36/05/22


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل (المفطرات المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة الذي مر الكلام فيه تفصيلا إنما توجب بطلان الصوم.....).
ويجاب عما ذكره السيد الخوئي (قد) في المناقشة الاولى لموثقة زرارة وابي بصير:
اولاً: ما تقدم سابقاً من أن القضاء مترتب في جملة من النصوص الصحيحة على نفس الفعل لا على ترك الصوم في ظرفه.
ثانياً : على فرض التسليم بما تقدم, كيف نفهم من الرواية انها في مقام نفي الاثر المترتب على الفعل, لا نفي الاثر المترتب على ترك الصوم, فأنها ليس فيها ما يدل على ذلك, فأن الذي يستفاد من قوله عليه السلام (ليس عليه شيء) هو نفي تحميل هذا الشخص بشيء في حال صدور المفطر منه عن جهل بالحكم, ومقتضى الاطلاق شمول هذا الكلام للقضاء والكفارة.
وعلى كل حال فأن لم نقل بأن القضاء من اثار الفعل وانه حاله حال الكفارة فحينئذ لابد من حمل الرواية على ما قلناه وهو أن نفي الكفارة ينفيكل اثر تحميلي يترتب على الفعل سواء ترتب عليه مباشرة أو ترتب عليه بأعتباره ملازماً لترك الواجب في وقته, فهي كما تنفي الكفارة بأعتباره اثراً مباشراً يترتب على الفعل كذلك تنفي القضاء بأعتباره ملازماً لعدم الاتيان بالواجب, وهذا الشيء اولى من تخصيص الرواية بنفي الكفارة _كما ذكر (قد) _ فنحن لا ننكر أن ما نقوله فيه شيء من المسامحة والتجاوز لكنه مع ذلك اولى من تخصيص الرواية بنفي الكفارة فقط, لأن هذا خلاف ظاهر الرواية, فأن السؤال وقع فيها عن حكم الصوم من حيث الصحة والبطلان عند ارتكاب المفطر جهلاً بالحكم, وحينئذ لابد أن يكون الجواب مطابقاً للسؤال, أي لابد أن يكون الجواب إما بصحة الصوم أو ببطلانه, (فأفتراض) أن الامام عليه السلام في مقام الجواب يجيب بعدم وجوب الكفارة _ بأعتبار اختصاص النفي بنفي الكفارة_ وسكت عن بيان حكم الصوم (بعيد) جداً, فالإمام عليه السلام إما أن يبين حكماً يشمل كلا الامرين (نفي القضاء ونفي الكفارة), ونفي القضاء يعني الحكم بصحة الصوم وكفاية ما جاء به, وإما أن يكون جوابه مختصاً بنفي القضاء, ولا داعي للجواب الثاني لإمكان افتراض أن يكون الجواب مطابقاً للسؤال مع نفي كل من القضاء والكفارة, فحمل الرواية على نفي الكفارة فقط يعني عدم بيان حكم الصوم من حيث الصحة والفساد وهو خلاف ظاهر الرواية بأعتبار أن السؤال وقع عن ذلك (الصحة والفساد).
(وافتراض) أن السائل كان عالماً ببطلان الصوم عند ارتكاب المفطر جهلاً بالحكم وانه سأل عن وجوب الكفارة (ممكن) لكنه بعيد, فالظاهر من الرواية هو السؤال عن حكم الصوم.
المناقشة الثانية في الموثقة:
أن يقال بأن المستفاد من قول الامام عليه السلام (ليس عليه شيء) نفي تبعة العمل عن هذا المكلف, بأعتبار جهله بالحكم فكأنه قال ليس عليك تبعة بما صدر منك عن جهل, ومن الواضح بأن هذا يختص بالكفارة لأنها من سنخ التبعة بخلاف القضاء فأنه ليس من سنخ التبعة, وإنما هو يلزم المكلف بأعتبار عدم امتثال التكليف في وقته من قبيل الاعادة فهي ليس تبعة وعقوبة, وإنما تترتب على عدم الاتيان بالواجب, فإذا استظهرنا من الرواية نفي ترتب تبعة على العمل الذي صدر من المكلف فأنه لا اشكال في اختصاص الرواية بالكفارة, فنصل إلى نفس النتيجة التي ذكرها السيد الخوئي (قد) من أن الموثقة في مقام نفي الكفارة وليست في مقام نفي القضاء فلا يصح الاستدلال بها في محل الكلام على الصحة وعدم وجوب القضاء.
ويجاب عنه بما سبق في أن المستفاد من قوله (ليس عليه شيء) اننا لا نحمّل هذا المكلف شيئاً بأعتبار أن ما صدر عنه صدر عن جهل بالحكم, فالمنفي هو الأمر التحميلي الذي يترتب على الاتيان بالفعل عن جهل, ومقتضى الاطلاق عدم تحميل المكلف بشيء, لأن كل منهما(القضاء والكفارة) امر تحميلي يحمل على المكلف وفيه ثقل وكلفة, فمقتضى اطلاق الرواية نفي كل هذه الامور ولا داعي لتخصيص النفي بالكفارة دون وجوب القضاء, ويأتي ايضاً ما تقدم من أن تخصيص الموثقة بالكفارة فيه مشكلة مخالفة الظاهر منها (أي السؤال عن حكم الصوم من حيث الصحة والفساد), ولابد من أن يكون الجواب مطابقاً للسؤال.
والغريب أن السيد الخوئي (قد) استدل برواية شبيهة لمحل الكلام (لهذه الرواية) واردة في الناسي وفي عبارة مشابهة لعبارة (ليس عليه شيء) واستدل بها على صحة الفعل وعدم بطلانه وعدم وجوب القضاء, والرواية هي موثقة عمار بن موسى ( أنه سأل أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل ينس وهو صائم فجامع أهله ؟ فقال : يغتسل ولا شيء عليه)[1]
استدل بها (قد) على نفي وجوب القضاء في الناسي مع أنه يأتي كلامه في أن الرواية ليست في مقام نفي اثار عدم الاتيان بالواجب وإنما هي في مقام نفي اثار الفعل واثر الفعل هو الكفارة بناء على قوله.
يبدو_ والله العالم_ أن الموثقة تامة من حيث الدلالة ويمكن أن تكون_ إلى هنا_ احد مدارك نفي وجوب القضاء وصحة الصوم عند صدور المفطر من المكلف عن جهل بالحكم.
الكلام يقع في السند
ذكر صاحب الوسائل هذه الرواية مرتين الاولى في كتاب الصوم والثانية في كتاب الحج بأعتبار ارتباطها بالبابين لأن مورد السؤال فيها عن الصائم والمحرم الذي اتى اهله وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال له, وقد ذكر صاحب الوسائل السند في كتاب الصوم (وباسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن محمد بن علي، عن علي بن النعمان، عن عبد الله بن مسكان، عن زرارة وأبي بصير قالا جميعا) وذكر الرواية في كتاب الحج بسند يختلف حيث قال (وبإسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن محمد بن علي بن النعمان، عن عبد الله بن مسكان، عن زرارة وأبي بصير جميعا قالا)[2] وكلا النقلين عن التهذيب وقد ذُكر السند في التهذيب بقوله (علي بن الحسن بن علي بن فضال عن محمد بن علي عن علي بن النعمان عن عبد الله بن مسكان عن زرارة وأبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قالا جميعا) [3] والظاهر أن ما نقل في كتاب الحج اشتباه, والنقل الذي يطابق ما في التهذيب المطبوع هو ما في كتاب الصوم وهو الصحيح, , ولم يُشر في التهذيب إلى وجود اختلاف في السند, وكما أن ذلك هو الموجود في ملاذ الاخيار (شرح التهذيب للعلامة المجلسي), وفي الوافي.
وهو الصحيح بقطع النظر عما موجود في الوافي وفي غيره من الكتب, وذلك بأعتبار امكان الاطمئنان بوجود الخطأ في السند الذي ذكره في الحج, وذلك لأن رواية علي بن الحسن بن فضال عن محمد بن علي بن النعمان تكاد تكون بعيدة جداً لأختلاف الطبقة, فمحمد بن علي بن النعمان هو مؤمن الطاق من اصحاب الامام الصادق عليه السلام والذي يعتبر من الطبقة الخامسة بل لعله من متقدمي هذه الطبقة, في حين أن علي بن الحسن بن فضال من اصحاب الامامين الهادي والعسكر عليهما السلام وهو يعتبر من الطبقة السابعة بل لعله من صغار هذه الطبقة, ومن البعيد جداً أن يروي عمن في الطبقة الخامسة, كما أنه غير معهود أن يروي علي ابن الحسن بن فضال عن مؤمن الطاق أو عن احد اصحاب الامام الصادق عليه السلام.
ولذا من الواضح أن السند الصحيح هو الموجود في التهذيب وهو الذي ينقله صاحب الوسائل في كتاب الصوم (محل الكلام).
نعم في هذا السند مشكلة عدم تعيين (محمد بن علي) فيه, أما بقية الرجال فلا مشكلة فيهم, ولا مشكلة في اسناد (طريق) الشيخ الطوسي إلى علي بن حسن بن فضال.
ولعل بعضهم استشكل _ كما استشكل الشيخ المجلسي في شرح التهذيب_ بأن هذا الحديث مجهول, وينقل عن السيد البروجردي (قد) أنه يقول اني لا اعرف محمد بن علي في هذه الطبقة الا محمد بن علي بن ابراهيم بن موسى القرشي الصيرفي المعروف بأبي سمينة وهو ضعيف جداً حيث ضعفة الجميع تقريباً وذكروا بأنه كان كذاباً ومشهوراً بالكذب في الكوفة قبل أن يذهب إلى قم ويشتهر به ويطرد من قم .
ومن هنا قد يقال إما أن يشخص محمد بن علي الواقع في سند هذه الرواية على أنه ابو سمينة الضعيف وإما يكون مردداً بين الضعيف وغيره وعلى كلا التقديرين لا يمكن التعويل على الرواية من حيث السند.