38/07/10


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/07/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التشبه بالكفار ، تغيير الجنس– المكاسب المحرمة.

كان كلامنا في التشبه بالكفار من حيث اللباس وقلنا إنَّ الروايات المهمة ثلاث ورايات الرواية الأولى التي ذكرها الشيخ الصدوق بإسناده عن اسماعيل بن مسلم السكوني عن الصادق عليه السلام ( أوحى الله الى نبي من أنبياء قل للمؤمنين لا تلبسوا لباس اعدائي .. ) بتقريب تقدم وتلعق على الرواية قد تقدم.

وتكلمنا أيضاً عن الرواية الثانية وكانت عن مكارم الأخلاق عن يزيد بن خليفة قال:- ( رآني أبو عبد الله عليه السلام اطوف حول الكعبة وعليّ برطلة فقال: لا تلبسها حول الكعبة فإنها منزي اليهود ) وقد أجبنا وقلنا إنَّ غاية ما تدل عليه هذه الرواية أنه في الطواف حول الكعبة لا تلبس فيه البرطلة ولم تدل على أنه لا يجوز مطلقاً ، مضافاً إلى أنَّ السند مرسل لأنها واردة في كتاب مكارم الاخلاق وقد نقلها عن يزيد بن خليفة . هذا ما ذكرناه في المحاضرة السابقة.

والآن نتراجع عن مسألة السند ونقول:- صحيح أنها مرسلة حسب نقل مكارم الاخلاق ولكنها ليست مرسلة ، حيث ذكرها صاحب الوسائل في بابٍ آخر وهو باب 13 من أبواب أحكام الملابس ، فهو نقلها عن مكارم الأخلاق في باب31 ، ج5 ، ص60 ، من أحكام الملابس ، ولكن نقلها في ج13 ، ص420، ب67 من أبواب الطواف هكذا:- ( وبإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن يزيد بن خليفة ) ثم نقل نصّ الرواية ، ثم قال:- ( ورواه الشيخ الصدوق في الفقيه وذكر كلمة واحدة فيها تغيير ونقلها عن الشيخ الصدوق عن صفوان عن يزيد بن خليفة ، يعني أنَّ الشيخ الصدوق ينقلها عن صفوان عن يزيد بن خليفة.

إذن هذه الرواية قد رواها الشيخ الطوسي ورواها الشيخ الصدوق أيضاً فكلاهما روياها عن صفوان عن يزيد بن خليفة ولا فارق في النقل إلا كلمة واحدة أشار إليها صاحب الوسائل ، ويبقى هذا يسجّل على صاحب الوسائل فهو حينما ذكرها في باب الملابس من المناسب أن يقول ( ورواه كذلك الشيخ والصدوق كما سيأتي في باب الطواف ) ولكن يظهر منه أنه لم يكن ملتفتاً إلى ذلك .

إذن سوف تصير الرواية معتبرة السند بهذا الاعتبار لأنَّ الشيخ الطوسي رواها عن الحسين بن سعيد عن صفوان وطريقه إلى الحسين بن سعيد معتبر كما في المشيخة ، يبقى يزيد بن خليفة على الكلام الذي هو فيه ، فالسند إلى يزيد بن خليفة يصير معتبراًً على ما هو موجود في التهذيب بل لعله في الفقيه أيضاً ، فإذن الرواية لا إشكال فيها من حيث السند.

ولكن الذي أريد أن أقوله:- هو أنه في كتاب مكارم الأخلاق المطبوع من قبل مؤسسة النشر الاسلامي وهي طبعة محققة والمحقق قد بذل فيها جهداً كبيراً في تخريج الأحاديث من مصادرها ، لكن حينما أراد أن يخرّج هذه لرواية فقد خرّجها من كتابي التهذيب والكافي ولم يذكر كتاب ( من لا يحضره الفقيه ) ، والمصدر الذي أعطاه عن التهذيب صحيح وهو نفس المصدر الذي نقل عنه صاحب الوسائل ، وحينما تراجع المصدر ترى نفس هذه الرواية التي نقلناها فهي كما موجودة في مكارم الأخلاق موجودة في التهذيب وهذا صحيح ولا إشكال عنده فيه .

ولكن يوجد إشكالان على المحقّق:-

الاشكال الأوّل:- إنه نقلها عن الكافي والرواية في الكافي ليست موجودة هكذا بل هي موجودة هكذا :- ( عن زياد بن يحيى الحنظلي عن أبي عبد الله عليه السلام:- لا تطوفن بالبيت وعليك برطلة )[1] ، ولكن أوّلاً: هذه الرواية ليست عن يزيد بن خليفة وإنما هي عن الحنظلي ، وثانياً: إنَّ الوارد فيها ( لا تطوفن بالبيت وعليك برطلة ) ونحن شاهدنا في عبارة ( فإنها من زي اليهود ) وهذه العبارة ليست موجودة فيها وإنما هي موجودة في نقل مكارم الأخلاق.

إذن التحويل على الكافي لا نراه موافقاً للواقع بالدرجة الكاملة ، نعم مضمونها موجود في الكافي في الجملة فإنَّ هذا مقبول لأنَّ أمانة النقل تقتضي ذلك.

الاشكال الثاني:- إنه نقلها عن التهذيب والكافي وترك الفقيه الذي يوجد فيه نصّ الرواية ، فمن المناسب أن يبدّل الكافي بالفقيه لا أنه أتي بالكافي ويحذف الفقيه.

وهذا ما دعانا إلى مراجعة الروايات السابقة التي نقلناها عن مكارم الأخلاق ، واتفاقاً قد راجعت الروايات التي ذكرناها عن تشبّه الرجال بالنساء في اللباس حيث نقلنا خمس روايات الرواية الأولى والثانية كلاهما عن مكارم الأخلاق الأولى كانت عن سماعة والتي ظهرت فيما بعد أنها موثقة حيث قلنا إنَّ صاحب الوسائل(قده) قد ذكرها في بابٍ آخر وقد قلنا إنه صاحب الوسائل لم يشر إلى ذلك وكان عليه الاشارة إلى ذلك وأنها ستأتي في باب آخر بسندٍ آخر ، وهذا ليس بمهم.

الرواية الثانية التي نقلناها وهي أيضاً كانت عن مكارم الأخلاق وكان نصّها:- ( مكارم الأخلاق عن أبي عبد الله عن آبائه كان رسول الله صلى الله عليه وآله يزدر الرجل أن يتشبه بالنساء ونهى المرأة أن تتشبه بالرجال في لباسها ) ، وقد قلت لعل هذه الرواية تظهر موثقة أو غير ذلك ، فحين المراجعة وجدت المحقق قد خرّجها عن الخصال ص587 وفقه الرضا ، وفقه الرضا لا يهمنا لأنه مرسل فلا ينفعنا ، أما الخصال فلعله نجد فيه سنداً معتبراً ، وعند المراجعة للخصال وجدنا رواية طويلة ينقها الشيخ الصدوق(قده) وقد ذكر سندها ولكن الرجال ضعاف ، وفي تلك الرواية توجد عبارة ( ولا يجوز لها أن تتشبّه بالرجال لأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله لعن المتشبّهين من الرجال بالنساء ولعن المتشبّهات من النساء بالرجال ) ، والموجود هو اللعن بينما في رواية مكارم الأخلاق يوجد في فقرتها الأولى ( يزجر ) ويوجد في الفقرة الثانية ( ينهى ) وهل هاتان رواية واحدة ؟!! إنَّ الفارق بينهما واضح ، فالفقيه قد يستفيد من كلمة ( لعن ) الحرمة ولا يستفيد الحرمة من كلمة ( زجر ) و ( نهى ) الاخبارية أو بالعكس وهذا غير مهم ، بل المهم أنَّ أمانة النقل تقتضي أن يشير إلى أنَّ المضمون موجود لا نصّ الرواية ، ومن حسن الصدفة أن سند الشيخ ضعيف جداً كالقطّان وغيره الذين من المجاهيل.

والذي أريد أن أؤكد عليه:- هو أن المحقّق قد اتعب نفسه جزاه الله خيراً ، لكن وظيفتنا هي أن نراجع ، فلا نتصور أن كل ما في مكارم الأخلاق صار من الأسانيد المعتبرة ، كلا بل لابد من ملاحظة هذه النكتة التي أشرت إليها.

عود إلى صلب الموضوع:- إنَّ الرواية الثانية التي بأيدينا هي ضعيفة من حيث الدلالة كما أشرنا إلى ذلك سابقاً ، وأيضاً هي ضعيفة من حيث السند.

الرواية الثالثة:- محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن زرارة قال:- ( قال أبو جعفر عليه السلام :- خرج أمير المؤمنين عليه السلام على قوم فرآهم يصلّون في المسجد قد سدلوا أرديتهم فقال لهم:- مالكم سدلتم ثيابكم كأنكم يهود قد خرجوا من فهرهم يعني بيعتهم إياكم وسدل ثيابكم )[2] والسدل[3] هو ( أن يضع وسط الازار على رأسه ويرسل طرفيه على يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه ومن حديث علي عليه السلام أنه رأى قوماً سدلوا أرديتهم ..... ) ، ولابد أن تكون عبارة ( يعني بيعتهم ) قد اضيفت من قبل الشيخ الصدوق(قده) حتماً ، ولو قلت: ما هو الدليل على أنها من الشيخ الصدوق(قده) ؟ فأقول:- إنه لا يوجد عندي دليل سوى أنه من البعيد أن يقول الامام ( خرجوا من فهرهم يعني ... ) إنه لا يوجد شخص يقول هكذا ، فالمقصود أنه يوجد اطمئنان كامل بذلك إذا لم نصعّده إلى درجة اليقين فإن هذا من إضافة الشيخ الصدوق(قده) ، ولكن هذا إشكال فنّي فإنَّ التفسير لا يجعل في وسط الرواية.

ويلزم أن نلغي بعض الأمور لتتميم دلالة هذه الرواية:-

الأوّل:- أن نلغي خصوصية السدل ، فهي واردة في السدل فلابد أن نلغي هذه الخصوصية.

ثانياً:- أن نلغي خصوصية اليهود ، فإنَّ هذا فعل اليهود فأقصى ما يدل هو أن التشبّه باليهود لا يجوز أما أنًّ التشبه بغيرهم كيف يكون ؟ فلابد أن نقول نلغي خصوصية اليهود ، وهل تتمكن من إلغاء الخصوصية أو لا لأنه قد ورد ﴿ لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود ﴾ فهل تتعدّى من اليهود إلى غيرهم أو ؟ إنَّ هذه قضية لك.

ثالثاً:- هيأة الاجتماع لأنَّ هؤلاء رآهم أمير المؤمنين جماعة وقضية ملفتة للنظر فلابد أن تلغي هيأة الاجتماع وإلا غاية ما يثبت أنَّ هذا لا يجوز بنحو الاجتماع أما لو أراد شخص يفعل هذا لوحده فلا تدل على حرمته.

رابعاً:- أن نلغي خصوصية الصلاة.

فهذه الأمور الأربعة أنا لا أريد أن أقول لا يمكن تجاوزها ولكن أريد أن أنبّه على أنَّ الاستدلال بهذه الرواية يتوقف على إلغاء الخصوصية من هذه الجهات الأربع.

وبعد إلغاء هذه الجهات الأربع نقول:- إنَّه يرد:-

أوّلاً:- هل الرواية تدل على الحرمة ؟ فأين اللسان الذي يدل على ذلك فإنَّ كلمة ( إياكم ) هل هي ظاهرة في الحرمة أو فيها تردد وإشكال ؟ كما لو قلت لك ( إياك أن تمشي مع فلان ) و ( إياك أن يذهب وقتك سدى ) ؟! إني من المتردّدين في ذلك فإنَّ فيه تردّد وإشكال ، ولا أقف أمام من قال هي ظاهرة في الحرمة ، ومن الواضح أني لا أتِ بشواهد قد استعملت فيها كلمة ( إياكم ) في المكروهات فإنَّ هذا لا يصلح لنفي الظهور ، لأنها يمكن أن تكون مثل صيغة ( افعل ) فهي ظاهرة في الوجوب وهذا لا ينافى استعمالها في الكراهة ونحن نريد أن يفهم منها الحرمة أو لا من دون قرينة.

ثانياً:- إنه في موردها قد لا يلتزم بذلك ، فهل اسبال العباءة أثناء الصلاة لا يجوز ؟!! إنَّ هذا لا يمكن الالتزام به وهو غير محتمل ، فإذن في موردها أصلاً الحرمة ليست بثابتة فكيف تريد أن تستفيد منها الحرمة بإلغاء الخصوصيات في سائر الموارد ، فليس من البعيد أن يحمل هذا على الكراهة ، فالرواية إذن محل إشكال.

ومن خلال هذا العرض كلّه اتضح أنا لا نملك دليلاً على حرمة لاتشبه بالكفار باللباس ، اللهم إلا إذا انطبق عنوان ثانوي ، وكثيراً ما ينطبق العنوان الثانوي ، فأوّل ما جاءت ربطة العنق فهذا تأييد ودعم للكفار خصوصاً إذا جاء شخص وأراد أن يفعل هذا الشيء في النجف فحينئذٍ لا يبعد أنَّ هذا دعماً للكفار بالعنوان الثانوي ، فبالعنوان الثانوي يصير محرّماً وإلا فبالعنوان الأوّلي يصعب تحصيل دليل على الحرمة.

الملاحظة الثامنة:- تغيير الجنس.

يعني أن يغيّر الإنسان نفسه من رجلٍ إلى امرأة أو بالعكس ، فنفس هذا العمل هل هو جائز في حدِّ نفسه أو ليس بجائز بقطع النظر عن الدليل من آية خاصّة أو رواية خاصّة بل بناءً مقتضى القاعدة هل هو جائز في حدِّ نفسه أو لا؟

والجواب:- إنَّ مقتضى القاعدة الجواز لأصل البراءة ، فأصل البراءة يدل على الجواز ، والقائل بعدم الجواز هو الذي يحتاج إلى دليل.