39/02/01


تحمیل

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

39/02/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع/ خمس ما أخذ بغير صنعة/ خمس ارباح المكاسب/ كتاب الخمس

3ـ وما لم يكن صنعة, فقد ذكر الشيخ الانصاري : (لقد أفرط المدقّق الخوانساري في حاشية الروضة حيث خصّ في ظاهر كلامه: الاكتساب بما اذا اتخذ صنعة حيث قال: « بعد حكاية عبارة المختلف في وجوب الخمس في كل ما يجتنى مثل: الترنجين والشيرخشت والصمغ, معلِّلاً ذلك كله بانه إكتساب» قال: والظاهر انّ كل واحد منها أخذ صنعة فهو من الاكتساب, واما اذا وقع إتفاقاً ففي شمول الأدلة له تأمّل»[1] .

ويرد عليه: اطلاق الروايات كافٍ في وجوب الخمس في كل فائدة وما ذكرته الروايات من الصنعة والاكتساب ما هو الاّ مثال لما يجب فيه الخمس, فقد ذكرت الروايات ايضاً الخمس في الحرث وكل ما يملكه وفي القصب والسمك والمتاع والضياع وغيرهما فلا حصر للخمس فيما اتخذ صنعةً وكسباً, فلاحظ.

استثناء مؤنة تحصيل الربح:

ثم ان وجوب الخمس مشروط باستثناء ما يصرفه الانسان في سبيل تحصل الربح فيستثنى من المال الذي يخضع للخمس مؤنة الصرف على تحصيل الربح.

وهذا واضح لان الخمس على الفائدة والربح, ولا يصدق الربح والفائدة الاّ بعد استثناء ما صرف على تحصيل الربح, وهذا القول أو الفتوى لا تحتاج الى دليل او برهان, فلو أنّ انسانأَ تاجراً أو صاحب عمل صرف خمسين ديناراً وحصل على مائة بعد صرف الخمسين فلا يقال انه ربح مائة, بل يقال: انه ربح خمسين ديناراً, فالخمس فيها فقط.

بالاضافة الى الروايات التي منها:

1ـ صحيحة البزنطي قال: كتبت الى ابي جعفر عليه السلام الخمس أخرجه قبل المؤنة أو بعد المؤنة؟ فكتب بعد

المؤنة[2] .

وظاهرها مؤنة الصرف لتحصيل ما يجب فيه الخمس, لأنها أُضيفت المؤنة الى الخمس «اي مورد الخمس» ولم تضف الى الرجل وعياله.

2ـ ومن روايات الدالّة على ذلك رواية محمد بن الحسن الاشعري قال: كتب بعض اصحابنا الى ابي جعفر الثاني عليه السلام: اخبرني عن الخمس اعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير ومن جميع الضروب وعلى الصنّاع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطّه: الخمس بعد المؤنة[3] .

اي الخمس بعد مؤنة مورد الخمس لان متعلق المؤنة هو الخمس (اي مورده) ولم يكن متعلق المؤنة هو الرجل وعياله, فلاحظ.

3ـ وتدل على ذلك ايضاً صحيحة على بن مهزيار قال: كتب اليه ابراهيم بن محمد الهمداني اقرأني عليٌّ كتاب ابيك فيما اوجبه على اصحاب الضياع انه اوجب عليهم نصف السدس بعد المؤنة, وانه ليس على من لم يقم ضيعته بمؤنة نصف السدس ولا غير ذلك, فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤنة, مؤنة الضيعة وخراجها لا مؤنة الرجل وعياله, فكتب: وقرأه علي بن مهزيار عليه الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله وبعد خراج السلطان[4] .

وتقريب الاستدلال: هو ان ظاهر السؤال الفراغ عن استثناء مؤنة التحصيل, وانما سأل الراوي عن استثناء مؤنة العيال علاوة على ذلك وعدمه, والامام عليه السلام اقرّه على فهمه واكّد إستثناء كلتا المؤنتين, وجواب الامام عليه السلام في استثناء خراج السلطان يدلّ بنفسه على استثناء مؤنة التحصيل لكون خراج السلطان هو اجرة تحصيل الربح.

منها: محمد بن ادريس في اخر السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن احمد بن هلال عن ابن ابي عمير عن ابان بن عثمان عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال كتبت اليه في الرجل يهدي اليه مولاه والمنقطع اليه هدية تبلغ الفي درهم أو اقل أو اكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب عليه السلام الخمس في ذلك.

وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال انما يبيع منه الشيء بمائة درهم أو خمسين درهماً هل عليه الخمس؟ فكتب امّا ما اكل فلا واما البيع فنعم هو كسائر الضياع[5] .

فاذا قلنا انه لا خصوصية للأكل – كما هو الواضح – فعندئذٍ يُستفاد منها استثناء مطلق المؤنة.

وهذه الرواية رواها محمد بن ادريس في مستطرفات السرائر نقلاً عن كتاب محمد بن علي بن محبوب قال:

(تصنيف محمد بن علي بن محبوب, وكان هذا الكتاب بخطّ شيخنا ابي جعفر الطوسي, فنقلت هذه الاحاديث من خطّه[6] .

ولكن في سند الرواية احمد بن هلال الذي رجع عن التشيع الى النصب كما ذكر ذلك سعد بن عبدالله

الاشعري[7] وروى فيه الكشي: اللعن والذم[8] وقال عنه الشيخ في الفهرست (انه غال متهم في دينه)[9] وقال في التهذيب: (لا يعمل بما يختص بروايته)[10] وقال العلاّمة في خلاصته: (روايته غير مقبولة)[11] ويقتضي ان لا تكون الرواية التي فيها احمد بن هلال صحيحة) وقال ايضاً: (توقف ابن الغضائري في حديثه الاّ فيما يروي عن الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة ومحمد بن ابي عمير من نوادره, وقد سمع هذين الكتابين جلّ اصحاب الحديث واعتمدوه فيها)[12] وهذا الكلام من ابن الغضائري يعني انه لا يرد رواية احمد بن هلال بالمطلق بل يفصّل.

ولكن اعتماد المشايخ الثلاثة وغيرهم في نقل روايته يجبر ضعف احمد بن هلال ان كان ضعيفاً ولم يكن ثقة عند غيرهم ولا يمكننا هنا ان نقول: اذا تعارض الذم مع المدح فنقدم الذم للقاعدة القائلة بان الجرح يقدم على المدح, لان ذلك هو في التعارض في الوثاقة وعدمها اما هنا فلا تعارض لان المدح في الرواية والوثاقة, والذم في العقيدة فلا تعارض.

بالإضافة الى ان الامام العسكري عليه السلام أراهُ مولانا الحجّة عليه السلام وقد قال عنه النجاشي: (صالح الرواية, يعرف منها وينكر)[13] وهذا التعبير من النجاشي ظاهر في الاعتماد على روايته وان لم يعتمد على شخصه وعقيدته كأهل السنّة, وقوله بعد ذلك (يعرف منها وينكر) يعني ان روايته على صنفين: صنف معروف عند الاصحاب وصنف منكر عندهم وهذا يعني اننا نقبل رواياته المعروفة عند الاصحاب ولكن نترك رواياته المنكرة فالأصل فيه انه صالح الرواية لما ذكر ذلك النجاشي[14] فتكون الرواية صحيحة كما ذكرنا اذا لم تكن منكرة عند الاصحاب وهي كذلك هنا لموافقتها روايات الاصحاب في استثناء مؤنة الرجل وعياله من الخمس في ارباح المكاسب.

وحتى اذا اسقطنا هذه الرواية من الحساب« كما هو عمل علماء الشيعة في روايات الكّفار والنواصب منهم» فالروايات السابقة عليها كافية لإثبات أنّ الخمس في أرباح المكاسب يكون بعد مؤنة الرجل ومؤنة عياله وهذا واضح.

استثناء مؤنته وعياله:

ثم انه يستثنى من ارباح ما صرفه في مؤنة سنته لنفسه وعياله, وهذا التعبير (استثناء ما صرفه) (ولم يقل صاحب العروة قدس سره تقدير ما يصرفه) هو تعبير جيّد, لأنّ الوجوب حين وجود الربح لا يعتبر في وجوبه حلول الحول, ولكن يؤخّر الاخراج احتياطاً للمكتسب وارفاقاً به لإمكان تجدّد مؤن لم تكن في تخمينه لمصرفه فالاحتياط هو للمكتسب الذي قد تنقص مؤنته التي قدّرها وهذا يحصل بعد صرف ما صرفه على مؤنته ومؤنة عياله في السنة ويكون الخمس للارباح بعد نهاية السنة, لأنّ المكتسب اذا اعطى الخمس المقدّر ثم تبيّن ان مؤنته اكثر فهو لا يتمكن من ارجاع الخمس الذي دفعه للمستحق لان الدافع قد سلّط المستحق على المال فمع تلف المال وعدم علم المستحق انه ليس من الخمس فلا ضمان على المستحق.

وهذا الاستثناء قد نطقت به الروايات:

منها: صحيحة على بن مهزيار قال: قال لي ابو علي بن راشد قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك واخذ حقّك فأعلمت مواليك بذلك, فقال لي بعضهم: وايّ شيء حقّه فلم ادر ما أَجيبه؟ فقال: يجب عليهم الخمس, فقلت: ففي اي شيء؟ فقال: في امتعتهم وصنايعهم (ضياعهم) قلت: والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال: اذا أمكنهم بعد مؤنتهم[15] .

فالضمير وهو جميع العقلاء يراد به الاشخاص اي مؤنة الرجل وعائلته وليست مؤنة الصرف لأجل الربح.

منها: تقدمّت صحيحة علي بن مهزيار المصرّحة بان الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله وبعد خراج السلطان[16] .

منها: صحيحة علي بن محمد (محمد بن علي) بن شجاع النيشابوري انه سأل ابا الحسن الثالث عليه السلام عن رجل اصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرٍّ ما يزكى فأخذ منه العشر عشرة اكرار وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّاً وبقي في يده ستون كرّاً ما لذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء فوقّع لي

منه الخمس ممّا يفضل من مؤنته[17]

 


[1] تراث الشيخ الاعظم، كتاب الخمس للشيخ الانصاري: 190 طبع باقري قم سنة 1415.
[2] وسائل الشيعة، للحر العاملي ج9 ص508 باب12 مما يجب فيه الخمس ح1.
[3] وسائل الشيعة، للحر العاملي ج9 ص499 باب8 مما يجب فيه الخمس ح1.
[4] وسائل الشيعة، للحر العاملي ج9 ص500 باب8مما يجب فيه الخمس ح4.
[5] وسائل الشيعة، للحر العاملي ج9 ص499 باب8 مما يجب فيه الخمس ح1.
[6] مستطرفات السرائر، لمحمد بن ادريس الحلي 7: 181.
[7] كمال الدين واتمام النعمة، للشيخ الصدوق:81.
[8] اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي، لشيخ الطائفة الطوسي: 581 برقم (1020) طبع وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي تحقيق محمد تقي فاضل الميبدي.
[9] الفهرست، للشيخ الطوسي: 83 برقم (107).
[10] تهذيب الاحكام، للشيخ الطوسي 9: 238 باب الوصية لأهل الضلال ح154.
[11] خلاصة الاقوال، للعلامة الحلّي القسم الثاني 320 برقم (1256).
[12] خلاصة الاقوال، للعلامة الحلّي القسم الثاني 320 برقم (1256).
[13] رجال النجاشي، للشيخ النجاشي: 83 برقم (199).
[14] رجال النجاشي، للشيخ النجاشي: 83 برقم (199).
[15] وسائل الشيعة، للحر العاملي ج9 ص500 باب8 مما يجب فيه الخمس ح3.
[16] وسائل الشيعة، للحر العاملي ج9 ص500 باب8 مما يجب فيه الخمس ح4.
[17] وسائل الشيعة، للحر العاملي ج9 ص500 باب8 مما يجب فيه الخمس ح2.