34-06-05


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/06/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- تتمة مسألة 377 ، مسألة ( 378 ) / الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 المورد الثالث:- ما إذا فرض خروج الوقت . ومستند ذلك قاعدة الحيلولة المستندة إلى صحيحة زرارة وفضيل عن أبي جعفر عليه السلام:- ( ... وإن شككت بعدما خرج وقت الفوت وقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن فإن استيقنت فعليك أن تصليها في أي حالة كنت ) [1] وهي وإن كانت خاصة بباب الصلاة إلا أن مستند التعميم الذي أشرنا إليه في قاعدة التجاوز يأتي هنا أيضاً ، وعليه فلا يعتنى للشك في هذه الحالات الثلاث.
 وبعد هذا نطرح سؤالاً:- وهو أنه لماذا اختصر السيد الماتن(قده) في عبارة المتن على الحالتين الأخيرتين - يعني أنه قال لا يعتني للشك إذا دخل في الجزء الآخر وإذا خرج الوقت - ولم يذكر الحالة الأولى - أعني ما إذا تحقق المضي - ؟
 والجواب:- إن المأخوذ في موثقة محمد بن مسلم هو عنوان المضي - أي ( كل ما مضى فأمضه كما هو ) - والمضي فرع أن يؤتى بالشيء بأجزائه ثم يُشك بعد ذلك في بعض شرائط الصحة أما إذا لم يحرز الاتيان بأجزائه كاملة فلا يصدق عنوان المضي عرفاً ، فالذي يحرز أنه أتى بأربع ركعات مثلاً في باب الصلاة ويشك هل هي واجدة لشرائط الصحة أو لا - أعني مثل الاستقبال وطهارة الثوب وما شاكل ذلك - فيصدق حينئذ عنوان المضي يعني أن الصلاة وهي أربع ركعات قد مضت أما إذا لم يحرز أنه قد أتى بأربع ويحتمل أنه أتى بثلاث ركعات فعنوان المضي آنذاك لا يصدق ولهذا من شك في أنه هل تشهد وسلم أو لا في الركعة الأخيرة ولكنه رأى نفسه جالساً ولا يدري أن هذا الجلوس هل هو بعد الفراغ من التشهد والتسليم أو هو بعد رفع رأسه من السجدة الثانية وقبل أن يأتي بالتشهد والتسليم ؟ إنه هنا لا يحرز صدق عنوان المضي فلا يمكن تطبيق الموثقة في المورد المذكور . نعم قد يقال بأنه لو دخل في أمرٍ عرفيٍّ مغايرٍ بأن قام ودخل في الأكل أو ركب سيارة أو ما شاكل ذلك فسوف يصدق آنذاك عنوان المضي عرفاً.
 وبالجملة:- المهم هو صدق عنوان المضي ، وفي مقامنا نقول:- حينما يشك المكلف أن هذه الرمية هل أصابت الجمرة أو لا فهو في الحقيقة يشك في أصل تحقق الرمية لأن الرمية هي مطلوبة للإصابة وليست بما هي رمية فيشك إذن في أصل تحقق الرمية المطلوبة فكيف يصدق آنذاك عنوان المضي . نعم يصدق ذلك إذا جزم بأنها أصابت - يعني أن سبع رميات قد أصابت جزماً - ولكن يشك بعد أن فرغ منها بأنه هل كان الرمي بحصاة الحرم أو بحصاةٍ ليست من الحرم أو أنها بكر أو ليست بكراً .... وما شاكل ذلك ؟ فهنا يصدق عنوان المضي - يعني بأن كان الشك في شرط الصحة - أما إذا كان الشك في أصل تحقق الرمية فلا معنى لصدق عنوان المضي آنذاك ، ومن هنا اقتصر(قده) على ذكر الحالتين الأخيرتين دون الأولى وهذا كما قلنا مطلب سيّال والمقام مصداق له لا أن ما ذكرناه ينحصر به.
 
 
 مسألة( 378 ):- يعتبر في الحصيات أمران:-
  1. أن تكون من الحرم والأفضل أخذها من المشعر.
  2. أن تكون أبكاراً على الأحوط بمعنى أنها لم تكن مستعملة في الرمي قبل ذلك ويستحب فيها أن تكون ملوّنة ومنقّطة ورخوة وأن يكون حجمها بمقدار أنملة وأن يكون الرامي راجلاً وعلى طهارة.
 ......................................................................................................
 أشارت المسألة المذكورة إلى شرطين من شرائط الحصاة التي يرمى بها وكان من المناسب جعل الشرائط ثلاثة والثالث هو أن يصدق عليها عنوان الحصاة فإن هذا من شرائط وصفات الحصيات ، ولكنه قد ذكره سابقاً في الشرط الثاني من شرائط الرمي في ذيل الشرط المذكور ونحن قلنا إنه كان من المناسب فنيّاً تأخيره إلى هذا المورد.
 وعلى أي حال يعتبر في الحصيات مضافاً إلى ما تقدم - من شرطٍ - شرطان:-
 الأول:- أن تكون من الحرم ، ويستحب أن تكون من المشعر.
 إذن الشرط الأول يشتمل على شرطين أحدهما لازم وهو أن تكون من الحرم والثاني مستحب وهو أن تكون المشعر.
 أما بالنسبة إلى الأول:- فادعي بأنه المشهور كما جاء في الجواهر [2] ، ثم أضاف قوله:- ( بل لا أجد فيه خلافاً محققاً إلا ما سمعته من الخلاف ) . ومستند الحكم المذكور هو صحيحة زرارة المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك وإن أخذته من غير الحرم لم يجئك ، قال:- وقال:- لا ترمِ الجمار إلا بالحصاة ) [3] ودلالتها واضحة حيث قال عليه السلام:- ( وإن أخذته من غير الحرم لم يجزئك ).
 بيد أنه توجد قضيتان:-
 القضية الأولى:- ما المقصود من كون الحصاة من الحرم ؟ فهل يعني أنها لابد وأن تكون مخلوقة في الحرم ومتكوّنة فيه أو أن المقصود يعمّ ما إذا أتي بها من خارج الحرم وجعلت فيه كما لعله العادة الآن كذلك من قبل السلطات ؟ فهل يكفي هذا أو أنه لابد من أن نحرز أنه متكوّن في الحرم ؟
 وواضح أن المناسب هو الأول - يعني أن يكون متكوّناً في الحرم - وإلا فما يؤتى به ويوضع في الحرم لا ينتسب عرفاً إلى الحرم بمجرد الوضع فيه خصوصاً إذا لم تكن الفترة طويلة فالمدار إذن على أن يكون من نفس الحرم بمعنى أنه لم يُنقل إليه من خارج ، ولكن لابد من توسعة هذا إلى ما يشمل ما يشك في كونه كذلك فإن الحصاة في الحرم تارةً يجزم بأنها متكوّنة فيه ولعل هذه حالة نادرة - يعني إحراز كونها متكوّنة في الحرم - والحالة الثانية يشك بأنه أتي بها من الخارج وحالة ثالثة وهي أن يُجزم بأنه قد أتي بها من الخارج ، والمناسب تعميم الإجزاء للحالة الثانية ولا يقتصر على الحالة الأولى فإنه لا يمكن آنذاك الرمي بالحصاة لعدم إمكان أحراز أنها متكوّنة فيه وجزء منه بل لعل الأصول العملية تساعد على العكس فالمناسب إذن التعميم للحالة الثانية ونخرج الحالة الثالثة فتصير النتيجة هي أن المقصود من حصى الحرم هو ما كان في الحرم أعم من حالة إحراز كونه قد تكوّن فيه أو يشك في ذلك دون ما إذا أحرز أنه قد أتي به من الخارج فإن هذا لا يشمله عنوان حصى الحرم ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
 القضية الثانية:- إنه ينبغي أن نستثني من حصى الحرم حصى المسجد الحرام وحصى مسجد الخيف فهذان المسجدان هما جزء من الحرم ولكن لا يجزي أخذ الحصاة من هذين المسجدين ومدرك ذلك موثقة حنان عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلا من المسجد الحرام ومسجد الخيف ) [4] وهذا مما لا إشكال فيه للنص وإنما الكلام في أنه هل من المناسب التعميم لسائر المساجد الموجودة في الحرم باعتبار أنه لا فرق بين مسجدٍ وآخر ؟ فأخذ الحصى من المسجد هو بنفسه حرام فإنه جزء من المسجد فلا يجوز أخذه منه ، ومن هنا ذهب بعض إلى التعميم كالمحقق(قده) في الشرائع حيث قال:- ( .... لكن من الحرم عدى المساجد وقيل عدى المسجد الحرام ومسجد الخيف ) ، وعلّق في المدارك بقوله:- ( وألحق المصنف ومن تبعة بهما باقي المساجد لتساويها في تحريم إخراج الحصى منها ) [5] ، وقد صار إلى ذلك غير واحدٍ من الفقهاء أيضاً.
 ولكن يمكن أن يناقش:-
 أولاً:- من قال إن إخراج حصى المسجد منه شيء محرم ؟ فإن تخريب المسجد وتنجيسه لا يجوز وأما التراب الموضوع فيه فلماذا لا يجوز أخذه وإخراجه منه ؟! إن الحرمة تحتاج إلى دليل ومقتضى الأصل هو البراءة ، فالمناسب إذن هو جواز الأخذ من تراب المسجد وحصاه ولا محذور في إخراجه منه.
 إن قلت:- إنه جزءٌ من الوقف والتصرف في الوقف أمرٌ غير جائز.
 قلت:- هذا يحتاج إلى إثبات الصغرى والكبرى معاً ، يعني أوّلاً لا بد من إثبات أن هذا كان جزءاً حين الوقف ومن أين لك إثبات أن هذا كان كذلك ؟ بل في مثل مسجد الكوفة لا يوجد شخصٌ قد أوقفه حتى نقول هو أوقفه بترابه . مضافاً إلى أنه يُجزم عادةً بأن هذا تكوّن فيما بعد - يعني هذا هو مقتضى الوضع الطبيعي - لا أنه ذلك التراب الذي كان موجوداً أوّلاً [6] ، وعلى أي حال فالصغرى لابد من اثباتها ، مضافاً إلى الكبرى وهي أن نقول:- من قال إن التصرف في الوقف بالكامل لا يجوز ؟ نعم التصرف المنافي للوقفية لا يجوز وذلك بهدمه أو ما شكال ذلك أما مثل إخراج التراب منه فهذا أوّل الكلام بكونه تصرفاً منافياً للوقفيّة ؟! فحرمة إخراج التراب من المسجد هي أوّل الكلام [7] .
 وثانياً:- لو سلّمنا أن تراب أو حصى المسجد لا يجوز إخراجه منه ولكن لماذا يستلزم ذلك حرمة الرمي به ومن ثم بطلان الرمي المذكور ؟ إن إثبات البطلان وحرمة الرمي يحتاج إلى دليل والفروض أننا قلنا إن الإخراج محرّم وأما أن الرمي به يلزم أن يكون باطلاً فهذا يحتاج إلى مثبت.


[1] الوسائل، ج4 ص282 ب60 من المواقيت ح1.
[2] الجواهر ، ج19 ص94.
[3] الوسائل، ج14 ص32 ب19 من أبواب الوقوف بالمشعر ح1.
[4] المصدر السابق ح2.
[5] المدارك، ج7 ص440.
[6] ويقال:- إن تراب مسجد الكوفة أتى به السيد بحر العلوم حتى يسهل التطهير إذا أصابت النجاسة المسجد وذلك بإخراج التراب منه.
[7] ومن باب الكلام يجر الكلام أنه ولو جاء المكلف بحصاةٍ من المشاعر إلى بلده فهل يجوز أو لا ؟ نعم لا مانع منه بل عدم الجواز يحتاج إلى دليل.