34-04-27


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/04/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- إدراك أحد الوقوفين أو أحدهما / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 ومن قبيل صحيحة الحلبي:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي بعدما يُفيض الناس ، فقال:- إن كان في مهلٍ ..... وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله أعذر لعبده فقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يُفيض الناس فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل ) [1] ودلالتها واضحة ، وعلى منوال ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ( من أدرك جمعا فقد أدرك الحج ) ، قال:- ( وقال أبو عبد الله عليه السلام:- أيما حاجّ سائقٍ للهدي أو مفردٍ للحج أو متمتعٍ بالعمرة إلى الحج قدم وقد فاته الحج فليجعلها عمرة وعليه الحج من قابل ) [2] . إذن هذه الروايات الثلاث وغيرها دلّت على أن المكلف عند فوات الحجّ عليه يعني بفوات الموقفين يلزمه الإتيان بعمرة مفردة.
 وقد تسأل وتقول:- كيف نثبت أن هذه العمرة يأتي بها المكلف بنفس الإحرام السابق لا أنه ينحلّ إحرامه السابق ويأتي بإحرام جديد ؟
 والجواب:- إن بعض الروايات واضحة في ذلك ومنها صحيحة أخرى لمعاوية نذكرها في الحكم الرابع إن شاء الله تعالى فانتظر.
 هذا مضافاً إلى إمكان استفادة ذلك من بعض الروايات السابقة ففي الصحيحة الثالثة قال عليه السلام:- ( فليجعلها عمرة ) وظاهر قوله ( فليجعلها ) يعني نفس المذكورات - أعني حج الإفراد والقران والتمتع - لا أنه يأتي بإحرامٍ جديد ، بل يمكن أن نبيّن بياناً آخر وهو أن نقول:- إن سكوت الامام عن لزوم الإحرام الجديد دال بنفسه عرفاً على إكمال ما سبق عمرةً لا أنه يأتي بإحرامٍ جديد.
 هذه بيانات ثلاثة لإثبات عدم لزوم الإحرام الجديد بل يكمل نفس ما سبق عمرةً مفردة.
 وقد تسأل وتقول:- هل يحتاج الانقلاب إلى العمرة المفردة إلى نيّة بأن يقصد المكلف بأنه يأتي من الآن بعمرةٍ مفردة - فهو كان ناوياً الحج سابقاً والآن ينوي العمرة المفردة - أو أن الانقلاب قهري بلا حاجة إلى النيَّة ؟
 والجواب:- لا يبعد البناء على الانقلاب القهري فإن الوارد في صحيحة معاوية التي سوف نذكرها في الحكم الرابع هو:- ( فإذا انقضت طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحلَّ .. ) إنه عليه السلام حكم عليه بلزوم الطواف والسعي من دون إشارة إلى عملية القلب وأنه ينوي العمرة المفردة.
 وأما الحكم الثالث:- فهو حكم على طبق القاعدة بلا حاجة إلى نصّ خاص إذ المفروض أنه لم يأتِ بالحج في هذه السنة والقاعدة تقتضي أن استطاعته إذا كانت من أعوام سابقة فعليه الحج في السنة المقبلة وإن لم يكن مستطيعاً وذلك بالاسدانة مثلاً ، واذا كانت استطاعته لهذه السنة فمادامت هي باقيةً إلى العام المقبل فيجب عليه الحج آنذاك ، نعم ألفت النظر إلى أنه لابد من التحفظ على الاستطاعة ، يعني لو فرص أنه بعد فوات الموقفين بقي عنده مقدار من المال يتمكن من خلاله لو حافظ عليه أن يحجّ في السنة الثانية فعليه التحفّظ عليه فالتحفظ عليه لازم ككل إنسانٍ حصل على مال في أي وقت من الأوقات فيلزمه أن يتحفظ عليه لوقت الحج فإذا استطاع لهذه السنة بأن حصل على مالٍ الآن لزمه أن يحافظ عليه ولا يصرفه ويقدِّم للحج فإذا لم تخرج القرعة باسمه فيلزمه أن يحافظ عليه للسنة الأخرى .... وهكذا ، نعم إذا فرض أنه احتاج إلى صرفه بحيث يكون عدم الصرف موجباً للعسر أو نحو ذلك من العناوين الثانوية كمرضٍ طرأ عليه أو احتاجه إلى زواجٍ لنفسه أو لولده بحيث يقع في العسر أو الحرج إذا ترك ذلك أو احتاج إلى بيتٍ أو ما شاكل ذلك من لوازم الحياة فيجوز له حينئذٍ صرفه.
 كما ينبغي أن نلفت النظر إلى أن هذا الكلام نقوله في حق من فاته الموقفان من دون اختيار كما إذا كان جاهلاً أو كان الزحام مانعاً له من الوصول إلى الموقفين بما في ذلك الاضطراري فهنا نقول إنه إذا بقيت الاستطاعة فيجب عليه وإلا فلا ، أما لو فرض أنّه فوَّت عليه الموقفين عمداً فهذا يكون ممَّن استقر عليه الحجّ إذ تحققت الاستطاعة وهو قد فوَّتها باختياره فيكون حكمه هو الحج التسكعي كما هو واضح.
 ثم نلفت النظر أيضاً إلى أن ما ذكرناه كان حكماً على طبق القاعدة ، ونظيف الآن ونقول:- إن غير واحدة من الروايات قد أشارت إلى وجوب الحجّ في العام المقبل . إذن وجوب الحج في العام الثاني كما أنه ثابت على طبق القاعدة كذلك هو ثابت على طبق الروايات فليس المستند هو القاعدة فقط.
 أجل قد تسأل وتقول:- إن الروايات يستفاد منها أنه عليه الحج في السنة الثانية مطلقاً - يعني وإن فرض أن استطاعته كانت لهذه السنة وقد فاتت الاستطاعة عليه من دون اختيار أو لضرورة - فهل يُلتزَم بإطلاق الروايات ؟
 والجواب:- لا يبعد أن المستفاد من الروايات كون المقصود من وجوب الحج عليه في العام المقبل هو أن ذمته لم تفرغ بما فعله في هذه السنة فيبقى كسائر الناس ويلزمه ما يلزمهم ، وعليه فلا يمكن أن نستفيد من هذه الروايات حكماً أكثر مما تقتضيه القاعدة.
 وأما بالنسبة الحكم الرابع:- فالوجه فيه صحيحة معاوية بن عمار الأخرى:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- رجل جاء حاجّاً ففاته الحج ولم يكن طاف ، قال:- يقيم مع الناس حراماً أيام التشريق ولا عمرة فيها فإذا انقضت طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحلّ وعليه الحج من قابل يحرم من حيث أحرم ) [3] فإنها دلت بوضوح على أنه إذا فات الحج تلزم العمرة وبنفس الإحرام السابق لأنه عليه السلام قال يبقى حراماً ويأتي بها بعد أيام التشريق فإنه لا عمرة فيها ، ولو كنا نحن وهذه الصحيحة من دون أخذ شيءٍ آخر بعين الاعتبار فالمناسب هو الفتوى على طبقها وأنه لا يجوز الإتيان بالعمرة المفردة في المورد المذكور في أيام التشريق ، بل نصعّد اللهجة ونقول:- إنه حتى في غير هذا المورد لا يجوز الإتيان بالعمرة المفردة في أيام التشريق كما لو فرض أن شخصاً أكمل حجّه وأراد في اليوم الثاني عشر أن يأتي بعمرة مفردة فإنه بمقتضى هذه الصحيحة لا يجوز ذلك لأنه عليه السلام قال:- ( ولا عمرة فيها ) وهذا قانون عام ، ومن الغريب أن السيد الخوئي(قده) لم يتعرض لهذه المسألة من قربٍ ولا من بعدٍ وكان المناسب له التعرض لها ومناقشتها لا أنه يهملها بالكليّة ، وعلى أي حال المناسب هو الفتوى على طبقها لولا أمران:-
 الأمر الأول:- إن الأصحاب قد يظهر منهم الاعراض عن الظهور في اللزوم والذهاب إلى استحباب تأخير العمرة بعد أيام التشريق ، قال صاحب الشرائع:- ( ويستحب له الإقامة بمنى إلى انقضاء أيام التشريق ثم يأتي بأفعال العمرة التي يتحلل بها ) ، وعلّق صاحب الجواهر بقوله:- ( لما سمعته من صحيح معاوية السابق المحمول على ذلك بلا خلاف أجده فيه هنا وإن كان لهم كلاماً في فوريّة عمرة الاسلام المتعقبة للحج تسمعه في محلّه إن شاء الله ) [4] فإنه يظهر من هذه العبارة اتفاق الأصحاب على أنه لا يلزم ذلك وذكر أن صحيح معاوية السابق الذي لم يذكر فيه لزوم التأخير بعد أيام التشريق وهو قوله:- ( وقال أبو عبد الله:- أيّما حاج سائق للهدي أو مفرد بالحج أو متمتع بالعمرة قدم وقد فاته الحج فليجعلها عمرة ) يحمل على ما بعد أيام التشريق بقرينة الصحيح الآخر لمعاوية الذي قرأناه الآن.
 الأمر الثاني:- إن بعض الروايات قد يفهم منها جواز الإتيان بالعمرة في أيام التشريق فإنه في صحيحة حريز المتقدمة جاء هكذا:- ( قلت له كيف يصنع ؟ قال:- يطوف بالبيت وبالصفا والمروة وإن شاء أقام بمكة وإن شاء أقام بمنى مع النماس وإن شاء ذهب حيث شاء ليس هو من الناس في شيء ) فإن قوله ( يطوف بالبيت ... الخ ) يفهم منه أن المكلف يلزمه الإتيان بالطواف والسعي الذي هو عبارة عن العمرة وبعد الإتيان بها يتمكن من أن يذهب إلى منى ويكون مع الناس الذين هم في منى أيام التشريق ويجوز له أيضاً أن ينتظر إلى أن تنتهي أيام التشريق ويجوز له أيضا أن يذهب إلى أهله بعد الطواف والسعي . إذن هذه الرواية واضحة في عدم لزوم التأخير عن أيام التشريق فنرفع اليد عن ظهور صحيحة معاوية ونحمل تلك على الاستحباب كما ذهب إليه الأصحاب ، ولكن كما قلنا الأحوط هو التأخير عن أيام التشريق.


[1] الوسائل ج14 ص36 ب22 من أبواب الوقوف بالمشعر ح2.
[2] الوسائل ج14 ص48 ب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر ح1.
[3] المصدر السابق ح3.
[4] الجواهر ج19 ص 91.