34-03-10


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/03/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 368 )/ الواجب الثاني من واجبات حج التمتع ( الوقوف بعرفات ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 كيف نثبت البطلان بترك الوقوف رأساً ؟
 ذكرنا فيما سبق أن الركن بلحاظ الوقوف في عرفات هو المسمّى غايته تمسكنا بفكرة القصور في المقتضي وتمسك الغير بروايات ثبوت الكفارة على من أفاض قبل الغروب منضمّة إلى صحيحة جميل ، والآن نطرح هذا السؤال:- وهو أنه بعد التسليم بركنيّة المسمّى نسأل كيف نثبت ذلك ؟ يعني أن الحج يبطل بترك الوقوف رأساً - أي بترك المسمى - فإن ما ذكرناه سابقاً كان مجرد دعوى من دون إثبات وقلنا إنه لا مقتضي يثبت ركنيّة ما زاد على المسمّى ولكن كيف نثبت بطلان الحجّ بترك المسمّى وما هو الدليل عليه ؟ إن هذا ما نريد التعرض إليه هنا.
 ويمكن إثبات ذلك بوجهين:-
 الوجه الأول:- التمسك بمقتضى القاعدة فيقال:- نحن لا نحتاج إلى دليل يثبت البطلان بترك الجزء بل ما دمنا قد فرضناه جزءاً فلازم ذلك انتفاء المركب الواجب بانتفائه وإذا أردنا أن نحكم بالصحة في بعض الحالات أي في حالات فقدان الجزء فذلك لدليل خاص كما هو الحال في المقام فإن المناسب بناءً على كون الواجب هو من الزوال إلى الغروب هو البطلان بترك هذا المقدار ولو بترك شيءٍ يسير منه لأن لازمه عدم تحقق الجزء فينتفي المركب ولكن استفدنا من بعض الروايات من هنا وهناك مثل روايات الإفاضة قبل الغروب أو صحيحة جميل أنه لا يحصل البطلان مادام قد حصل المسمّى وإلا أي بقطع النظر عن هذه الروايات فيكون المناسب هو البطلان ، وغاية ما دلت عليه الروايات هو البطلان بترك قسمٍ من الوقوف لا بتركه رأساً فيبقى الترك رأساً مشمولاً لمقتضى القاعدة.
 نعم إن هذا يتم بناءً على كون الوقوف بعرفات ليس من قبيل الواجب ضمن الواجب وإلا فسوف لا يكون الوقوف في عرفات جزءاً وإنما يكون واجباً مستقلاً طلب أثناء الحج من قبيل بعض واجبات الصلاة أو مستحباتها كالقنوت فإنه مطلوب مستقل في أثناء الصلاة فإذا كان الوقوف في عرفات كذلك فالقاعدة حينئذ لا تقتضي البطلان بتركه حتى لو ترك رأساً لأنه واجب مستقل.
 إذن لابد من إبطال هذا الاحتمال من هنا وهناك ولو بأن يقال:- إنه إذا لم يكن الوقوف في عرفات جزءاً من الحج فيأتي هذا نفسه بالنسبة إلى الوقوف بالمشعر أيضاً وبالتالي فماذا يكون الحج إذن ؟! فهل هو الرمي مثلاً فقط أو غير ذلك ؟! إنه شيءٌ غير محتمل . أو يقال:- إن ظاهر مطلوبية أي شيء في عمل معين هو الجزئية وغير ذلك هو الذي يحتاج إلى دليل فكون الوقوف جزءاً من الحج هو مقتضى ظاهر الأمر بالإتيان بالشيء أثناء العمل - أي أثناء الإتيان بالحج - ، إنه لابد من إثبات ذلك بهذا أو بذاك أو بشيء آخر وإلا إذا لم يثبت أن الوقوف بعرفة جزء من الحج فهذا الوجه حينئذ لا ينفع شيئاً.
 وهكذا لابد وأن نبطل احتمال أن يكون الحج ليس واجباً مركباً من أجزاء وإنما هو مجموعة أعمال مستقلة أطلق عليها اسم الحج ، فإنه بناءً على هذا لا يلزم بطلان الحج بترك الوقوف رأساً إذ كل واحدٍ من هذه الأعمال هو واجب مستقل وغاية ما يلزم من تركه بطلان ذلك الذي ترك لا بطلان ما سواه ، إنه لابد من ابطال هذا الاحتمال ولو بأن يقال:- إن هذا احتمال عقلي وليس احتمالاً متشرعياً فإنه ليس بموجودٍ على المستوى المتشرعي . إنه لابد من إبطاله بهذا أو بشكل آخر - وهذا الذي ذكرته هو كلام سيّال في جميع الواجبات المركبة - فتماميّته موقوفة على إبطال هذين الاحتمالين . هذا كله بالنسبة إلى الوجه الأول وهو وجه تام وهذان الاحتمالان كما ذكرنا هما مجرد احتمال لا يمكن البناء عليهما.
 الوجه الثاني:- ما دلّ على بطلان حجّ من وقف في الأراك فإنه جاء في صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام:- ( .... إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:- إن أصحاب الأراك لا حجّ لهم ) [1] بتقريب أن الأراك هي اسم لمنطقة واقعة على أو في حدود عرفات وقد ادعي عدم الخلاف في أنها ليست بداخلة في المحدود بل هي على الحدّ على ما ذكر الشيخ المجلسي(قده) في مرآة العقول تعليقاً على الحديث المذكور [2] وربّما يفهم ذلك من بعض الروايات من قبيل موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( لا ينبغي الوقوف تحت الأراك فأما النزول تحته حتى تزول الشمس وينهض إلى الموقف فلا بأس ) [3] ، ومورد الشاهد قوله عليه السلام ( وينهض إلى الموقف ) فإنه يظهر من ذلك أن الأراك منطقة خارجة عن الموقف فلذلك قال ينزل في البداية تحت الأراك ثم ينهض إلى الموقوف وإلا فلو كانت جزءاً من الموقف فلا معنى لهذا التعبير . إذن الأراك هي منطقة ولا يبعد أن فيها أشجار الأراك ولذلك سميت بالأراك ويظهر من هذه الرواية ( لا ينبغي الوقوف تحت الأراك ) أنه صحيح أنه اسمها أراك ولكن باعتبار الأشجار سميت بذلك . فإذن على هذا الأساس صحيحة الحلبي دلت على أن أصحاب الأراك الذين يقفون خارج المحدود - أي يقفون في الحدّ - لا حج لهم وهذا هو مطلوبنا فإننا نريد أن نثبت أن من لم يقف في عرفات يكون حجّه باطلاً وهذه الرواية قالت لا حج للذي يقف في الحدّ فضلاً عمّا إذا لم يقف في المحدود ولا في الحدّ فإن ذلك أولى بالبطلان.
 إن قلت:- هناك رواية قد يفهم منها أن الحج لا يبطل بترك الوقف في عرفة وهي ما رواه الشيخ(قده) بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن ابن فضّال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( الوقوف بالمشعر فريضة والوقوف بعرفة سنّة ) [4] فإنها دلت على أن الوقوف بعرفة سنّة ولازم كونه سنّة أن تركة لا يكون مبطلاً وإلّا كان ذلك خُلف كونه سنّة وأمراً مستحباً.
 وفيه:- إن الرواية ضعيفة سنداً بالإرسال إلّا بناءً على الكبرى التي تقول إن أحد بني فضال إذا ورد في السند فيؤخذ بالرواية ولا يلتفت إلى الضعف فيها استناداً إلى ما روي عن الحسين بن روح عن الإمام عليه السلام حينما سئل عن كتب بني فضّال فقال:- ( خذوا ما رووا وذروا ما راوا ) بتقريب أن عقيدتهم لا تضرّ فما رأوه من عقيدة ذروه لكن ذلك لا يضر بروايتهم فخذوا برواياتهم ، ويظهر من الشيخ الأعظم(قده) أنه يبني على هذه الكبرى [5] .
 بل ويظهر منه ذلك في المكاسب أيضاً في مبحث الاحتكار - على ما ببالي - فلاحظ ذلك.
 وعلى أي حال فإن هذا مبنى مرفوض:- فإن الرواية الدالة على ذلك قد رواها أبو الحسين الخادم - خادم الحسين بن روح - وهو شخص مجهول الحال والرواية موجودة في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ، إلا اللهم أن يقول شخص إن احتمال كون خادم الحسين بن روح ليس بثقة هو شيء بعيد وغير محتمل ومرفوض فلا بأس بذلك.
 ولكن لو سلمنا بهذه الرواية وأخذنا بها فيبقى الإشكال في دلالتها فإن غاية ما تدل عليه هو أن وجود بني فضّال في السند لا يشكّل عقبة من ناحية كونهم من الفطحيّة ، أما أنه لا إشكال من ناحية غيرهم أيضاً فهذا لا يستفد من الرواية المذكورة ولا أقل هذا الذي نقوله شيء محتمل في الرواية - أي بمعنى أن الرواية مجملة - كما يحتمل أن المقصود منها هو أنه خذوا الرواية مع غمض العين ولازم ذلك أن يكون بنو فضال أفضل من زرارة وأبان بن تغلب وغيرهم لأن هؤلاء لا يوجد في حقهم مثل هذا ، فإما أن يكون هذا هو المقصود أو يكون المقصود أنه من ناحيتهم لا مشكلة فالرواية مردّدة بين هذين الاحتمالين فهي مجملة ، هذا من حيث السند - أي رواية ( الوقوف بالمشعر فريضة والوقوف بعرفة سنّة ) -.
 ويمكن أن يناقش من حيث الدلالة:- بأن السنّة لا يراد منها بمعنى المستحب فإن السنّة تستعمل بمعنى سنّة الرسول صلى الله عليه وآله في مقابل الفرض فما أو جبه الله عز وجل يعبّر عنه بالفريضة أو الفرائض وما أوجبه وأثبته الرسول صلى الله عليه وآله يعبّر عنه بالسنّة فإن الرسول قد مُنِح في مساحةٍ السلطة التشريعية كما في الصلاة فإن الركعتين الأوليين هما فرض الله عز وجل ولذلك لا يقبلان الشك بل بمجرد طرو الشك فيهما قبل إتمام الركعة الثانية تبطل الصلاة بخلافه في الركعتين الأخيرتين فإنهما من سنّة الرسول ، فالسنّة هنا بهذا المعنى ويكفينا الاحتمال - أي احتمال أن السنّة هنا هي بهذا المعنى وليس بمعنى المستحب - وبالتالي لا تكون هذه الرواية عقبة أمامنا مادامت هي مردّدة بين احتمالين فما دلّ على وجوب الوقوف بعرفة من ارتكاز أو روايات يبقى بلا معارض . إذن على هذا الأساس لا مشكلة من هذه الناحية.
 


[1] الوسائل 13 533 10من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ح11.
[2] و ألفت النظر إلى أنه يوجد تعليق في هامش الكافي وهو منقول من مرآة العقول وهذا الذي ذكرته هو من هامش الكافي ويرمز لكتاب مرآة العقول فيه بـ ( أ ت ) فيمكن مراجعة هامش الكافي 4 463.
[3] المصدر السابق ح7.
[4] الوسائل 13 552 19 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ح 14.
[5] ذكر ذلك في كتاب الصلاة في باب تحديد الأوقات في وقت الظهرين هناك ورد في رواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا وردت رواية تحدد وقتاً ولكنها ضعيفة بسبب الإرسال وهناك يظهر من الشيخ الأعظم أنه يبني على هذه الكبرى وأن أحد بني فضال إذا ورد لا مشكلة في السند.