19-11-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/11/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:-  مسألة ( 432 ) / الواجب الثالث عشر من واجبات حج التمتع ( رمي الجمار ).
وإذا اتضح هذا نقول:- إنّه وقع الكلام في باب الطواف والسعي في أنّ الموالاة بين الأشواط هل هي لازمة أو لا ؟ فإذا طفت طوافاً من الركن إلى الركن فهل أأتي بالثاني متّصلاً بالأوّل مع الموالاة وهكذا الثالث والرابع ..... وهكذا، وهكذا بالنسبة  إلى السعي ؟ هنا قال السيد الخوئي(قده):- نعم تشترط الموالاة بين أشواط الطواف كما تشترط أيضاً بين أشواط السعي، والدليل الذي تمسّك به على اعتبار الموالاة هو أنّه قال:- إنّ نفس لفظ ( سبعة طوافات ) أو ( سبعة أشواط ) مستبطنٌ للموالاة، فالشخص لا يقال له أتى بسبعة أشواطٍ إلّا إذا فرض أنّه كان قد والى بين أشواط الطواف أو السعي، ونحن علقانا هناك وعليه وتأمّلنا في هذا المطلب وقلنا إنّه ليس بثابت.
والآن نقول:- إنَّ لازم هذا الكلام هو أنّ الموالاة لازمةٌ في رمي الجمرة بسبع حصيات، فبالتالي عنوان السبع حصيات هل هو لازمٌ في باب رمي الجمرة أو أنّه ليس بلازم ؟ إنّه لازم، وعلى هذا الأساس إذا قلنا إنّ كلمة ( سبع ) هي تستبطن الموالاة فيلزم هنا أن تكون مستبطنةً للموالاة، فبالتالي تكون الموالاة لازمةً في رمي الحصيات في كلّ جمرة، فالجمرة الأولى يلزم أن يكون في رمي السبع هناك موالاة بين حصاة وأخرى لأن السبع لا يصدق إلّا بذلك فكيف تقول إنّه لا دليل على اعتبار المولاة في رمي الحصيات !! فإن الدليل على رأيك قائمٌ وهو كلمة ( سبع ) فإنها كما هي موجودة في باب الطواف والسعي هي موجودة هنا أيضاً فإذا كانت هناك مستبطنةً للموالاة فهنا أيضاً تستبطن للموالاة فكيف تقول لا يوجد دليل ؟!!
إن قلت:- هذا وجيهٌ إذا فرض أنّه لم يدلّ عندنا دليلٌ على عدم اعتبار الموالاة في رمي الحصيات أمّا بعد أن قام الدليل على عدم اعتبارها - ونعني بذلك إطلاق صحيحة معاوية - فعلى هذا الأساس يحصل الفارق بين ذلك المقام وبين هذا المقام - أيّ بين الطواف والسعي من جانب وبين مرمي الحصيات من جانب آخر - والفارق هو صحيحة معاوية فإنّ إطلاقها في مقامنا يقتضي عدم اعتبار الموالاة في رمي الحصيات.
قلت:- هذا وجيهٌ بنحو الموجبة الجزئية، يعني هو وجيهٌ في حقّ من نسى ورمى أربعاً ولم يرمِ سبعاً فهنا دلّ الدليل وهو إطلاق صحيحة معاوية على عدم اعتبار الموالاة، أمّا في الحالات العاديّة فلم يدلّ دليلٌ على ذلك والمفروض أنّ هذا الدليل واردٌ في حقّ من نسى ورمى أربعاً فنلتزم هنا بأنّ المولاة ليست لازمة ونخرج عمّا يقتضيه ظاهر لفظ ( سبعة )، وهذا بخلافه في الحالات العاديّة فإنه لا موجب للخروج عن ظاهر لفظ ( سبعة ) فيلزم أن نتمسّك بهذا الظهور.
وبالجملة:- بعد أن اعترفنا بأنه يوجد ظهورٌ في كلمة ( سبعة ) في اعتبار المولاة فهذا الظهور في حقّ من نسي فرمى أربعاً يوجد له معارض فنرفع اليد عن هذا الظهور، وهذا بخلافه في حقّ الملتفت - أي من لم ينسَ - فإنه لا يوجد معارضٌ فنأخذ بظهور لفظ ( سبعة ) فتلزم حينئذٍ الموالاة . وهذا إشكالٌ يتسجّل على السيد الخوئي(قده) الذي التزم بأنّ ظاهر لفظ كلمة ( سبعة ) يقتضي بنفسة اعتبار الموالاة.
إن قلت:- إنّه إذا ثبت في حقّ الناسي عدم اعتبار الموالاة فيلزم أن لا تكون معتبرةً أيضاً في الملتفت إمّا لعدم الفصل - أي أنَّ العلماء لم يفصّلوا بين هذا وبين ذاك - أو لعدم احتمال الخصوصيّة.
قلت:- هذا الكلام أوهن من بيت العنكبوت فإن احتمال الخصوصيّة موجودٌ جزماً، وعدم تفصيل الفقهاء ليس بثابتٍ؛ لأنّ هذه مسألة ليست مطروحة في كلماتهم بشكلٍ واضح حتى يقال إنّه إذا ثبت عندهم عدم اعتبار الموالاة هناك فهنا أيضاً لا يعتبرونها لعدم تفصيلهم فنسبة هذا المطلب ليست بثابتة.
نعم نحن فيما سبق قلنا بأنّ لفظ الـ ( سبعة ) لا يتوقّف على وجود الموالاة فهذا الإشكال لا يتسجّل علينا من الأساس، أما على مثل السيد الخوئي(قده) الذي التزم بما التزم فيتسجّل عليه.


مسألة ( 432 ):- ما ذكرناه من واجبات رمي جمرة العقبة يجري في رمي الجمرات الثلاث كلّها.
..........................................................................................................
إنّ الواجبات التي ذكرها في رمي جمرة العقبة ثمانية وهي:- نيّة القربة
، وأن يكون الرمي بسبع، وصدق عنوان الحصى على المرمي، وأن يكون الرمي لا بنحو الدفعة بل بنحو التوالي[1]، وأن تصل الحصيات إلى الجمرة، وأن يكون وصولها إلى الجمرة بسبب الرمي فلا يكفي وضعها بلا رميٍ أو دفعها بسبب ملاقاة شيءٍ آخر، وأن يكون الرمي بين طلوع الشمس وغروبها، وأن تكون الحصيات أبكاراً ومن الحرم.
إذن هذه الأمور المعتبرة في رمي جمرة العقبة كلّها تأتي أيضاً في رمي بقيّة الجمار في أيام التشريق، وكان الأحسن من هذا أن يذكر شرائط الرمي ككلّ لا أن يذكر شرائط رمي جمرة العقبة أوّلاً ثم يحوّل رمي الجمار عليها.
وما هو الوجه في أنّ نفس الشرائط المعتبرة في رمي جمرة العقبة معتبرة هنا ؟
والجواب:- الوجه في ذلك هو:-
إمّا وحدة الدليل:- أي أنّ الدليل الذي يتمسّك به في جمرة العقبة بنفسه يأتي في رمي الجمار في أيّام التشريق، من قبيل اعتبار المباشرة فإن نكتة اعتبارها على ما ذكرنا هي أنّه من دون المباشرة لا يصدق أنّ الشخص قد رمى ولا ينتسب إليه الرمي لأننا قلنا إنّ بعض الأمور هي ليست قابلة للوكالة والنيابة عرفاً من قبيل الأكل وما شاكله بخلاف البيع والقبض فإنها قابلة للوكالة، فإذا وكلّت شخصاً في بيع داري أو في عقد امرأةٍ لي فيصدق أنّي تزوجتُ أو بعتُ.
إذن هناك بعض الأفعال التي هي ليست قابلة للنيابة ومنها الرمي، فالمباشرة معتبرةٌ، وهذه النكتة كما تأتي في رمي جمرة العقبة تأتي أيضاً في رمي بقية الجمار.
وهكذا اعتبار أن يكون الرمي بسبع حصيات أو يعتبر التلاحق وليست الدفعة، إنّ الدليل في رمي جمرة العقبة على أنّه يلزم أن يكون الرمي بسبع ويلزم أن يكون بنحو التعاقب دون الدفعة ما هو ؟ ذكرت بعض الوجوه ونحن ناقشناها جميعاً وقلنا إنّ المستند الصحيح أن يقال إنّ المسألة عامّة البلوى فيلزم أن يكون حكمها واضحاً لأنّ هذا هو معنى ابتلائية المسألة وذلك الحكم الواضح يلزم أن يكون منعكساً على الفقهاء، وحيث إنّ الفقهاء في مسألتنا اتفقت كلمتهم على أنّ اللازم رمي سبع حصيات لا أكثر وأن اللازم أن تكون متعاقبة لا أن تكون دفعةً واحدةً فنطمئن بأنّ هذا الحكم هو الحكم الذي كان واضحاً، فبالتالي يكون المدرك هو الاطمئنان، وهذا المطلب الذي ذكرناه كان يأتي في جمرة العقبة يأتي أيضاً في بقية الجمار في سائر الأيام، فهو دليلٌ واحدٌ يقتضي اعتبار السبع في الجميع ويقتضي اعتبار التعاقب.
إذن المدرك تارةً يكون هو وحدة الدليل وقد تكون نكتة التعدّي هي استفادة ذلك من الاطلاق - إمّا الاطلاق اللفظي أو المقامي - من قبيل إصابة الجمرة بالحصاة فإن المدرك لذلك إذا قلنا هو الرواية من قبيل رواية عبد الأعلى عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( قال:- سألته عن رمي جمرة العقبة ستّ حصيات ووقعت واحدة في المحمل، قال:- يعيدها )[2]، إنّ موردها هو رمي جمرة العقبة ويستفاد منها أنّ الحصاة التي لم تصب ووقعت في المحمل يلزم إعادتها، إنّ ذلك خاصّ بجمرة العقبة ولكن بالاطلاق المقامي نتعدى إلى بقيّة الجمار أيضاً من باب أنّه لم يبيّن ذلك في رمي بقيّة الجمار فالسكوت عن ذلك يفهم منه أنّ هذا حكمٌ يعمّ الجميع ولو كان خاّصاً بها لكان من المناسب للإمام عليه السلام أن ينبّه ويقول ( أمّا بقيّة الجمار فلا يضرّ ) فسكوته يدلّ على أنّ هذا حكم واحدٌ في الجميع.
أو نقول بالجزم بعدم الخصوصيّة، يعني إذا ثبت هذا في رمي جمرة العقبة فنتعدّى إلى بقيّة الجمار لعدم الخصوصيّة من هذه الناحية.
وقد تكون النكتة بالعكس، يعني أنّ الحكم يكون ثابتاً في المرحلة الأولى في بقيّة الجمار ولكن نتعدّى منها إلى جمرة العقبة فالتمسّك يصير بالاطلاق ولكن إطلاقٌ بالعكس، من قبيل ما ورد في صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك وإن أخذته من غير الحرم لم يجئك، قال:- وقال:- لا ترمِ الجمار إلّا بالحصاة )[3]، إنّها دلّت على اعتبار شيئين هما أن يكون الحصى من الحرم وأن يصدق عنوان الحصى.
ولكن قد يقال:- إنّ هذا مورده الجمار بلفظ الجمع وهو يختصّ باليوم الثاني والثالث لأنه هناك يلزم رمي الجمار وأمّا في اليوم العاشر فلا يصدق عنوان رمي الجمار بل عنوان رمي الجمرة فالمورد هو بقيّة الجمار في اليومين.
ولكن نقول:- نتعدّى إلى رمي جمرة العقبة من باب الاطلاق المقامي أو من باب الجزم بعد الخصوصيّة.
وقد يكون مدرك التعميم شيئاً آخر - غير وحدة الدليل ولا الاطلاق اللفظي أو المقامي - من قبيل اعتبار نيّة القربة في رمي جمرة العقبة فإن نيّة القربة لازمة فيها على ما قالوا، وما هو المدرك في ذلك ؟ استدل البعض بأنّ رميها جزءٌ من الحجّ، وحيث إنّ الحجّ عباديٌّ فجزؤه يلزم أن يكون عبادياً - ونحن ناقشنا في ذلك هناك -.
إنّ هذا الدليل لو تمّ فهو يتمّ في جمرة العقبة فقط لأنها جزءٌ أمّا في رمي بقيّة الجمار فلا يتمّ لأن رمي بقيّة الجمار في اليومين هو خارجٌ عن الحجّ وليس جزءاً منه فلابد وأن يكون المدرك شيئاً آخر وهو مثلاً الجزم بعدم الخصوصيّة أو عدم تفصيل الفقهاء أو ما شاكل ذلك.
إذن مدرك التعدّي من شرائط رمي جمرة العقبة إلى مقامنا مستنده مختلفٌ بالشكل الذي أوضحته.