثر الوضعي ولا توجد فيها حرمة تكليفية.

الرابعة:- الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( نهى النبي صلى الله عليه وآله أن يشاب اللبن بالماء للبيع )[4] ، يعني إذا خلطه لأجل الشرب فلا شيء فيه أما للبيع فهذا هو الذي نهى عنه.

وهي من حيث السند تشتمل على النوفلي ، فبناءً على التسامح من ناحيته لبعض الأمور التي ذكرناها مراراً فالسند يكون جيداً ولا مشكلة فيه ، إلا أننا توقفنا فيه فما سبق وبيّنا وجه التوقف.

إن قلت:- يوجد طريق آخر هو طريق الصدوق حيث رواها بإسناده عن اسماعيل بن مسلم واسماعيل بن مسلم هو الشعيري وهو نفسه السكوني فنعوّض بطريق الشيخ الصدوق.

قلت:- إنّ طريق الصدوق أيضاً يشتمل على النوفلي.

فإذن المشكلة باقية كما هي ، فإذن هي من حيث السند على المباني.

وأما من حيث الدلالة:- فالوارد فيها:- ( نهى النبي صلى الله عليه وآله أن يشاب اللبن بالماء ) ، وهنا نحتاج إلى مقدمتين أو ثلاث مقدمات:-

الأولى:- أن نلغي خصوصية المورد ، فإنها وادرة في قضية اللبن يخلط بالماء فلابدّ وأن نلغي هذه الخصوصية ، فهذه أيضاً ليس من البعيد أن تلغى هذه الخصوصية عرفاً .

الثانية:- أن نقول:- إنَّ هذا من باب الغش فإنّ الرواية لم تصرّح بالغش فلابدّ وأن نحملها على الغشّ ، وهذا لابأس به خصوصاً إذا تعدّينا من موردها إلى بقيّة الموارد فإنه لا وجه للتعدّي إلا بمسألة الغش ، فإذن نحتاج إلى قضيتين وكلتا القضيتين ليستا بالبعيدة.

الثالثة:- أن نستفيد من ( نهى ) التحريم ، وقد تقدّم منّا أكثر من مرّة أنَّ ( نهى ) الإخبارية يشكل استفادة التحريم منها فإنّ كلمة ( نهى ) وإن قلنا في علم الأصول أنَّ مادّة النهي كصيغة النهي تدلّ على التحريم لكن إذا كانت انشائية ، أما إذا قال النبي أو الامام ( أنهاكم عن شوب اللبن بالماء ) ولكن المفروض هنا أنّ الكلمة لم ترد بنحو الانشاء وإنما جاءت بنحو الإخبار ، فالإمام الصادق عليه السلام يخبر عن أنه صدر نهيٌ من النبي صلى الله عليه وآله أما ذاك النهي كيف كان فهل هو إلزامي أو تنزيهي فلعلّه تنزيهي ، فعلى هذا الأساس لا يمكن أن نستفيد من ( نهى ) الإخبارية التحريم ) ، هذا ما ذكرناه أكثر من مرّة.

ولكن نضيف هنا شيئاً آخر وهو أن نقول إنَّ النبي صلى الله عليه وآله نهى عن شوب اللبن بالماء ، وشوب اللبن بالماء له نحوان فمرّة يكون الشوب بالماء القليل ومرّة يشوبه بالماء الكثير والرواية بإطلاقها تدلّ على أنَّ النهي ثابت في الاثنين معاً ، وبما أنَّ أحدهما لا يحتمل حرمته فمن المناسب أن يحمل النهي على التنزّه لا على التحريم.

وإن شئت قلت:- نحن لو سلّمنا ظهور ( نهى ) في التحريم - يعني حتى لو كانت ( نهى ) إنشائية - فنقول هكذا:- إنه يتعارض عندنا ظهوران ظهور الشوب المنهي في الأعمّ المطلق يعني ولو كان الشوب بالماء القليل الذي يناسبه كون النهي تنزيهياً ، فتحصل معارضة بين الظهور في الاطلاق وبين ظهور نهى في التحريم وحينئذٍ لا مثبت للتحريم.

فإذن يمكن أن نذكر جوابين.

الخامسة:- الكليني عن محمد بن يحيى عن بعض أصحابنا عن سجّادة عن موسى بن بكر:- ( قال:- كنا عند أبي الحسن عليه السلام وإذا دنانير مصبوبة بين يديه فنظر إلى دينار فأخذه بيده ثم قطعه بنصفين ثم قال لي ألقِه في البالوعة حتى لا يباع شيء فيه غش[5] )[6] ، وقال الحرّ في ذيل الحديث:- ( ورواه الصدوق بإسناده عن موسى بن بكر مثله ).

وإذا رجعنا إلى الفقيه لم نجد هذه الرواية فيه وإنما هي موجودة في التهذيب[7] فكان من المناسب أن يقول ( روى الشيخ الطوسي عن موسى بن بكر ) ، فهو بدل أن يكتب الشيخ كتب الصدوق إسناده عن موسى بن بكر ، وهذه نقطة اشتباه تسجَّل على صاحب الوسائل(قده).

وطريق الشيخ في الفهرست موجود بهذا الشكل:- ( ابن أبي جيّد عن ابن الوليد عن الصفار عن أبراهيم بن هاشم عن ابن أبي عمير عنه[8] ) ، فإذن ابن أبي عمير رواه عن موسى بن بكر وأيضاً صفوان رواه عن موسى بن بكر.

وهذه الرواية ضعيفة من حيث الدلالة ، لأنّ أقصى ما فيها فعل من الإمام عليه السلام والفعل لا يدلّ على التحريم فإنه عليه السلام نظر إلى دينار فقطعه نصفين ثم قال ألقه في البالوعة حتى لا يباع شيء فيه غشّ ، فالإمام يحثّ على أنه لا يباع شيء فيه غش ، فهو لم يقل لا يجوز بل قال لا يباع فهو لا يحب أن يتداول الشيء المغشوش في السوق ، فالرواية أبداً لا توجد فيها دلالة على التحريم ولو من بُعد.

نعم يبقى شيء:- وهو أنَّ الصحيح هل هو ( حتى لا يباع شيء فيه غش ) أو ( حتى لا يباع بشيء فيه غش ) ، ولكن هذا لا يؤثر علينا ، فالمهم لنا أنَّ الرواية ليس فيها دلالة ، فبالتالي التدقيق من هذه الناحية لا داعي إليه بعد الالتفات إلى أنه لا دلالة لها.

وأما من حيث السند- فهناك بعض الفوائد في السند لا بأس بالإشارة إليها -:- فالكليني رواها عن محمد بن يحيى وهو الأشعري وهو استاذه وليس فيه أي مشكلة ، ( عن بعض أصحابنا ) فيوجد إرسالٌ في طريق الكليني ، عن سجّادة وهو على ما ذكر النجاشي ( الحسن بن أبي عثمان الملقب سجّادة أبو محمد كوفي ضعّفه أصحابنا )[9] ، إذن سجّادة يوجد في حقه تضعيف فيشكل الاعتماد عليه.

تبقى مشكلة أخرى من ناحية موسى بن بكر ، وهو موسى بن بكر الواسطي ، فهو له روايات ليست بالقليلة ولكن لا يوجد له توثيق واضح في كلمات الرجاليين ، وهل هناك طريق لإثبات وثاقته ؟

هناك ثلاث طرق:-

الطريق الأوّل:- الرواية الدالة على أنَّ الامام عليه السلام أرسل خلفه كما جاء في الكافي[10] بهذا السند:- ( محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن موسى بن بكر قال:- قال لي أبو الحسن[11] عليه السلام مالي أراد مصفرّاً ؟ فقلت له:- وَعَكٌ أصابني ، فقال لي:- كل الحكم فأكلته ثم رآني بعد جمعة وأنا على حالي مصفرّاً ، فقال لي:- ألم آمرك بأكل اللحم ؟ قلت:- ما أكلت غيره منذ أمرتني ، فقال:- وكيف تأكله ؟ قلت:- طبيخاً ، فقال:- لا ،كله كباباً فأكلته ، ثم أرسل إليَّ فدعاني بعد جمعة وإذا الدم قد عاد في وجهي فقال لي:- الآن نعم ) ، هكذا نقل الكليني ولكن الكشي في رجاله نقل هذه الرواية مع إضافةٍ لا بأس بذكرها وهي:- ( ثم قال لي:- يخفّ عليك أن نبعثك في بعض حوائجنا ؟ فقلت:- أنا عبدك فمرني بما شئت فوجّهني في بعض حوائجه إلى الشام )[12] .

وهل نستفيد من هذه الرواية وثاقة هذا الرجل ببعض البيانات أو لا ؟


[5] والوجود في الوسائل الموجود ( شيء ) والشيخ الاعظم في المكاسب نقلها مع الباء اي ( بشيء )، .
[8] أي عن موسى ب بكر.
[11] يعني أبو الحسن الأول.