35/07/05


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, الجماع
الادلة التي اُستدل بها على ان الوطء في الدبر لا يوجب الجنابة وهي عديدة :-
الاول: مرفوعة البرقي رفعه (عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إذا أتى الرجل المرأة في دبرها فلم ينزلا فلا غسل عليهما، وإن أنزل فعليه الغسل، ولا غسل عليها)[1]
فالرواية صريحة في عدم وجوب الغسل بمجرد الوطء في دبر المرأة , لكن سندها غير تام لأنها مرفوعة فهناك وسائط بين البرقي وبين الامام الصادق عليه السلام ولا نعرف ما هي الوسائط .

الثاني : أحمد بن محمد، عن (بعض الكوفيين يرفعه إلى أبي عبد الله ( عليه السلام ) في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة . قال: لا ينقض صومها وليس عليها غسل)[2]
فهذه الرواية مرفوعة ومرسلة عن بعض الكوفيين , وهي تصرح بعدم نقض الصوم بالنسبة الى المرأة وهي تامة من حيث الدلالة لكن سندها ليس تاما .

الثالث: الحلبي( قال : سئل أبو عبد الله ( عليه السلام ) عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج أعليها غسل إن هو أنزل ولم تنزل هي ؟ قال : ليس عليها غسل، وإن لم ينزل هو فليس عليه غسل )[3]
والاستدلال بهذه الرواية يتوقف على امرين الاول ان يراد بقوله ما دون الفرج ما سوى الفرج اي ان تساوق كلمة (دون) كلمة (سوى) لا ان يراد بها ما تحت الفرج , لأنه على القول بأن المراد فيما سوى الفرج يأتي الاستدلال فيقول ان هذا يشمل الوطء في الدبر فتدل ولو بالإطلاق على ان الوطء بالدبر لا يوجب الغسل , اما اذا كان المراد بها ما تحت الفرج فحينئذ يكون المراد بها التفخيذ وامثاله .
الامر الثاني ان يكون المراد بالفرج هو خصوص القبل لا ما يعمه والدبر والا فالرواية تكون حينئذ غير شاملة للدبر وانما ناظرة الى ما عدا القبل والدبر .
اذن لابد من اثبات كل من الامرين للأستدلال بالرواية, وكل منهما غير واضح , اما الامر الاول فقد ذكروا ان الظاهر من الرواية هو التفخيذ وليست ناظرة الى الوطء في الدبر , فالمراد ب(فيما دون الفرج ) اي (فيما تحت الفرج ) والقرينة على هذا ان السؤال لو كان عن الوطء في الدبر لكان يذكر نفس عنوان الدبر كما هو المعتاد في الروايات ولا مانع من ذلك, ولا داعي للسؤال عنه بعنوان (ما دون الفرج) .
الامر الثاني: ايضا يلاحظ عليه انه ليس من الواضح ان المراد من (ما دون الفرج) القبل لكي نقول ان قوله (فيما دون الفرج على فرض ان دون بمعنى سوى) شاملة للوطء في الدبر , وانما الفرج قد يستعمل في القبل وقد يستعمل فيما يعم القبل والدبر وفي بعض الاحيان قد يستعمل في آلة الرجل كما في قوله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)[4] فالمقصود به هو ذلك, ولا قرينة في الرواية على ان المقصود به هو القبل لكي نستدل بالرواية عندما تقول ( فيما دون الفرج) ان هذا يشمل الوطء في الدبر .

الرابع: محمد بن إسماعيل يعنى ابن بزيع قال ( سألت الرضا ( عليه السلام ) عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل ؟ فقال : إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل . فقلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة ؟ قال : نعم )[5]
والاستدلال بالرواية بأعتبار ان السؤال وقع عما يوجب الغسل بعد فرض عدم الانزال, والامام يجيبه اذا التقى الختانان وجب الغسل وهذا ظاهر في ان سبب وجوب الغسل هو التقاء الختانين ويفهم من ذلك ان الوطء في الدبر ليس سببا للغسل ولا سببا للجنابة .
ويبدو ان هذه الرواية ليست ناظرة الى الوطء بالدبر وانما هي ناظرة الى مسألة التفخيذ ونحوه ولذا لا يكون حصر سبب الغسل والجنابة بالإضافة الى الوطء بالدبر وانما بالإضافة الى التفخيذ فهي تريد ان تقول التفخيذ لا يوجب الجنابة, وانما الذي يوجب الجنابة مقابل التفخيذ هو التقاء الختانين, اللهم الا ان يقال ان التفخيذ بدون الانزال من الامور الواضحة عند السائل بعدم وجوب الجنابة والغسل, فحينئذ قد يقال بأن هذا يشكّل قرينة على ان السائل يسأل عن شيء يحتمل ان يكون موجبا للغسل , مما يصدق عليه ان يجامع فيما يكون قريبا من الفرج وليس هو الا الوطء في الدبر, اما على فرض احتمال ان السائل قد يتخيل بأن هذا نوع من الاستمتاع وهو قد يكون موجبا للجنابة والغسل فحينئذ لا تكون في الرواية دلالة في المقام .
الخامس: صحيحة علي بن يقطين قال (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يصيب الجارية البكر لا يفضي إليها ولا ينزل عليها، أعليها غسل ؟ وإن كانت ليست ببكر ثم أصابها ولم يفض إليها أعليها غسل ؟ قال : إذا وقع الختان على الختان فقد وجب الغسل البكر وغير البكر)[6]
والاستدلال بهذه الرواية كالاستدلال بالرواية السابقة حيث ان السائل يسأل عما يوجب الغسل والامام عليه السلام يجيبه (إذا وقع الختان على الختان )وظاهر هذا الكلام حصر وجوب الغسل بألتقاء الختانين الذي هو عبارة عن الوطء في القبل فتدل على ان الوطء في الدبر لا يوجب الغسل , والاحتمال الذي ذكرناه هناك يأتي هنا ايضا وهو ان الرواية ليست ناظرة الى الوطء بالدبر وانما هي ناظرة الى المواقعة التي تكون بين الزوج والزوجة مع عدم الافضاء (الدخول) , وفي هذه الرواية عبر ب(يصيب الجارية) ومن البعيد ان تكون الرواية ناظرة الى الوطء بالدبر وهذا يمنع من الاستدلال بالرواية ونفس الاستدراك السابق يأتي هنا فنقول اللهم الا ان يفرض ان الاستمتاع من دون افضاء واضحٌ عند السائل انه لا يوجب الغسل ولا الجنابة , فلا معنى ان يسأل عنه , فنقول ان الرواية لابد ان تكون ناظرة الى الوطء بالدبر فتدل على المطلوب .
ومن هنا يظهر انه ليس هناك دليل واضح لا على كون الوطء في الدبر يوجب الغسل ولا على كونه لا يوجب الغسل , لكن بأعتبار ان المشهور يذهب الى ان الوطء في دبر المرأة يوجب الغسل ويوجب الجنابة, ومن هنا يكون الاحوط في المقام وفاقا لكثير من المحققين هو الغسل بعد الوطء في الدبر وعلى تقدير ان يكون محدثا بالأصغر فالاحوط ان يجمع بين الغسل والوضوء .
وهذا الاحتياط يتأكد بذهاب المشهور الى كون الوطء في الدبر من المفطرات , فنحن قلنا ان المشهور حكم بأنه يوجب الغسل وكل ما يوجب الغسل بمقتضى الدليل الرابع يكون من المفطرات , وخروجا عن مخالفة المشهور احتطنا بأنه يوجب الغسل والجنابة وبالتالي بناءا عليه يكون مفطرا في محل الكلام ويتأكد هذا الاحتياط بأن المشهور في محل الكلام ايضا ذهب الى المفطرية ومن هنا يكون الاحتياط في هذه المسألة احتياطا مؤكدا ,لابد منه ( احتياطا لزوميا) من انه يكون موجبا لبطلان الصوم والقضاء بعد ذلك .
هذا كله في الوطء في دبر المرأة من غير انزال .
اما الكلام في وطء الغلام او البهيمة من غير انزال فالمشهور ذهب الى انه يبطل الصوم بل نُقل عن السيد المرتضى دعوى ان كل من قال بوجوب الغسل بوطء المرأة في دبرها قال بذلك في الغلام , والذي يبدو انه لا دليل على كون وطء الغلام من المفطرات سوى الدليل الرابع المتقدم في المسألة السابقة وهي مسألة (انه يكون موجبا للجنابة) وهذه هي الصغرى والكبرى (ان كل ما يكون موجبا للجنابة يكون مبطلا للصوم)
اشار المحقق الى ذلك في الشرائع حيث ذكر ما معناه ان الحكم بمفطرية وطء الغلام تابع لوجوب الغسل , وهذا يؤكد عدم وجود دليل خاص يدل على وجوب المفطرية في محل الكلام .
ولذا اتجه الكلام الى اثبات انه يوجب الجنابة لكي يتم الدليل الرابع المتقدم فيه .
وذكروا ان بعض ما تقدم يمكن تعميمه الى محل الكلام من قبيل ما دل على وجوب الغسل (عند الايلاج , عند غيبوبة الحشفة , عند الادخال) فذُكر انه مقتضى الاطلاق يشمل محل الكلام , لكن تقدم مناقشة هذا الدليل سابقا , قلنا هناك ان الاستدلال بها ليس واضحا, وفي هذه المسألة تكون المناقشة اوضح ,فهي اساسا ليس من المعلوم انها شاملة لوطء الغلام , فهي ناظرة الى الاستمتاع الحاصل بين المرأة والرجل وليس لها نظر لوطء الغلام فهو خارج عن الروايات اصلا , بخلاف وطء المرأة في الدبر حيث يمكن ان يأتي احتمال نظر الروايات اليه, ولذا لا مجال للأستدلال بها في محل الكلام .
واُستدل ايضا بصحيحة أبي بكر الحضرمي ( عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من جامع غلاما جاء يوم القيامة جنبا لا ينقيه ماء الدنيا، وغضب الله عليه ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيرا، ثم قال : ان الذكر يركب الذكر فيهتز العرش لذلك الحديث)[7]
ويستدل بها على ان وطء الغلام يوجب الجنابة وكيفية الاستدلال هو ان يدّعى بأن الرواية ظاهرة في تحقق الجنابة بوط الغلام كما يتحقق بوطء المرأة بل هي بوطء الغلام اشد بحيث انها لا ترتفع بماء الدنيا يوم القيامة.
واجابوا عن هذا الاستدلال ومنهم السيد الخوئي حيث قال (أن الجنابة التي لا ترتفع بالاغتسال بماء الدنيا خارجة عن الجنابة المصطلح عليها التي رتبت عليها أحكام من وجوب الغسل وحرمة المكث في المساجد ونحوهما فهي جنابة واقعية وأمر مغائر مع الجنابة المصطلح عليها للقطع بأن واطي الغلام إذا اغتسل لصحت منه الصلاة وغيرها مما يشترط فيه الطهارة من الحدث فلا دلالة للرواية على أن الجنابة المصطلح عليها تتحقق في حق واطي الغلام)[8]
لكن يحتمل ان يتم الاستدلال بهذه الرواية بهذا البيان بأن نقول ان الرواية ناظرة الى ان الجنابة الحاصلة بوطء الغلام حتى لو ارتفعت بالغسل في الدنيا فأن اثرها يبقى يوم القيامة , ولا ينقيه منها يوم القيامة ماء الدنيا , وحينئذ تكون الرواية دالة على ان وطء الغلام يترتب عليه الجنابة وانه يجب فيها الغسل , وهذا لا ينافي حملها على الجنابة الاصطلاحية لكن بهذا المعنى , نعم يمكن ان يقال في المقام ان الرواية لا يصح الاستدلال بها في محل الكلام , لأن الاستدلال بالرواية هو استدلال بأطلاقها , فنحن نريد ان نستدل بها على تحقق الجنابة عند وطء الغلام مع عدم الانزال (الذي هو محل كلامنا) وهذا ما يحتاج الى التمسك بأطلاق الرواية اي نقول بأن الرواية تدل على تحقق الجنابة مطلقا انزل ام لم ينزل , وهذا يمكن المناقشة فيه بأعتبار ان الرواية ليست في مقام البيان من هذه الجهة , وانما هي في مقام التشديد على هذا العمل الشنيع وكأنها فارغة عن ان وطء الغلام يوجب الجنابة , وتريد ان تغلّظ وتنفّر الانسان المسلم عن هذا العمل.
وعليه فلا يصح التمسك بأطلاقها على ان وطء الغلام مع عدم الانزال يوجب الجنابة وهذا هو الذي يمنع من التمسك بالاستدلال بها.



[8] كتاب الطهارة, السيد الخوئي, ج5, ص334.