34/12/21


تحمیل
الموضوع : الصوم : ضروريات الدين
الروايات المتقدمة من حيث السند على اقل التقادير ان الرواية الاولى (صحيحة الكناني )تامة سندا . واما الدلالة فالرواية الاولى ظاهر في كفر منكر الفرائض (فما بال من جحد الفرائض كان كافرا ) وهي تكاد تكون صريحة في ذلك , بل ظاهر العبارة ان كفر منكر الفرائض امر مسلم ومفروغ عنه , ومقتضى اطلاق ان جاحد الفرائض كافر هو الالتزام بكفر منكر الفرائض مطلقا , فالروايات لم تفصل بين كون المنكر عالما بثبوت ما انكره او جاهلا( بسيطا او مركبا) , عالما بأن ما انكره من ضروريات الدين عند عامة المسلمين او ليس بعالم .
وحينئذ يستدل بها على السببية المطلقة , والمراد بالفرائض هو ما فرضه الله تعالى في كتابه ولذا نسبت الى الله فقيل فرائض الله وهذا في قبال ما فرضه النبي صلى الله على واله وسلم , وصرح ان الكفر يترتب على انكار ما فرضه الله تعالى من قبيل الصلاة والصوم والزكاة.
وان هذا الانكار سبب مستقل للكفر ولا داعي الى ارجاعه الى الاصلين (التوحيد والرسالة ).
والرواية الثانية ايضا بهذا المضمون (من ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها وجحدها كان كافرا ) تدل على ان من جحد فريضة الله تعالى في قبال ما سنه النبي صلى الله عليه واله وسلم يكون كافرا وايضا يقال انه بمقتضى اطلاقها يحكم بكفر منكر الفرائض مطلقا, فتدل على السببية المطلقة .
هذا ما يستفاد من دلالة هذه الروايات على القول بالسببية المطلقة .
واشكل البعض على دلالة هذه الاخبار ومنهم السيد الحكيم (قد)[1] والسيد الخوئي (قد) , ومضمون كلامهما ان موضوع الحكم بالكفر في الروايات هو الجحود وهو لا يساوق الانكار مطلقا بل هو الانكار مع العلم بالحال , ولا كلام في الحكم بكفر من انكر الحكم مع علمه بثبوته في الشريعة , لما تقدم سابقا بأن الانكار مع العلم يستلزم انكار احد الاصلين , وانكار احد الاصلين سبب للكفر على جميع التقادير .فالرواية تتكلم عن الجحود ونحن نتكلم عن انكار الضروري من دون ان يكون مكذبا للرسول صلى الله عليه واله وسلم . وعليه فلا يصح الاستدلال بهذه الروايات في محل الكلام (انكار الضروري مع اعتقاد المنكر بالتوحيد والرسالة ) , والدليل على ان الجحود هو الانكار الخاص وليس مطلق الإنكار هو عبارة عن كلمات اللغويين واية قرآنية , اما كلمات اللغويين , فقد صرح اكثر من واحد من اللغويين ان الجحود هو الانكار الخاص مثلا , ابن فارس في معجم مقاييس اللغة (ومن هذا الباب الجحود وهو ضد الإقرار ولا يكون إلا مع علم الجاحد به أنه صحيح)[2] وفي الصحاح قال (الجحود الانكار مع العلم)[3] وفي القاموس (جحده حقه وبحقه كمنعه جحدا وجحودا انكره مع علمه ) , اذن هؤلاء كلهم يعتبرون العلم في مفهوم الجحود وان كان غير معتبر في مفهوم الانكار .
اما الآية الكريمة (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ)[4] بأعتبار انه استعمل الجحود مع اليقين .
وهناك ملاحظات على هذه المناقشة , اما كلمات اللغويين فأن ما ذُكر وان كان صحيحا لكنه ليس محل اتفاق لجميع اللغويين فأنه يظهر من اخرين تفسير الجحود بمطلق الانكار كما في لسان العرب وتاج العروس وكتاب العين , ففي لسان العرب (الجحود نقيض الاقرار كالإنكار والمعرفة) واضح انه يريد القول ان الجحود هو الانكار وهو ما يقابل المعرفة , ونفس العبارة تقريبا في تاج العروس وكتاب العين بل في لسان العرب بعد ان ذكر هذا التعريف نقل عن الجوهري في الصحاح التعريف السابق وكأنه يريد ان يقول ان هناك اختلاف في تفسير الجحود فالجوهري فسره بأنه الانكار مع العلم بينما هو ذكر ان الجحود نقيض الاقرار أي هو نفس الانكار ومن هنا قد يقال لا يمكن الاستدلال بكلمات اللغويين السابقة على اثبات هذا المطلب لأنها معارضة بكلمات لغويين اخرى ومنهم الخليل[5] الذي هو حجة في هذا الباب .
بل قد نرجح التفسير الثاني (ان الجحود مطلق الانكار ) على التفسير الاول (ان الجحود هو الانكار مع العلم ) بالروايات.
بيان ذلك ان هناك روايات تستعمل الجحود مع عدم العلم ( بل مع الشك ) ومن هذه الروايات رواية زرارة (عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا )[6]
وفي سندها عن محمد بن سنان وفيه الكلام والاختلاف المعروف .
ويفهم من الرواية ان العباد اذا جهلوا ولم يقفوا بل جحدوا كفروا , أي ان الجاهل بالشيء تارة يجحد واخرى لا يجحد فأذا لم يجحد لم يكفر وهذا ما تعرضت اليه الرواية واذا جحد كان كافرا , اذن الجاهل قد يكون كافرا وقد لا يكون كافرا , وأجتمع الجحود مع الجهل وعدم العلم.
الرواية الثانية ( علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن يزيد، عن أبي عمرو الزبيري )
وهذا السند غير معتبر (عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قلت له : أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله عز وجل قال : الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه . فمنها كفر الجحود، والجحود على وجهين، والكفر بترك ما أمر الله ; وكفر البراءة، وكفر النعم . فأما كفر الجحود فهو الجحود بالربوبية وهو قول من يقول : لا رب ولا جنة ولا نار وهو قول صنفين من الزنادقة يقال لهم : الدهرية وهم الذين يقولون " وما يهلكنا إلا الدهر وهو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسان...... وأما الوجه الآخر من الجحود على معرفة وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنه حق، قد استقر عنده وقد قال الله عز وجل : " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم. )[7] فيظهر من الرواية ان الجحود على قسمين الاول مع العلم والثاني عدم العلم ( الاعم من الجهل البسيط والجهل المركب )
الرواية الثالثة وهي صحيحة محمد بن مسلم (قال : كنت عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) جالسا عن يساره وزرارة عن يمينه، فدخل عليه أبو بصير فقال : يا أبا عبد الله ما تقول فيمن شك في الله ؟ فقال : كافر يا أبا محمد، قال : فشك في رسول الله ؟ فقال : كافر، قال : ثم التفت إلى زرارة فقال : إنما يكفر إذا جحد )[8]
والمقصود بالذي يكفر اذا جحد هو الشخص الذي سأل عنه (الشاك) فأطلق الجحود على الانكار مع الشك ومنه يتضح ان الجحود لا يختص بحالة العلم بالحال بل يشمل حالة الشك ايضا .
وبقطع النظر عن صحة الروايات فهي تدل على صحة استعمال الجحود في هذا المعنى وهذا لا يتوقف على صدور الرواية من الامام بل يكفي انه من استعمالات العرب .
نعم يشكل على الاستدلال بهذه الروايات بأنه غاية ما يثبت به هو الاستعمال ولم يرد فيها ان الجحود لم يأخذ فيه العلم وانما غاية ما تفيده هو ان هذا اللفظ اُستعمل في هذا المعنى والاستعمال كما يقولون اعم من الحقيقة , فلعه استعمال تجوزي او استعمال بتأويل , لكن هذا الاشكال يستحكم عندما تكون هناك اشارات على التجوز ومخالفة الظاهر اما اذا لم تكن هناك اشارات تدل على ذلك , وان الاستعمال طبيعي جدا ووفق المرتكزات اللغوية , فأنه يستكشف من ذلك ان الجحود له معنى عام والامام عليه السلام او الراوي استعمل الجحود بسليقته اللغوية من دون ان يبذل عناية او يستعير او غير ذلك .
ويلاحظ على هذه المناقشة ايضا , انه كيف يستدل بهذه الآية مع عدم وجود الدلالة على اختصاص الجحود بحالة وجود اليقين والعلم , فهي تتحدث عن قوم معينين انكروا وجحدوا مع علمهم بالآيات واليقين بها فأستعملت الجحود والطرف المقابل لا ينكر ان الجحود يصح استعماله في معنى اليقين والعلم وانما يريد القول ان الجحود له معنى عام ولا يختص بمعنى الانكار مع العلم , فهو لا يريد القول بأن الجحود يختص بالإنكار مع عدم العلم لكي يُستدل عليه بأستعمال هذه الآية في غير هذا المعنى , بل قد يفهم من الآية ان الجحود على قسمين فهي تقول( وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ) فالظاهر منها ان الجحود على قسمين الاول مع العلم واليقين والاخر بدونه , وبقوله (واستيقنتها ) احترز عن الجحود الذي ليس معه يقين .